اقتصاد

ماذا يقول اللبنانيون عن امكانية رفع الدعم عن السلع الأساسية

80٪ من دعم الدولة يذهب إلى الشرائح الأكثر غنى في المجتمع
غوى أبي حيدر
Beirut, LB
لبنان

"عملنا قيمة للطحين، فكّر حالو كوكايين." هذه التغريدة قد تختصر الوضع الذي يعيشه لبنان حالياً مع الحديث عن رفع الدعم الحكومي عن السلع الاستهلاكية الأساسية، في الوقت الذي يتواصل اتساع نطاق الفقر ليشمل نصف سكان البلاد.

وقد خرج متظاهرون إلى شوارع العاصمة اللبنانية بيروت احتجاجًا على هذا القرار، بعد تصريح محافظ البنك رياض سلامة بأن "دعم بعض المواد الأساسية لا يمكن أن يستمر بعد الشهرين المقبلين." ويقوم البنك المركزي بتوفير العملة الصعبة بأسعار تفضيلية لمستوردي السلع الأساسية، مثل الدقيق والوقود، مع استمرار تدهور قيمة العملة اللبنانية.

إعلان

عصام القيسي، 29 عاماً، اعتبر أن إلغاء الدعم عن السلع الأساسية سيؤدي بلا شك إلى رفع أسعار هذه السلع على الفور ويضر الطبقة العاملة أكثر من غيرها. ولكنه يشير إلى مشكلة أكبر في حال استمر الدعم: "من خلال الاستمرار في دعم السلع وطباعة الليرة، تقوم الدولة بتخفيض قيمة عملتها بشكل أكبر، وستقوم أيضًا - في النهاية - برفع أسعار جميع السلع. إن مسألة الدعم ليست سوى عرض لمشكلة أكبر، وهي ببساطة أن الدولة اللبنانية هي عصابة من المحتالين الذين اختلسوا أموال الناس حتى لم يتبق لهم أي أموال. يبدو لي أننا وصلنا إلى النقطة التي لا تستطيع فيها هذه الدولة فعل أي شيء على الإطلاق لمن يعيشون في هذا البلد، والأمر وصل لـ"طلاق" نهائي مع الدولة."

وقد أصبح لبنان أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في التاريخ تشهد تضخمًا مفرطًا، حيث تخطى معدل التضخم فيه 50٪ لمدة 30 يومًا متتاليًا. وقد ارتفعت تكاليف المواد الغذائية والملابس بنسبة 190٪ و 172٪ على التوالي مقارنة بالعام السابق. ويدعم مصرف لبنان المركزي السلع الأساسية من خلال توفير العملة الصعبة للمستوردين بسعر الصرف القديم البالغ 1،500 ليرة لبنانية للدولار، إلا أن الليرة فقدت 80٪ من قيمتها.

رنا متري، 32 عاماً، اعتبرت أنه بدلاً من رفع الدعم عن المواد الأساسية، كان بالامكان رفع الدعم عن الكهرباء مثلاً، "الكهرباء في لبنان مدعومة بشكل كبير، بالرغم من أنّنا لا نحصل عليها بالكامل وأحياناً بجودة سيئة جداً."

إعلان

ولم يعرف لبنان تغذية على مدار الساعة منذ عقود. ويستمر انقطاع التيار الكهربائي أغلب ساعات اليوم، ولهذا يعتمد العديد من اللبنانيين على اشتراكات لدى أصحاب مولدات كهرباء، لكن الأسر الفقيرة لا يمكنها تحمل كلفة المولد التي قد تصل إلى 200 دولار أمريكي في الشهر.

تقول رنا أن العجز المالي الذي يعاني منه لبنان حاليًا يمكن إيقافه ببساطة عن طريق إعادة الأموال التي سرقها السياسيون والمسؤولون الفاسدون، وإعادة ملايين الدولارات التي تم تحويلها خارج البلاد، ولكن "بدلاً من القيام بذلك، تتخذ الحكومة تدابير يمكن أن تحفظ أموال السياسيين بينما تجعل الناس أفقر وأفقر." وتضيف: "إن تأثيرات رفع الدعم والتخبط الحكومي سيكون كارثيًا. ما تفعله الحكومة هو الحفاظ على سلامتها وإغراق شعبها أكثر فأكثر. هذه هي الطريقة التي تُبقي بها الناس في قيود شديدة من قبل الأحزاب الطائفية السياسية والتي - على الرغم من أنها سبب المشكلة - سينظر إليها على أنها المنقذ."

وقد تم انتقاد الطريقة التي يدعم بها لبنان السلع الأساسية بما في ذلك الوقود والقمح والأدوية لأنها لا تستهدف من هم في أمس الحاجة إليها. وأظهر تقرير يونيسف أن تحليل المعطيات في لبنان يبين أن 80٪ من دعم الدولة يذهب في الواقع إلى الشرائح الأكثر غنى في المجتمع، في حين لا يستفيد الفقراء إلا من نسبة 20٪. والسبب بسيط: بما أن دعم السلع الأساسية يشمل الجميع، فإن الأسر الغنية تستهلك المزيد من المواد المدعومة لشراء الخبز أو تعبئة سياراتهم بالبنزين، وهو ما يعني أن الأسر الغنية تحصل على نصيب الأسد من فوائد الدعم.

إعلان

وأضاف التقرير: "إذا كان بإمكان لبنان إنفاق 4 مليارات دولار أمريكي في عام واحد على الدعم - وإفادة الأغنياء عن غير قصد - فلماذا لا يتم إنفاق جزء بسيط من هذا المبلغ لسد الفجوة الصارخة في نظام المساعدة الاجتماعية؟"

في ظل عدم استفادة الفئات المحتاجة من رفع الدعم، واحتكار الشركات المدعومة للمواد الغذائية والمحروقات والقمح والأدوية، يقول روني النبوت، 30 عامًا، خبير بيئي، أنه مع سياسة رفع الدعم، لأن هذا الدعم يذهب لكبار التجار والمحتكرين في الأسواق، ويضيف: "بدل هذا الدعم المزيّف كان يجب على الدولة أن تحل أزمة النفايات التي عمرها سنوات وسنوات. حتى اليوم لا نعلم ماذا نفعل في نفاياتنا! كان أولى بالدولة أن تدعم مبادرات إعادة التدوير. لماذا لا نعمم نماذج فصل النفايات وتكريرها وبأسعار هذه المواد يمكن للدولة والبلديات أن تدفع قيمة المازوت وتخفف من قيمة اشتراكات المولدات التي تثقل كاهل الناس؟ هكذا يكون الدعم حقيقيًا، ويشجّع المواطن على الفرز في الوقت عينه وتُحلّ بذلك مشكلتان بدل مشكلة واحدة."

وقد أعلنت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) أن أكثر من 55٪ من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر ويكافحون من أجل الحصول على أبسط الضروريات، وهو ضعف معدل العام الماضي تقريبًا. كما ارتفعت نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع ثلاثة أضعاف من ٨٪ في عام ٢٠١٩ إلى 23٪ هذا العام. كما شهدت لبنان عددًا من الاحتجاجات الطلابية في أعقاب قرار الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية الأميركية تحديد الرسوم الدراسية بسعر صرف 3،900 ليرة لبنانية للدولار، بدلًا من السعر الرسمي (1،500 ليرة للدولار) ما يعني زيادة حادة في هذه الرسوم.

رياض الأيوبي، ٢٢ عامًا، اعتبر أن "الهجوم على الخبز ليس حدثاً عرضيّاً، بل حلقة من حلقات الهجوم النيوليبرالي، المتواصل والممنهج، الذي يُشَنّ على الطبقة العاملة بما في ذلك الاعتداءات المستمرّة في الشوارع والمخيمات وأمام السفارات، مصادرة المدّخرات في المصارف، التكديس في السجون، والآن، سلب الخبز." وأضاف: "بأمر رأس المال تشرع الإدارة اللبنانية في استغلال الإنهيار لتأمين استمرارية دورة الإستغلال ومراكمة ثروات الطبقة الحاكمة. لن يستولي العمّال على الخبز إلّا بالانتظام في صفّ موحّد للنضال الجماعي والمنظّم نحو شطب الدين العام وإجبار المصارف والطبقة الحاكمة على دفع ثمن انهيار هم من تسبّبوا به. بخلاف ذلك لن يكون الذعر بسبب الطحين اليوم، سوى حلقة واحدة من حلقات الرعب الذي نعيشه."

في المقابل يرى محمد، ٣٢ عاماً، أن الشعب لن يموت من الجوع إذا رفع الدعم عن بعض المواد، ويضيف: "لا أظن أنّ شعبًا "مات من الجوع."  لقد تعلمنا أن نصمد في هذا البلد. هناك بديل لكل شيء، مثلما هناك بضاعة غير مدعومة، هناك بديل مدعوم أو رخيص. أنا ضدّ تحميل فرق سياسية المسؤولية الكاملة، المسؤولية تقع على الجميع، فنحن نتحدث عن سنوات من الخطط الفاشلة. لكن الناس مصرّة على صبّ غضبها على فئة سياسية معينة، وأرى أنّ هذا تضييع وقت لا أكثر."

ويشير محمد أن مشكلته ليست مع قرارات الدولة ولكن مع التجّار الذين سيستغلون رفع الدعم لمصلحتهم، ولا يستعبد قيامهم بتخزّين البضائع لرفع سعرها: "التجار هم المسيطرين، وقرار الدولة لن يغير أنّ من حقيقة أن المحتكر والمستغل الأساسي هو التاجر. حينما تم رفع الدعم عن الطاووق، وأبقته على صدر الدجاج، بدأ التجّار يحولون صدر الدجاج لطاووق، وحينما كنّا نقصد محلات الدجاج لشراء صدر دجاج كان البائع يقول "ما في بس في طاووق." المحلات التجارية هي العدو الأول بالنسبة إلي."

مسعود، 29 عامًا، يرى أن السلطة تتعامل مع الشعب على قاعدتين أساسيتين: "الأولى هي "ضربني وبكى، سبقني واشتكى. بمعنى أن كل القوى السياسية اليوم، بينها غالبية الكتل التي تشكّل أكثرية مجلس النواب، تتوالى تصريحاتها الرافضة لرفع الدعم، متناسية أنها هي، والمصارف، من أوصلت البلاد إلى هذا الحال. والقاعدة الثانية هي "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم." بمعنى أن جميع الخسائر سيتحملها الشعب، والشعب فقط. وهذا يعني أن ذئاب المال لن تموت. وحتى في حال اعترض الآلاف، هناك عشرات الآلاف من الغنم، ولا يفنى الغنم."