7373015974_7fcfabff7c_k

فتيات يلوحن بإشارات النصر لمروحية خلال عرض عسكري في مدينة الزاوية الغربية بليبيا أقيم لإحياء الذكرى الأولى للثورة في ٢٠١٢، قبل أن تتحول لحرب أهلية. الصورة: الأمم المتحدة.

سياسة

كيف مرت ذكرى الثورة العاشرة على الليبيين؟

تحدث مع عدد من الشباب الذين تغيرت حياتهم تماماً بعد الثورة، وإن كانت آرائهم تتشابه في جزئية التشاؤم بما سيبدو عليه المستقبل

انقضى عقد كامل على الثورات العربية التي أطاحت بالعديد من الديكتاتوريات العربية في 2011، وأدت بدورها إلى قلب موازين السلطة في هذه البلدان وإحداث تغييرات في حياة العديد من مواطنيها. في ليبيا، بدء الحلم القصير في ثورة تحقق أحلام الشعب بالحرية والعدالة والكرامة قبل أن ينطلق فتيل حرب أهلية مُدمرة.

انطلقت الثورة في ١٧ فبراير قبل أن تتحول لـ تمرد مدعوم من حلف شمال الأطلسي وشهدت مقتل معمر القذافي، بعد ٤٢ عامًا في الحكم، وأصبحت البلد الغنية بالنفط فريسة للفصائل والجماعات المسلحة والسلطات المتنافسة والانقسام السياسي (بين حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت برعاية الأمم المتحدة عام 2016 وتتخذ من طرابلس مقرًا، وبين سلطة في شرق البلاد يديرها المشير خليفة حفتر).

إعلان

في الذكرى العاشرة للثورة، لا يزال ٧ ملايين ليبي يعيشون في ظروف سياسية واقتصادية صعبة ويعانون من انتشار الفوضى وانعدام الأمن وعدم توفر الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ودمار البنى التحتية، وانعدام الأمن مع انتشار الميليشيات والمرتزقة. هذا بالإضافة إلى الفساد المستشري، فحسب تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية "الإسكوا" فقدت فيها البلاد ما يقارب ال 783 مليار دينار ليبي، أي حوالي 576 مليار دولار امريكي وفقاً لسعر الصرف الرسمي.

وبحسب منظمة العفو الدولية، فالعدالة لم تتحقق حتى الآن لكل "ضحايا جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك القتل خارج إطار القانون والاختفاء القسري والتعذيب والتهجير القسري والخطف من قبل الميليشيات والجماعات المسلحة."

كل هذا الدم والانقسام تسبب في ظهور فئة متشائمة لم تعد تؤمن بأن الفرج قادم بعد كل هذه الشِدة. تحدثت مع عدد من الشباب الذين تغيرت حياتهم تماماً بعد الثورة، فمنهم من تبدلت أوضاعه المعيشية والمادية والنفسية بعد 2011 إلى الأسوأ، وآخرين وضعت الثورة علاماتها البارزة عليه فخلّفته نازحاً مهاجراً أو غريباً.

حسين، ٣٤ عاماً، طرابلس. صحفي ومصور فوتوغرافي، وهو يدير حساب سوداوي على فيسبوك، حيث يشارك أفكاره المتشائمة تُجاه مستقبل ليبيا.

إعلان

VICE عربية: ماذا تشعر تُجاه الذكرى العاشرة لإنطلاق الثورة في ليبيا في ١٧ فبراير؟ 
حسين:
لم يعد هذا التاريخ يعني الكثير لي، هو يوم عادي جداً، لطالما تمنيت بأن يكون لدينا عيد قومي حقيقي يجمع كل الليبيين، ولكن للآسف الانقسامات الحالية جعلت هذا احتفالاً مخصصًا لفئة معينة فقط.

في بداية الثورة قمت باستطلاع عن الهدف الأسمى للثورة، معظم الإجابات اعتبرت أن الإنجاز الأكبر هو القضاء على معمر القذافي، ولكن لم يكن هناك أي حديث عن ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية وتبادل السلطة السلمي. في ذلك الوقت رأيت هذا دليلاً على أن الثورة لن تنجح، رغم إيماني بها. الآن بعد عشر سنوات، أثبتت الطبقة السياسية فشلها وعدم قدرتها على إدارة البلد بشكل ديمقراطي.

كيف تغيرت حياتك بعد الثورة؟ 
الحقيقة- ورغم أن ذكرى الثورة هي حدث عادي بالنسبة لي الآن، ولكن لا شك فيه أن الثورة غيرت حياتي من ناحية فكرية واجتماعية وسياسية ..حسين اليوم ليس نفسه حسين الأمس. الثورة جعلتني أتعرف على عالم آخر، حتى عملي اليوم وشغفي بالتكنولوجيا واهتمامي بالتصوير والتوثيق الرقمي، كان من وراء التغيير الذي حصل بعد الثورة. قبل الثورة، كنا في ليبيا نعيش في دولة منغلقة، لا يعرف الناس في الخارج عنها شيء، ونحن كذلك لا نعرف ماذا يحصل خارج ليبيا.

الحنين إلى النظام السابق، هل هو حق مشروع؟ 
لنكن واضحين، الكثير من الليبيين فُرض عليهم هذا التغيير الثوري فرضاً، أي أنه لم يتم استفتاء الشعب أو الوقوف على مطالب الفئات الأخرى في المجتمع ليتم معرفة إذا كانوا راضين عن هذه الثورة أم لا. لقد جاء التغيير بشكل مفاجئ ولم يفهم الكثيرين ماهية هذه الحقبة الجديدة. لدي معارف من مؤيدي القذافي وكنت أسألهم: ما الذي يجعلكم مؤيدين له؟ وكانوا يجيبون ببساطة: نحن نريد فقط الأمن والأمان والرجوع إلى بيوتنا في وقت متأخر دون إيقافات عسكرية أو ميليشاوية أو نهب أموالنا وممتلكاتنا. الإنسان بعادته يحن للماضي، فما بالك إن كان ماضيه أفضل من حاضره.

إعلان

لو أتيحت لك الفرصة للمشاركة في الثورة مجدداً، ستفعل؟
شاركت في الثورة في بداياتها لأنني آمنت بها، ولكن اليوم أنا شخص مدني ولا أؤيد الحروب أو الثورات التي تتضمن حمل السلاح. لا أرى مستقبلًا واضحاً للبلد بعد الثورة، وأتوقع أن تستمر حالة الهروب الدائم من الانتخابات. تخيلي أن المراهق الذي كان عمره ١٨ سنة وقت الثورة، هو الآن في عمر الـ ٢٨ ولا زالت الزمرة السياسية نفسها في السلطة.

يُمنى، ٢٧ عاماً، طالبة قانون و نازحة داخلياً من منطقة وادي الربيع إلى وسط العاصمة طرابلس.

كيف تغيرت حياتك بعد الثورة والحروب التي شهدتها ليبيا بعد ذلك؟
لا يمكنني تجاهل التغيير الكبير الذي حصل بعد الثورة، والقضاء على نظام القذافي، التغيير صحي  وضروري- مهما كانت نتائجه. أنا اليوم مواطنة نازحة فقدت منزلنا في الحرب، وانتقلت مع أهلي للعيش في شقة مستأجرة في وسط البلاد، نحن نعافر كل يوم في تقضية حوائجنا اليومية كالطعام والشراب ودفع ثمن المواصلات والايجار، ناهيك عن عدم تمتعنا بأبسط الخدمات كالكهرباء أو الماء أو الأمن أو حتى أموال نستطيع الوصول اليها داخل حسابتنا البنكية بسبب نقص السيولة، طبعاً مع حالة الحرب الدائمة والمؤقتة التي أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية.

لم نعد قادرين على تحمل الوضع القائم بحجة أن "التغيير يريد صبراً عزماً وقوة" ولا بد أن ننتظر نتائج الثورة حتى يشيب شعر رأسنا. هذه الحجج تجعلني أشعر بالغضب. إلى متى علينا أن نصبر، لقد أكملت الثورة عامها العاشر، هل ننتظر للذكرى العشرين؟ 

يبدو أنك غير متفائلة بالمستقبل؟ 
الحقيقة التفائل والتشائم لابد أن يكونا في موضعهما الصحيح، المغالاة في الإثنين هو أمر غير صحي. نحن المتشائمون وصلنا إلى هذه المرحلة بسبب سنوات من الإخفاقات السياسية. أنا على الأقل اليوم أرى بأن التشائم أقل خطورة على الكثيرين من التفائل (اللامنطقي) والذي يرى الحياة وردية، ويمكن معالجة كل المشاكل بالقليل من الأغاني الوطنية والاحتفالات السنوية. لا يبدو أن هناك سيناريو واضح للمستقبل، ففي كل مرة يعاد فيها تدوير الوجوه القديمة بنفس الطريقة ونفس الخطط، لقد حفظنا وعودهم الكاذبة عن ظهر قلب. نحن نعيش في وضع مظلم ومجهول ولا نعلم متى ينتهي ومتى يطلع النهار.

إعلان

سليمان، 30 عامًا، من مصراتة. مقاتل سابق ضمن صفوف البنيان المرصوص (المنوطة بهم مهمة تحرير مدينة سرت من داعش) ومشارك في الحرب الأهلية الثانية سنة 2014.

كيف غيرتك الثورة؟ 
كمقاتل سابق كنت أطمح للتغيير ولكن بطريقتي الخاصة، في كل حرب شاركت بها، كنت أعتقد أننا نهزم المتربصين بهذا البلد (الدواعش والمفسدين) لم أكن أعلم بأنني أحارب أبناء بلدي. ولكن الفكرة هي أنه متى تعودت على الحرب لا يمكنك الهروب أو التنصل منها، فأنت منوط بمسؤولية كبرى تجاه وطنك، وأصدقائك الذين قضوا في ساحة المعركة. عندما شاركت في الحرب، لم أفكر للحظة أنها ستستمر لسنوات، اعتقدت أنها حالة مؤقتة وستنقضي.

بالرجوع إلى سؤالك. الحرب جعلت مني شخصاً سوداوياً، لقد أمضيت فترة العشرينات كلها في الحروب والتمزقات السياسية والصراعات الداخلية. اليوم أنا شخص مهزوم من الداخل، لا يمكنه التعويل على أي قيادي أو سياسي اليوم ليرجع لي ما خسرته في كل هذه الحروب. ورغم أنني في الوقت الحالي لا أعمل وليس لي مصدر دخل مستدام، ولكني توقفت تمامًاً عن المشاركة في أي حرب أو نزاع أو حتى عراك عادي في الشارع. يكفيني ما خسرته، ولن أقبل مجدداً بأن أجني أي أموال من خلال الحروب. 

فشلت الثورة في تحقيق تطلعاتك؟ 
لا أعلم معايير الفشل، فما يراه غيري نجاحاً أراه أنا فشلاً في حالات معينة، والعكس صحيح. ولكني أقر بأننا جميعاً لم نتوقع هذا المسار للثورة، لقد حاد كثيراً عن المتوقع. ببساطة، الثورة فشلت معي أنا بالذات، كوني لم أحقق أي إنجاز يذكر من بعد قيامها، لم أتمكن من مواصلة مسيرتي الدراسية بسبب وجودي في مناطق النزاع الساخنة، ولم أجد وظيفة مناسبة كوني لم اجتز امتحان اللغة الانجليزية، والذي كان مطلوباً في كل مكان- حتى إذا قدمت لوظيفة في محل لبيع الملابس. 

إعلان

ما السيناريو المتوقع لليبيا برأيك؟ وما الذي يمكن أن يتغير بشكل أفضل؟ 
طالما هناك نفط سيستمر أبناء هذه الأرض في القتال والصراع. لقد تحول النفط إلى نقمة وهو مصدر كل الشرور الآن. شئ واحد لربما يمكن أن يغير الوضع وهو التخلي عن الثروة النفطية أو فقدها أو نضوبها بشكل كلي، هذه الثروة كانت أكبر (نقمة) علينا، فلو كانت ليبيا دولة فلاحية أو صناعية تعتمد على موارد محدودة وغير قابلة للإحتكار، لكنا في وضع أفضل مما نحن عليه الآن.

هذا ما جعل إيماني بالثورة يقل يوماً بعد يوم، فحالة الكسل التي أحدثتها الثورة من وعود زائفة بأن نصيب الفرد من النفط سيكون بمئات الآلاف، وأن الليبيين سيعيشون مرفهين دون الحاجة إلى العمل، جعلت الليبيين يتوهمون بالعيش الرغيد دون بدل أي جهد. في تلك اللحظة أيقنت بأن الثورة تقدم (الوهم) للناس وتضعهم في صورة بعيدة عن الواقع. على الرغم من سوء الوضع، فإن فكرة تنظيم ثورة جديدة سيكون له معطيات جديدة ولربما أسوأ مما سبقها - فاليوم هناك ألف انقسام في ليبيا وليس كسنة 2011، وهذا ما سيجعل أي ثورة جديدة هي بمثابة كارثة جديدة. 

شهد، 27 عامًا، طرابلس. معيدة جامعية، ومتطوعة في منظمة للمجتمع المدني.

ما الذي تعنيه الذكرى العاشرة للثورة بالنسبة لك؟
لفترة طويلة كنت متفائلة بالتغيير الذي ستجلبه الثورة في نهاية المطاف، ولكن عندما يُمر يوم كهذا بدون كهرباء  وماء لمدة ست أو سبع ساعات، وأقف لساعات طويلة في طوابير بغية الحصول على وقود أو بنزين، كيف لي أن أحتفل بانجازات الثورة؟ الحقيقة، أنني آمنت بالثورة في بدايتها، وشعرت بأننا نتشارك في تحقيق الحلم والحرية والعدالة مع تونس ومصر، وأننا كبلد وشعب نستحق نظامًا أفضل، ولكن إلى أين وصل بنا الحال؟ الوضع سيء جداً، ومع ذلك، لا يزال لدي آمل وإن كان يتناقص. 

كيف أثرت الثورة على حياتك بشكل عام؟ 
أنا بطبيعتي شخص ثائر، أثور على الخطأ وأحاول دوماً التغيير. الثورة أثرت بشكل كبير عَلي كطالبة جامعية عاصرت الانفتاح الذي لاحق الثورة، خاصة نشاطات المجتمع المدني والحراك اليومي والفعال في الشارع. لقد كانت نقلة مهمة في حياتي وخاصة المعارض الفنية والأدبية والتشبيك المدني الذي كان غائباً طيلة فترة القذافي. 

هل تشعرين بالحنين للنظام السابق؟ 
الحنين للماضي هو حق مشروع، ومن حق الجميع أن يحن أو يطالب بالنظام الذي يراه مناسباً، وهذا هو أساس الديمقراطية، نحن عشنا فترة طويلة في ظل النظام السابق، وكما يتذكر أجدادنا وجداتنا أن أفضل الأوقات كانت في فترة المملكة الليبية والملك إدريس السنوسي، فالبعض قد يحن للماضي الذي يمثله القذافي. ولكن بالنسبة للجيل الشاب، النظام السابق هو المرجعية الوحيدة التي عشناها وعند المقارنة بالوضع الحالي، يبدو الأمر ميالاً لكفة الماضي.

ما الذي يمكن أن يتغير بشكل أفضل مستقبلاً؟ 
ما نأمله جميعاً هو وجود القيادة الرشيدة والحكم العادل في ليبيا- هذا حلم صعب التحقيق حالاً. ما أتمناه اليوم هو تحسين قطاع الخدمات، لا أريد أكثر من ذلك في الوقت الحالي. في الحقيقة يُحسب للقذافي أنه وضع خطة امنية محكمة للبلاد، ولكن في ذات الوقت كنا نعيش دون أرواح، دون فن أو نشاط مدني حر، وهذا ما يجعلني بعد كل هذه الإخفاقات للثورة أتمسك بدعمها والمشاركة فيها مراراً وتكراراً (في حال حدوثها مجدداً).