dainis-graveris-N0FUYIS-cmM-unsplash
مرأة

عمليات تجميل المهبل والصورة السيئة للنساء حول أعضائهن الجنسية

عدم الرضا عن الجسد أعلى لدى النساء في كل الأعمار منه لدى الرجال

كانت هدير مصلحي، 30 عامًا، تجلس في غرفتها تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي بحثًا عن طرق جديدة لتبيض المنطقة الحساسة وحلمات الثدي، إلى أن وقعت عينيها على إعلان لأحد مراكز التجميل التي تجرى مثل هذه العمليات، لم تتردد وسارعت بالاتصال لمعرفة مزيد من التفاصيل.

لم تكن هدير راضية عن شكل أعضاءها الجنسية، وكانت تنفق كثير من المال من أجل تحسين شكل عضوها الأنثوي وتفتيح منطقة الثدي، وشد أي ترهلات عن طريق كريمات طبية متخصصة وممارسة الرياضة، وكان لديها هوس بهذا الأمر وعلى استعداد لتجربة أي شيء جديد، للوصول للكمال البدني التي تبغاه.

إعلان

هدير ليست الوحيدة في مصر التي لا تتقبل شكل أعضاءها التناسلية، حيث تزداد شعبية الجراحة التجميلية للأعضاء التناسلية الأنثوية بالعالم، زادت عملية تجميل الشفرات على وجه الخصوص بنسبة 600٪ في أقل من عقد في الولايات المتحدة مثلاً، يُعزى إلى عدة أسباب بما في ذلك المخاوف الوظيفية والجنسية والمتعلقة بالمظهر وسهولة الوصول إلى المعلومات إضافة إلى التأثيرات الثقافية.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية في مصر لعدد مراكز التجميل التي تجري مثل هذه العمليات التجملية، ولا لعدد النساء التي خضعن لها، إلا إنه بالبحث البسيط تستطع أن تلاحظ مدى انتشار هذه المراكز التجميلية المتخصصة، كما أن روايات النساء التي استطعن الوصول لهن وتحدثن معنا تخبرك الضغوط التي تعرضن لها من قبل الأهل والشريك وكانت سبب في خضوع هؤلاء النسوة لتجميل الأعضاء الأنثوية.

في الثقافة العربية الشعبية، منعت المرأة من حب جسدها والخوف حتى من لمس والتعرف على أعضاءها التناسلية، والذي يصل لحد تحريم النظر للجسد في المرآة خاصة العضو الأنثوي، تقول هدير الفتاة الثلاثينية لـ VICE:" تعلمت منذ الصغر كيف أحافظ على هذه المنطقة المحظورة وتعلمت كيف أخاف منها، أخاف من لمسها والاقتراب منها، وأغلب الفتيات التي أعرفهن تربين بنفس الطريقة التى ترعب الفتاة من حتى لمس هذه المنطقة."

وتتذكر هدير كيف أن والدتها كانت تحذرها في فترة مراهقتها حتى من الاعتناء بهذه المنطقة أو إزالة شعر العانة بادعاء أنه حرام، وهدير كما أخبرتنا كانت تتجنب النظر لجسدها في المرآة ولا تعرف السبب الخفي وراء هذا الخوف الذي تحول إلى هوس بالاهتمام بهذه المنطقة.

أغلب المرضى لدي يعانين من هوس مرضي بعمليات التجميل، يكون السبب الرئيسي هو الضغط من الشريك أو الزوج

إعلان

تخبرنا هدير عن عملية التجميل التي خضعت لها والتي كانت عبارة عن عملية لتفتيح منطقة الثدي وتبيض الأعضاء التناسلية والتي كلفتها ما يقرب من 200 دولار لكل جلسة وهو رقم كبير بالنسبة لهدير التي تعمل موظفة في أحد المؤسسات الحكومية لا يتجاوز راتبها الشهري 200 دولار، إلا أنها أكدت أن الجراحة أثرت بالفعل على رضاها عن مظهرها وتقول:" لم تكن الطبيبة متأكدة بحاجتي لجلسات للتفتيح فقد أكدت لي بأنني لست بحاجة لجلسات وأن شكل جلدي ولونه لا بأس به، ولكني أصررت على خوض هذه التجربة التي كنت متأكدة بحاجتي لها، ورغم أنني لم ألحظ فرق كبير بعد الجلسات إلا أنها أثرت على رضائي عن مظهري، لكنها لم تزل رهبتي من الزواج والتعري أمام رجل." 

أجرت دينا، 35 عامًا، محامية متزوجة، جراحة تجميلية لتجميل الشفرتين، في إبريل هذا العام، وقالت بأنها شعرت بفارق كبير في علاقتها بزوجها وتشعر بارتياح أكثر وثقة، لم تشعر بها منذ تزوجت من أربع سنوات، حيث أن زوجها كان دائم الانتقاد لشكل عضوها الأنثوي، مما دفعها للبحث عن عملية جراحية تجميلية.

ودينا التي فضلت استخدام اسم مستعار تقول: "كان زوجي يصف عضوي الأنثوي بصفات كريهة ويقول لي دائمًا بأن حجمه لو كان أصغر ولونه مختلف لكان أفضل، وكنت أنظر في المرأة وأشعر بأن شكله بالفعل قبيح. هذا الأمر جعلني أشعر بعدم الاستحقاق حتى للمتعة الجنسية، وبدأت بعدها أعاني من تشنج مهبلي جعلني أرفض العلاقة الجنسية بالكامل، وأخبرتني طبيبتي بأن الأمر نفسي ولا يوجد أي مشكلة عضوية لهذه الحالة."

سمعت دينا عن جراحة التجميل تلك لأول مرة من أحدى صديقاتها التي تعمل في مركز للتجميل وقالت لها بأن الجراحة سوف تغير علاقتها بزوجها ويجعل شكل أعضاءها الخاصة تبدو "كالوردة المغرية كما وصفت" وتضيف: "لم تستغرق العملية التي كلفتني ما يقرب من 2،500 دولار، أكثر من ساعة مع قدر قليل من الألم، وبالفعل غيرت علاقتي بزوجي."

إعلان

وتعرف هيئة أطباء النساء والتوليد الأمريكية (ACOG) الجراحة التجميلية للأعضاء التناسلية الأنثوية على أنه أي تغيير جراحي لتشريح الفرج المهبلي للنساء اللائي لا يعانين من خلل هيكلي أو وظيفي واضح، وهو مصطلح واسع يشمل العديد من الإجراءات، بما في ذلك تجميل الشفرين أو تكبيرهم، تصغير غطاء البظر، تنحيف المهبل وشد ترهلات المنطقة المحيطة، تضخيم الجي سبوت، تكبير المؤخرة وتبيض حلمات الثدي، وغيرها.

وفقًا لبيانات الجمعية الدولية لجراحة التجميل ISAPS في أخر أحصاء رسمي لها، عام 2019 تم إجراء حوالي 11.36 مليون عملية جراحية تجميلية في جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى 13.6 مليون إجراء غير جراحي. كانت العملية الأكثر شعبية التي أجراها جراحو التجميل هي عملية تكبير الثدي حيث تم إجراء ما يقرب من 1.8 مليون عملية، تليها عمليات شفط الدهون بـ 1.4 مليون عملية جراحية والنسبة الأكبر من المقبلين على هذه العمليات كانت من النساء.

أخصائي الأمراض النفسية عبد الرحمن محمد بمركز أسما للصحة النفسية يؤكد أن أغلب المرضى لديه يعانين من هوس مرضي بعمليات التجميل، يكون السبب الرئيسي هو الضغط من الشريك أو الزوج، الذي يكون أكثر عرضة  لمؤثرات السوشيال ميديا والمواقع الإباحية التي تضع نمط للجمال وعليه يتشكل نظرة الرجال للأعضاء التناسلية المثالية.

قد ينتج عن اضطراب تشوه الجسد عدم القدرة على الاستمتاع بالعلاقة الحميمية، وبدل أن تكون هذه لعلاقة فرصة للتقارب النفسي تصبح عبئاً نفسياً

ويضيف: "50 بالمئة من النساء التي يأتين لي يعانين من نفس مشكلة دينا، أغلبهم نساء متزوجات يتعرضن للضغط من قبل أزوجهن لتغيير مظهرهن، 30 بالمئة منهن يعانين من اضطراب تشوه الجسد كحال سيدة متزوجة تعاني من هوس شراء منتجات التجميل والخضوع لعمليات تجميل، لإرضاء زوجها، وقد خضعت لجراحة لتكبير الثدي لكن زوجها لم يرض، ولم تتغير نظرتها المتدينة لذاتها بل على العكس زاد الأمر سوء مع بعض المشاكل الصحية نتيجة لحجم الثدي الذي لم يتناسب مع حجم جسدها."

إعلان

يشير عبد الرحمن إلى أن إجراءات التجميل التي تغير الشكل للوصول لقالب الجمال المتعارف عليه هي قديمة ليست مستحدثة؛ فقديمًا كانت بعض القبائل البدائية تضع معايير جمال مدمرة للأناث، كالتي ترى جمال النساء في رقاب طويلة أو شفاة غليظة فتضطر الإناث للارتداء حلقات في الرقبة لإطالتها، أو في الشفاه لجعلها أكبر، وفي العصور الوسطى كان تعرف المرأة الجميلة بأنها ذات القدم الصغيرة واضطرت النساء وقتها بارتداء أحذية لتصغير القدم مما أدى إلى تشوهات، ويكمل: "كل هذه الأمثلة هي قوالب تسيطر على النساء وتشكل تصرفاتهن ونظرتهن لإجسادهن خصوصًا عندما يكون الأساس في التربية يركز على القبول المشروط."

هوس العالم بعمليات التجميل له تأثير مباشر على الصحة النفسية وتسبب بتشوه صورة الجسد وعدم الرضا عن شكل الجسم هو خلل في التقدير الذاتي وتؤكد الأبحاث النفسية، أن جزء كبير من تقدير الذات يتوقف على الصور الذهنية للجسد، وقد يؤدي لكره وتدني النظرة الذاتية للشخص، ويدفع كثيرات لعمليات التجميل إن أمكن أو الهوس في التجميل بشكل عام وقد يصل الأمر للإدمان.

الدكتورة سالي توما، أستاذة الطب النفسي ومؤسسة المبادرة المصرية للتعريف باضطرابات الأكل، تقول أن إدمان جراحات التجميل هو ضمن اضطرابات تشوه الجسم وهو مرض نفسي قد يحدث لأسباب كثيرة منها اضطراب القلق العام، واضطرابات الأكل وحتى الإصابة بالوسواس القهري. وتضيف: "هؤلاء المرضى هم أكثر عرضة للانتحار والاكتئاب والعزلة عن الناس ومشاكل اضطرابات الأكل، وقد يقضى المرضى ساعات طويلة يوميًا في محاولة لتعديل أو أخفاء المشاكل الجسدية وتغيير ملامحه عن طريق  عمليات التجميل المتكررة. قد ينتج عن اضطراب تشوه الجسد عدم القدرة على الاستمتاع بالعلاقة الحميمية، وبدل أن تكون هذه لعلاقة فرصة للتقارب النفسي تصبح عبئاً نفسياً."

إعلان

وتقول الكاتبة نعومي وولف في كتابها الشهير "The Beauty Myth" أن الصناعات العالمية قد حددت معايير للجمال لاحقت النساء وجعلت حياتهم صعبة، أملت عليهن السلوك والمظهر العالم وجعلتهن مهووسات بالصيحات الحديثة وعمليات التجميل، ليس هذا فقط بل حددت أيضَا هويتهن وربطه بمدى جمالهن وسجنتهن داخل قوالب جاهزة متوافقة مع صناعات الجمال، وأسطورة الجمال، بحسب وولف.

يعود تاريخ عمليات التجميل إلى القرن الحادي عشر من قبل الطبيبة تروتولا دي روجيرو التي بدأت بعمليات ترميم المهبل ما بعد الولادة، وهو أساس عمليات التجميل الحديثة التي يعرفها العالم اليوم. في سبعينيات القرن الماضي، في أستراليا بالتحديد بدأت عمليات تجميل الجزء الخارجي للعضو الأنثوي أو الشفرتين لإسباب جمالية، والمعروفة باسم تجميل المهبل في الانتشار وانتقلت لأوروبا والولايات المتحدة. 

وبعد أن كان شكل الشفرتين للأناث يختلف من واحدة لأخرى بدأ يظهر نموذج موحد لشكل العضو الأنثوي المثالي والذي يسمى بـ"مهبل باربي أو المهبل المصمم" يكون فيها الشفرين صغيرين ضيقان، غير مرئيان تقريبًا، وتكون فتحة المهبل ضيقة. وبدأت تنتشر هذه العمليات في الدول العربية في السنوات الأخيرة، خاصة دول الخليج. وتولي النساء أهمية أكبر بعمليات التجميل وشكل جسدها وبحسب الدراسات فأن عدم الرضا عن الجسد أعلى لدى النساء في كل الأعمار منه لدى الرجال.

النساء العربيات لم يتعلمن حب أجسادهم، وفطرنا على الخوف من النظر لمفاتنهن وجمال أجسادهن، الأمر ينطبق على ليلى، 35 عاما، التي كانت علاقتها بجسدها سيئة دائمًا خاصة أعضاءها الأنثوية، علاقة كما وصفتها بأنها مليئة بالخوف والدونية،  لم تستطع تحمل نفقات العملية التجميلية، ومع ذلك لم تكف من الاهتمام المتزايد والخجل من شكل أعضائها الأنثوية.

إعلان

وتحكي ليلى وهي زوجة منذ خمس سنوات، فضلت عدم ذكر اسمها بالكامل وتقول:" كانت أمي طيلة الوقت وتحذرني من المساس أو التمعن بالنظر لمفاتن جسدي، وبسبب هذا الحظر والتخويف كنت أكره شكل جسدي ومظاهر أنوثتي وشكل أعضائي التناسلية." تطورت مخاوف ليلى حتى أنها كانت تخشى الدخول في أي علاقة جنسية، وفكرة تعريها أمام رجل كانت فكرة مخيفة، كانت تخاف من العلاقة الحميمية وتخاف من سؤال زوجها عن رأيه في شكل جسدها. 

رغم علم ليلى بوجود عمليات تجميلية يمكنها تجميل أعضاءها التناسلية التي تراها كريهة غير جميلة، إلا أنها لا تملك المال لمثل هذه العمليات فلجأت للحل الأرخص وهي الكريمات المبيضة للمناطق الحساسة، والوصفات الطبيعية لتبيض وشد ترهلات هذه المنطقة وتضييق المهبل كما أخبرتنا. إلا أن كل هذا لم يحل الأزمة النفسية من جذورها، ما زالت تخاف كلما حاول زوجها التمعن في شكل جسدها، أو حتى مدحه.

عمليات تجميل المهبل بالليزر ليست مجرد موضة أو تقليعة، بل هي أمر مهم لبعض النساء

الدكتورة دعاء الشريف، استشارية الأمراض الجلدية والتجميل والليزر بجامعة حلوان في مصر، وتعمل في تعمل في مركز الدكتور ماجد زيتون الطبي، تقول أن 50 بالمئة من مرضاها يأتون من أجل للخضوع لجلسات تجميلية للمهبل هم متزوجات وتضيف: "أغلن النساء يرغبن في تحسين شكلي وتجميلي رغبة في تحسين علاقتهم بأزواجهن، وهي بالفعل لها أثر على تحسين الثقة بالنفس وتحسين العلاقة بالشركاء. غير المتزوجات يفضلن الخضوع  لجلسات تبييض وإزالة الشعر بالليزر."

وتذكر الشريف أصعب الحالات التي عالجتها لسيدة متزوجة وهي أم لـ8 أبناء الأمر الذي أحدث توسع هائل في المهبل وتشوه في شكله، وكانت منهارة وعلى وشك الانفصال عن زوجها بسبب هذه المشكلة، وتم علاجها وتحسين علاقتها مع زوجها.

وتضيف الشريف: "عمليات تجميل المهبل بالليزر ليست مجرد موضة أو تقليعة، بل هي أمر مهم لبعض النساء، وتتحدد مدى أهمية عمليات التجميل على حسب الحالة وليست العملية التجميلية نفسها؛ وخاصة عندما تعاني المريضة من مشكلة حقيقية في حياتها وعلاقاتها الجنسية، بسبب العيوب والتشوهات وعمليات الولادة المتكررة التي تسبب تغير شكل أو حجم المهبل. أما في حالة النساء اللواتي يعانين من اضطرابات تشوه الجسد أو مشكلة في عدم تقبل الذات، فلا أسطتيع المساعدة هنا وأنصح بالتوجه إلى معالج نفسي للمساعدة في ذلك."

حتى تتغير القوالب الاجتماعية المتعلقة بالجمال التي تؤثر على تقدير النساء لأنفسهن يجب أن تتغير أولًا المفاهيم الشخصية لكل شخص فيما يتعلق بالجمال الذاتي وتقدير الذات وخلق معايير خاصة لكل شخص. وتقول توما أنه مواجهة الصورة المشوهة للجسم واستبدالها بصورة إيجابية يجب أولًا التثقيف الذاتي لمعرفة الأسباب التي شكلت هذه الصورة السلبية نحو الجسد، ومعرفة أن الجسم ليس هو المحدد للقيمة الذاتية. وتضيف: "من المهم غرز التراحم تجاه النفس وعدم جلدها وتقدير الذات في المريض المصاب باضطرابات تشوه الجسم ومساعدته على تقدير الذات، ومواجهة القلق المستمر المتعلق بالجسد وشكله، وتغيير المعتقدات المترسخة المتعلقة برأي الأخرين في بالمظهر والجسد."