على الرغم من الحرب، والظروف الاقتصادية القاسية للحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 13 عاماً، يحاول أهل غزة عيش روح رمضان حسب ما هو متوفر وممكن. الحلويات أحياناً في تحلية القليل من مرارة الواقع، حيث لا تخلو المائدة الغزاوية من الحلويات المشهورة التي عرفتها الأجيال على طول السنين والتي يتم تجهيزها منذ اليوم الأول لشهر رمضان.
الأكثر تواجداً على المائدة الغزاوية هو القطايف. درويش الجاعوني (63 عاماً) تعلم عمل القطايف من والده الذي يعتبر من أشهر بائعي القطايف في قطاع غزة ويوجد له محل صغير في سوق الزاوية في البلدة القديمة لمدينة غزة منذ أكثر من خمسين عاماً، وهذه العائلة تعد القطايف في شهر رمضان ويقبل عليها الناس بكثرة حيث تعتبر القطايف كما أسماها "فاكهة شهر رمضان."
إعلان
يقول درويش الجاعوني:" تعلمت من والدي عمل القطايف الذي نقلها لنا من بلاد الشام وأصبحت غزة مشهورة بها في أيام شهر رمضان، المواطنون في غزة لا تخلو سفرة طعامهم منها حيث يكثر الطلب عليها، وان كانت الظروف الاقتصادية تقلل من حجم الطلب."
تاريخ هذه الحلوى يعود الى العهد المملوكي حيث تعددت الروايات في تأريخ صناعة القطايف، إذ تقول إحدى الروايات إنها تعود للعهد الأموي وأخرى للعباسي، بينما تذكر الرواية الأكثر تداولاً أنها تعود للعهد "المملوكي" حيث جمع أحد الملوك المملوكيين صانعي الحلوى وطلب منهم تقديم صنف لم يصنعه أحد من قبل، فابتكر أحد الحلوانيين فطيرة محشوة بالمكسرات تُسمى القطايف.
يتحدث الجاعوني عن طريقة تحضير القطايف:" تختلف طريقة تحضير القطايف فمنها الكبير الحجم والآخر الصغير ويسمونه" بالعصافير" وهذه كلمة متداولة أكثر في بلاد الشام، وتضاف لها حشوة المكسرات والبعض يختار التمر أو القشطة وآخرين يحشونها باللبن وجوز الهند." ويضيف: "يتم عمل القطايف من طحين وسميد وخميرة وسكر يتم خلطها مع الماء ومن ثم توضع على فرن مخصص لها لبضع دقائق ومن ثم يتم رفعها ووضعها على قماش أبيض اللون." بعض الناس يفضل أخذها جاهزة من المحل والبعض الآخر يأخذ العجينة والحشوة واكمال تحضيرها في البيت اما قليها بالزيت أو شويها بالفرن.
تعتبر "العوامة" كذلك من أشهر الحلويات التراثية والشعبية في البلدان العربية، وخاصة في بلاد الشام ومن ضمنها فلسطين حيث تعتبر ركيزة أساسية للموروث المطبخ الفلسطيني الذي تتوارثه الأجيال من جيل لآخر. ويقبل الفلسطينيون على هذه الحلوى طوال أيام السنة، ولكن الأكثر في أيام شهر رمضان، حيث تتمتع تلك الوجبة "الشهية" بشعبية مميزة عند الفلسطينيين، وتختلف أسمائها في المحافظات الفلسطينية فتعرف في قطاع غزة بـ"العوامة" والزلابية" وأحياناً "لقمة القاضي."
إعلان
ويبدع في صناعة تلك الحلوى أغلب المواطنين في قطاع غزة؛ وذلك لسهولة عملها وتحضير عجنتها. صاحب أحد محلات "العوامة" في مدينة غزة أشرف ضبان والذي توارث تلك المهنة عن أجداده منذ سنوات عدة يقول:"أعمل في صناعة العوامة منذ أكثر من 50 عاماً، وقد توارثت تلك المهنة أبًا عن جد، وأشعر بالفخر أنني أحافظ على مهنة الأجداد وعلى تراث المطبخ الفلسطيني."وحول طريقة التحضير يقول:"تتمثل طريقة عمل العوامة في عجن الدقيق بالماء مع بعض من الملح و يضاف النشا المذاب في الماء مع ملعقتين الزيت النباتي وملعقة السكر إلى العجين، ويعجن جيدًا ويترك لمدة ساعة حتى يختمر. وبعد تلك المرحلة من تخمير العجينة تُقطع إلى كرات صغيرة وتُقلى كل القطع في الزيت الساخن حتى تصبح ذهبية اللون، وتُصفى القطع من الزيت. أخيراً توضع العوامة الساخنة في طبق عميق ويُصب عليها القطر "شراب السكر" البارد."
طبعا لا يتكتما أي إفطار بدون الكنافة، التي يكثر تحضيرها في مدينة نابلس لذلك سميت بالكنافة النابلسية (المصنعة في نابلس)، حيث تتخلل طبقات من الجبن، الشائع استخدامه في الحلويات الفلسطينية، الشعيرية المسحوقة أو السميد. أما الكنافة الغزاوية، فهي حلوى تميل إلى الملوحة بعض الشيء، وأكثر دسماً مع نكهات غزة المميزة من المكسرات، وجوزة الطيب، والقرفة التي تحل محل الجبن.محمود ساق الله، صاحب أحد محلات الحلويات المشهورة حيث أن عائلته تقوم بصناعة هذه الحلوى في غزة منذ عام 1896، يتحدث عن طريقة عمل الكنافة الغزاوية: "تبدأ الوصفة بقاعدة من السميد المحمص، ومصل الحليب المطبوخ والمصفى لتحقيق الخشونة المميزة للطبق، وبعد ذلك، يسكب العجين المفتت في مقلاة كبيرة مغطاة بالزيت، يتبعه مزيج القرفة والسكر وجوزة الطيب، وطبقة من الجوز ثم يُضغط عليها بمقلاة أصغر، وتوضع على موقد كبير لحوالي 20 دقيقة، وبالطبع فاللمسة الأخيرة هي محلول السكر الذي يُسكب فوقها."الحلو للحلو يقال. وأكيد أن هذه الحلويات الرمضانية بتحلي أيام غزة.
