يوم 19 مارس، على شواطئ مدينة برشلونة، وُلدت فكرة أول متحف فني افتراضي يوثق جائحة الكورونا، وذلك بعد أيام من انتشار الفيروس بشكل واسع في إسبانيا. جاءت الفكرة من متحف كوفيد الفني أو COVID Art Museum ضمن الحاجة لتوثيق الشهادات الفنية، وأحاسيس الفنانين تجاه الجائحة، "فكتب التاريخ تنقل لنا الكثير من الحقائق، لكنها لا تقترب من نفسية البشر خلال الأزمات،" كما تقول إيريني يوركا، المديرة الفنية للمتحف خلال حديثها معي.
إعلان
تخبرني يوركا، 27 عاماً، أن الفكرة تحولت لواقع خلال اجتماع مع صديقيها خوسيه جيريرو وإيما كالفو، لمناقشة كيفية جمع وتوثيق الأعمال الفنية في هذه المرحلة، خاصة مع وجود اهتمام عالمي بالإحصاءات والتقارير الخاصة بتأثير الوباء على الصحة والاقتصاد والتعليم وغيرها من المجالات، دون تركيز حقيقي على الفنون. الثالوث الفني المؤسس للمتحف يعمل في مجال الإعلانات، فجميعهم مديرون فنيون Art Directors في وكالات إعلانات إسبانية، وقد أتاح لهم هذا التخصص فرصة الاقتراب من أنواع فنية مختلفة والتعرف على فنانين جدد مهتمين بالتعبير عن هذه الأزمة الصحية العالمية.لا شك أن الفنون تصبح أكثر تعبيرًا عن الواقع عندما يكون هذا الواقع مليئـًا بالتحديات والمشاكل، والأوبئة تُعد مصدرًا لإلهام الفنانين، فعلى سبيل المثال اللوحة الشهيرة "القديسة روزالي" التي تتضرع من أجل حماية مدينة باليرمو من الوباء الذي أصابها عام 1624، رسمها الفنان الهولندي أنتوني فان دايك خلال الحَجر الصحي الذي فُرض على المدينة. لا يختلف الحال الآن عما سبق، الفنانون من حول العالم يجلسون في بيوتهم يتأملون أدق التفاصيل ويحولون نقلها بطريقتهم."الفن المرتبط بهذا الوباء أصبح أكثر جدية وتعبيرًا عن التطورات التي تحدث بسرعة غير متوقعة، فلم تعد الأعمال الفنية مجرد ميمز ساخرة،" تقول يوركا وتضيف: "الأعمال الفنية التي ظهرت خلال الشهور القليلة الماضية تحمل تأملات حول الحياة ورؤية العالم من جديد بعد أن جلسنا جميعًا في المنزل. الوضع قبل الكورونا كان يفتقد هذه التأملات، لأننا ببساطة لا نملك الوقت للتفكير والتأمل في ظل تسارع الحياة. هناك بعض الفنانين الذين حافظوا على أسلوبهم خلال هذه الأزمة، لكن هناك من قام بتجريب فنون جديدة خلال الحجر المنزلي، واستغلال أبسط الأشياء الموجودة في المنزل."
المتحف الرقمي الافتراضي جعل إنستغرام منصته الرقمية الوحيدة على الإنترنت حتى الآن، والصفحة رغم حداثتها إلا أنها تحقق تفاعلًا كبيرًا، حيث يتابعها أكثر من 78 ألف شخص حول العالم، ونُشر عليها أكثر من 400 عمل فني حتى الآن. تقول يوركا: "إنستغرام منصة رائعة، تتيح للأشخاص مشاركة أعمالهم الفنية، وتصنع مساحة تفاعلية مع الجمهور، وهذا ما لا يتاح في المتحف الحقيقي. نحن نستقبل حوالي 500 عمل يوميـًا، وخلال الشهرين الماضيين استقبل المتحف أكثر من 32,000 عمل فني من 96 دولة."
ويستقبل المتحف كل الأنواع الفنية من أول التصوير(الرسم) مرورًا بالكولاج والتصوير الفوتوغرافي والفيديوهات وأفلام الأنيمشن، حتى الأعمال الإبداعية الناتجة عن الخياطة والتطريز. هذا التنوع فاجأ فريق عمل المتحف، "تصلنا الكثير من الأعمال الجديدة والغير تقليدية،" تشرح يوركا: "نحن نستقبل الأعمال من أي شخص سواء كان محترفـًا أو هاويـًا. الأمر الأساسي هو أن يكون العمل الفني، قد أنتج في فترة ظهور انتشار الفيروس، وأن تكون تيمة العمل مرتبطة بالوباء، ويجب أن يكون هناك فكرة وراء المنتج الفني، وليس فقط مجرد عمل فني قد يبدو مبهرًا."
من المنطقة العربية والشرق الأوسط، استقبل المتحف عدد الأعمال أيضاً من: البحرين، مصر، إيران، الكويت، لبنان، موريتانيا، المغرب، فلسطين، قطر، السعودية، سوريا، اليمن، والإمارات. من المغرب، قدم الفنان موس المرابط عملًا فنيـًا يرسم فيه شكل الحماية من الفيروس في عصر الاستهلاك، لتصبح علب بطاطس ماكدونالدز الشهيرة قناعنا الواقي. عمل آخر من إيران للفنان حامد إبراهيمنيا، فيه قدر من السخرية والتأمل من الإجراءات التي تتخذها الدول للحماية من الفيروس، فحماية البنايات والحجارة أحيانـًا تكون أهم من البشر أنفسهم.
عندما نتحدث عن متحف، قد نتخيل المباني الفخمة ذات الأعمدة العملاقة والأروقة، وربما يكون هذا تصورًا مستقبليًا حالمًا لمتحف الكوفيد، إلا أن يوركا كانت واقعية في رؤيتها لمستقبل المشروع الناشئ فقالت: "إننا نفكر في طباعة كتاب رقمي لتجميع كل الأعمال الفنية وإرساله عبر الإنترنت، كذلك نفكر في عمل معرض فني في الواقع يبدأ في برشلونة ثم يتجول في أماكن مختلفة حول العالم."تصور يوركا أصبح أكثر انتشارًا حول العالم، فالمتاحف الكبرى أصبحت تتيح عددًا من أعمالها على الإنترنت حتى يشاهده غير القادرين على السفر. إلا أن المحزن في المتحف الرقمي الافتراضي أننا لن نستطيع أبدًا الاقتراب من أو لمس أي عمل فني كما نفعل في المتاحف الحقيقية.مزيد من الأعمال الفنية من المتحف الإفتراضي: