مرأة

هل نحتاج إلى تطبيق تحرش آخر؟

"نحن نعتقد أن كشف وفضح هوية المتحرش أمر كفيل بردعه، ولكننا نشجع الضحايا إلى اللجوء للطرق القانونية كذلك"
IMG-20201129-WA0025 copy
الصور: Dare App

تتصدر كل من مصر والعراق والسودان الدول العربية عند الحديث عن ظاهرة التحرش اللفظي والجسدي. في مصر، يعاني قرابة 40 شخصًا من بين كل 100 في مصر من التحرش اللفظي، فيما يعاني قرابة 30 شخصًا من بين كل 100 من التحرش الجسدي. ويشمل التحرش النساء والرجال.

يتضمن  التحرش الجنسي الجسدي، المضايقات غير الأخلاقية باللمس المتعمد في الأماكن العامة أو وسائل النقل أو مراكز التسوق. أما التحرش اللفظي فيشمل إلقاء ألفاظ أو نكات مسيئة في الشارع أو أماكن العمل، قد تكون ذات إيحاءات جنسية أو تمييزية أو عنصرية.

إعلان

موخراً، نجحت الكثير من المؤسسات النسوية من خلال في الضغط على الجهات التشريعية في البلدان العربية لتشديد العقوبات على المتحرشين وتجريم التحرش، وإن كان ذلك لم يقلل من نسب التحرش بالضرورة، فلا يزال هناك خوف من الإبلاغ عن المتحرشين خوفاً من الفضيحة أو من ردة فعل عنيفة من قبل المتحرش، في بلاد لا تزال تلوم المرأة الضحية على العنف الموجه لها.

في محاولة لتغيير هذا الوضع، قامت عدد من الجهات باستخدام التكنولوجيا لصالح ضحية التحرش من خلال إطلاق تطبيقات خاصة تستهدف النساء بشكل خاص مثل تطبيق "منشوفوش" في المغرب وتطبيق "صديق الشارع" و"يا فضيحتو" في مصر، وتسمح للضحايا بإرسال بلاغات عن الحوادث التي يتعرضن لها، مع إرفاق صور للمتحرش وتحديد المنطقة الجغرافية التي حدث فيها التحرش، كما تضم بعض التطبيقات قائمة بصور المتحرشين وأسمائهم ومناطق تواجدهم لتنبيه النساء، وأخرى تشمل نصائح تتعلق بتفاصيل التعاملات القانونية في حال قررت الضحية الإبلاغ عن المتحرش.

وعلى الرغم من أنه لا يوجد أي دراسات تؤكد على دور هذه التطبيقات في تقليل نسب التحرش، إلا أن ذلك لم يمنع من انتشارها، وكان آخرها تطبيق Dare من مصر، والذي أطلقته دينا عيسى وزوجها عمرو خيري، زوجان في الثلاثينيات من عمرهما، يعيشان في الإمارات. هذا التطبيق الذي سيكون متاحًا بشكل مجاني على Google Play و Apple خلال شهر ديسمبر، الهدف منه بحسب دينا هو "إنشاء منصة تقدم خصائص متطورة بتصميم بسيط للمساعدة في مكافحة التحرش الجنسي سواء كان لفظيًا أو جسدياً أو إلكترونياً."

IMG-20201129-WA0024.jpg

تشير داليا أنها تعرضت وغيرها للتحرش خلال حياتها وزيارتها لمصر، والأمور لم تتغير للأفضل حتى الآن، ولهذا قررت أن تقدم بعض المساعدة بطريقتها لضحايا التحرش، وتضيف: "من الصعب الإبلاغ عن كل واقعة تحدث خاصًة في يومنا المزدحم بالمشاغل والأحداث، وحتى وإن حدث ذلك، من وجهة نظرنا نعتقد أنها لن تردع المتحرش نهائيًا لأنه لم يُفضح على نطاق واسع، ولهذا اخترنا طريقة الفضح في التطبيق إذ أن التكنولوجيا في وقتنا هذا هي الأسرع، الأسهل والأكثر قوة مقارنة بالطرق المعقدة والطويلة."

إعلان

التطبيق سيكون للنساء فقط، في المرحلة الأولى على الأقل، كما تقول دينا "نعلم أن النساء لسن فقط هن من يتعرضن للتحرش، لكن بالتأكيد لا يوجد مقارنة في نسبة تعرضهن إليه عن غيرهم." وتشير دينا أنه سيتم حجب الهوية لكل مستخدمي التطبيق لتشجيع المستخدمين على النشر بحرية دون القلق بشأن أي عواقب أو تتبع لشخصهم. "نحن نعتقد أن كشف هوية المتحرش أمر كفيل بردعه، ولكننا نشجع الضحايا إلى اللجوء إلى الطرق القانونية في الإبلاغ عن متحرش كذلك، التطبيق لا يقلل من أهمية البلاغ."

IMG-20201129-WA0023.jpg

ولكن ما الذي سيميز هذا التطبيق عن كل التطبيقات الموجودة أصلاً؟ يشرح عمرو أن Dare سيكون أكثر شمولاً وأماناً للمستخدمين ويضيف: "سيسمح التطبيق لأي إمرأة تواجه حادثًا بالتقاط صورة أو تسجيل مقطع فيديو للمتحرش ونشره على التطبيق. كما سيتمكن المستخدمون من عرض المنشور والتعليق عليه ومشاركته على منصات التواصل الإجتماعي عند الحاجة. وستكون جميع المنشورات مجهولة وذلك لضمان عدم التشهير أو المنشورات الكيدية."

ولكن هل حقاً الفضح هو الحل الأمثل للمتحرشين؟ تقول دينا وعمرو: "في وقتنا هذا، تستجيب أكبر وأقوى الجهات الحكومية، الشركات، والمنشآت الخاصة لصوت مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عند حدوث أي مشكلة ما أو خوفًا من الفضيحة. قوة مواقع التواصل الاجتماعي حاليًا لا يستهان بها ويتم التعامل معها بمنتهي الجدية، وكان علينا أن نستغل ذلك. أعتقد أن فضح المتحرش هو أكبر عقاب له. وحسب ما قرأت، وضح بعض مختصي علم الاجتماع والجريمة أن التشهير بالمتحرشين من أنجح الطرق للقضاء على هذه الظاهرة في وقت قياسي."

إعلان

لا دليل لدينا على صحة هذه المقولة، ولكن بلا شك أن هذه التطبيقات تبقى أحد الخيارات للعديد من النساء، حيث أن أجهزة الشرطة لا تزال "غير كفؤة" في التعامل مع قضايا الاعتداء الجنسي، كما أن إدارات الموارد البشرية في الشركات لا تحمي دائمًا الموظفين من ضحايا التحرش كذلك. كما يشير المعالجين النفسيين أن لهذه التطبيقات أثر نفسي إيجابي، كطريقة للضحايا للتواصل بطريقة آمنة، وليشعروا أنهم ليسوا لوحدهم. "عندما تشاهد أشخاص آخرين لديهم نفس التجربة، فإن ذلك يقلل حقًا من شعور اللوم والعار والعزلة التي تترافق مع العنف الجنسي."

ولكن على الرغم من الفائدة المفترضة لهذه التطبيقات، إلا أن هناك الكثير من نقاط الضعف، كما تخبرني داليا فكري، الكاتبة الروائية ومؤسسة مبادرة صرخة لمناهضة العنف ضد المرأة: "فكرة التطبيق جيدة لأن فيها إخفاء لهوية الناجية، لكن ذلك لن يكون ذو أثر فعال لأنه لن يُساعد في اتخاذ أي طريق قانوني للإبلاغ عن المتحرش." وتستشهد داليا بحالات تحرش واغتصاب حدثت خلال الشهور الماضية بدون معرفة هوية الناجيات، مثل مدونة "دفتر الحكايات" التي نشرت شهادات مُجهلة لفتايات تعرضن للتحرش الجنسي والاغتصاب على يد صحفيين، و"حادثة الفيرمونت" التي اغتصب فيها مجموعة من الشباب فتاة في فندق الفيرمونت الشهير بالقاهرة ولم يحدث أي تأثير فعلي، إلا بعد أن قام المجلس القومي للمرأة بالإبلاغ، وبقية القضايا ما زالت عالقة بعد أن ظلت ترندًا لفترة ثم اختفت. 

وتضيف داليا: "بخصوص التحرش أرى أن الأمر لا يجب أن يقف عند الفضح وحسب، الفضح لوحده غير رادع، نحن بحاجة إلى بلاغات حقيقة لردع المتحرشين، ولتحقيق ذلك يجب أن تقوم الناجيات بالتبليغ -إذا كان ذلك خيراً آمناً لهن - القانون هو الرادع الوحيد."

في مصر، صدرت في الفترة الأخيرة قوانين لحماية المبلغات تضمن سرية بيانات المجني عليهم وتقر الحبس أشهر لمن يفشي هذه البيانات والشهود، إلا أنه لم يتم تفعيلها بشكل عملي حتى الآن. ولهذا ترى داليا أننا بحاجة إلى ضرورة تفعيل قانون عدم الإفصاح عن بيانات المُبلغات لأن هذا هو ما سيشجع النساء على اتخاذ هذه الخطوة بجانب "وجود مكتب خاص بحقوق المرأة في كل قسم ضمن أجهزة الشرطة يشجع النساء على التبليغ ويحميهن من أي أذى."