DSCF8072

جميع الصور مقدمة من إيناس.

مقابلة

المصورة البحرينية إيناس سيستاني وقصص عن النفس والشارع

أظن أنه من المهم جدًا تطبيع الحديث عن الصحة النفسية في مجتمعنا حتى يتعلم الناس كيفية التعامل مع المرضى من حولهم دون أذية مشاعرهم

إذا زرتم حسابها على إنستغرام، أول شيء سيراقص عيونكم هو الألوان الدافئة الطاغية على صورها وشخصياتها التي تحكي ألف قصة وقصة. إنها المصورة الفوتوغرافية البحرينية إيناس سيستاني، ٣٣ عامًا، التي تسافر بنا عبر كل صورة لها إلى شوارع وحارات العالم. لا تحب إيناس أن يُطلَق عليها لقب مصورة فوتوغرافية، فهي تفضل "راوية قصص مصورة."  تحدثت مع إيناس عبر اتصال على تطبيق زووم عن صورها وتفاصيل الشارع التي تنقلها لنا.

إعلان

VICE عربية: مرحبا إيناس، كيف بدأت مسيرتك في التصوير الفوتوغرافي؟  
إيناس سيستاني: في سنة ٢٠١٦، قررت توضيب حقائبي والذهاب إلى أوروبا بمفردي بغرض السياحة. طبعًا واجهت معارضة من طرف عائلتي التي أبدت بشكل واضح جدًا مخاوفها من ذهابي إلى بلاد بعيدة والتجول هناك لوحدي واعتبروا هذا القرار مجازفة غير محسوبة العواقب. لكنني أصريت وقمت بهذه الخطوة المهمة في حياتي. ذهبت إلى باريس ولم أكن أمتلك في ذلك الوقت كاميرا خاصة، لذلك كنت أستخدم هاتفي لالتقاط كل ما تقع عليه عيني من أماكن وأشخاص، وهنا بالضبط أدركت الكم الهائل من القصص التي كانت تحدث حولي والتي لم تستطع كاميرا هاتفي البسيطة ملاحقة إيقاعها السريع. حينها فكرت لماذا لم أستثمر وقتي في هواية كهذه من قبل؟

فور عودتي من سفري إلى البحرين، بدأت بنشر الصور التي التقطتها على حسابي على تويتر ووردتني مجموعة من الردود الإيجابية وشجعني متابعي على إنشاء صفحة على إنستغرام خاصة بأعمالي الفوتوغرافية. لن أخفيك سرًا أنني تخوفت من اقتراحهم في بادئ الأمر لأنني لم أكن أرى نفسي مصورة، لكنني ما لبثت أن انصعت للفكرة لاحقًا. هكذا بدأت قصتي مع التصوير الفوتوغرافي. مع مرور الوقت، أصبحت انفتح على ألوان جديدة من التصوير الفوتوغرافي، مثل البورتريهات والتصوير المفاهيمي. 

حديثنا عن صور الشارع، وما هي الأماكن التي تحبين التقاط الصور فيها بالبحرين؟
كل شيء في الشارع يأسرني ويجذب انتباهي: المكان بعينه ثم الناس الذين يعيشون قصصهم داخل هذا الفضاء. قبل التقاط صوري، أولي أهمية كبيرة لمكونات المكان حولي بظلاله وأضوائه وجميع تفاصيله، والأهم من هذا هو استغلال هذه العناصر لرواية قصة مصورة متكاملة. نفس الشيء ينطبق على الناس الذين أنتبه لتحركاتهم وأحاول الظفر بتلك اللحظة التي يكونون فيها منغمسين في يومياتهم وحكاياتهم. كم تكون سعادتي عارمة عندما تكون جميع هذه العناصر مجتمعة في لحظة واحدة.

إعلان
DSCF2787-2.jpg

سوق المحرق الشعبي، البحرين.

أحب الشوارع بكل تفاصيلها. ففي البحرين مثلًا أبحث عن الأماكن التي تعج بالقصص والناس والعناصر التي تسمح لي بالتقاط أكبر كم من الصور الرائعة. عمومًا أذهب إلى الأسواق الشعبية القديمة لأنني أجدها مرتعًا لمجموعة من القصص المتنوعة التي تنتظر أن تُروى وأن تتسرب خارج أسوار السوق. أنت لا تجدين فقط أناسًا وثقافات مختلفة، بل أيضًا تتقدم أمامك فرصة ملامسة الحياة بجميع أوجهها المتناقضة. وهذا بالضبط ما أبحث عنه دائمًا في رحلتي لتوثيق حكايا الشارع البحريني التي تعكس ثقافة بلدي ومظاهر التمدن والحضارة في آن واحد.  

DSCF5225.jpg

بانتظار أن يفتح المعبد أبوابه. البحرين.

DSCF2778.jpg

ماذا بخصوص مشروعك الأخير حول الصحة النفسية؟  
أنا أعاني من اضطراب الشخصية الحدية Borderline personality disorder وهو مرض نفسي يعاني منه الشخص المصاب من تقلبات حادة في المشاعر والسلوك بشكل متكرر. للأسف الناس هنا في البحرين، لا يتكلمون علنًا على الأمراض النفسية. لقد اضطررت لتحمل ثقل مرضي لسنوات لوحدي، فكنت أتابع علاجًا نفسيًا مع طبيب مختص دون إخبار أي أحد. لا يزال مجتمعنا ينظر إلى الصحة النفسية على أنها موضوع غير مهم ولا يجب الوقوف عليه بشكل جدي، وخير دليل العبارات التي لا زلت أسمعها من قبيل ”انتِ  شو بك؟ انتِ مينونة؟“ هذه المفاهيم الخاطئة المتجذرة في ثقافتنا حول الصحة النفسية هي ما جعلني أفكر في التحدث عن هذا الموضوع على طريقتي، خصوصًا بعدما زاد الأمر سوءًا عندما ذهبت للدراسة خارج البلاد وتفاقمت حدة مرضي أكثر. لم أجد في البداية عارضًا ليقف أمام الكاميرا، فقررت إذا أن أقوم أنا بهذا الدور -بالرغم من أنني أكره المثول أمام الكاميرا- هكذا أعددت ديكور التصوير داخل شقتي وكل هدفي إظهار حقيقة مرضي بأكثر طريقة صريحة وشفافة ممكنة.

إعلان
DSCF3093-Edit.jpg

الصور من مشروع إيناس الأخير حول الصحة النفسية.

لقد سمحت لي سلسلة الصور هذه بتسليط الضوء على حقيقة ما كنت أشعر به طوال مراحل اكتشافي للمرض والخضوع للعلاج. فمثلًا صادفت أطباء كانوا ينصحوني بالصلاة وقراءة القرآن لتجاوز تبعات المرض، لأنه حسب ظنهم، إيماني الضعيف هو السبب وراء اضطراب شخصيتي. لذلك قمت بكتابة جميع هذه العبارات التي تلقيتها على جسدي وكل هدفي توضيح أن ثقل هذه الجمل، التي قد تبدو للبعض بسيطة، لا يحس به سوى الشخص المصاب الذي يعاني في صمت ويضطر إلى تحمل الألم النفسي طوال حياته. حتى وإن كان يبدو سعيدًا، إلا أن تعليقات المحيطين به ما تزال عالقة في جزء صغير من ذهنه ويصعب الوصول إليها أو مسحها.  أتمنى حقًا أن أكون قد أوصلت عبر هذه السلسلة ولو جزءًا صغيرًا من معاناتنا نحن المصابين باضطراب الشخصية الحدية.

DSCF3195-Edit-2.jpg

 هل هناك موقف أو عبارة أثرت فيك بصورة أكبر؟
أغلب هذه العبارات التي كتبتها على جسدي تمثل جملًا قيلت لي، وظن أصحابها أنها ربما مرت بسلام ولم يكن لها أي تأثير عليّ، لكن العكس هو ما حصل تمامًا. لهذا السبب بالتحديد قررت التطرق لهذه النقطة المهمة حتى أشرح للناس طبيعة مرضي. فالشخص الذي يعاني من اضطراب الشخصية الحدية إما تجدينه منتشيًا من السعادة الغامرة، أو غارقًا في بحر أسود من الكآبة. أتذكر تعليق أحدهم عندما أخبرني ”لا أستطيع التواجد بقربك طوال الوقت لأن اضطرابك ينهب من روحي“ وهو ما أثر على نفسيتي بشكل كبير. ففي الوقت الذي يجب عليّ فيه مجابهة مرضي لوحدي، هناك من يرى أن تأثيري سلبي عليه وكأنني سعيدة بهذا. لهذا أظن أنه من المهم جدًا تطبيع الحديث عن الصحة النفسية في مجتمعنا حتى يتعلم الناس كيفية التعامل مع المرضى من حولهم دون أذية مشاعرهم.  

لاحظت أن صورك يطغى عليها اللون الأصفر تحت هاشتاغ "الأصفر بعيوني" ما القصة؟  
منذ صغري وأنا مولعة بعالم ”ناشيونال جيوغرافيك“ وكان حلمي رؤية أعمالي منشورة على هذه المنصة المرموقة. عندما رأيت أنهم أطلقوا حملة أسموها ”الأصفر بعيونا“ قررت رفع التحدي ونشر صوري متبوعة بهذا الهاشتاغ على أمل تحقيق أمنيتي يومًا. وهذا ما حصل، فقد تم نشر إحدى صوري التي التقطتها بكوبا على صفحة ناشيونال جيوغرافيك منذ بضعة أشهر. 

DSCF5945.jpg

نشرت هذه الصورة في كوبا على صفحة ناشيونال جيوغرافيك.

ما هي في نظرك العناصر التي تصنع صورة مؤثرة؟  
هذا أصعب سؤال يمكن أن يطرحه عليّ أحدهم. لقد سألت لتوك شخصًا مثاليًا عن شيء هو بالكاد يطمح للوصول له. عندما أنظر إلى صوري المنشورة على حسابي، فإنني لا أنفك أستخرج منها عيوبًا وأنتقد طريقة التقاطي لها. لا توجد صورة مثالية، لأن لكل صورة قصتها ومنظورها الخاصين. إذا أخذنا مثلًا كرسيًا والتقطت كل واحدة منّا صورة له، فإن صورتينا معًا ستكونان مميزتين، لأنك ستستخدمين زاوية معينة هي في نظرك الأنسب لإظهار جمالية هذا الكرسي، بينما أنا سأختار نقطة مختلفة. صراحة، هذه مشكلة أغلب المصورين، لأننا لا نقتنع بأعمالنا بشكل كلي أبدًا، لكن في نفس الوقت هذه اللمسة الخاصة هي ما تجعل كل صورة مميزة، وهي ما تميز عمل هذا المصور عن الآخر. عمومًا، عند التقاط أي صورة، على الأقل فيما يخص تصوير الشارع، يجب الانتباه إلى ثلاثة عناصر أساسية: التكوين والقصة واللمسة الخاصة.