قصر القامة
جو في الوسط مع صديقاته ولا يبدو سعيداً بهذه الصورة.
رأي

كتاب حياتي يا عين ...كرجل قصير القامة

المهم أنني أتسع داخل مساحات صغيرة جداً. ما الفائدة من ذلك؟ لا أعلم

"بكرا ولادك بينتحروا عن السجادة من صغر حجمهم،" "بكرا ولادك بيتزلجوا بالثلاجة" بكرا ولادك، وبكرا، وبكرا…. كمية نكات وهضامة لامتناهية سمعتها عن قامتي - وقامة أولادي غير الموجودين - التي تبلغ 165 سنتيمتر. أنا رجل قصير القامة، والأمر لا يزعجني، ولكنني كنت موعود أن أتخطى هذا الطول خلال سنوات المراهقة "بعد بتطول اكتر من هيك" قالولي عندما كنت 14، ونفس الجملة تكررت على الـ 15 والـ 16. إلا أن الأمر لم يتحقق. أصبح عمري 27 عاماً، ولكن قامتي ما زالت 165 سم (تحية خاصة للوالدين على الجينات الحلوة).

إعلان

بصراحة، الأمر فعلاً لا يزعجني، ولا أمانع قامتي أبداً، ولكن هناك بعض المواقف المُحرجة (شخصياً أعتبرها مُضحكة) يتعرض لها كل شخص قصير. حاول مثلاً أن تلتقط غرض من الرفوف العليا في السوبرماركت، أو حاول أن تقف على كرسي من أجل تغيير لمبة المطبخ، قبل أن تكتشف أن المسافة بينك وبين اللمبة حوالي متر، فمتل الشاطر بتنزل عن الكرسي وبتلعن ساعة وجودك وبتنادي شقيقك الأصغر منك بالسن، ولكن أكبر منك بالحجم والطول أن يساعدك بذلك.

1570532100181-

حاول مثلاً أن تلتقط غرضاً ما من الرفوف العليا في السوبرماركت.

أوك… سأضع النكات جانباً. في الواقع، أظن أن الشخص قصير القامة يعاني في مواقف كثيرة، ولست أتكلم عن المعاناة من قصر قامته، ولكن عن نظرة الناس له وتعامله معه، فهناك في الواقع، تمييز على أساس الطول (Height discrimination)، أي التمييز ضد الأشخاص الذين تعتبر قامتهم خارج ما هو "مقبول" حيث أن التمييز ضد الرجل القصير يُعتبر من الأكثر شيوعاً. لا يوجد دراسة عن المعدل العالمي لطول الرجل المثالي، فالأرقام تتفاوت من دولة إلى أخرى، فمثلاً معدل طول الرجل في كندا هو حوالي 178 سم، ويرتفع الى 180 سم في ألمانيا، أما في السعودية، فينخفض الى 168 سم. في لبنان، المعدل هو حوالي 174 سم، أي أنني أقل من المعدل بـ 9 سم. ربما من الأفضل أن أهاجر الى الفلبين، حيث المعدل 162 سم.

أذكر حادثة في أحد الحانات في بيروت، عندما طلب مني الحارس أن أظهر له هويتي، وكنت الوحيد الذي تلقى هذا الطلب من بين أصدقائي، فسألته مازحاً: "ليش؟ لحيتي مش كافية؟" فردّ: "لا، ناقصك بعد كم سنتيمتر"

لا يسعني إلا أن أفكر بأن حياتي ربما لكانت أفضل لو كنت أطول… وكما يبدو، هناك دراسات تدعم تفكيري وتثبت أن طول الرجل له أثر مباشر على حياته، فقد أشارت دراسة نشرتها صحيفة واشنطن بوست إلى أن الرجل القصير فرصه الحياتية أقل، وذلك على أكثر من صعيد كالتعليم والدخل والمستوى الوظيفي. عبر التركيز على المتغيرات الوراثية التي تحدد الطول، إضافة الى قامة المشاركين، وجدت الدراسة أنه إذا كان الرجل محدد وراثياً ليكون أقصر بمقدار 3 إنش (7.6 سم) من رجل آخر، فإن الدخل السنوي للرجل الأقصر سيكون أقل بـ 1،600 دولار (133 دولار شهرياً).

إعلان

كما قد تتخيل، تعرضت للكثير من التنمر على مدى الأعوام، ولم يؤثر علي ذلك بشكل خطير، ولكنني أشعر بالانزعاج في بعض المواقف. أذكر حادثة في أحد الحانات في بيروت، عندما طلب مني الحارس أن أظهر له هويتي، وكنت الوحيد الذي تلقى هذا الطلب من بين خمسة من أصدقائي، فسألته مازحاً: "ليش؟ لحيتي مش كافية؟" فردّ: "لا، ناقصك بعد كم سنتيمتر." ضحكت، ولكن المزحة استفزتني قليلاً، بغض النظر عما إذا كان حقاً يمزح أم لا.

عاطفياً، رُفضت من قبل بعض الفتيات لأنني لست "النوع أو الخيار المناسب جسدياً" – جملة سمعتها مراراً وتكراراً، علماً أني شاب يُصنف بأنه لائق بدنياً. أنا مقتنع أني لست كريس هيمسوورث أو هيو جاكمان، ولكن أنا أيضاً مقتنع أني لست أحدب نوتردام، وأكبر دليل على ذلك هو أن الماما دائماً تذكرني بأني أجمل شاب في العالم… والماما لا تكذب. بالتالي، المشكلة أكيد ليست من حجمي الأفقي أو معالم وجهي (أتأمل)، بل حجمي العمودي، على الأرجح.

الشباب طوال القامة يتمتعون بشعبية أكبر بين النساء. وهذا ليس رأيي ورأي صديقاتي، فقد أشارت دراسة نشرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة إلى أن الرجل طويل القامة - فوق الـ 188 سم - يتزوج بنسب أعلى، من نساء متعلمات وأكبر سناً منه. أما الرجل القصير، من جهة أخرى، فيتزوج بنسب أدنى ومن نساء أقل تعلماً وأقل سناً منه.

1570532340651-Bonus-image-copy

أهم ميزة هي أنني أتسع داخل مساحات صغيرة جداً.

تمام، ابتكروا كعب عالي للرجال أو بعد؟

لا أريد أن أكون سلبياً، فهناك بعض الإيجابيات والمزايا لكوني شاب قصير القامة، مثلاً يمكنني النوم على سريري بالطول أو بالعرض، كما يمكنني أن أتفادى أغصان الأشجار لأنني لن أصل الى مستواها بأية حال. الصف الثاني من المقاعد داخل أي سيارة هو بمثابة صالون، وقد أبدو أصغر سناً مما أنا عليه. أما أهم ميزة، فهي أنني أتسع داخل مساحات صغيرة جداً… ما الفائدة من ذلك؟ لا أعلم، ولن أعكر مزاجي بمحاولة الإجابة على هكذا سؤال استفزازي.