super
يوم المرأة العالمي

نساء عربيات يَتحدثن عن تلك اللحظات التي شعرن بها بالقوة

أشعر بالقوة والتمكين من خلال فهمي لهذا النظام، هذا النظام الذي خلقه ويديره الرجال

هناك لحظات قد تغير حياتك. لحظات تشعر أنك عبرت عن نفسك، غيرت وجهة نظر معينة، تَحديت نظاماً أو شخصاً، قلت الحقيقة في الوقت الذي كان الكذب الحل الأسهل، قلت لا مع أن نعم كانت لتَحميك. نحن كنساء نتعرض لهذه المواقف طوال الوقت، هناك من يحاول أن يتحدث بصوت أعلى منا أو حتى يُسكتنا. ومن هنا جاءت حملة أنا أيضاً لتسمع العالم صوت النساء الذين تعرضن للتحرش، الصوت الذي اضطررنا في أحيان كثيرة أن نسكته خوفاً من "الفضيحة" أو من كلام الناس، أو حتى محاولة منا لنسيان الأمر ومحاولة العيش بشكل طبيعي وعدم فتح تلك الجروح مرة أخرى. ولكن هذه اللحظات التي نقرر فيها أن لا نَسكت وأن نتحدى نظرة المجتمع وظلمه أحياناً هي التي تصنع كل الفرق. في يوم المرأة العالمي، تحدثنا مع عدد من النساء العربيات من مختلف الدول العربية وسألناهم عن تلك اللحظة أو اللحظات التي شَعرن فيها بالقوة.

إعلان

هلا، 24 عاماً

طوال نشأتي في مدينة حَلب (في أقصى الشمال السوري) كنت أحلم بزيارة العاصمة دمشق. لا أدري سبب هذا الرغبة الشديدة التي راودتني منذ سن صغير، ولكن والدي لم يشاركني الحماس تجاه الفكرة بل عبر عن كراهيته للعاصمة وأنها مدينة مبالغة في التقدير وأكد أنه لن يصحبني لزيارتها في أي وقت قريباً، بل حاول إقناعي في مناسبات لاحقة أنه ما من جدوى من الانبهار بالعواصم والمدن الكبيرة والحياة فيها، فالمهم للفتاة أن تبقى في محيطها الذي يحتضنها ودائرة الأمان التي توفرها العائلة بعيداً عن مؤثرات المكان. تطلبني الموضوع أن أنتظر طويلاً، ولكنني في أول راتب تقاضيته عن أول عمل لي حزمت أمتعتي وتوجهت سراً إلى دمشق. رغم ظروف الحرب والوضع الأمني إلا أن المدينة لم تخيب أملي. التجربة كلها على بساطتها أكسبتني قوةً كبيرة، ومكنتني لاحقاً من التجرؤ على الابتعاد أكثر وإدراك أنه يحق لي المطالبة بالمزيد لأني أملك القوة الكافية لمواجهة هذا المزيد. في كل مدينة جديدة أزورها أشعر بقوة هائلة تملأني لمجرد وجودي هناك، إذ أفكر في كل مرة، لقد ذهبت أبعد مما ذهب أبي. ليس أبي هو القضية هنا فهو إنسان بسيط وحذر فقط، يخشى أن تبتلع المدن الكبيرة فتياته الصغيرات. لكنني كنت أشعر أن هذا الخوف والحذر هو ما سيقوم بابتلاعي وإجباري على التسليم لخطوات مرسومة مسبقاً مقابل التخلي عن أي تجربة. لذا فإن أي تجاوز أقوم به لأي افتراض مسبق عن حياتي أو حاجز قد وضع أمامي لمجرد أني فتاة ينجح في جعلي أشعر بالقوة والسيطرة وبأنني قادرة على فعل أي شيء.

مُنى، 25 عاماً

واحدة من المواقف التي شعرت بالقوة والفخر بنفسي هو قيامي بمواجهة أخي عندما رفض أن أدرس موسيقى بعد انهائي للثانوية العامة لأنه عيب وشو رح يحكوا الناس علينا. والدي متوُُفى، وأخي الكبير هو المسؤول عني وعن أخواني الأولاد الأصغر مني. والدتي كانت توافقه في كل شيء، وطبعاً وافقته في موضوع دراستي، وتقرر أن أدخل كلية الاقتصاد. واجهت أخي في تلك اللحظة وقلت له أن حياتي لا يقررها هو وأنني أفهم تضحياته لنا كعائلة ولكن قرار الدراسة هو لي. لم يستمع الي وقال أنه لن يدفع لي مصاريف دراستي للموسيقى وأنه سيتبرأ مني إذا لم أستجب له لأنه يفهم مصلحتي أكثر مني. قررت ترك البيت وانتقلت للسكن عند خالتي ومن ثم وجدت مكاناً آخر، وعملت لفترة كنادلة وكنت أتعلم على آلة الكمان، وفي الليل عندما أعود من العمل، كنت أستعير كمان بعض الأصدقاء عندما يَسمحوا لي، وأتدرب، فلم أكن قادرة على شراء كمان جديد. لم تكن الأمور سهلة وفكرت أن أعود للبيت مرات كثيرة. استمريت على هذا الحال لمدة سنتين، وفي النهاية جاء أخي للمطعم الذي أعمل به حاملاً كماناً جديداً لي كهدية. كانت تلك أفضل لحظة في حياتي. لقد فَهم أنني لن أرضى أن أكون امرأة تم تحديد خياراتها مسبقاً.

ملاك، 27 عاماً

كنت في هذا الاجتماع مع مجموعة من المدراء والمهندسين رفيعي المستوى، الذين يعملون في جهاز أمني، يمكنك أن تتخيل ذكورية الجو. كنت المرأة الوحيدة الموجودة في الاجتماع والشخص الغير تقني الوحيد أيضاً -أشاروا إلى ذلك مراراً وتكراراً في البداية- وكنا نناقش بعض القضايا المتعلقة بمشروع مشترك. في كل مرة كنت أتحدث فيها كان يتم مقاطعتي. عند نقطة ما، قام واحد من الاشخاص بتكرار ما قلته للتو، ولكن بصوت أعلى، وبدأ الجميع مناقشة فكرته والاتفاق معه. سكتت وقررت للحظة أن أبقى صامتة خلال الاجتماع بأكمله وأرسل بريداً إلكترونياً بعد ذلك اشرح فيه وجهة نظري، ولكني لم أستطع، وجدت نفسي أقوم بتكرار ما قلته سابقاً -قبل المقاطعة- مجدداً ولكن بصوت أعلى ثم كررت ذلك مرة أخرى وبصوت أعلى وأعلى. أسوأ شيء يمكنني القيام به في تلك اللحظة هو أن أصمت، هذا ما شعرت به. خيم الصمت على الغرفة ونظر الجميع إلي، قلت لهم أنني لم أكن مضطرة للقيام بذلك لو لم يكن الجميع مشغول جداً بعدم سماعي. لم يتوقعوا مني أن أتكلم وأن أكون صادقة معهم، للحقيقة فوجئت بنفسي أيضاً. على الرغم من أن الأمر يبدو وكأنه قضية صغيرة، غير هامة ولكني شعرت بالفخر من تَمكني من إسماع صوتي، بدلاً من البقاء صامتة كما كانوا يتوقعون مني.

دلال، 19 عاماً

خلال سنوات المدرسة الابتدائية والثانوية في فلسطين، كان دائماً هناك شخص يقلل مني، بسبب شكلي أو درجاتي الدراسية أو طريقة كلامي، دائما ما كان هناك شخص يتنمر علي. في معظم الحالات كنت أتجنب الرد على هذه التعليقات، بل حاولت أن أكون غير مرئية بقدر ما أستطيع. كنت أبكي بصمت في كل مرة يتم الاستهزاء بي، ولم أخبر المُعلمات أو أمي - المُعلمات عادة ما كن جزءً من التنمر لأكون صريحة. في آخر سنة لي بالمدرسة قبل ذهابي للجامعة، كنت قررت بيني وبين نفسي أن أفعل شيئاً، ولكن طبيعتي تغلبت عليً، ولم أستطع الرد على الرغم من كل الخطط التي كنت أرتبها في عقلي لساعات طويلة، حتى جاء ذلك اليوم، الذي حاولت فيه واحد من البنات المتنمرات في الصف الاستهزاء بشعري القصير "شكلك زي الولاد." لم يكن تعليقها التعليق الأسوأ، فقد سمعت تعليقات أسوء من ذلك بكثير، ولكن هذه المرة كانت المرة الأولى التي قررت أن أرد عليها، "حكيك ما بيعنيني،" قلت لها وكان قلبي يخفق بشدة، شعور من الخوف والحماس، وفي لحظة وجدت نفسي أقف أمام الصف وقلت لهم بصوت عالٍ: "رأيكم كلكم فِي ما بيعنيني، يا ريت كل وحدة تركز على أنها تحل مشاكلها بدل ما تركزوا علي." بعض الفتيات صفقن لي، وبعضهن ضحكن والبعض الآخر استمر بالاستهزاء، ولكني في تلك اللحظة شعرت بالقوة، لم يكن ردهم مخيفاً كما توقعت، الأشخاص الذين يقومون بالتنمر هم أضعف مما نتخيل.

لونا، 27 عاماً

كنت قد بدأت بحضور صفوف متخصصة بالفنون القتالية وتحديداً الـ Muay Thai في أكتوبر2017 بعد سلسلة من المطبات والتغييرات في حياتي المهنية والعاطفية، شعرت خلالها أنني ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن نفسي، وأنني سأحتاج دائماً إلى سلاح خفي. مع انخراطي بالصفوف عرفت أنني أمام سلسلة من التغييرات الجديدة، فالالتحاق بالصف يعني أن تملك قدرات استمرار معينة، وأن لا تخاف من الألم والإصابات، والأهم ألا تقول "لا أستطيع." ومع انطلاق العام الجديد، وبعد مرور ما يقارب الثلاثة أشهر على انطلاق التمارين والصفوف المكثفة، طُلب منا أن§ نختار شريكا لتطبيق التمرين يومذاك، والشخص الوحيد الذي لم يملك شريكاً كان شاب طويل القامة، ممتلئ العضلات، وأنا بالطبع، لأن عدد الذكور أكثر من عدد الاناث في الصف. اللحظة التي أشعرتني بأنني قوية حقاً هي عندما وقفت في مواجهة الشاب خلال تمارين الملاكمة، وتحديداً عندما قال لي مدربي أنني كملاكمة مبتدأة، جاهزة للدفاع عن نفسي والتملص من الضربات المزيفة، كنت قلقة حتى من تلقي ضربة مزيفة، ولكن الشاب لم ينظر لي نظرة فوقية، ولم يشعرني أنني فتاة وأنني ضعيفة وأنه متعاطف معي بسبب عدم وجود شركاء إناث، بل نظر لي باحترام، وأشعرني بأنني خصم حقيقي وبأنه حذر من لكماتي، وفجأة زال الخوف، وتيقنت أن نتيجة أشهر من التمارين المكثفة ستظهر اليوم، وأن مواجهتي -المزيفة له- تعني أنني قادرة على تخطي مطبات أقسى والدفاع عن نفسي عقلياً وجسدياً. كوني أيضاً من الفتيات القليلات اللواتي قررن حضور التدريبات كان من الأمور التي حفزتني للاستمرار، وحقيقةً شعرت وأشعر حتى اليوم أنني نلت احترام زملائي الشبان بسبب عدم هروبي من الصف (هههه).

روزانا، 23 عاماً

صديقاتي هنّ مصدر دعمي. أفكارنا المتقاربة، ومشاعرنا المُتخبّطة أحيانًا، تجمعنا سويًا. في كل مرة مررت بتجربة وتم اختزال إحساسي بالموقف؛ لأني امرأة. ولأن النساء –كما نعرف- يكبّرون المواضيع ويختلقون الدراما، كنت في أمس الحاجة إلى نساء بجانبي، يقولن لي أنني أشعر بما يجب أن أشعر به، فقط لأني أنا مَن تُقرر ذلك. أنني لا أعطي للأمور أكبر من حجمها "الطبيعي" وبأنني سأتجاوز كل تلك الأحداث. في الأسابيع الماضية وجدت ضالتي في صديقاتي النسويات اللاتي خضن معي نقاشًا حول الانتهاكات التي تتعرض لها النساء داخل التيار المدني في مصر. كنت ممتنة لوجودهن، ولوجودي بجانبهن. شعرت أنني لست بمفردي، وبأن الأمور بالفعل تستحق الغضب والألم معًا. وقتها كانت مرة ضمن مرات قليلة التي شعرت فيها بأنني لست مجنونة. نعم، هذا ما أشعر به في كل مرة يتم وصمي بأني نسوية غاضبة أو شابة طائشة، لمجرد أنني أعبر عما أشعر به في موقف ما. لكن في هذه المرة، كان جنوني له مذاق مختلف. هذا الجنون الذي يأخذني لمناظير مختلفة دون أن يجبرني في أي اتجاه أنظر، ويُحاول جاهدًا تحجيم مشاعري. معهن، أشعر بالدعم والمحبة.

بسنت، 30 عاماً

ليس لدي لحظة معينة تجعلني أشعر بالفخر بكوني امرأة، ولكنني لم أكن أكثر فخراً بأن أكون امرأة في الشرق الأوسط أكثر من هذا الوقت بالذات، فأنا أشعر أنني وبنات جيلي في المنطقة قطعنا شوطاً مهماً مؤخراً في مجال حقوق المرأة، وتمكننا من الحديث والتعبير بشكل صريح عن ما تعرضنا له من تحرش واعتداءات جنسية. مجرد رؤيتي لهاشتاغ #metoo قبل بضعة أشهر على السوشيال ميديا، أو سماع مزيد من قصص نجاح لرائدات أعمال، أو الحديث عن المساواة بين الجنسين في المنطقة، كل هذه اللحظات تجعلني فخورة بكوني امرأة. وبينما لا يزال هناك شوط طويل قبل أن نرى المزيد من النساء يشغلن مناصب قيادية في السياسة أو قبل أن يصبح الاعتداء الجنسي أقل انتشارا في المنطقة، الا أن هناك أمل على الأقل بأننا نسير على الطريق الصحيح.

شيرين، 32 عاماً

بالنسبة لي كمغنية أكثر اللحظات التي أشعر فيها بالقوة هي عندما أكون على المسرح، أحس بأنني آلهة على المسرح، كاملة وقوية ولا ينقصني شيء. كما أنني لا أنسى تلك اللحظات التي عرضت فيها مشروعي الموسيقي الأول المستقل رغم كل المصاعب والتحديات والتشكيك وأبقيته مستمراً، وقتها شعرت بنفسي كامرأة قوية.

لينا، 30 عاماً

أنا على دراية بمحيطي، وأعلم تماماً الواقع الذي أعيش فيه. هذه المعرفة تشعرني بالقوة في بعض الأحيان، على الرغم من أنني أعلم أنه حتى حين أشعر بالقوة فهذا لا يزال يعني أنني لا أزال أجد نفسي خطوة واحدة إلى الوراء بغض النظر عن المكان أو الزمان. من السهل أن أشعر بالقوة بين أولئك الذين أضعف مني، ولكن حياتي تتوقف عندما أحتاج لمواجهة شخصية أكثر قوة مني. هو في الحقيقة، ليس أقوى مني، لا شيء يجعله أقوى، ليس أقوى مني جسدياً، وليس أكثر ذكاء وليس لديه الحق ليتحدث إليّ بفوقية. ولكنه يعرف كيف يؤذيني، وعنفه وعدوانيته كرجل تعتبر شرعية. أنا أشعر بالقوة والتمكين من خلال فهمي لهذا النظام، هذا النظام الذي خلقه ويديره الرجال. وهذا ينطبق على المكان الذي أعيش فيه، فأنا أجبر على العيش في دولة استعمارية تحافظ على نفس مبادئ السلطة الأبوية والشوفينية. شعرت أنه أصبح لي سُلطة في اليوم الذي أدركت أنني يجب أن أفعل كل ما أريد، وأن أتحدى كل ما يعتبره الذكور في مجتمعي مقبولاً وكل ما يتناقض مع ما تتوقعه الدولة التي أعيش فيها تحت عنوان "المواطن الجيد." ولكن المخيف أنهم (الذكور) يمكن لهم أن يتحكموا بالحرية التي مَنحوها لنا، إذا أرادوا ذلك. لا يدرك الكثيرون خطورة هذه المسألة. حتى نصل إلى تلك اللحظة التي نتمكن فيها من منعهم، سأواصل القيام بكل تلك الأمور التي أرغب بالقيام بها، ولكني سأكون دائما حذرة من الذي يقف خلف رأسي.‎

غدير، 27 عاماً

عندما يسألني أي شخص عن اللحظات التي أشعر بها بالقوة والدعم أتذكر عائلتي. فكرة الدعم بالنسبة إليّ لا تنفصل عنهم. ورغم أن الأمر كليشيهي، إلا إن هذا ما أشعر به. ماذا يعني أن أكون شابة مدعومة من عائلتها؟ تقتحم مُخيلتي كل السنوات التي شعرت فيها بعدم الراحة لأني لا أستطيع مواجهة أبي وأمي بما يدور في رأسي. يسمونه "تحرر زائد" ولا يقبلونه في مجتمعهم المحافظ، فأصبح كل شيء مرهون بمدى قبوله مجتمعيًا، ومن ثِم قبول عائلتي له أو رفضه. عائلتي هي أقرب حلقة في المجتمع إلي كإنسانة، إضافة إلى كونهم سلطة فعلية. كنت في السابق، أخاف من التعنيف الجسدي أو النفسي اللذان كانا أمرًا واقعًا في مراهقتي تحت مظلة التربية. فهؤلاء بسُلطتهم الاجتماعية وبالقانون، يَملكونني دون جدال. مَن يستطيع التدخل بين أب وأم "يقوّمون" ابنتهم؟ لا أحد. هكذا هو الوضع في القانون المصري. مواجهة تلو الأخرى، وأصبحت أفكاري مقبولة إلى درجة كبيرة، بل إنهم أحيانًا يترفعون عن نقاشي فيها ويعتبرونها اختلافًا. فتبدّل خوفي بالدعم. نحن كنساء دائمًا ما يتم تهديدنا بعائلاتنا. ولكن ماذا إن تحوّل مصدر التهديد إلى مصدر طمأنينة؟ هذا هو الدعم بالنسبة لي.