DSC_0383
اكتشت أشهر المعالم العمرانية في الإمارات باللون الأحمر استعداداً لدخول مسبار الأمل مدار المريخ اليوم. الصورة: مكتب رئاسة مجلس الوزراء.
مسبار الأمل

حكاية الإمارات مع الكوكب الأحمر

كسرت الإمارات احتكار الدول الكبرى في استكشاف الفضاء

كان يا ما كان، منذ أقدم الأزمان. ثاني أصغر كواكب المجموعة الشمسية، والكوكب الأقرب للأرض بعد كوكب الزهرة. والوحيد ذو الأربعة فصول (تتراوح بين الجليد والأقل جليدية)، وبساعات يوم تزيد عن الـ24 ساعة بـ37 دقيقة، وقمرين يدوران حوله، والذي يكسبه تأكسد الحديد في تربته لونه الأحمر.

إنه المريخ، الذي يبدو أنه بطل حكايتنا القادمة، والأمير/ة المنقذ/ة لمستقبلنا. هذا الكوكب الذي اقتنع الكثيرون بأن احتمالية وجود حياة به تزيد عن أي كوكب آخر، بسبب شبهه بالأرض. بدأ العالم يتطلع لاستكشافه منذ ستينيات القرن الماضي، بمحاولات لم ينجح أي منها تقريبًا. ثم انشغل سكان كوكب الأرض بالكثير من النشاطات- الحروب الباردة والساخنة وتخريب الغابات، وكل ما يتعلق بإنهاك كوكبهم- التي ألهتهم عن اكتشاف الكوكب الأقرب من حيث إمكانية الحياة.

إعلان

ولكن مع الألفية الجديدة عاد المريخ ليأسر العالم، مع البحوث التي أظهرت وجود آثار للمياه على سطحه البارد، والتي قد تدل على آثار للحياة كانت ربما في يوم ما على هذا الكوكب. وكما قال البعض عنه فهو منجم علم حقيقي، أو كما يقول عنه بعض الأثرياء والعلماء اللذين باتوا مهوسين به "المستقبل هو المريخ."

وفي عام 2020، وفي حين كان سكان الأرض يواجهون وباء فيروس كورونا الذي أودى بحياة أكثر من مليونين -ما يفوق عدد الوفيات الناتجة عن أمراض الأيدز والملاريا، والكوليرا، والإنفلونزا بأنواعها مجتمعين في نفس الفترة- وحبس آخرين في بيوتهم، وهدد اقتصاداتهم، شهد صيف هذا العام بالتحديد ثلاث رحلات نجحت بالإقلاع إلى الكوكب الجار، بهدف استكشافه ودراسته. مجدداً عاد الإهتمام بالمريخ، وباتت بعض الدول - وإيلون ماسك- يتحدثون مرة أخرى عن بناء المستعمرات على المريخ، ودراسة غلافه الجوي ومستويات الأكسجين به، وتحليل ترتبه الصخرية.

إعلان

التوقيت
تم اختيار صيف ٢٠٢٠ الصعب لإطلاق هذه البعثات الثلاث، بناء على الدورات الفلكية التي لا تقدم إلا إمكانية إطلاق واحدة كل 26 شهراً حين تكون المسافة بين المريخ والأرض هي الأقصر. وتبلغ هذه المسافة 55 مليون كيلومتر تقطع في غضون ستة أشهر تقريبًا.

 وكالعادة في هذه الرحلات، تفرد الدول الأكثر قوة عضلاتها، وفعلاً تم إطلاق مهمة صينية، وأخرى أمريكية، أما المهمة الروسية فتم تأجيلها بسبب الفيروس. وكانت الدولة الثالثة التي نجحت بالرغم من الوباء وأطلقت مسبارها نحو المريخ، هي الإمارات العربية المتحدة، التي قامت بإرسال "مسبار الأمل" لاستكشاف المريخ في يونيو 2020. وفي حال نجاح هذا المسبار في مهمته، ستصبح الإمارات، التي تحتفل بعيدها الخمسين، خامس دولة في العالم تصل إلى مدار المريخ (سبقتها الولايات المتحدة، روسيا والاتحاد الأوروبي والهند) وثالث دولة في العالم تصل إلى مدار الكوكب الأحمر من المحاولة الأولى.

الدقائق الـ27
هذا المسبار الغير مأهول هو أول مسبار عربي ينطلق خارج مدار الأرض. وجميعنا ننتظر إن كان سينجح بتخطي الدقائق الـ27 العمياء الأصعب في رحلته التي وصلت مدتها لحوالي 7 أشهر، وذلك بعد سفره في الفضاء بسرعة تبلغ 121 ألف كيلو متر في الساعة، وذلك منذ انطلاقه من جزيرة تاناغاشيما في اليابان في 20 يوليو 2020، قاطعاً نحو 493 مليون كيلومتر. على المسبار أن ينجز بنجاح المرحلة الأكثر صعوبة ودقة وخطورة وهي مرحلة الدخول إلى مدار المريخ.

إعلان

وكما كتبت سارة الأميري رئيسة مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء، ووزيرة الدولة للتكنولوجيا المتقدمة في تغريدة "27 دقيقة عمياء تحدد مصير 7 سنوات من العمل." نعم، المشروع الذي ولد عام 2014، ستكون هذه الدقائق الـ27 من أصعب مراحله، حيث يكون الاتصال متأخراً بينه وبين مركز التحكم في المحطة الأرضية في دبي، وعليه أن يقوم بهذه العملية ذاتياً، كما عليه أن يقوم وحده أيضاً بالتغلب على ما قد يواجهه من تحديات أثناء هذه الدقائق. اللحظة الحاسمة هي عندما يتمكن فريق المحطة الأرضية من استلام الإشارة من المسبار فور تخطيه الدقائق الـ27 العمياء إيذاناً بإعلان نجاح المهمة في هذه المرحلة.

وفي حال النجاح، سيصبح المسبار الإماراتي هو أول الواصلين من الرحلات الثلاث التي انطلقت الصيف الماضي باحثة عن مستقبل أفضل لكوكبنا. لتلحق به بعد يوم مركبة الفضاء الصينية "تيانوين-1" والتي يعني اسمها (أسئلة إلى السماء)، وتليها مركبة الفضاء الأميركية "بيرسيفيرانس" والتي تعد الأكبر من حيث الأهداف العلمية. ولكن على عكس مشروعي المريخ الآخرين الصيني والأميركي، لن يهبط المسبار الإماراتي على الكوكب الأحمر بل سيدور بدلا من ذلك حوله لمدة عام مريخي كامل أي ما يعادل 687 يومًا.

وقد اختار فريق العمل هذا المدار المميز ليكون مباشرة أعلى خط الاستواء الخاص بالمريخ ما يتيح له أفضل موقع لجمع البيانات العلمية والصور عن هذا الكوكب، لتحقيق الهدف من رحلة "الأمل" الإمارتية بتقديم صورة كاملة للغلاف الجوي للمريخ، وجمع البيانات التي ستتم مشاركتها مع مجتمع أبحاث الفضاء العالمي. ربما الأهم هو معرفة ما الذي تغير في مناخ كوكب المريخ، حيث تشير دراسة أُجريت عام 2019 إلى أن المريخ ربما يكون أظهر ظروفًا مناسبة لإيواء الحياة قبل 4.48 مليار سنة، وهو ما يسبق أقدم دليل على الحياة على الأرض بحوالي 500 مليون سنة. كما أشارت دراسة أخرى إلى وجود مياه جوفية ومسطحات مائية على سطح المريخ يمكن أن تكون غنية بما يكفي من الأكسجين لدعم الحياة.

إعلان

الانتقادات
وعلى الرغم من شعور كثيرين بالسعادة والفخر بهذا الانجاز العربي، إلا أن الأمر لم يخلو من انتقادات. هناك من اعتبر أن هذا المسبار هو مجهود دعائي مبالغ فيه للدولة ذات ألقاب الأطول والأكبر والأكثر… فيما يقول البعض الآخر أن هذا المشروع المكلف يهدف بشكل رئيسي لدغدغة المشاعر. ويدعي آخرون أنه في حين تقول الإمارات أن المشروع نُفذ بأياد محلية، يتحدث البعض عن صنعه في الولايات المتحدة وإطلاقه في اليابان، وأن جدواه الحقيقية تكاد تكون غير موجودة. وفي نفس الوقت، تحذر بعض الانتقادات الأكثر "تفاؤلًا" من أن الإمارات تلعب دورًا فيما يسمى (عسكرة الفضاء) واحتلال المريخ، أو على الأقل ضمان حصة في الكعكة القادمة. وهناك من ينتقد حديث السياق الإعلامي الإماراتي الذي يضع الإنجاز في مكان يفوق حجمه، ويجعل الأمر يبدو وكأن الإمارات قد فعلت ما لا يقدر أحد على فعله.  هناك الكثير من المبالغات بلا شك. الدول العربية لم تحقق الكثير في مجال البحث العلمي، وهي دول غالبًا ما يكون المواطن شغلها الشاغل (لا أعني ذلك بشكل ايجابي)، في المقابل، كسرت الإمارات احتكار الدول الكبرى لاستكشاف الفضاء. 

المشروع تم بفريق عمل إماراتي، معظمهم بعمر أقل من 35 عامًا. وكان الفريق مكون من 150 مهندساً وباحثًا. وأشرفت مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية على جميع مراحل التصميم، التنفيذ، التطوير وإطلاق المسبار بينما تولّت وكالة الإمارات للفضاء التمويل والإشراف على المشروع. وحتى في حال كان هناك تعاون عِلمي مع دول أخرى، فهذا لا يقلل بالضرورة من انجاز الإمارات. أما بخصوص الحديث عن أنها دولة غنية، وهو ما يعني ضمناً أنها تستطيع تحقيق أي شيء، فهناك الكثير من الدول الثرية في العالم التي لم تفعل شيئاً يذكر لمواطنيها ناهيك عن البشرية.

الإمارات لن تتوقف عند المسبار، فقد أصبح لديها قطاع فضاء فعلي وخطط مستقبلية، وترغب بإقامة "أول مستوطنة بشرية صالحة للسكن" على سطح المريخ بحلول عام 2117. في حال وصول المسبار بأمان إلى مدار المريخ، ستصبح الإمارات أقرب لتحقيق أهدافها، وتصبح الدولة العربية الوحيدة في هذا السباق بين الدول الكبرى.

لست مضطراً أن تحتفل بهذا الإنجاز، ولك الحق في أن تشكك وتنتقد، ولكن إذا حلمت يوما مًا بالعيش على كوكب يدور حوله قمرين بدلًا من قمر واحد، فالخبر الجيد أنك بت الآن أقرب قليلاً لهذا الحلم، وبأنك كعربي بات لديك أمل في أن يكون لك مكان بالفضاء للمرة الأولى.

سيصل مسبار الأمل إلى مدار الالتقاط حول كوكب المريخ اليوم الثلاثاء عند الساعة السابعة مساءً بتوقيت الإمارات.