فيروس كورونا

الأطباء في العراق يتعرضون لاعتداءات جسدية وتهديدات عشائرية عند التعامل مع مصابين بفيروس كورونا

"نحن نضع أنفسنا مباشرة أمام الخطر لمساعدة المرضى وحتى لو عرضنا أنفسنا للمرض، وفي النهاية يتم الاعتداء علينا وضربنا"
IRAQ

“لقد غادرت المستشفى الآن، لقد تم تهديدي بالقتل،” هذا ما قالته لي الطبيبة حنين مهدي، 27 عامًا، عندما طلبت مقابلتها للحديث عن ما يعيشه الأطباء في العراق في ظل ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا. حنين كانت في طريقها إلى بيتها في بغداد، وهي تعمل في مستشفى القرنة العام في قضاء القرنة (شمال محافظة البصرة) حيث تعرضت للضرب من أحدى مرافقات مريضة لأنها طلبت منها إجراء فحص للتأكد من عدم إصابتها بفيروس كورونا. 

إعلان

“قامت هذه المرافقة بشتمي وضربي وتركت كدمات وخدوش على وجهي، لأنني طلبت منها اعطائي اسم المريضة بعد أن رفضت المرور بالإجراءات والفحوص المتعلقة بفيروس كورونا. نحن نقوم بتدوين كل شيء كإجراء قانوني يثبت أن المريض هو الذي رفض الفحص،” تشير حنين إلى أنها تقدمت بشكوى إلى مركز الشرطة، وقامت الشرطة بحجز المعتدية لكن خرجت بعد ذلك بكفالة مالية. والآن لدى حنين مشكلة أكبر، حيث أن عشيرة المعتدية هددتها بالقتل إذا لم تتنازل عن الشكوى: “لقد رفضت التنازل عن حقي. ولكن قوة العشائر في مناطق جنوب العراق أمر يعيق تطبيق قانون الدولة بصورة صحيحة، ويضع الكوادر الطبية تحت خطر التهديدات والاعتداءات اللفظية والجسدية بشكل يومي.”

ما تعرضت له حنين يأتي ضمن سلسلة من الاعتداءات يتعرض لها الأطباء عند إخبار المريض أو عائلته أنه مصاب بفيروس كورونا، وأحيانا يطلب من المرضى حجز أنفسهم بالبيت بسبب عدم توفر العلاج داخل المستشفى، وهو ما يرفضه الأهل مما يضع الأطباء في خط المواجهة مع المرضى وعوائلهم: “آخر مريض اخبرته انه مصاب بكورونا انهال على الأطباء بالشتم وأصر أن اعراضه هي حمى تيفوئيد وليست كورونا،” تضيف حنين.

وقد شهد العراق ارتفاًعا كبيراً في معدلات الإصابة بفيروس كورونا، حيث بلغ عدد الوفيات 4،868 فيما وصل المصابين بالفيروس في عموم محافظات العراق منذ فبراير إلى أكثر من 129,000 بحسب آخر الاحصائيات. ويعاني القطاع الصحي في العراق (الذي يحل في المركز 176 حسب منظمة الصحة العالمية) من جملة من المشاكل التي تتعلق بشح التمويل وتدني الأولوية الممنوحة للصحة في الموازنة الحكومية، وتهالك البنية التحتية ونقص أعداد العاملين من الأطباء والكوادر التمريضية، ما يجعله عاجزاً عن مواجهة تفشي وباء فيروس كورونا. ويشير أطباء إلى أن العديد من المصابين يرفضون الإفصاح عن مرضهم لأسباب اجتماعية وتجنباً للوصمة التي لحقت بمن تم الحجر عليهم صحياً، أو تهرباً من الخضوع للحجر الصحي في المستشفيات الحكومية. كما أن هناك قلة وعي ولامبالاة بمخاطر الفيروس.

إعلان

تعمل النقابة على مساعدة أعضائها بملاحقة المعتدين قضائيًا، ولكن يتعرض كثير من الأطباء إلى التهديدات العشائرية وذلك لاجبارهم على التنازل عن حقهم الشخصي

وعلى الرغم من محاولة الأطباء بذل جهدهم لتوعية ومعالجة المرًضى إلا أن الاعتداءات التي يتعرضون لها يجعل عملهم مستحيلاً وخطيراً. وهذا ما تأكد لي عندما قمت بزيارة مستشفى الفيحاء التعليمي في محافظة البصرة، لعمل مقابلة مع أحد الأطباء ولكن تفاجئت بإغلاق المستشفى لمدة ساعات بسبب اعتداء على أحد الأطباء بعد وفاة مريضة مشكوك في إصابتها بالفيروس في الطوارئ.

تواصلت مع الطبيب حسنين هادي، 27 عامًا، الذي تعرض  للاعتداء في المستشفى وروى لي تفاصيل الحادثة: “أتت إلى المستشفى سيدة وهي فاقدة للوعي (coma)، كان هناك شك بأن المريضة مصابة بفيروس كورونا قبل أن نجري لها الفحوصات، حيث كان نسبة الأوكسجين في الدم أقل من 70% وهذا دليل أنها حالة كورونا. توفيت المريضة بعد 15 دقيقة، بعد إعلان الوفاة، أتت مرافقة المريضة ومعها خمسة شباب وقالت لهم: "هذا الذي قتل أختكم." وما كان منهم أن هجموا عليّ وبدأوا بضربي ومزقوا ملابسي. للأسف هناك شرطة في المستشفى ولكن من دون سلاح، ولكنهم لم يتدخلوا في طرد المعتدين، بسبب خوفهم من تعرضهم للأذى من العشائر في تلك المنطقة.” يقول هادي أنه تقدم بشكوى ضد المعتدين ولكن تم أُطلاق سراح السيدة مقابلة كفالة مالية.

الاعتداء الذي طال هادي كان في أول يوم من مباشرته بالدوام بعدما كان في اجازة مرضية بسبب إصابته بالفيروس، وهو واحد من أكثر من ألف طبيب أصيب بالفيروس بحسب أرقام غير رسمية: “أشعر بالظلم والإحباط الشديد بسبب الاعتداء، نحن كأطباء نضع أنفسنا مباشرة أمام الخطر لمساعدة المرضى وحتى لو عرضنا أنفسنا للمرض، وفي النهاية يتم الاعتداء علينا وضربنا. أفكر بالخروج من البلاد بحثاً عن مكان أكثر أماناً.”

إعلان

نقيب الأطباء العراقيين، الدكتور عبد الأمير محسن حسين، يؤكد أنه “لا يمر يوم واحد من دون تعرض طبيب إلى اعتداء، وخصوصًا في محافظات ذي قار والبصرة وبغداد.” لم يسلم الأطباء العراقيين من التهديد او الاعتداء في عموم محافظات العراق، ولكن تزداد حدة الاعتداءات في المحافظات التي تغلب عليها الطابع العشائري، حيث أن تراجع سطوة القضاء وانتشار الميليشيات المسلحة جعل سلطة القبيلة فوق سلطة الدولة. ولم تستطع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003، حتى الآن نزع سلاح هذه العشائر، وتعجز عن تنفيذ أوامر قانونية وتكتفي بالدعوات إلى التهدئة.

عندما يتعرض أيّ طبيب للتهديد او للاعتداء داخل المستشفى، فإن الإدارة تلقي اللوم عليه فيما حصل، ولا تقف بجانب الطبيب

ويضيف حسين: “أصدر رئيس الوزراء العراقي ورئيس مجلس القضاء الأعلى توجيهات بتشديد الإجراءات الأمنية والقضائية تجاه المعتدين، لكن لم تترجم هذه التوجيهات بشكل جيد على أرض الواقع. وتعمل النقابة على مساعدة أعضائها بملاحقة المعتدين قضائيًا، ولكن يتعرض كثير من الأطباء إلى التهديدات العشائرية وذلك لاجبارهم على التنازل عن حقهم الشخصي، مما يضطر عدد من الأطباء إلى التنازل عن شكواهم في المحاكم، خوفاً على حياتهم وحياة عوائلهم.”

“أكثر من 20 ألف طبيب وطبيبة مسجلين في النقابة هاجروا إلى خارج البلاد بين 2003 و2018،” يقول حسين: “من أجل منع الأطباء السفر إلى الخارج، قامت الحكومة العراقية بعدم تزويد الأطباء وثائق تخرجهم من كلياتهم وعدم تزويدهم بأي وثيقة تثبت أنهم أطباء، بالإضافة إلى توقيعهم على كفالات بمبالغ كبيرة في حال تركهم العمل والهجرة للخارج. ولكن قد يقلل عدد المهاجرين ولكنه لا يحل المشكلة الأساسية بما يتعلق بظروف العمل السيئة.” وبلغ عدد الأطباء 0.83 فقط لكل ألف نسمة وهو أقل بكثير من الدول المماثلة في الشرق الأوسط. فقد بلغ العدد في الأردن على سبيل المثال 2.3 طبيب لكل ألف نسمة.

تشكو حنين من عدم تعاون السلطات الطبية عندما يتعرضون للاعتداء: "عندما يتعرض أيّ طبيب للتهديد او للاعتداء داخل المستشفى، فإن الإدارة تلقي اللوم عليه فيما حصل، ولا تقف بجانب الطبيب، ولهذا السبب، طلب عدد من الأطباء بتغيير جهة عملهم تجنبًا التهديدات العشائرية، بينما ترك قسم من الأطباء العمل في مجال الصحة، ومثلهم آخرون غادروا البلاد. وأنا تركت المستشفى خوفاً من حدوث اعتداء آخر، لن أعود هناك."