تعليقات القراء

"كيف فلسطينيين وحاملين جواز سفر إسرائيلي"

في قرية بيت صفافا في القدس، جزء من المواطنين يحملون جواز سفر إسرائيلي، وآخرين لديهم جواز سفر أردني
فلسطين
لانا تظهر جواز السفر الأردني وهوية ليسه باسيه

تعليقات القراء -في هذا القسم سنختار بعض التعليقات التي تصلنا من القراء على مواقع التواصل الإجتماعي وسنقوم بالإجابة عليها. كل الأسئلة مهمة، استمروا بالتساؤل.

"ليش الفلسطينيين عندهم جواز سفر إسرائيلي" تساءل أحدهم في تعليق على واحدة من القصص التي نشرناها على الموقع مؤخراً. في الواقع، وجدت السؤال غريباً، ففلسطين التي يزعم كثيرون أنها تهمهم، لا يعرفون الكثير عنها. السؤال على غرابته قد يكون مفهوماً، ولكن الإجابة عليه لن تكون قصيرة، فعلينا أن نعود بالتاريخ لعام 1948 عام النكبة عندما إحتلت إسرائيل معظم أراضي فلسطين التاريخية. ما تبقى من الضفة الغربية والقدس، سيطرت عليها الأردن. أما قطاع غزة فكانت تحت إدارة مِصر.

إعلان

في زمن الإنتداب البريطاني قبل النكبة، امتلك الفلسطينيون جواز سفر بريطاني- فلسطيني. لكن بعد انتهاء الإنتداب وإحتلال إسرائيل لفلسطين عام 1948 باتت هذه الجوازات غير صالحة. عندما اشتدت الحرب ونفذت العصابات الصهيونية مجازر في العديد من القرى من قتل واغتصاب وتفجير ونهب، إضطر بعض الفلسطينيين لترك بيوتهم وأراضيهم حاملين مفاتيح بيوتهم، معتقدين أن النصر قريب (بعد تدخل الجيوش العربية) وأنهم سيعودون خلال أيام بعد انتهاء الحرب. ولم يعودوا حتى الآن.

من تبقى من الفلسطينيين في الأراضي التي احتلتها إسرائيل داخل حدود الـ 48، تم منحهم جواز سفر اسرائيلي يُلغي هويتهم الفلسطينية بشكل كامل، طبًعا لم يكن ذلك خياراً، فإما الجواز أو لا أوراق قانونية تعبر عن وجودهم. في عام 1949، قامت الأردن بإصدار قانون السفر الأردني، والذي بموجبه يتيح لأي شخص عربي فلسطيني كان يحمل الجنسية الفلسطينية قبل النكبة، الحصول على جواز سفر أردني خاص بالفلسطينيين، مختلف عن الجواز الأردني للمواطنين الأردنيين الأصليين. كما قامت مصر في منتصف الخمسينات بإصدار الفلسطينيين القابعين في قطاع غزة جوازات تسمى "عموم فلسطين" وهي عبارة عن وثيقة سفر تسهل حركة اللاجئين الفلسطينيين خارج أراضيهم.

وعادت الحرب. في عام 1967 احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين، بما في ذلك القدس، سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية. و في نفس العام أصدرت الأمم المتحدة قرار 242 والذي بموجبه أمرت إسرائيل من التراجع عن الأراضي التي احتلتها في ذلك العام. طبعاً إسرائيل رفضت. في عام 1979، إنسحبت إسرائيل من سيناء بعد اتفاقية السلام مع مصر، لكن ما زالت تسيطر على هضبة الجولان والضفة الغربية.

إعلان

خلال هذه الفترة لم تتغير الأوراق القانونية التي حملها الفلسطيني.

بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين حركة فتح بقيادة ياسر عرفات مع الجانب الاسرائيلي وبعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، سُمح بإصدار جوازات سفر خاصة للفلسطينيين الذين يقيمون تحت سيطرتها في الضفة وقطاع غزة. ماذا عن سكان القدس؟ هم حالة خاصة ومعقدة جداً.

القدس نفسها، مواطنوها مقسمين لأهل القدس الشرقية وأهل القدس الغربية. وذلك لأن جزء من القدس تم السيطرة عليها عام 1948 وتبقى جزء منها تحت السيطرة الأردنية. في عام 1967 تم السيطرة على القدس بالكامل من قبل الإحتلال الإسرائيلي، على الرغم من أنه بموجب القانون الدولي فإن الاراضي التي تم احتلالها في عام 1967 غير معترف بها دوليًا بأنها تحت السيادة الإسرائيلية كما أنها تعد اختراقًا للقانون الدولي. لكن في نفس الوقت هذه السيطرة لم تكن قانونية بموجب القانون الدولي، لكن ذلك كله كان حبرًا على ورق فلم تُجبر اسرائيل على التراجع بالقوة وبقيت سيطرتها على المنطقة حتى يومنا هذا. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن المقدسيين في القدس الشرقية يحملون الجنسية الأردنية، أما القدس الغربية فيحمل مواطنيها الجنسية الإسرائيلية. مثلًا، قرية بيت صفافا في القدس، تم إحتلال قسم من القرية من قبل إسرائيل عام 48 والقسم الآخر بالـ 67. جزء من المواطنين يحملون جواز سفر إسرائيلي، وآخرين لديهم جواز سفر أردني ويعتبرون مواطنين مؤقتين، في ما يسمى بدولة إسرائيل، نفس القرية، نفس البلد، ولكن بجنسيات مختلفة. ماذا أقصد بمواطنين مؤقتين؟ سأشرح ذلك بالفقرة التالية.

إلى جانب تعقيدات الجنسيات، هناك ايضًا قضية الهوية. حاملي الجنسية الإسرائيلية يحملون هوية إسرائيلية. أما الفلسطينيين حاملي الجنسية الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية فيحملون هوية فلسطينية. أهل القدس، فكما قلنا كل شيء يتعلق بهم معقد بعض الشيء. لنبسطها معًا، سأعطي نفسي كمثال، أنا فلسطينية مقدسية المولد، وُلدت في منطقة في القدس كانت تحت السيطرة الأردنية بعد النكبة وحمل أجدادي الجنسية الأردنية في ذلك الوقت، حتى حرب عام 1967 -والتي تمكنت إسرائيل في هذه الحرب من السيطرة على ما تبقى من أرض فلسطين بما فيها الأراضي التي كانت تحت السيادة الأردنية. لا زلنا نحمل الجواز الأردني لكننا نعيش تحت السيادة الإسرائيلية، وليكون لدينا "أوراق قانونية" تم منحنا هويات اسرائيلية "مؤقتة" فنحن لا نعد مواطنين دائمين في إسرائيل. نحن لا نعد مواطنين في وطننا.

إعلان

نحن نعد مواطنين مؤقتين، بما أن الأراضي التي نعيش عليها كان يجب أن تكون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وهي الآن تحت السيادة الإسرائيلية بشكل غير قانوني. يعني تم ضمنا لإسرائيل بشكل مؤقت، فحسب إتفاق أوسلو من المفترض أن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المتخيلة. في ظل هذا الوضع، نحن ككرة في الملعب تارة هنا وتارة هناك. لا سيطرة واضحة ولا حدود. ضيوف وغرباء في وطننا.

ماذا بالنسبة للسفر؟ حسناً، بالنسبة لسفر المقدسيين، تعطي إسرائيل لأهل القدس الشرقية "تأشيرة مرور" تشبه الجواز تسمى "لاسيه باسيه" laissez passer والتي تسمح لهم بالسفر من مطاراتها. بالشكل الطبيعي يملك المواطن هوية وجواز تدل على نفس الدولة أو الهوية. لكن الفلسطيني في بعض الأوراق فلسطيني، وأخرى أردني، وأخرى لاجئ وفي أخرى إسرائيلي. أوراق معقدة تحاول مسح الهوية الفلسطينية الأصيلة. أنا شخصيًا أملك جواز سفر أردني وهوية إسرائيلية إضافة لتأشيرة السفر ليسيه باسيه، فلا يوجد لدي أي أوراق رسمية تدل على فلسطينيتي.

طبعا ما حدا فهم شي؟ أوك، لنوضح الوضع في جدول بسيط:

1581503042762-Screen-Shot-2020-02-12-at-22258-PM-copy

الحقوق تختلف ايضًا حسب الجواز. مثلاً، يحق للفلسطينيين حاملي الجواز الإسرائيلي التصويت في انتخابات البرلمان الإسرائيلي، الفلسطيني حامل الجواز الاسرائيلي يتمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها حامل الجواز الإسرائيلي اليهودي بعيداً عن الكثير من العنصرية. بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية يستطيعون المشاركة في الانتخابات الفلسطينية. أما الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس حملة الجواز الأردني، لا يستطيعون المشاركة لا في الانتخابات الفلسطينية التابعة للسلطة ولا تلك الإسرائيلية، لكن تسمح لهم إسرائيل في المشاركة بانتخابات البلديات القابعة تحت سيطرتها.

إعلان

بالنسبة لللاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون خارج حدود فلسطين التاريخية. أولئك الذين يعيشون في الدول العربية، أصدرت جامعة الدول العربية عام 1955 قرارًا بمنع الدول العربية من إعطاء اللاجىء الفلسطيني الجنسية العربية وذلك "حفاظًا على هويته الفلسطينية." ولهذا قامت سوريا ولبنان والعراق بإعطاء الفلسطينيين اللاجئين على أراضيهم وثائق سفر رسمية تشبه جواز السفر تدل على هويتهم الفلسطينية تسمح لهم بالتنقل من دولة لأخرى.

أنا شخصيًا أملك جواز سفر أردني وهوية إسرائيلية إضافة لتأشيرة السفر ليسيه باسيه، فلا يوجد لدي أي أوراق رسمية تدل على فلسطينيتي

في زمن الإنتداب البريطاني على أرض فلسطين تم انشاء مطار في مدينة القدس كان يُعرف باسم مطار قلنديا الدولي. في عام 1967 سيطرت عليه القوات الإسرائيلية أثناء الحرب وتم إهماله فيما بعد. بعد قيام السلطة وتوقيع اتفاقية أوسلو وسنوات طويلة من المفاوضات، سُمح للفلسطينيين ببناء مطار خاص بهم في غزة بمساعدة مصرية يابانية. بدأ المطار بالعمل رسميًا عام 1998 وسُمي مطار ياسر عرفات الدولي في رفح في قطاع غزة. بعد ثلاث سنوات من سفر الفلسطينيين عن طريقه متفائلين ببناء وطن مستقل لهم، قصف الطيران الإسرائيلي المطار عام 2001.

وعندما حاول الفلسطينيون إعادة بناء ما دمرته إسرائيل، جدد الإحتلال قصفه للمطار عام 2008 اثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتم أغلاق المطار بشكل كامل، وبعدها تم إغلاق غزة كلها في حصار قاتل. منذ ذلك الوقت يتنقل الفلسطيني تحت رحمة الدول الأخرى، فلسطيني الضفة يسافرون عن طريق الأردن. أما فلسطيني قطاع غزة، فخروجهم من قطاع غزة أقرب للمستحيل. إذا كنت محظوظًا وحصلت على التأشيرة لدخول مصر فعندها يستطيع الفلسطيني الذي يعيش في غزة السفر خارج مصر عبر المطارات المصرية. أما بالنسبة للمواطن الفلسطيني داخل حدود إسرائيل، إضافة لسكان القدس حاملي "ليسيه باسيه" فتسمح لهم إسرائيل أحياناً بالسفر من مطاراتها، حيث يتعرض الفلسطيني صاحب التأشيرة لتفتيش مكثف، يمتد لعدة ساعات متواصلة.

أنا كفلسطينية مقدسية، ولدت في مخيم للاجئين في شرقي القدس، أحمل الهوية الإسرائيلية المؤقتة والجواز الأردني المؤقت، لست مواطنة فلسطينية دائمة ولا أردنية ولا إسرائيلية حتى. أحمل الهوية الفلسطينية في دمي، لكن أوراقي تعكس واقعا آخر، فرض علي بالقوة ولا أستطيع تغييره أريده. هذا الواقع جزء من مؤامرات دول كبرى، قررت مصير ملايين الفلسطينيين، قسمت دولتهم وأراضيهم، وألغت هويتهم، ومسحت تاريخ وثقافة شعب بأكمله.

ببساطة "ع الهوية أنا مش موجود. بلا جنسية ولا عندي حدود." هكذا هو الوضع كما تقول كلمات فرقة "توت أرض" فرقة راب عربية سورية، في أغنيتها بعنوان "ليسيه باسيه." تتحدث الأغنية عن السوريين الذين يعيشون تحت الإحتلال الإسرائيلي في هضبة الجولان السوري، والتي يحمل سكانها "ليسيه باسيه" والتي تشير إلى المواطنة غير الواضحة، مماثلة للتي يحملها بعض الفلسطينيين.