سياسة

احتجاجات العراق في يومها السابع: اعتقالات للناشطين وتعتيم إعلامي

على مدار 15 سنة، كان العراق في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم
عراقي

الصورة من تويتر

"إيران بره بره، بغداد تبقى حرة." بهذه العبارة ردد الآلاف العراقين المحتجين في بغداد وبقية محافظات العراق، منذ الاول من اكتوبر مطالبين بالحقوق الأساسية التي سبق أن طالبوا بها من قبل في تظاهرات الأعوام السابقة، وهي فرص العمل، تحسين الخدمات، والرعاية الصحية، ومكافحة الفساد.

وقد بلغ معدل البطالة في العراق للشباب الذين تتراوح أعمارهم (15-24) إلى 18% فيما ترتفع نسبة البطالة بين فئة الشباب الذين لديهم تعليماً عالياً. ويعد العراق من أكثر دول العالم شباباً، حيث أنّ نحو 50% من سكان العراق الـ 37 مليون هم تحت 19 عاماً. ويعتبر توفير فرص للعاطلين عن العمل مطلباً رئيسياً لجميع الإحتجاجات الشعبية التي شهدها العراق. كما احتل العراق المرتبة الـ168 من بين 180 دولة عام 2018 بحسب تقرير "منظمة الشفافية الدولية". وعلى مدار 15 سنة على التوالي، كان العراق في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، حيث حصل العراق على 18 درجة من أصل 100 في ترتيب الدول "الفاسدة"، بعد أن نخر الفساد في جسد المؤسسات الحكومية.

إعلان

هذا الوضع الإقتصادي السيء في دولة منتجة للنفط، جعل العراقيين يخرجون بالآلاف بتظاهرات عارمة عمت مناطق مختلفة من العراق للمطالبة بحقوقهم الدستورية، مثل فرص العمل، والخدمات، والصحة، والقضاء على الفساد في مؤسسات الدولة. هذه الإحتجاجات ليست الأولى، فقد شهدت العراق طوال السنوات الماضية احتجاجات ومطالبات بتغيير الوضع القائم والقضاء على الفساد، إلا أن ما يميز هذه التظاهرات، هي مطالبة المتظاهرين بـ"إسقاط النظام" بعد أن عجزت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 في تلبية حاجات الشعب. ولكن الحكومة العراقية ردت على هذه الاحتجاجات بالكثير من العنف، حيث وصل عدد القتلى إلى 104 وأكثر من 6،000 جريح، حسب تصريح سعد معن، المتحدث الرسمي باسم العمليات المشتركة.

"وصلت حدها" عبارة يرددها العراقيون بكثرة في حياتهم اليومية، وتأتي بمعنى "لقد بلغ السيل الزبى" عندما تبلغ الأمور إلى حد لا يمكن السكوت عليه، فينفذ حينها الصبر. #وصلت_حدها هو وسم انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلقه ناشطون دعوا فيه الناس الى المشاركة الفاعلة في التظاهرات، التي انطلقت في بغداد، وتوسعت رقعتها لتشمل بقية محافظات العراق الاخرى، مثل البصرة، والناصرية، وميسان، وكربلاء والنجف وبابل وواسط والديوانية. أما في المحافظات التي لم تشهد تظاهرات في العراق، وهي تلك التي تحررت من تنظيم داعش في يوليو 2017، مثل محافظة الانبار وصلاح الدين وكركوك والموصل يتظاهر عدد كبير منهم "اونلاين" وذلك خوفاً من التهم التي تلصق بهم حال نزولهم إلى الشارع والتظاهر.

وسائل التواصل الاجتماعي مهمة جداً في ايصال صوتنا للعالم، ولكن يواجه مستخدمو الانترنت تهديدات مستمرة، رسائل التهديد التي تعرض لها الناشطين تقول لهم (عدنا أسماءكم أين تسكنون انتم وعوائلكم)

إعلان

وقد مرّ أكثر من 100 ساعة في العراق على انقطاع خدمة الانترنت، حيث قطعت السلطات العراقية خدمة الانترنت في معظم محافظات العراق وذلك في خطوة لحجب التواصل بين المتظاهرين أو نشر مواد تخص المظاهرات. كما قامت الحكومة بحظر التجوال التام للأفراد والمركبات في عدد من المحافظات العراقية، وذلك في مسعى لتفرقة المتظاهرين وتهدئة الأوضاع، إلا أن ذلك الحظر لم يؤثر على استمرار التظاهرات في الوقت الذي دعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، قد دعا الحكومة العراقية إلى الاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة تحت إشراف أممي.

تحدثت VICE عربية مع عدد من المشاركين في التظاهرات، وسألناهم عن الجهات التي تقود التظاهرات فقالوا لنا "إنها تظاهرات عفوية ولا تتبع جهة سياسية كانت أو حزبية، وتم الاستعداد لها خلال أيام والتنسيق عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأهمها فيسبوك."

وفي محاولة لإسكات قنوات إعلامية قامت بتغطية هذه التظاهرات، اقتحمت قوة عسكرية مبنى قناة NRT عربية في بغداد وحطمت جميع معدات البث واعتدت بالضرب المبرح على موظفيها. أحد العاملين في القناة تحدث لـ VICE عربية، بعد رفضه كشف اسمه لأسباب أمنية قائلاً: "قوة عسكرية كانت تقود سيارات رباعية الدفع بملابس عسكرية اقتحموا المبنى واعتدوا علينا بالضرب وكسروا اجهزة البث للقناة، وأغلقوا المقر بالقوة. القوة التي دخلت للقناة هي ميليشيات، بزي عسكري، وهي التي استهدفت بقية القوات مثل قناة دجلة ومكتب قناة العربية الحدث في بغداد."

الأمر ينطبق أيضاً على وسائل التواصل الإجتماعي، حيث أكد حيدر حمزوز، مؤسس والمنسق العام للشبكة العراقية للإعلام المجتمعي (أنسم) في اتصال هاتفي على تعرض ناشطين للتهديد: "وسائل التواصل الاجتماعي مهمة جداً في ايصال صوتنا للعالم، ولكن يواجه مستخدمو الانترنت تهديدات مستمرة، رسائل التهديد التي تعرض لها الناشطين تقول لهم (عدنا أسماءكم أين تسكنون انتم وعوائلكم)." وأضاف حمزوز: "أي شيء يكتبه الناشطون يتم رصده من قبل جهات وأحزاب لا تريد أن تستمر التظاهرات. لهذا أنصح كل متظاهر أن لا يشارك أي صورة أو فيديو فيها خطر على حياتهم أو حياة المتظاهرين، وأن لا يعلنوا عن أماكن تجمعاتهم أو مواعيد انطلاق التظاهرات لكي لا يتم استهدافهم."

إعلان

كما التقت VICE عربية بأحد الشباب من محافظة الأنبار (غرب العراق)، والذي رفض ذكر اسمه خشية تعرضه للاعتقال، وقال: "لدى جهاز الأمن الوطني قائمة بأسماء الأشخاص الذين ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي حول التظاهرات، وتم اعتقال 3 منهم في الانبار، وهم أصدقائي، وقد تعرضوا للضرب المبرح واتهموهم بأنهم إرهابيين، فقط لأنهم عبروا عن رأيهم بحرية مطالبين بفرص عمل وحياة كريمة." وأضاف: "كل شخص ينشر على مواقع التواصل أي شئ يدعم التظاهر، يتم اعتقاله، وبدون أمر قضائي، كما أن نقاط التفتيش في محافظة الأنبار المؤدية الى بغداد، تقوم بإعتقال كل من يشكو فيه رجال الأمن انه ذاهب الى بغداد للمشاركة في التظاهرات."

نحن لا نعرف من هي الجهة التي تدير محافظة الموصل، والى من تتبع، ولهذا نخشى التظاهر حتى لا تُلصق بنا تهم مثل أنتم داعش أو بعثية أو ممولين من جهات خارجية

في المحافظات التي لم تشارك في التظاهرات، يحاول الناشطين دعم المظاهرات بطريقتهم، ولكن هناك تخوف من المشاركة في المظاهرات على أرض الواقع. "نحن لا نعرف من هي الجهة التي تدير محافظة الموصل، والى من تتبع، ولهذا نخشى التظاهر حتى لا تُلصق بنا تهم مثل أنتم داعش أو بعثية أو ممولين من جهات خارجية،" تقول تهاني صالح، 30 عامًا، وهي ناشطة مدنية من محافظة الموصل وتضيف: "وضعنا في الموصل حرج جداً، هذا لا يعني أننا لا نتمنى التظاهرات فعلياً، ولكن نريد أن نحافظ على مدينتنا التي عانت الكثير منذ زمن داعش، نحن مع المتظاهرين في بقية المحافظات، وندعمهم من خلال متابعتنا لهم أول بأول."

في خطوة لاحتواء الأزمة وغضب المتظاهرين، أعلنَ رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي حزمة قرارات عاجلة منها ما يعالج أزمة السكن والبطالة في العراق، وتخصيص رواتب شهرية لذوي الدخل المحدود، وغيرها من القرارات، كما ذكر عبد المهدي ضمن قراراته بأن القتلى من المتظاهرين والأجهزة الأمنية "شهداء" شاملةً إياهم بالمنح المخصصة لعائلات الشهداء بموجب القانون العراقي. وتعهد بتقديم الخدمات الصحية للجرحى والتكفل بنفقات علاجهم. ورغم حزمة القرارات هذه، فلا يزال العراقيون يتظاهرون بعد ان فقدوا الثقة بالسلطة، رافعين سقف المطالب، ومنها "إسقاط النظام."