لطالما كان هناك صراع تاريخي بين قارتي أوروبا وأمريكا الجنوبية على زعامة كرة القدم. أيهما ينتصر؛ الأكثر موهبة ومهارة أم الأكثر تنظيمًا ودقةً. وفي كأس العالم يتجلى هذا الصراع كل أربع سنوات بين القارتين اللتين احتكرتا جميع ألقاب المونديال منذ نسخته الأولى عام 1930.
وفي البطولة الحالية التي تستضيفها روسيا؛ حسمت منتخبات القارة العجوز أوروبا موقفها وأعلنت مجددًا تفوقها وتصدرها بعد طرد آخر ممثلين لأمريكا الجنوبية من المسابقة وهما؛ أوروجواي والبرازيل خلال مباراتي اليوم الأول من منافسات ربع النهائي.
خسر المنتخب الأوروجواني بثنائية نظيفة من فرنسا، ثم خسرت البرازيل (2-1) من المنتخب البلجيكي. وتقام المباراتين الأخريين من الدور نفسه، السبت، حيث تلعب السويد أمام إنجلترا. وروسيا منظمة البطولة مع منتخب كرواتيا.
مهمة سهلة
في مبارياتها السابقة سواءً في مرحلة المجموعات أو في دور الـ16؛ قدمت فرنسا نفسها باعتبارها مرشحًا قويًا للفوز باللقب. امتلكت، كما يقولون، شخصية البطل الذي يستحق التتويج ورفع كأس البطولة. وأمام أوروجواي عاد منتخب الديوك ليؤكد على هذا المعنى مرة أخرى.
أوروجواي فقدت أحد أهم لاعبيها وهو إدينسون كافاني بسبب الإصابة، ودفع المدرب أوسكار تاباريز بلاعبه البديل ستواني في الهجوم بدلًا من كافاني. على الجانب الآخر، افتقدت فرنسا ماتويدي في منتصف الملعب بسبب الإيقاف ودفع المدرب ديدييه ديشان بتوليسو بدلًا منه.
مجددًا، قدم مبابي الجناح الأيمن لفرنسا أداءً مميزًا منذ انطلاق المباراة لكنّه أهدر فرصة سهلة للغاية في الدقيقة 16. عانت أوروجواي من ضعف في هجومها؛ سواريز كان يغادر منطقة الجزاء كثيرًا وستواني لم يُقدم أداءً جيدًا وفشل في تهديد الدفاعات الفرنسية.
في الدقيقة 40، جاء الهدف الأول لفرنسا عبر رأسية من المدافع فاران حيث تقدم نحو المرمى في إحدى الضربات الثابتة للديوك وحولها بشكل رائع داخل الشباك. سلاح العرضيات الذي اشتهرت به أوروجواي آن لها أن تتعرض لإحدى طعناته. بعد الهدف بأربع دقائق كان التعادل قريبًا لكنّ هوجو لوريس حارس فرنسا تصدى ببراعة لرأسية من كاسيريس.
في الشوط الثاني، حاولت أوروجواي اقتحام الدفاعات الفرنسية القوية المنظّمة لكنها فشلت في ظل أداء قوي من كانتي وبوجبا في منتصف الملعب. الحارس المخضرم موسليرا الذي خاض مع منتخب أوروجواي 102 مباراة دولية؛ قضى على آمال بلاده في إدراك التعادل في الدقيقة 61 حين فشل في التعامل مع تسديدة من جريزمان لتتضاعف النتيجة.
لم يكن أمام أوروجواى سوى التقدم إلى منطقة جزاء المنتخب الفرنسي. اعتمدت على سلاحها الأقوى؛ العرضيات من طرفي الملعب لكنّ في كل مرة كانت الرؤوس الفرنسية تتفوق وتبعد الخطر عن المرمى.
بدت المهمة سهلة ومحسومة للاعبي المنتخب الفرنسي في الدقائق الأخيرة من المباراة التي شهدت محاولات ضعيفة من أوروجواي للتسجيل لكن دون جدوى.
وداعًا نيمار
قبل المونديال كانت الصحف البلجيكية تتساءل عن قدرة منتخبها على بلوغ الأدوار النهائية، وعن إمكانية دمج كوكبة النجوم التي يمتلكها في منظومة قوية لا تسقط أمام الكبار كما حدث في المونديال الماضي حين ودعّت بلجيكا البطولة أمام الأرجنتين في ربع النهائي.
وفي مباراتهم الأخيرة كانوا على موعد مع اختبار شديد الصعوبة أمام المنتخب البرازيلي. يملك السيليساو جيلًا مميزًا من اللاعبين ومدربًا نجح في توظيفهم بشكل جيد جدًا منذ انطلاق البطولة. ويملك أيضًا دافعًا للفوز باللقب بعدما خسر النسخة السابقة التي أقيمت على أراضه لكنّه ودع البطولة بشكل مهين أمام ألمانيا بنتيجة (7-1) في نصف النهائي.
كان الجميع ينتظر مباراة قويّة، وهكذا كانت منذ دقيقتها الأولى التي كشفت عن تعديل خططي مهم للغاية في منتخب بلجيكا بالاعتماد على لوكاكو في مركز الجناح الأيسر المهاجم بدلًا من اللعب في عمق الملعب، إضافة إلى تحرير كيفين دي بروين من الأعباء الدفاعية والاعتماد عليه كمهاجم وهمي.
كان الهدف من تلك التعديلات استغلال الثغرات في صفوف السيليساو. ثغرة الطرف الأيسر خلف الظهير المتقدم دائمًا مارسيلو، وثغرة أخرى ظهرت في منتصف الملعب الذي شغله فيرناندينيو بدلًا من كاسيميرو الموقوف. روبرتو مارتينيز المدير الفني لبلجيكا تفوق على تيتي مدرب البرازيل. أوقف خطورة نيمار وكوتينيو وويليان وجابريل خيسوس. واعتمد على هجمات مرتدة نُفذّت بشكل مثالي.
في الدقيقة 8 كادت البرازيل تتقدم من ركنية وصلت إلى تياجو سيلفا الذي لمس الكرة لكنها اصطدمت بالقائم. بعدها بخمس دقائق جاء الهدف الأول لبلجيكا من ركنية حولها فيرناندينيو عن طريق الخطأ في مرماه. نشط نيمار على الجبهة اليسرى لكنّه كان يصطدم كل مرة بالظهير الأيمن مونييه وإلى جواره مروان فيلايني ولم يتمكن من الإفلات منهما بسهولة.
وبينما تحاول البرازيل تسجيل هدف التعادل تلقت شباكها هدفًا ثانيًا من هجمة مرتدة شهدت انطلاقة رائعة من لوكاكو الذي مرر الكرة إلى دي بروين ليسجل الأخير من تسديدة قوية في الدقيقة 26. كوتينيو سدد كرة قوية تصدى كورتوا الذي قرر أن تكون مباراة اليوم واحدة من أفضل المباريات في مسيرته. انتهى الشوط الأول بثنائية بلجيكية مفاجئة.
كان السؤال بين شوطي المباراة، كيف ستنجح البرازيل في الإفلات من قبضة بلجيكا القوية. وكيف تعوّض فارق الهدفين خلال الدقائق المتبقية من المباراة، وقبل انطلاق الشوط الثاني ظهر جزء من الإجابة؛ روبرتو فيرمينيو لاعب ليفربول يستعد للنزول إلى أرض الملعب بدلًا من الجناح الأيمن ويليان الذي قدم شوطًا ضعيفًا.
حاولت البرازيل الوصول إلى المرمى. ولجأ نيمار إلى سلاحه الأشهر وهو السقوط المتكرر على أرض الملعب لكنّ حكم المباراة لم يحتسب شيئًا وسط مطالبات من لاعبي بلجيكا بمنح اللاعب بطاقة صفراء. تحسّن أداء البرازيل بعد الدفع بدوجلاس كوستا على الجبهة اليمنى. ثم جاء البديل الثالث ريناتو أوجستو ليسجل الهدف الأول للسيليساو في الدقيقة 76 بعد تمريرة رائعة من كوتينيو حولها برأسه داخل الشباك.
كانت بلجيكا تحاول الاعتماد على سرعة هازارد ولوكاكو على طرفي الملعب لكنّهما خضعا لرقابة لصيقة في الشوط الثاني قللت من خطورتهما إلى حد كبير. أخطر فرصة برازيلية جاءت في الوقت بدل الضائع من تسديدة قوية من نيمار تصدى لها ببراعة كورتوا لتنتهي المباراة بفوز بلجيكا وصعودها إلى نصف النهائي للمرة الأولى منذ مونديال 1986.
وهكذا ودعت البرازيل آخر 4 نسخ من المونديال على يد منتخبات أوروبية؛ فرنسا عام 2006. وهولندا 2010، والمانيا 2014، وبلجيكا 2018. عاد راقصو السامبا إلى بلادهم بخيبة أمل جديدة بعدمّا حلقت آمالهم عاليًا عقب الأداء الجيد في الدور الأول وخلال مباراة المكسيك في دور الـ16.