لبنان

انفجار مرفأ بيروت: ما هو تأثير انبعاث غازات نترات الأمونيوم على الصحة والبيئة؟

قد تتسبب نواتج الانفجار تهيج العينين والجلد، وسيعاني البعض من كحة وسعال. ولكن مادة الأمونيوم لا تبقى في الجو لوقت طويل
1596626258361-gettyimages-1227918743
Photo: Marwan Tahtah / Getty Images

فزع شديد أصاب مئات الملايين من البشر حول العالم في تمام السادسة مساء الثلاثاء 4 أغسطس 2020، حين انفجرت ما يفترض أنها 2،700 طن من نترات الأمونيوم كانت مخزنة داخل مرفأ بيروت في لبنان. ينتج عن انفجار نترات الأمونيوم كميات من أكاسيد النتروجين، وهو غاز منتشر في هواء المدن الملوث. من أجل التعرف على الأخطار البيئية لهذا الانفجار وما هي الإجراءات الوقائية للتعامل مع الحطام، تحدثت مع الدكتور وهبة فرح، مدير مختبر قياس نوعية الهواء بكلية العلوم جامعة القديس يوسف في بيروت.

إعلان

Vice عربية: كيف يشكل انفجار مرفأ بيروت خطرًا على الصحة والبيئة؟
د. وهبة فرح: نتج حادث مرفأ بيروت عن انفجار 2،700 طن من نترات الأمونيوم، وفقا للجهات المعنية. ونترات الأمونيوم هو مركب كيميائي له الصيغة الكيميائية  NH₄NO₃ يستخدم بشكل أساسي في صناعة المتفجرات المستخدمة في المناجم والإنشاءات الهندسية، ويستخدم أيضًا في تركيب الأسمدة الزراعية لاحتوائه على نسبة عالية من النيتروجين. عند تعرضه للشمس فإنه ينتج غاز الأوزون المفيد نسبًيا حال تواجد في طبقات الجو العليا، لكنه يسبب تسمم للإنسان والنبات على حد سواء إذا تواجد عند مستوى سطح البحر وطبقات الجو الدنيا. عند انفجاره فإنه يخلف غازات بينها ثاني أكسيد النيتروجين والأمونيا، والأول يُهيج العين والجلد ويُحدث مشاكل عدة في الجهاز التنفسي، كما أنه يسبب بعض أنواع السرطان.

وتعاني بيروت مثل المدن الكبرى حول العالم من ارتفاع نسب التلوث، وتتخطى نسب تلوث الهواء في بيروت الحدود التي تسمح بها -منظمة الصحة العالمية- وتعاني المدينة من ارتفاع نسب ثاني أكسيد النيتروجين في الهواء، وأضاف هذا الانفجار إلى المواد الملوثة المتواجدة في سماء بيروت. على سبيل المثال كان يبلغ متوسط نسبة غاز ثاني أكسيد النيتروجين بالهواء في بيروت خلال شهر أغسطس خلال السنوات الماضية ما بين 66 و88 ميكروجرام لكل متر مكعب، لكنه ارتفع إلى 100 ميكروجرام لكل متر مكعب في اليوم التالي لحدوث الانفجار. ولكن تركزت نسب تلوث الهواء في المنطقة التي تمتد على بعد بين 5 و10 كيلومترات من مركز انفجار مرفأ بيروت. شهدنا سقوط أمطار خفيفة على بيروت رابع وخامس أيام حدوث الانفجار -وهو شيء غريب، لأن شهر أغسطس ليس موسم سقوط أمطار على لبنان. هذه الأمطار مفيدة وسقوطها مُحبذ جدًا لأنها تنظف الجو من نترات الأمونيوم المنتشرة في الجو. كما أن اتجاه الرياح ساعد في حمل كمية كبيرة من الملوثات نحو البحر الأبيض المتوسط.

إعلان

ما هي الأضرار المباشرة لانتشار ملوثات الهواء على الصحة، وما هي الإجراءات الوقائية للتعامل مع الحطام؟
ثاني أكسيد النيتروجين ونترات الأمونيوم ملوثان يؤثران على الجهاز التنفسي بشكل مباشر، ولهما أضرار على جميع الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي أو مشاكل رئوية أو أمراض جلدية أو حساسية، لذلك فإن هؤلاء الأشخاص سيعانون من بعض المشاكل خلال الفترة التي تلي وقوع الانفجار. كما قد تتسبب نواتج الانفجار في تهيج العينين والجلد، وسيعاني البعض من كحة وسعال. ولكن مادة الأمونيوم لا تبقى في الجو بعد الانفجار بوقت طويل، لكن المشكلة هناك جزيئيات قد تعلق في المنازل والأسطح ولهذا يجب تنظيفها بحذر.

لقد نشرنا في كلية العلوم بجامعة القديس يوسف في بيروت بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اللبنانية ومنظمات أخرى بعض التدابير والإجراءات الاحترازية المرتبطة بأعمال التنظيف وإزالة الركام من أجل تجنب مشاكل صحية ناتجة عن تنشق الغبار السام وبعض المواد الضارة الأخرى. بالنسبة إلى تنظيف الحطام في الأحياء والمباني المتضررة يجب ارتداء كمامة عالية الفعالية والقفازات والأحذية السميكة ونظارات مغلقة، ويجب الانتباه إلى أن حطام الزجاج حتى لو كان صغيرًا جدا فيمكن أن يسبب مشاكل خطيرة، ويجب رش الماء بكمية كافية على الأسطح المراد تنظيفها لمنع إعادة تطاير الجزيئات والغبار وتكرار رش المياه مرارًا نظرا لارتفاع درجة الحرارة في أيام الصيف والتبخر السريع للمياه. كما يجب تغطية جميع وسائل نقل الحطام للتقليل من تطاير الحطام أثناء التحميل والتفريغ، إلى جانب اتخاذ تدابير الوقاية الأساسية لتجنب انتشار فيروس كورونا المستجد.

إعلان

هل ستؤثر هذه الانبعاثات الناتجة عن الانفجار على البلدان المجاورة؟
سيكون للانفجار تأثير على المنطقة بالكامل، فقد نتج عن الانفجار سحابة عمودية من الملوثات السامة تشمل غاز ثاني أكسيد النيتروجين والـ pm  وهو غبار سام، كما نتج عنه موجة أفقية انتشرت في جميع الجهات قرب سطح الأرض وكانت برتقالية اللون، وسبب هذا اللون هو أن بيروت مليئة بثاني أكسيد النيتروجين، وهو ملوث ناتج عن عوادم السيارات والمولدات الكهربائية التي تنتشر بكثرة في بيروت.  السحابة العمودية امتدت إلى دول مجاورة بالفعل، حيث أجرينا نموذج مماثل لهذه الموجة بكلية العلوم بجامعة القديس يوسف، وتأكدنا أن السحابة ستصل إلى الدول المجاورة، مثل سوريا والعراق والأردن والسعودية، لكننا لم نتأكد بعد إن كانت حملت معها بعض الملوثات أم لا. القياسات حتى الآن لم تكشف عن وجود نترات الأسيد في هواء لبنان، وهذا أمر جيد، لأنه ملوث قوي ويؤذي الرئة بشكل مباشر وله تأثير ضار وقوي على الجلد، وهو ينتج عند مزج ثاني أكسيد النيتروجين مع الماء، وينتج أيضًا عند انفجار نترات الأمونيوم.

هل تتوقع أن يصل التلوث للماء والمحاصيل الزراعية؟
تستخدم نترات الأمونيوم في تسميد الأرض الزراعية، فإذا تبعثرت النترات في الأرض بكميات قليلة فهو أمر مفيد وتساعد في عملية التمثيل الضوئي وتعطي الأشجار والمزروعات إخضرارًا أكثر من المعتاد، لكن انتشارها بكميات كبيرة شيء غير جيد وضار على الزراعات والمحاصيل الزراعية. حتى اللحظة لم نرصد مدى تأثير انفجار نترات الأمونيوم على المياه والثروة السمكية في لبنان، ولم نعلم بعد تأثيرها على مياه البحر أو المياه الجوفيه، لكنني أعتقد أن احتمالات تلوث المياه الجوفية سيكون ضعيفًا، لأنه لن يصل لها كميات كبيرة من نترات الأمونيوم الملوث. أؤكد أن نسب تلوث الهواء انخفضت إلى حد ما عما كانت عليه في البداية، والفضل لذلك يعود إلى الأمطار التي سقطت والتي قامت بعملية تنظيف للهواء.

أي أضرار بيئية خفية للانفجار؟
نحاول كعلماء ومتخصصين أن نرصد الأضرار المباشرة للانفجار ونطلق صافرات إنذار لتنبيه الحكومة والمواطنين من أجل اتخاذ اللازم،. حتى اللحظة هناك عدد من الجوانب والمجالات التي لم ندرس تأثير الانفجار عليها بعد، لأننا نعمل من مبدأ الأولويات. هناك تخوف على سكان المنازل القديمة التي تنتشر بكثرة في بيروت، ويستخدم سكانها ألياف الاسبستوس أو ألياف الأميانت، وهي مادة خطرة جدًا ومسرطنة، وبعد الانفجار تكشفت أجزاء كبيرة من هذه الألياف وزال غلافها الخارجي، لذلك فإن تأثيرها السلبي ازداد بشكل كبير جدًا. لذلك ينبغي على قاطني هذه المنازل الحذر أثناء تنظيف منازلهم والتواصل مع المعنيين لعلاج الأمر.

هل هناك إجراءات يتوجب على الحكومة اتخاذها للتخلص من الآثار البيئية للانفجار؟
فيما يتعلق بالإجراءات البيئية فإنه يتوجب على بعض الوزارات مثل وزارتي البيئة والصحة، تنظيم حملات توعية للمواطنين لتوضيح ما هي الملوثات المنتشرة في لبنان خاصة خلال هذه الفترة، وشرح أنواع الملوثات التي تخرج من كل مصدر وأضراره على الصحة والبيئة. أما الشق غير البيئي، فإنه ينبغي على الحكومة اللبنانية إنشاء إدارة للكوارث، فرغم أن لبنان يتعرض لكوارث على فترات متباعدة لكن الحكومة حتى اللحظة لا تملك أي هيكلة أو استراتيجية للتعامل مع الكوارث. أعتقد أنه يجب التنسيق بين القطاعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وإنشاء قاعدة بيانات للمتضررين بكل منطقة واحتياجاتهم.

-بحسب منظمة الصحة العالمية يبلغ الحد المسموح به سنويًا من ثاني أكسيد النيتروجين 40 ميكروجرام لكل متر مكعب، ولكن تبلغ نسب تواجده في لبنان ما بين 60 و90 ميكروجرام لكل متر مكعب في المتوسط (تختلف النسبة حسب الشهور).