مجتمع

طلاق السنة الأولى.. لماذا أصبح ظاهرة عربية؟

الأوضاع الاقتصادية ومواقع التواصل أبرز أسباب انهيار ما كان مفترضًا أن يكون "مشروع العمر" خلال الأشهر الأولى
طلاق السنة الأولى

احتلت مصر في العام الماضي المركز الأول في التصنيف العالمي لنسب الطلاق، التي ارتفعت من 7% إلى 40% خلال الخمسين عاما الأخيرة، ووصل عدد المطلقات إلى ثلاثة ملايين، فيما تصدر زواج السنة الأولى نسب طلاق عدد ليس بالقلق من الدول العربية ذات نسب الطلاق المرتفعة بالأساس. أسباب عديدة ونهاية واحدة يكتبها المأذون، وبينهما حكايات تكشف عن أسباب انهيار ما كان مفترضًا أن يكون مشروع العمر، في السنوات -وربما الأشهر- الأولى.

إعلان

وتشير الإحصائيات الى إن طلاق حديثي الزواج (من سنة إلى 4 سنوات) هو الأكثر إنتشارا في السنوات الأخيرة، حيث أشار رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن 35% من حالات الطلاق تكون في أول خمس سنوات من الزواج. ليست الإحصاءات فقط من يشير إلى ذلك؛ لكنها قصص عدة عكست انطفاء الوهج، وزوال الشغف، وغياب الرغبة في الاستمرار بعلاقة تَبين لأصحابها أن زوالها مبكرًا، أفضل من الإبقاء عليها لا تسمن ولا تغنى من جوع، تبدأ القصة دوما بمشهد ثابت، فستان أبيض، وبدلة أنيقة، وليلة تصدح فيها أغانى الفرح والهناء، لتنتهي القصة باثنين يجلسان متباعدين وثالثهما المأذون أو القاضي الشرعي، يكتب السطر الأخير في القصة القصيرة.

وهذا ما حدث مع شيرين عبدالله (24 عامًا) من مصر التي وجدت نفسها مجبرة على الطلاق دون مقدمات، وقبل أن يمر على زواجها عام ونصف؛ إذ أخبرها زوجها الذي يكبرها بأربعة أعوام، أن اختياره لها من البداية كان خاطئًا، وأنه خضع لرغبة أهله، رغم حبه لفتاة أخرى. استمعت شيرين لحديث ابن خالتها وهو يشرح لها، كيف أنه لم يعد يستطيع تحمل مزيدًا من معاناة الحياة المزدوجة، جسده مع زوجة لا يريدها، وقلبه مع فتاة أخرى يخشى ضياع فرصته معها بسبب زواجه. بكت شيرين في تلك الليلة كما لم تبك في عمرها، فى اليوم الثانى لم تحدث أمها ولا والدها، توجهت إلى منزل الخالة التي تعاملها كابنتها؛ ولم تقل سوى جملة واحدة"إبنك هيطلقنى عشان غصبتيه يتجوزنى وأنا مش عاوزاه."

9 أشهر، مرت على زيجة نهال وأشرف، حفل زفاف مبهج، سبقته خطبة استطاعت أن تقاوم أنواء الخلافات، وعواصف تقلبات العائلتين، لكن بعد 9 أشهر من الزواج لم يستطيعوا الاستمرار في هذه العلاقة. بدأت المشكلات بزيارة في التاسعة صباحًا، صبيحة ليلة الزفاف، فزع الزوجان على طرق الباب، ليجد أشرف (28 عامًا) والدته أمامه لأنها لم تتصور أن ابنها الوحيد يبيت بعيدًا عنها. نهال التي تَصغر زوجها بثلاث سنوات استوعبت ما حدث من حماتها في اليوم الأول "كنت فاكرة إن ده موقف وهيعدي، لكن للأسف اكتشفت إن كل اللي كنت خايفة منه في الخطوبة حصل." أشرف ابن وحيد، لأم لم تنجب سواه، لهذا تتحكم والدته في كل ما يخصه، حيث اختارت الأم الشقة وديكوراتها، وأثاثها، وحتى بعض ملابس نهال نفسها، كانت حماتها تشاركها في اختيار ألوانها، وكانت تقول لها: "أنا عارفة ذوق ابني أكتر منك."

إعلان

معتز (29 عامًا) انفصل عن زوجته إثر تفضيله لمشاهدة مباراة الكلاسيكو مع أصدقائه على المقهى، على أن يذهب معها إلى عزومة عائلية

لم تنقطع تدخلات الأم في حياة نهال، وتعدتها من زيارة في التاسعة صباحًا، إلى شبه إقامة دائمة، وسؤال مستمر عن أدق التفاصيل في علاقتها مع زوجها، وعن ذلك تقول نهال: "كنت حاسة إنى متجوزة حماتى مش إبنها." مشاكل عديدة وتدخل من أهل الزوجة لمحاولة عودة المياه إلى مجاريها، لكن الأمور جرت بما أرادت أم أشرف، فتم الطلاق.

الخيانة الزوجية من الأسباب التي برزت كأهم أسباب الطلاق المبكر، سواء كانت من طرف الزوج أو الزوجة، وهذا هو السبب الذي دفع نيللي (30 عامًا) لطلب الطلاق بعد أن اكتشفت خيانة زوجها لها على سريرها ومع صديقتها بعد 4 سنوات من الزواج وطفلين. الحنين لحياة العزوبية، مشكلة أخرى يعاني منها أغلب المتزوجين حديثًا. معتز (29 عامًا) انفصل عن زوجته إثر تفضيله لمشاهدة مباراة الكلاسيكو مع أصدقائه على المقهى، على أن يذهب معها إلى عزومة عائلية: "قالتلي أنا مش حاسة إني متجوزة، قولتلها وأنا مخنوق عشان حاسس إنى متجوز." تم الطلاق، وحاز معتز حقه في متابعة مباريات كرة القدم بحرية تامة، لكنه بعد فترة لم يعد يرى أن ما فعله كان ضروريًا: "أنا ندمت..لكن فات الأوان."

مسببات الطلاق لا تختلف في باقي البلدان العربية. منصور (37 عامًا)، مهندس عراقي الجنسية، يتحدث عن الوضع في بلاده التي تحتل المركز الثامن في نسب الطلاق عربيًا بما نسبته 22% بحسب احصائيات. منصور قرر أن ينهي حياته الزوجية بعد أقل من سنتين لأن زوجته كانت تحلم بالنموذج "التركي" للرجل (بالاشارة الى المسلسلات التركية التي تحوي الكثير من الرومانسيات) وأن الحياة الصعبة في العراق، جعلت الرومانسية بالنسبة للشباب العراقي من الرفاهيات." "كانت زميلتي، وتقاربنا، لم يكن للأمر علاقة بالحب، لكنه توافق شخصيات،" يقول منصور عن اختياره لزوجته والتي يصفها بعملية حسابية، تخضع لحسابات العقل، لكن هي كان لها شأن آخر: "كانت ترغب بحياة رومانسية وحب غير محدود، وأنا كانت تشغلني أشياء أخرى."

إعلان

في الإمارات، احتلت السوشيال ميديا وانشغال الزوجين بها، قائمة الأسباب التي أدت إلى رفع معدلات الطلاق إلى 4 حالات يوميًا، لتحتل المركز الخامس عربيًا والثالث خليجيًا في معدلات الطلاق. من بين المطلقات الإماراتيات، كانت نورا (27 عامًا)، والتي حكت عن ملابسات طلاقها بعد زواج لم يستمر أكثر من ستة أشهر. نورا التي تعمل في شركة طيران عاشت قصة حب قصيرة مع شريكها الذي يكبرها بخمسة أعوام، قبل أن يبلغها برغبته في الزواج منها، وافقت نورا وعائلتها، وبعد شهور قليلة، كاشفها برغبته في تركها للعمل، فتركته هو: "كنت واضحة معه منذ البداية بأنى لن أترك عملي، لكنى فوجئت به يصر على مطلبه، فلم أتردد في طلب الطلاق."

النماذج التى تطرحها الصفحات المختلفة ..اتجوزيه لو ..واتجوزها لو…هي أول أسباب الطلاق لأنها رفعت من طموح الزوجين في حياة لا يكفلها واقع تملأه الأعباء الاقتصادية والنفسية ولا تشبه العالم الإفتراضي

"الطلاق أسهل من الزواج،" تؤكد الدكتورة عزة العشماوي، أمين مجلس الطفولة والأمومة المصري، وتشير إلى أن المجتمع لم يعد يرفض الطلاق كما السابق، ولم تعد المرأة المطلقة أو الرجل المطلق محل انتقاد أو رفض، بل هناك العديد من الأبواب التي تُفتح لهم وتتقبلهم، وأصبحت الأسر تتقبل بسهولة أن تصير ابنتها مطلقة أفضل من أن تعيش في حياة مُكرهة عليها. تعدد العشماوي، أستاذ علم الإجتماع، أسباب الطلاق في البلاد العربية وتقول: "تأتي على رأس القائمة، الظروف الإقتصادية، والتى أضرت بالكثير من العلاقات في العامين الأخيرين، ثم حالة الخوف من الزواج، التى تنتاب البعض من فقد الحرية، أو الالتزام بشخص آخر، والتى إذا حاول البعض التغلب عليها مؤقتًا، فإن السنوات الأولى للزواج تمثل له عنق الزجاجة واختبار حقيقي لقدرته على المقاومة."

السوشيال ميديا من أهم أسباب الطلاق، كما تقول العشماوي، سواء في مصر أو في البلاد العربية، حيث حمّلت مواقع التواصل حياة الشباب، بالكثير من الحيوات الإفتراضية، والتي لا تشبه واقعنا العربي، ولا طبيعة الرجل والمرأة العربيين، مضيفة: "النماذج التى تطرحها الصفحات المختلفة ..اتجوزيه لو ..واتجوزها لو…هي أول أسباب الطلاق لأنها رفعت من طموح الزوجين في حياة لا يكفلها واقع تملأه الأعباء الاقتصادية والنفسية ولا تشبه العالم الإفتراضي."

ما الحل؟ في محاولة للسيطرة على نسبة الطلاق المتزايدة في الكويت، ناقش مجلس الأمة الكويتي مقترحًا بإلزام المقبلين على الزواج بالخضوع لدورات تثقيفية في مفاهيم الأسرة والعلاقات. وكما هو متوقع تم رفض المقترح، ببساطة، بناء علاقات زوجية ناجحة هو أمر أكثر تعقيداً ويحتاج إلى أكثر من مجرد دورات.