سياسة

بعد انضمام البحرين والإمارات، نظرة على اتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية

الوضع العربي ككل قد تغير
mor-shani-JoDYtjFxbuQ-unsplash

ثاني اتفاق سلام عربي "إسرائيلي" خلال 30 يومًا، هكذا أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توقيع اتفاقية سلام جديدة بين إسرائيل والبحرين  في ١١ سبتمبر. في حقيقة الأمر، لم يكن الاتفاق مفاجئًا. في مقابلة أجراها وزير الخارجية البحريني "خالد بن أحمد آل خليفة" خلال ورشة البحرين للسلام من أجل الازدهار في يونيو ٢٠١٩، قال بشكل واضح "إسرائيل وُجدت لتبقى، ولها الحق في أن تعيش داخل حدود آمنة" مؤكدًا أن بلاده ودولاً عربية أخرى تريد التطبيع معها.

إعلان

في 13 أغسطس الماضي، أعلن ترامب أيضًا، عن توقيع الإمارات اتفاق سلام مع إسرائيل، وأيضاً العلاقة بين الإمارات وإسرائيل لم تكن وليدة التوقيع، حيث يشير خبراء إلى أن العلاقة بدأت تنشأ بين البلدين منذ قرابة خمس سنوات. ففي عام 2015، افتتحت تل أبيب ممثلية دبلوماسية لها في العاصمة الإماراتية، أعقبها افتتاح مكتب تجاري، واستضافات عدة رياضيين إسرائيليين على مدار السنوات الخمس الماضية. وقامت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف في 2018 بجولة في مسجد الشيخ زايد في العاصمة الإماراتية أبوظبي. وخلال العام الحالي 2020، هبطت أولى رحلات الطيران من أبو ظبي إلى مطار بن غوريون في تل أبيب وهي تحمل مساعدات طبية.

حاولت أمريكا، الإمارات وإسرائيل، التأكيد والتوضيح على أن الاتفاق جاء لخدمة الفلسطينيين، حيث ستوقف إسرائيل عملية ضم أراضي الضفة الغربية، لكنه لم يلغي عملية الضم، بل تم "تأجيله بشكل مؤقت" بحسب ما أكد نتنياهو في تصريحات له. كما أكدت الإمارات على أهمية اتفاقها مع إسرائيل بهدف إرساء السلام والتعاون المشترك في كافة المجالات، فيما لم تصدر البحرين أي تصريح رسمي بشأن اتفاقها. الواضح أن الإمارات والبحرين تحاولان إرضاء حليفهم الأمريكي ترامب، إضافة إلى تقوية موقفهما في مواجهة إيران. وقد أشارت وثائق سربتها ويكيليكس عام 2011، عن تعاون استخباراتي بين البحرين وإسرائيل حول إيران، ومطالبتها للولايات المتحدة بحل القضية الفلسطينية والتفرغ لمواجهة المد الإيراني وحلفائه "قطر وتركيا وسوريا."

الإمارات والبحرين ليستا الدول العربية الأولى، التي تتفق على السلام مع إسرائيل، لكن الملفت للانتباه هو عدم إشراكهم للفلسطينيين في المطالب، أو على الأقل إعلامهم بما يجري من محادثات بخصوص أراضيهم ومستقبل دولتهم. ورفض الفلسطينيون بكافة أطيافهم اتفاقيات السلام الموقعة مؤخرًا مع إسرائيل، وخلال اجتماع جامعة الدول العربية قبل أيام، قدم الفلسطينيون مشروع قرار كان يسعى لإدانة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، إلا أنهم لاقوا معارضة من غالبية الدول العربية، وتم اسقاط المشروع. ويرى خبراء فلسطينيون أن الاجتماع الأخير للجامعة العربية يدلل على الانقسام العربي حول قضية فلسطين وتراجعها بحيث لم تعد قضية العرب الأولى، وقال الكاتب طلال عوكل "مخرجات الاجتماع، تشير إلى انهيار جامعة الدول العربية."

إعلان

مصر كانت أوائل الدول العربية الأولى التي رحبت بالاتفاق بين كل البحرين ومن قبلها الإمارات، حيث اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الاتفاق سيحقق "السلام والازدهار والاستقرار بالمنطقة." مصر كانت الدولة العربية الأولى التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل قبل قرابة الـ 40 عاماً. في مارس 1979، عندما وقع كل من الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، معاهدة سلام مصرية إسرائيلية في البيت الأبيض بواشنطن، برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، والتي جاءت في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، وبعد 16 شهرًا من زيارة السادات لإسرائيل عام 1977.

جاءت اتفاقية السلام بعد حرب اكتوبر عام 1973 واتفق الطرفان على الاعتراف المتبادل بينهما، ووقف حالة الحرب التي كانت قائمة منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وتطبيع العلاقات، وانسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء التي كانت احتلتها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة في عام 1967 -بشرط أن تبقى سيناء منزوعة السلاح، وربما تحرير سيناء كان البند الأهم بالنسبة لمصر في تلك الإتفاقية. في ذلك الوقت، رفضت الدول العربية هذه الاتفاقية، وعلقت جامعة الدول العربية عضوية مصر لعشر سنوات (1979 – 1989)، ونقلت مقر إقامتها من القاهرة إلى تونس، وفي أكتوبر 1981، اغتيل السادات على يد أفراد من جماعة الجهاد الإسلامي المصرية.

شكلت كامب ديفيد بداية التنازل العربي والتغيير في مسار القضية الفلسطينية، حيث دعت مصر، منظمة التحرير الفلسطينية للمشاركة في التفاوض حول حكم ذاتي فلسطيني في كل من الضفة والقطاع، خلال مفاوضاتها مع "إسرائيل" في القاهرة" لكن المنظمة رفضت المشاركة. وكانت السادات قد طرح مبادرة في ذلك الوقت، تتضمن فكرة إنشاء حكم ذاتي فلسطيني يمتد إلى السكان والأرض، وهو ما رفضته إسرائيل وأصرت على تثبيت حكم ذاتي للسكان فقط. فيما بعد، تنازلت مصر عن دعم مطلب الدولة الفلسطينية، فيما بعد تمسكت إسرائيل بمطلب الحكم الذاتي للسكان وليس الأرض، ليصبح هذا المطلب هو الأساس التفاوضي بين إسرائيل والمنظمة. وهو ما تسبب في إضعاف الموقف العربي والفلسطيني، خاصة بعدما كان من المفترض أن يدعم الاتفاق المصري الإسرائيلي فكرة إنشاء حكم فلسطيني على أرض فلسطينية.

إعلان

مرت قرابة 10 سنوات بعد كامب ديفيد، تخللها طرح مبادرات سلام بين منظمة التحرير وإسرائيل لكنها لم تنجح أو لم تتوج بالاتفاق. اشتعلت في الأراضي الفلسطينية المحتلة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 لتتوج هذا النضال. وفي العام الثاني للانتفاضة، أعلن ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988، قبوله بقراري الأمم المتحدة 242 و338 اللذين منحا إسرائيل الحق بالعيش في "حدود آمنة ومعترف بها" وهو ما سمح لها الاستمرار باحتلال مناطق استراتيجية مهمة في الضفة الغربية. استمرت أحداث الانتفاضة فيما واجهها الجيش الإسرائيلي بأقسى وسائل القمع والتعذيب والتنكيل بالفلسطينيين، ما أدى لردود فعل دولية وإدانة إسرائيل، وتعرضها لانتقادات وضغوط خارجية من المجتمع الدولي للبدء في محادثات سلام مع الفلسطينيين.

بدأت المفاوضات والمباحثات بين ممثلين عن الفلسطينيون وعن الحكومة الإسرائيلية في مدريد عام 1991، ولم يكن أحد يعلم بأن مفاوضات سرية أخرى تجري بين الطرفين في العاصمة النرويجية أوسلو. انتهزت إسرائيل ضعف منظمة التحرير الذي وصلت له بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج الأولى، وخسارتها للعمق العربي بعد دعمها للعراق في مواجهته مع الكويت، والذي انتهى هزيمة العراق عام 1991. وهكذا دخل عرفات في مفاوضاته مع إسرائيل بموقف ضعيف، ودون دعم خارجي.

تجاهل الوفد الإسرائيلي خلال مباحثات أوسلو القضايا الأساسية الهامة، القدس والمستوطنات واللاجئين، وأصر على تأجيلها لمرحلة انتقالية لاحقة. الأمر الذي عارضه البعض فمن خلال الموافقة على تأجيل بعض القضايا للوضع النهائي، بدون الطلب من إسرائيل تجميد الوضع القائم الموجود، دخلت إسرائيل في سباق محموم مع الزمن لبناء مستوطنات وتوسيع أخرى لخلق واقع جديد على الأرض.

على الرغم من الخلافات، في ١٩٩٣، وقعت منظمة التحرير بالبيت الأبيض في واشنطن، اتفاقية السلام بين عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون. ونصت الاتفاقية على نقل سلطة بعض المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة والقطاع، تدريجيًا من الجيش الإسرائيلي إلى السلطة الفلسطينية التي تشكلت حديثاً في ذلك الوقت. في المقابل، اعترفت المنظمة بـ إسرائيل كدولة على 78% من أرض فلسطين، فيما اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وحدد الاتفاق مدة زمنية 5 سنوات، من ثم التفاوض على قضايا الحل النهائي، لكن إسرائيل لم تلتزم بذلك. رفضت حركات فلسطينية مثل حماس، الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية وغيرهم الاتفاق واعتبروه تنازلاً فلسطينيًا خطيرًا، وفي تصريحات سابقة قال زياد النخالة الأمين العام للجهاد الإسلامي "أوسلو ولد ميتًا"، كما تم رفض الاتفاق من قبل أحزاب إسرائيلية.

بعد ذلك بعام، أعلن رئيس الوزراء الأردني الأسبق، عبد السلام المجالي عن "نهاية عصر الحروب" ووقعت الأردن وإسرائيل في أكتوبر 1994، معاهدة سلام وصفت "بالتاريخية" بحضور رابين وملك الأردن الراحل الحسين بن طلال وكلينتون. ونصت المعاهدة على سيادة كل منهما على أرضه، ضمن حدود آمنة. وهو ما كان يهم الأردن في ذلك الوقت، والذي لا يملك الأسلحة والعتاد لمواجهة محتملة مع إسرائيل، والاتفاق على حدود يمنع الأخيرة من تجاوزها واحتلال المزيد من الأراضي العربية. وفي حين اعتبر الاتفاق طريقًا للسلام في المنطقة، قام شاب إسرائيلي باغتيال رابين عام 1995. طبّعت المعاهدة العلاقات بين البلدين وتناولت النزاعات الحدودية بينهما. لتصبح ثاني دولة عربية بعد مصر، وثالث جهة عربية بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية تطبع علاقاتها مع إسرائيل. مصر رحبت بالمعاهدة فيما تجاهلتها سوريا التي مازالت إسرائيل حتى اليوم تحتل جزء من أراضيها في الجولان.

اعتبرت اتفاقية "وادي عربة" واحدة من نتائج اتفاقية أوسلو، التي أعقبها عدة علاقات علنية وسرية مع عدة دول عربية. وكان من المفترض أن تدعم الاتفاقية الموقف الفلسطيني، لكنها في حقيقة الأمر أضعفت الفلسطينيون في موقفهم أمام التمدد والتغول الإسرائيلي فلسطينيًا وعلى كافة المستويات. فبدلاً من التفاوض مع إسرائيل بالتراجع عن احتلالها للأراضي المحتلة عام 1967، ووقف وتفكيك الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، مقابل تطبيع العلاقات العربية معها، كما نصت مبادرة السلام العربية في قمة بيروت العربية عام 2002، حدث العكس، الأمر الذي مكن الجانب الإسرائيلي من الاستمرار في توسعة الاستيطان واستمرار ممارساته العنصرية مع الفلسطينيين على كافة المستويات، دون الوصول إلى اتفاقية تسوية إسرائيلية فلسطينية.

اليوم، وبعد أكثر من سبعين عامًا على نكبة فلسطين، تراجع الموقف التفاوضي الفلسطيني، الأمر الذي يفتح باب التكهن بتوقيع دولاً عربية أخرى معاهدات سلام مع إسرائيل حماية لمصالحها على حساب القضية الفلسطينية.