مقال رأي

أنا فتاة محجبة، ولا أرى أن المحجبات مضطهدات في مصر

هل تستطيع أي امرأة خلع الحجاب بسهولة وبساطة؟ في المقابل كم من امرأة تلاقي اعتراضًا عند ارتدائها للحجاب؟
kamil-s-Nk8NQrDqNaA-unsplash
Photo by Kamil S on Unsplash

هل المحجبات مضطهدات في مصر؟ سؤال عاد للواجهة مؤخراً بعد نشر دينا هشام، ابنة الدكتورة هبة قطب، التي تعمل كـ ميك أب أرتيست، وتعيش بأحد الكومباوندات الراقية في مصر، فيديو حقق ملايين المشاهدات عن تعرضها للتمييز بسبب الحجاب. في الفيديو تروي دينا روت بحرقة منعها من النزول إلى حوض السباحة بالبوركيني في نادي أحد المجمعات السكنية قائلة "مش كفاية بقى خلاص مش كفاية قهر."

في نفس الوقت، نشرت حبيبة طارق منشوراً على فيسبوك تتحدث فيه عن تعرضها للتمييز كذلك، فعند خروجها من لجنة الامتحان في كلية الآداب في جامعة طنطا، حيث استوقفتها اثنتان من المراقبات للسؤال عن الفستان التي ترتديه وما إذا نسيت أن ترتدي بنطالاً تحته. وقالت حبيبة إن واحدة من المراقبات سألتها ما إن كنت مسيحية أو مسلمة. وووصل الأمر لأحال رئيس جامعة طنطا ما وصف بـ"الواقعة" للنيابة العامة

إعلان

ما حصل ما دينا وحبيب تسبب بجدل كبير حول الحالتين، وقام البعض بعقد بعض المقارنات. فالاضطهاد واحد. بفستان أو بحجاب. النتيجة هي إنك إمرأة تعيشين في مصر. وعلى الرغم من التقاطعات المتشابهة، إلا أن هناك فروق بين ما جرى بين دينا وحبيبة، وهو يشير لمشكلة أكبر.

تحدثت دينا عن كم الاضطهاد الذي تعانيه كمحجبة والضغط عليها هي وغيرها من المحجبات، لكي تخلع الحجاب "وتتعرى كي نكون أكثر تشبهًا بالغرب كما تقول." وأشارت في أول الفيديو إلى المايوهات التي تمتلكها،  فهناك مايوه "بكيني" وهدا "بوركيني" وتشير إلى أن المايوه الإسلامي اشترته بـ 350 دولار عكس البكيني الذي ثمنه 10 دولار وآخر 50 دولار، وهذا برأيها يعني "أن ثمن ارتداء الحجاب مقابل التعري هو الأغلى."

تحدثت دينا بطريقة غير منصفة تماماً، بداية من ادعائها بأننا "في مصر" لا ندعم سوى "حرية القلع والتعري" وأهانت بشكل مباشر، الفئة التي لا ترتدي الحجاب في مصر الدولة العربية ذات الأغلبية المسلمة. أنها قامت بوصف كل امرأة غير محجبة بأنها "بتقلع" على الرغم من أن عدم ارتداء الحجاب لا يعني أبداً العري -لأنه لا يمكن لأي امرأة في دولة مثل مصر التعري من الأساس. هذا منظور محدود للغاية، ويشير إلى رؤية غير واقعية بالمرة للواقع الذي تعيشه النساء الغير محجبات ويدفعن ثمنه كل يوم.  لقد أهانت دينا طرف آخر ليس له علاقة بقهرها، فالنساء غير المحجبات لسن هن من قَررن من يدخل المسبح من عدمه، يعني للتذكير، هذه القوانين وضعها رجال.

يمكنني أن انتقد دينا وأكون قاسية في ردي مثلما قست هي على نساء كثيرات لا يرحمهن المجتمع بالأساس، يمكنني أن أردد ما يقوله البعض - أنها لم تكن ترتدي حجابًا شرعيًا في الفيديو الذي ظهرت فيه، ويمكن أن أتساءل عن سبب وجود مايوه غير شرعي معها في حين أنها محجبة. أو مثلاً سبب عدم اختيارها الذهاب لمسبح في الأيام المخصصة للنساء فقط.  ويمكن أن أعرض بحكم خبرتي كامرأة محجبة وتعيش في بيئة متشددة على النساء أن حتى البوركيني الذي رفض النادي سباحتها به، يراه البعض ضيقاً وغير إسلامي من الأصل.

إعلان

ربما سينحاز البعض لفتاة الفستان وربما يميل البعض لدعم فتاة البوركيني، وهناك من دعم الاثنين في حقهن في اختيار الملابس. لكن دعوني أوضح نقطة مهمة، وهي أن المشكلتين اللاتي نتحدث عنهما هما وجهين لعملة واحدة، المشكلة في أجسادنا نفسها وفي كيفية نظر المجتمع إلينا، لا فيما نرتدي، مشكلتنا مع المجتمع هي مشكلة متمحورة حول جسد الأنثى الذي لا يُعتبر ملك لها بل ملك للعائلة وللرجل بالأخص، ولكل من هَب ودَب حق إبداء الرأي فيه. لهذا لا يمكننا حَصر المشكلة في كشف أو تغطية جزء من الجسد دون أن ندرك أن الجسد هو الأزمة الحقيقية، وأن كل التشريعات التي ميزت بين الرجل والمرأة قائمة بالأساس على هذا الجسد.

الصراع هنا قائم بين فريقين أحدهم يرى أن المرأة يجب أن تتغطي ولهذا يقدمون كل الدعم للمحجبات ويقللون من قيمة كل امرأة تكشف شعرها أو أي جزء من جسدها. الجزء الآخر يدعم حرية أي امرأة في ارتداء ما تريد بما فيها حرية ارتداء الحجاب نفسها. ولكن إن نظرنا بموضوعية، هل يتساوى الفريقين حقًا؟ هل حقاً تشعر المحجبات بالقهر؟ هل تحتاج المحجبات إلى كل الدعم الذي تحتاجه الغير محجبات في بلد يعترف بصورة نمطية واحدة ولا يقبل سواها؟ هل تتعرض المحجبات فعلًا لمعاناة يومية واضطهاد في المجتمع المصري لدرجة أنه لا يدعم سوى حرية "القلع" كما قالت دينا؟ 

لكي نكون موضوعيين في الحديث عن دعم الفئتين، دعوني أسأل: هل تستطيع امرأة خلع الحجاب بسهولة وبساطة؟ في المقابل كم من امرأة تلاقي اعتراضًا عند ارتدائها للحجاب؟ هل يعارضها أحد؟ لا أشكك بحقيقة أن المحجبات يتعرضن لبعض التمييز في المعاملة في المجتمع المصري وفي طبقات معينة، كبعض العاملات في مجالات معينة، مثل مجال السياحة، أو المجالات الإعلامية، وهناك أماكن معينة ترفض دخول المنتقبات مثلما فعلت الجامعة الأمريكية بالقاهرة في السابق.

إعلان

طبعاً هناك علاقة طردية بين التمييز الذي تتعرضين له كمحجبة وبين الطبقة أو الفئة التي تأتين منها، التمييز والعنصرية والتفرقة ترتفع وتنخفض مع وضع المرأة الاجتماعي. وطريقة التعامل مع الحجاب والفستان تتغير تبعاً لذلك. ولكن فيما يتعلق بالحجاب، فالجميع متفق على الدلالة الدينية له، سواء كان ارتدائه حرية شخصية أم لا. ولكن القصد، هو أن التمييز ضد المحجبات لا يتساوى مع غير المحجبات في مصر، ولا يمكن للفريقين أن يتساويان بأي شكل من الأشكال، لا يمكننا الفصل بين دعوات رجال الدين بالإجبار على الحجاب والنقاب وبين النساء اللاتي تعاقب على خلعها له والثمن الذي عليهن دفعه كل يوم في الشارع وفي مؤسسات العمل والمصالح الحكومية وفي بيوتهن بل وفي نظرة الجميع لهن، وبين المساواة في الاضطهاد بين المحجبات الموجود بنسبة محدودة للغاية ولأسباب خاصًة. هناك عشرات القصص عن تعرض النساء غير المحجبات أو النساء اللواتي قررن للتعنيف وأحياناً القتل، ولا توجد ردود أفعال تهز الرأي العام. 

لهذا أتعجب من الحديث عن تعرض المحجبات للاضطهاد في مصر، في مجتمع أغلبية نسائه محجبات - تقول تقارير أن النسبة تصل لـ٩٠٪.  لماذا نحتاج إلى الإدعاء بوجود حرب ضد الحجاب وضرورة انقاذه والحديث عن قهر المحجبات ونحن نعيش في مصر؟ طبعاً الشعور بالاضطهاد هو شخصي تمامًا، ولا أقصد التقليل من ذلك، ولكن في حال أصبح الأمر استغلالاً ومحاولة لرسم صورة غير صحيحة، فيجب أن يتم توضيح ذلك.

المشكلة الأخرى والتي يجب وضعها على رأس قائمة اضطهاد النساء هي نظرة النساء لأنفسهن، كيف ترى المرأة المحجبة الغير محجبة والعكس؟ من خلال عيشي في مصر، استطيع القول أن غالبية الغير المحجبات من المُسلمات ليس لديهن نظرة سلبية أو دُنيا تجاه المحجبات، على العكس تماماً، قد تكون أمهاتهن وصديقاتهن محجبات، وقد يرغبن يوماً ما بارتداء الحجاب أو التقرب إلى الله من خلاله. هذا يعني أن التمييز والتنمر غالبًا ما يأتي من الجهة الأخرى، فعادة ما يتم انتقاد غير المحجبات من قبل المحجبات، وينظر إليهن على أنهن "غير محتشمات" وترى المحجبات أنفسهن أعف وأفضل وكأنهن في منافسة، وهذه أزمة حقيقية.

إعلان

يمكن أن تكون المحجبات في مصر تشعرن بسمو خطاب الغرب ضد العنصرية ويطبقن ما يسمعن عنه في الغرب هنا على أرض مصرية، ولم يشعروا أنهن وقعن في مغالطة، لأنهن لم يدركن أنه لا توجد عنصرية ضد الإسلام أو اسلاموفوبيا في بلد 90% منه مسلمين. العنصرية بالأساس تكون ضد أقلية أو عرق أو إثنية معينة، وليس حين تكون الأغلبية في المجتمع. بعض الأفعال المسيئة أو التمييزية ضد المحجبات في بلد أغلبيته محجبة، لا تعتبر اضطهاداً، هذه الكلمة تحمل أكبر بكثير مما يحدث. الاضطهاد هو حملات ممنهجة وصراعات يومية ضد طرف بعينه. تضارب المصطلحات وعدم نشر الوعي وتوضيح الصورة كاملة ينشر في المغالطات أكثر فأكثر، ويؤدي لخلق تفرقة نحن كنساء لسنا بحاجة لها بتاتاً.

ضمن هذا المنظور، لا يمكنني أن أنحاز لفريق حبيبة وأترك فريق دينا، التي على الرغم من أنها أخطأت في حق نساء أخريات، إلا أنها تعرضت للاضطهاد بسبب جسدها ومظهرها في النهاية. لا أقبل أن يتم التعامل مع أجساد النساء بهذه الطريقة من الأساس. وأحب أن أقف عند نقطة مهمة هنا وهي أن كثيرين ممن دعموا فتاة الفستان قالوا أن الفستان محتشم أكثر من لبس الكثير من الفتيات المحجبات، وهذه كارثة أخرى، فحتى عند دعم البعض لحرية خلع المرأة للحجاب، يشترط عليها أن تظل محتشمة، بمعنى ماذا لو كان الفستان الذي ارتدته حبيبة لم يكن محتشمًا ويبين جزء من جسدها؟ وأكثر من 10 سم من ساقيها؟ أكاد أجزم أن الكثير من الآراء لن تدعم حبيبة في هذه الحالة، لنكن صادقين ونرى الصورة بأكملها، ففي مصر تتعرض الكثير من النساء الغير محجبات إلى اضطهاد إضافي بسبب حجم أجسادهن، مثل الموديل سلمى الشيمي التي تم القبض عليها بدون تهمة واضحة، عندما صورت فوتو سيشن في سقارة، هذا نوع آخر من العنف الذي تتعرض له النساء بسبب أجسادهن. 

مشكلتنا الحقيقية أننا فصلنا القضايا وانقسمنا إلى فريق يدعم ويؤكد على ضرورة ارتداء الحجاب وفريق مع حرية الاختيار بعدم ارتدائه، ولكن المبدأ واحد وجذور المشكلة واحدة، ومطلبنا واضح: لا نريد لأي شخص كان أن يتحكم بأجسادنا، سواء غطيناها أو كشفنا جزءًا منها، نريد أن نرتدي ما نريد دون أن يكون لأي شخص رأي فيما نفعل لأنه لا يخص أي شخص غير ذواتنا. تناسينا أنه يتم التعامل معنا باعتبارنا واجهه للرجل وللمجتمعات، فحين يرغب المجتمع/ الرجل في أن يبدو بمظهر المتحضر تخلع نسائه الحجاب والعكس صحيح. دائمًا نحن الواجهة، وعليه، لن تسلم أي امرأة من التعليق والتحكم في جسدها، مهما كانت مكانتها، دائمًا نحن مسار جدل ومحل لإبداء رأي الجميع. في حين أن الرجل لا يأتي أحد بجانبه ولا يناقشه أي شخص لا فيما يرتدي ولا فيما يفعل. 

أرى أن حل أي مشكلة يجب أن يبدأ من تغيير المنظور إلى جسد المرأة. القضية الأساسية ليست هل يجب أن ترتدي الحجاب أم لا، مشاكل النساء في عالمنا العربي لا تعد ولا تحصى وكلها قائمة على أساس واحد. التحرش والاغتصاب وتزويج القاصرات والتمييز والعنصرية بين الرجل والمرأة في العمل وفي المنزلة والمقام وكل شيء هو عنف قائم على النوع الاجتماعي للمرأة بسبب جسدها الذي يُعتقد أنه أصل الشرور والفتن سواء بحجاب أو بدونه.