FYI.

This story is over 5 years old.

موضة

هل وجدت الموضة الصديقة للبيئة مكانة لها في المنطقة العربية؟

نقابل أربع مصممات أزياء عربيات للحديث عن ذلك
بيئة
سالي سري الدين في بوتيك لا لا كوين. تصوير: عز الدين علوان

حقائب من قشر الأناناس أو من القمامة المعاد تدويرها، وملابس من الألياف الطبيعية. هذه بعض من التصاميم "الخضراء" التي تغزو الأسواق العالمية وأجندات المصممين في مختلف أنحاء العالم وفي المنطقة العربية (تدريجياً). في الأونة الأخيرة، لا يلتقي اثنان من دون الحديث عن المأكولات الصحية والعضوية أو عن الملابس والأكسسوارات الصديقة للبيئة، بحيث أصبحت العلامات التجارية العالمية تولي أهمية لتصاميم من مواد طبيعية وعضوية، تمّ استخراجها من الحيوانات أو النباتات والابتعاد عن كل المواد التي تسبب ضررًا على البيئة. هذه النزعة العالمية وجدت طريقها إلى منطقتنا العربية وبدأ عدد متزايد من المصممين العرب التركيز على الملابس والحقائب والاكسسوارات الصديقة للبيئة. تحدثنا مع عدد من مصصمات الأزياء العربيات حول هذا التحول نحو الإهتمام بالبيئة في منطقة تعاني من حروب وبطالة ومشاكل اجتماعية أخرى قد تجعل التركيز على البيئة من آخر الاولويات سواء بالنسبة للحكومات أو الأفراد.

إعلان

بداية، تحدثت مع سديم الشهيل (44 عاماً) مصممة الأزياء السعودية التي استلهمت ممارسات الاستدامة والتصميم الأخلاقي من دراستها في معهد برات في نيويورك حيث تتمحور المناهج حول الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة. "خلال دراستي أدركت أن كل ما يحيط بنا، يقف مصمم وراءه،" تقول سديم: "كمصممين، فإن واجبنا هو خلق شيء من "المهد إلى المهد" لا بد أن ندرك من أين تأتي وأين تنتهي المواد، وما هي دورة حياتها والأهم ما هو تأثيرها على البيئة والمجتمع."

1541588017313-

سديم الشهيل- الصورة مقدمة منها.

سديم تعرّفت باكراً على عالم الأزياء إذ قضت الكثير من الوقت في مشغل خالتها ما ولّد رغبة في ابتكار تصاميمها الخاصة؛ رغبة ترجمتها بالانتقال إلى الولايات المتحدة لدراسة تصميم الأزياء ومن ثم بناء الخبرات العملية هناك وفي أوروبا والشرق الأوسط لتتويجها بإطلاق علامتها التجارية التي تحمل اسمها. ولكن التركيز على التصاميم الصديقة للبيئة ليس خياراً سهلاً لاسيما أن عملية الإنتاج تحتّم التركيز على مواصفات التصاميم الخضراء التي ليس لها ضرر على الييئة. لهذا، قررت سديم ألا تعمل مع مصانع النسيج التي تمزج بين الصيغ الاصطناعية والصبغات غير الصديقة للبيئة والألياف الطبيعية أو تُنتج في دول فقيرة بظروف عمل مزرية، وبدلاً من ذلك، قامت سديم باستبدال النسيج في تصميماتها بألياف طبيعية ومصنّعة وصبغات غير سامة. "إنتاج ومعالجة المنسوجات يلوثان الماء والهواء والتربة إضافة إلى هدر الطاقة واستنزاف الموارد الطبيعية،" تقول سديم وتضيف: "من المحزن أن صناعة الأزياء هي ثاني أكثر الصناعات ضرراً ببيئتنا بعد صناعة النفط. لقد كنت محظوظة باكتشاف مواد مبتكرة معاد تدويرها من الخشب والبلاستيك. وأعتمد على اليابان والهند وكوريا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا كمصدر للمواد."

إعلان

وقد كشف تقرير صدر عن مؤسسة "إلين ماك آرثر" في 2017 عن أن إنتاج المنسوجات مسؤول عن 1.2 مليار طن من انبعاثات الغازات الضارة التي ترفع درجة حرارة الأرض سنوياً، وهو ما يفوق ما ينبعث من كل الرحلات الجوية الدولية والملاحة البحرية. وتتسبب الملابس في إطلاق 500 ألف طن من الألياف الدقيقة في محيطات العالم، بما يوازي 50 مليار زجاجة بلاستيكية.

1541588285912-PHARAOH-1-1

مجموعة مانهاتن لسديم الشهيل- تصوير: توماس وولف نورثكت.

هذه الأرقام والتأثير السلبي الكبير لصناعة الأزياء على البيئة كان السبب وراء قيام سالي سري الدين (35 عاماً) مصممة لبنانية في إطلاق علامتها التجارية للحقائب الصديقة للبيئة "لا لا كوين." سالي التي ولدت في أبوظبي وتنقّلت بين ثلاث مدة كبيرة، اختارت الموضة الخضراء لتظهر "حبها واحترامها للبيئة." استخدام المواد الخضراء هي الشغل الشاغل لسالي التي تقول إن "اتخاذ قرارات في عملية الإنتاج تقلل من التأثيرات المضرة صعبة أحياناً وإنما فعالة جداً" وتضيف: "على سبيل المثال، كل تغليفات "لا لا كوين" مصنوعة من مواد معاد تدويرها 100% ومصدر الجلد من لبنان. نحن نهتم بالاستدامة، لذلك، نلجأ إلى حرفيين محليين ذي خبرة عالية يعملون تحت ظروف عمل صحية. من المهم أن يكون لدينا علامة تجارية محلية تردّ الجميل للمجتمع وتدعم العائلات في لبنان."

1541588593776-LALAQueen-Sally-1

سالي سري الدين مع تصاميمها الصديقة للبيئة. الصورة مقدمة منها.

أما مصصمة الأزياء البحرينية روان مكي (27 عاماً) فقد جمعت بين تخصصها بالهندسة البيئية وتصميم الأزياء التي تعتبر أنهما متشابكَين لتُطلق علامتها التجارية باسمها من لندن بينما تُنهي أطروحتها حول الأزياء المستدامة في العالم العربي. وتتميزّ تصاميم روان بهيكليتها مثل الطيات الأفقية واللوحات الممدودة والظلال غير التقليدية. روان أيضاً اختارت هذا المجال لحبها القوي للبيئة هي التي تقول "لا ينبغي أن "تُستهلك" الأزياء بل ينبغي أن "نرتديها ونحترمها" وتضيف: "أنا أؤمن أيضاً أن الموضة المستدامة هي المستقبل."

إعلان

ترى روان أنه يجب الإجابة عن سؤالين في عملية الإنتاج الأخضر: "من نعمل معهم؟ أي أننا لا نستخدم إلا مواد مستدامة وصُنعت بشكل أخلاقي. أما ماذا نفعل؟ نحرص أن تولّد أنماطنا وتصاميمنا "صفر نفايات" (معظم العلامات تهدر 20% من أنسجتها بسبب "الفضلات") وهو تجنب هدر أي نسيج خلال مرحلة القطع وذلك بفضل الأنماط والأشكال التي يختارها المصمم في تصاميمه،" كما توضح.

1541652499871-rawan1

روان مكي في الوسط. المصدر: Rawan Maki Design House

الصديقتان المصريتان رانيا رفيع ويارا ياسين (27 عاماً) تخرجتا معاً من كلية الفنون التطبيقية في الجامعة الألمانية في القاهرة وقررتا إطلاق شركة "أب فيوز"؛ شركة تعكس اهتمامها بنمط حياة مستدام ووعي بيئي يترجم بفضل تصميم وانتاج حقائب صديقة للبيئة مصنوعة من مواد بلاستيكية معاد تدويرها إضافة تُصممها المجتمعات المحلية. كيف ذلك؟ تخبرنا يارا أنها ورانيا تعاونتا مع المنظمة غير الحكومية "روح الشباب" في القاهرة التي تعمل في "مدينة القمامة" في القاهرة. "هذه المدينة هي مركز النفايات على أنواعها. علّمنا أعضاء المنظمة كيفية إعادة تدوير البلاستيك لاستعمالها في تصاميمنا. ساعدتنا المنظمة على إيجاد البلاستيك، سواء من خلال شرائها من الأفراد أو المعامل،" تقول يارا وتضيف أن هناك نوعَين من البلاستيك، نفايات البلاستيك النظيفة وتلك ذات الاستعمال الواحد وجميعها تخضع لعملية تنظيف بغية تعقيمها. "بعد هذه العملية، نصمم حقائبنا من هذه المواد المُعاد تدويرها بمساعدة حرفيين محليين. وحالياً وظّفنا 16 امرأة يُعلن عائلاتهنّ من مدينة القمامة لتصميم حقائبنا،" توضح يارا.

1541588987581-UpFUSE-1

يمين- يارا ياسين ورانيا رفيع. الصورة مقدمة منهما.

لا شك أن التركيز على البيئة ضروري في العالم العربي، ولكن الموضة الخضراء لا تزال تحاول ايجاد موطئ قدم لها في عالم الأزياء في المنطقة. هذا الواقع انعكس على زبائن جميع المصصمات، واللواتي أكدن أن غالبية الزبائن العرب يهتمّون بالشكل واللون عوضاً عن التأثير. تكشف سديم أن زبائنها الغربيين هم الأكثر اهتماماً: "عدد قليل جدًا من الزبائن المحليين والإقليمييّن مهتمّون بتأثير الملابس التي يشترونها على الييئة؛ ومن يهتم من الزبائن في الشرق الأوسط، هم في الأغلب من تعلّموا في الخارج. في الواقع، تفاجئت أن قلائل يدركون تأثير صناعة الأزياء السلبي على بيئتنا."

إعلان

وتشير روان إلى تنوّع باقة زبائنها بين طلاب وفنانين ومحامين وأساتذة الذين ينتقون القطع التي تعجبهم وتضيف: "بالنسبة للمستهلك، استدامة تصاميمي هو إضافة جميلة ولكن ليس السبب المعلن لاقتنائهم قطعي." سالي أيضاً لديها كل أنواع الزبائن مشيرةً "بعضهم يحبّون التصميم والجودة وآخرون يحبون قصتنا وما ترمز إليه علامتنا التجارية. برأيي، من المهم تلبية كل الأذواق. نقدّم تصاميم فريدة من نوعها ذات جودة ممتازة ونبذل قصارى جهدنا لنسج الاستدامة في نموذج أعمالنا."

1542114670646-Rawam-Maki-Fall-Winter-2017-005-Courtesy-of-Rawan-Maki-Design-House

من مجموعة روان مكي الشتوية. المصدر: Rawan Maki Design House

وتشرح يارا هذا الواقع قائلة: "إذا كان الأمر يتعلق بالتصاميم الصديقة للبيئة فحسب، قلائل يشترونها لأن الاهتمام غير موجود بشكل عام. ولكن، إذا صممت قطعاً رائجة وجميلة تكون صديقة للبيئة وذات مسؤولية اجتماعية، يدعمك الناس حتى لو لم تكن النية موجودة. نحن مثلاً نقدم قطعاً تتراوح أسعارها بين 10 إلى 80 دولاراً لأننا أردنا أن تكون أسعارنا معقولة لنحدث وعياً وتأثيراً بقدر ما نستطيع."

تؤمن المصممات أن التغيير قريب ويتفقن على ضرورة مضافرة جهود المصممين واعتماد الحكومات لسياسات وقوانين محفّزة إضافة توعية المستهلكين بالإنتباه الى الضرر البيئي في عاداتهم الإنفاقية والحياتية. وتقول سديم: "التغيير قريب جداً لا سيما أن العديد من المنصات في المنطقة بدأت تركّز على الاستدامة والابتكار والطاقة المتجددة. أنا فخورة جداً أن أسبوع التصميم السعودي اختار الاستدامة عنواناً له هذا العام وقام مجلس دبي للتصميم والأزياء بإدخال ورش عمل إبداعية ومحادثات حول هذا الموضوع."

1541589061161-UpFUSE-2

حقيبة من تصميم شركة "أب فيوز"

تعتبر سالي أن المنطقة بحاجة إلى "منظمة تعمل كجسر بين المصممين والمصنّعين وسلسلة التوريد حتى نتمكن من اغلاق هذه الفجوة وايجاد حلول مستدامة." يارا، من جهتها، تعود وتشدد على أهمية أن يصبح العرب أكثر وعياً وإدراكاً قائلة: "إذا توقفنا عن هدر مبالغ طائلة على أشياء غير مهمة أو استهلاك الكثير من الماء للاستحمام، أو استخدام أكياس بلاستيكية للتبضع…هذه ستكون البداية، وسينتقل هذا الاهتمام الى قطاعات أخرى."

وتبقى الاستدامة مرتبطة بطبيعتها بالعدالة الاجتماعية بالنسبة لروان وتشرح قائلة: "إذا اجتمعت كل القوى العالمية، بما فيها العالم العربي، لحلّ المسائل البيئية بطريقة عادلة، كل المشاكل الأخرى ستُحلّ أيضاً." وتتابع: "من جهة أخرى، يمكننا خلق صناعات خضراء منتجة. 1 من كل 6 أشخاص في العالم يعمل في مجال الموضة بطريقة أو بأخرى- فكّروا بالمزارعين والنسّاجين والتجار والخياطين والمصنعين والمنظفين.. فإذا تجاهلنا الاهتمامات البيئية والأخلاقية في مجال الموضة، فنحن نغامر بمستقبلنا."

لا شك أن التفكير بالمستقبل فيما العالم العربي يحتاج إلى معالجة مسائل ملحة حالياً أمر صعب. ولكن، كما قالت روان "يجب أن تتحول الحياة المستدامة إلى مقاربة حياتية عوضاً عن عمل إضافي نقوم به. فالمستقبل سيكون أفضل إذا تصرّفنا الآن."