التقينا بالشيخ هادي العريضي، رئيس اللجنة الدينية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين، والمسؤول عن كلية الأمير السيد عبدالله التنوخي (ق) الجامعية للعلوم التوحيدية في منطقة عبيه الجبلية في لبنان. وذلك في مكتبه بمقر الكلية التي تقع بالقرب من مقام الأمير السيد جمال الدين عبدالله التنوخي (ق)، والتي حقّقت إنجاز غير مسبوق بحصولها على الترخيص مؤخرًا، وتسعى إلى المباشرة بالتدريس قريبًا. حضرت وفي جعبتي أسئلة وردتني من متابعي موقع VICE عربية، فاستقبلني الشيخ ورحب بالإجابة عنها جميعًا.
VICE عربية: من هم الموحدون الدروز؟
الشيخ هادي العريضي: بداية في هذا الشهر الفضيل نسأله سبحانه وتعالى أن يمن على الإنسانية جمعاء بالخير واليمن والبركات والمحبة والسلام، وكل عام وأنتم بخير. إنّ مذهب التوحيد هو أحد المذاهب الإسلامية، وليس دينا منفصلاً؛ فإنّ الدين عند الله الإسلام. وهذا المذهب له خصوصيته كغيره من المذاهب الإسلامية، ويؤمن الموحدون الدروز بالله سبحانه وتعالى الواحد الأحد، خالق السموات والأرض، وبالملائكة والرُسل والأنبياء، قال تعالى: {قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. كما يؤمن الموحدون باليوم الآخر، و بالقضاء والقدر أنه عدل جار من الله تعالى. فهنا نرى نقاط التشابه مع المذاهب الإسلامية الأخرى. إضافة إلى أنّ كل أركان العبادات مفروضة عند الموحدين الدروز من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج لمن استطاع إليه سبيلاً. وغاية هذه العبادات أن ترتقي بالموحد الى استشعار الله سبحانه "أن تعبد الله كأنك تراه"، إلى درجة الإحسان وهو التوحيد. أما مصدر التشريع للموحدين فهو القرآن الكريم والسنة النبوية، وأقوال وسير الأئمة والسلف الصالح.
ما نقاط الاختلاف عن المذاهب الإسلامية الأخرى؟
إنّ هناك اختلاف معروف بين المذاهب الإسلامية كافّة، ومذهب التوحيد هو أحد هذه المذاهب التي لها خصوصيتها، من غير أن تؤثر هذه الخصوصية على التعايش المشترك؛ وهم يحرصون كل الحرص على عدم الخوض في الجدل والسجال في الفوارق، بل التأكيد على الكلمة الجامعة للأمّة الإسلامية. ويفترق في بعض الاجتهادات: إذ تصح الوصية في مذهب الموحّدين لوارث ولغير وارث، ويحرّم زواج المتعة، وعدم ردّ المطلّقة، كما لا يجيزون تعدّد الزوجات مستندين إلى تفسير الآية الكريمة: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة".
.
لماذا عرفتم بهذه التسمية: "الدروز"؟
إنّ إطلاق تسمية "الدروز" على من اعتنق مذهب التوحيد، خطأٌ تاريخي والتباس وقع فيه جماعة من المؤرّخين لأسباب مغرضة. والحقيقة أنه قام من بينهم رجلٌ يلقَّب بـ"الدَّرَزي", ادّعى وابتدع أمورًا غريبة عنهم، وخارجة عن أصول عقيدتهم ومراجعهم، وكان مغاليًا بعيدًا عن التوحيد الصحيح، ولقي هذا الرّجل رواجًا وقبولًا عند بعض الضعفاء، فَوُسِمَتِ الكثرة بسمة القلّة. وأضيف اسم الدروز إلى الموحدين الذين يُعرفون أيضًا باسم "بني معروف"، جورًا وظلمًا إلى العموم دون تمييز، علمًا بأنّ هذا الدَّرزي المدّعي، ملعون على لسان أبناء طائفة الموحدين إلى يومنا هذا.
إنّ مذهب التوحيد هو أحد المذاهب الإسلامية، وليس دينًا منفصلاً فإنّ الدين عند الله الإسلام. وهذا المذهب له خصوصيته كغيره من المذاهب الإسلامية.
مجموعة من الموحدون في قرية إحدى قرى هضبة الجولان المحتلة يلوحون بعلم طائفتهم - شترستوك
ما التقمص؟ ولماذا ينسب إلى أهل التوحيد؟ وهل هو تناسخ؟
الغوص في تفاصيل هذا الموضوع غير مجدٍ، لكن يمكنني الإشارة إليه، استنادًا إلى الآية الكريمة: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖقُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}. فنحن نعدّ أن الخوض في مسألة النفس أو الروح ليس من شأن العباد. ولكن هناك بعض المجتهدين قالوا إن من عدل الله تعالى أن يكون هناك أجيال متعددة عند الإنسان من أجل أن يمر باختبارات متعددة. والتقمص عند الذين يؤمنون به ليس تناسخ الأرواح، بل هو انتقال النفس من جسد الى جسد آخر عند الولادة فقط لا غير.
كلية الأمير السيد عبدالله التنوخي - الصورة مهداة من الشيخ هادي العريضي
ما سبب السرية في مسلك الموحدين؟
المجتمع التوحيدي مجتمع منفتح، يمارس أبناؤه حياتهم الطبيعة بجميع مظاهرها، يتواصلون مع الآخر، ويعبّرون عن آرائهم، ويتبادلون الثقافة دون أي تعصب، ولهم بصمتهم الواضحة في الأماكن التي يعيشون فيها. أما من حيث المسلك، فإنّ السرية تكمن في المسلك العرفاني التوحيدي بين العابد وخالقه، فالعرفانيون يسعون إلى إشغال أنفسهم بالله، فيزدادوا له طاعة، ويعرفوا أنفسهم وكيدها فيروّضوها على الإذلال لمعبودها. وهذا أرقى من حيث العبادة، أحفظ للنفس من أدران الرياء: { واذكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}.
ما دلالة النجمة أو العلم الدرزي التوحيدي؟
في الحقيقة، لا يوجد أي سند شرعي يشرح دلالة النجمة. أما الراية التي تظلل القوم هي علامة على اجتماع كلمتهم، ودلالة على اتحاد قلوبهم، وقد اتخذها الموحدون الدروز عبر التاريخ بهذا المعنى، وما تحرّك الصحابة في بعثة إلا تحت راية أو لواء بأمر النبي (ص). فالعلم يرجع إلى الإمارة التنوخية، ويرمز إلى توحيد الرايات بين العشائر والقبائل التي كانت تملك راية معينة بلون واحد؛ فعند قدوم الإمارة التنوخية وُحّدت العشائر والقبائل، وجُمعت ألوان رايتهم في راية واحدة، فكانت رمزًا سياسيًّا للإمارة التنوخية، دالّا على أهل التوحيد في ذلك الوقت، إلى أن غدت اليوم رمزًا يعرفون به.
أضيف اسم الدروز جورًا وظلمًا إلى العموم دون تمييز، علمًا أنّ هذا صاحب الاسم المدّعي، ملعون على لسان أبناء طائفة الموحدين إلى يومنا هذا
لماذا ترتدون الشروال؟
إنّ الزّي الذي يرتديه الملتزمون دينيًا، والشيوخ، هو الزي العربي أي القمباز والعمامة على الرأس. أما بالنسبة للشروال المعروف اليوم عند الموحدين، فهو زي تركي (عثماني) كان متدوالاً ومعروفًا في زمن الخلافة العثمانية في بلاد الشام، وكان أغلب الرجال يرتدون الشروال فصار تقليدًا والتزمنا به؛ لأنه لا يخالف آداب الحشمة عند الموحدين الدروز؛ فما يهمنا في أي زي أن يوفر السترة والحشمة ومراعاة الأخلاق. وفي زمن الاستعمار الفرنسي، أُدخل البنطلون، ولعدم مراعاته للحشمة المطلوبة، أبقى المشايخ الموحدون على الشروال، مع تفضيلهم القمباز عليه. أما بالنسبة للزي عند النساء، فالواجب أن يكون الثوب فضفاضًا، يستر غالب الجسد، وكذلك المنديل الأبيض يستر غالب الوجه.
لماذا لا تحبذون الزواج من أبناء المذاهب الأخرى ؟
إنّ موضوع عدم الزواج من خارج المذهب، هو موضوع مشترك بين المذاهب الإسلامية كافة، إضافة إلى أبناء الديانتين المسيحية واليهودية، والباعث على عدم الزواج من المذاهب الأخرى، أنّ الزواج شراكة على الأصعدة كافة، وإذا لم تكن هذه الشراكة مؤسسة على اتفاق في العقيدة، وتقارب في الآراء ووجهات النظر باء هذا المشروع بالفشل؛ وكما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: { الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ}.
لماذا لا يمكن لغير الموحّدين دخول المذهب التوحيدي؟
إنّ جوهر الحقيقة في الأديان السماوية جميعها واحد، وغايتها واحدة، وقيمة أي إنسان في أيّ مذهب كان، تقاس بتقواه، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. أما الاختلاف يبن المذاهب، فيكمن في المسلك المتّبع، وإذا أخلص الإنسان في عبادته، وتبحّر في مذهبه سيصل إلى ما يصبو إليه .لذلك ما من مبرر لأي شخص أن ينتقل من مذهب إلى آخر، بل عليه الاجتهاد في الطاعة ضمن المذهب الذي نشأ عليه.
ما المناسبات الدينية عند الموحدين؟
الأضحى المبارك، الفطر السعيد، رأس السنة الهجرية. لكل أمة من الأمم، ولكل جماعة من الجماعات، أعيادٌ تأخذها من واقع حياتها، وتمليها عليها أحداث تاريخها، ترمز إلى أحداث أو معان تراها جديرةً بالتقدير والتخليد. وكلّ من هذه الأعياد يتصل بسبب من الأسباب الدينية المهمة.