مصر
تصوير آية عبد الرحمن
موسيقى

مقابلة مع عازف الكمان المصري أحمد منيب

يعتمد مشروعي الموسيقي على أخذ أقوى شيء من كل شيء

أحمد منيب، 30 عامًا، عازف كمان مصري شاب، يتمتع بموهبة أهلته لخلق تجربة موسيقية مختلفة في مصر، موطنه الأصلي، وفي ألمانيا، حيث يقيم منذ سنوات لدراسة الموسيقى، وحيث حصل على الماجستير في الموسيقى الكلاسيكية من جامعة ميونيخ عام 2016، ثم الماجستير في موسيقى الجاز عام 2019، ليصبح أول مصري وعربي يجمع بين هاتين الشهادتين.

بدأ أحمد منيب مشروعًا موسيقيًّا متميزًا عام 2015، بالتعاون مع الطبيب وعازف البيانو والمؤلف الموسيقي، محمد فؤاد، 28 عامًا، وأسسا فرقة "فؤاد ومنيب" المصرية. وفي مطلع 2019 أسس "أحمد منيب باند" بألمانيا، ليقدم في مشروعيه مقطوعاتٍ موسيقية فقط Instrumental music، دون كلمات، وهو فن له جمهوره في الغرب، ولكن في الشرق يختلف الأمر، فثقافتنا المتعلقة بالأغاني تجعل كل مقطوعةٍ تحديًا للموسيقيّ الشاب، الراغب في جذب الناس لفنٍ يطلق مشاعرهم، دون أن تحاصرهم الكلمات بإحساسٍ معين. تحدثت Vice عربية مع أحمد منيب عن تجربته الموسيقية، في الوطن العربي وأوروبا.

إعلان
1574757313777-CU1B6697-2-copy

Vice عربية: لديك تجربة لافتة في مزج الموسيقى الشرقية بالجاز، كيف كوَّنت هذه الرؤية الفنية؟
أحمد منيب: الموسيقى الشرقية لحنية بامتياز، تعتمد على ميلودي واحدة ترددها كل الآلات، كأغاني أم كلثوم، ورغم جمال اللحن فلديّ خلفية كلاسيكية لا تغفل الهارموني، بمعنى أن تعزف كل مجموعة آلات خطًّا لحنيًّا يختلف عن الآلات الأخرى، كالأوركسترا، لكنها تتكامل معًا في وجبة دسمة تُشعر المستمع بالثراء والارتواء. يعتمد مشروعي الموسيقي على أخذ أقوى شيء من كل شيء، أستلهم الألحان الشغوف الدافئة من الموسيقى الشرقية، وأستلهم هارموني الجاز الثرية بالارتجالات ومساحات التجربة، وينطلق ألبومي الأول في 3 ديسمبر ليعكس هذه الرؤية بعمق.

1574757902808-ahmed-mounib-Cd-cover

صورة غلاف الألبوم.

في مصر تقدم لونًا مختلفًا أيضًا، وآلات غير مألوفة، ففي حفلات "فؤاد ومنيب" الأخيرة سمعنا صولو بآلة الكونترباص مثلًا.
أحب أن أُسْمِع جمهوري شيئًا غير متوقع ولا معتاد. الكونترباص آلة جميلة ومظلومة، وجزء مهم من الأوركسترا بغيابها تشعرين بفراغ اللحن، وإخراج لحن شرقي دافئ منها يحتاج عازفًا متمكنًا مثل زميلي كريم قطب، الذي شرف حفلاتنا في ربيع 2019، وعزف صولو أبهج الجمهور وأعجبهم. كررت التجربة مع فرقتي بألمانيا، ولكن صولو الكونترباص استلهم موسيقى الجاز في مقطوعة شرقية لفتت الأنظار أيضًا.

إذن تقدم موسيقى شرقية للغربيين، وموسيقى غربية للشرقيين، هل هو مجرد سعي للاختلاف؟
بل سعي للانطلاق، ولتذويب الحواجز بين الثقافات. الروح الشرقية في موسيقتي تُدمج الأوربيين بثقافتنا وتعكس لمحة من فننا وحضارتنا، وتواجه صورتنا النمطية السلبية بالخارج. وفي مصر أحب إثراء المستمع بموسيقى حرمته منها ثقافة "الجمهور عايز كده"، التي تنتصر لأعمال تجارية على حساب التنوع. عندما أعدت توزيع مؤلفة فؤاد الشهيرة Lost، أضفت كادنزا (فقرة موسيقية دون مصاحبة باقي الآلات) معقدة، تكنيك غربي غير مألوف للمستمع المصري، لكنها نجحت وأصبحت من مفضلات جمهور "فؤاد ومنيب".. رأيي أن "الجمهور عايز كل حاجة"، ويستحق فنونًا مختلفة تُمَتّعه، والمزج بين الشرقي والغربي ساحر جدًّا بالنسبة إليَّ. كما أؤلف موسيقتي وفي ذهني حلم تقديم الموسيقى التصويرية، وأن أقدم مقطوعاتٍ تعكس صورة في ذهن المستمع، وكأنه يرى فيلمًا.

إعلان

كيف تصل لجمهورك بتلك الرؤية المختلفة؟
أجذب الناس بمؤلفاتي، أو بـ Covers الأغاني المحبوبة. قد لا تكون الموسيقى أول اهتمامات البعض، لكن إذا سمعوا موسيقى يحبونها يندمجون مع أخرى. ولدي تجربة مع موسيقى لعبة PUBG، إذ أعددت فيديو مختلفًا بالجرافيك جذب الآلاف للريمكس الشرقي، وأصبحوا جمهورًا أعتز به. أمَّا في ألمانيا فقد قدمت أولى حفلاتي باسم Arabian Jazz Project وجذبت جمهورًا كبيرًا حتى امتلأت القاعة عن آخرها، لأن الناس هنا مهتمون بمعرفة ثقافة الوافدين الذن يعيشون معهم، خصوصًا بعد هجرة السوريين إلى ألمانيا. أنا أتواصل مع العالم بالموسيقى، في الفرح والحزن، ورغم تذمر البعض من فيديوهات أنشرها بعد حادث إرهابي مثلًا، فإنني أرى الفن ضروري لتجاوز القبح والصعاب، كما هو ضروري للبهجة والاحتفال.

ما الذي أغراك بتجربة "فؤاد ومنيب"؟
طالما أردت التعاون مع موسيقيّ هاوٍ، ورصد تفاعله الفطري دون درايةٍ بقواعد الموسيقى.. إنه أمر مثير للفضول! حين استمعت لفؤاد أول مرة استغربت تميز موسيقته رغم عدم دراسته، ورأيي أن الموسيقى لا يجب أن تُحسب بالورقة والقلم، أو نتفنن في تعقيدها لنثبت مهارتنا، فهذا ينفر المستمع ويجعلها عملًا تجريبيًّا، وهو شجار متكرر مع أصدقائي الأكاديميين، لكني أنحاز لإثراء المستمع وإمتاعه، ولا أتعالى على أي تجربة.

ماذا يمنع الموسيقى الشرقية من التأثير عالميًّا كاللاتينية وغيرها؟
غياب المشروع. كمصريين -على الأقل- لسنا مهتمين بتوصيل صوتنا للخارج، وقد قابلت صانع كمان ألماني حدثني عن موسيقى الراي، وموسيقى المغرب العربي بطلاقة، وسألني: "أين موسيقتكم المصرية؟"، أوجعني سؤاله، وجعلني أتساءل عن مشاريعنا العالمية. نحن نتفاعل مع جمهورنا ونتجاهل حياةً ثريّة خارج حدودنا. أحلم بكسر هذا، أحلم بعزف موسيقتي حول العالم، وأجد مستمعين بانتظارها في كل مكان. وأتطلع لتجربة إبراهيم معلوف، الذي أحدث تجديدًا عظيمًا في آلة الترومبيت جعله من أهم الموسيقيين بالوطن العربي وأوروبا.

إعلان
1574757688740-CU1B6596-2-copy

برأيك، ماذا تحتاج لتصبح عازفًا عالميًّا؟
ضربة حظ وShow (يضحك). بصدقٍ، أومن بتأثير كرة الثلج التي تكبر بالوقت والتجارب.. فأعمل دون توقف، وتكاد مساحة الاستمتاع بحياتي تختفي لانشغالي بالموسيقى، لكن التعب يهون أمام مشروع صادق يصل للناس ويلمسهم. هي مسألة وقت وإيمان، وقت أستثمره في تطوير موسيقتي والانطلاق بها، وإيمان بمشروعي يهزم الشك والإحباط.

الربابة من تجاربك الموسيقية المهمة، لماذا تجذبك هكذا؟
أحب التجارب الجريئة كما أخبرتك، وقد خطرت الربابة ببالي يومًا فجربتها مع "فؤاد ومنيب"، ثم مع أوركسترا ميونيخ للإيقاع والوتريات، وفوجئت بصدى هائل عند الجمهور الألماني، وأخبروني أني أبكيتهم! بعدها عزفتها في حفلٍ شهيرٍ بأوبرا عمان، ومع الموسيقيّ هشام خرما. قبل أسابيع نادتني الربابة لمقطوعة مع البيانو، ثم أضفت أصوات أوركسترالية فاجأتني بنتيجتها. قريبًا أطلق مغامرة موسيقية جديدة.. مقطوعة بآلة الربابة بمصاحبة أوركسترا غربية، ربما تصبح نواةً لمشروع مختلف.

1574757805175-CU1B6618-copy

حدثنا عن مشاريعك القادمة.
أوقفنا حفلات "فؤاد ومنيب" في 2019 لنوزع مؤلفاتنا للأوركسترا، وسنعود في 13 فبراير/شباط القادم على مسرح مكتبة الإسكندرية بشكلٍ مختلفٍ.. هذا خبر حصري لكِ. أمَّا في ألمانيا فأخوض حاليًّا جولة فنية مع الموسيقي الألماني الشهير كونستانتين فيكر، والتي امتدت لستة أشهر و26 حفلًا في ألمانيا وسويسرا والنمسا، عزفت فيها كصولويست وقائد أوركسترا. وفي ربيع 2020 أبدأ جولة مع (أحمد منيب باند) من مدينة أوجسبورج، في خطوة جديدة لمشروعي.. كما قلت لكِ، تأثير كرة الثلج.