ماذا يعني الوطن بالنسبة لمن لم يعش في وطنه؟ وكيف يصنع المرء وطنًا في مكان يغلب عليه الطابع المؤقت؟ هذا السؤال، من بين أمور أخرى، هو ما يحاول الفنان الأمريكي كريستوفر بينتون المقيم في دبي الإجابة عليه في معرضه الأول كمنظم للمعرض، "هل تراني كيف أراك؟"
أقيم المعرض في ميسان 15، وهو ساحة شعبية للطهي والفنون في دبي، وضم 16 عملاً فنياً لـ 11 فناناً يعيشون في الإمارات. يتطرق المعرض إلى الفروق الدقيقة في ما يعنيه "الوطن" في بلد يعيش فيه غير المواطنين مؤقتين إلى الأبد، حيث أن أغلب المقيمون هم من الموظفين أو الطلاب الذين يحتاجون للحصول على تأشيرة للبقاء في الدولة (تأشيرات الإقامة الدائمة نادرة وغالبًا ما يكون ثمنها باهظًا) مما يجعل من الصعب تسمية هذا المكان وطناً -وإن كان البعض لا يعرف وطناً غيره.
قد يبدو هذا المعرض، الذي يتم إدارته وتنظيمه بشكل مستقل، نادرًا في مدينة ترتبط الخبرات الفنية فيها غالبًا بمساحات المعارض التجارية والمؤسسات الكبيرة. قد يكون خيار إقامة هذا المعرض في ساحة طهي غريباً، ولكن تذوق الفن أثناء تذوق الطعام، أضاف في الواقع عمقًا أكبر إلى المشهد الفني والثقافي الشاب والمتطور في الإمارات.
كافتيريا سطوة 3000 للفنان ماكسيم كراماتي. ٢٠١٩.
رائد الأعمال والفنان الإماراتي رامي فاروق، مؤسس ميسان ١٥، أبدى تفاؤلاً بشأن تطور المشهد الفني الإماراتي من خلال تعاون الفنانين المقيمين في الدولة ويقول: "المشهد الفني المستقل في دولة الإمارات العربية المتحدة ينمو من خلال مجالات فنية مختلفة … تنمو من خلال التعاون، وتنمو من خلال تنشيط الأماكن العامة وشبه العامة."
الفنانون في المعرض هم من مجتمع مبدعين مقيمين في الإمارات ويعملون بدوام كامل في مجالات أخرى. "يتعين على جميع الفنانين في كل مكان التفاوض أو الموازنة بين إيجاد مصدر دخل دائم والتفرغ للفن، لكن هذا التناقض أكثر أهمية في الإمارات حيث يحتاج الفنانون إما إلى تأشيرة من والديهم أو أزواجهم أو يكون لديهم وظيفة. كونك فنانًا فقط ليس مسمى وظيفيًا معترفًا به من قبل الحكومة."
هذا يعني أن على الفنانين أن ينتقلوا عبر هوياتهم الشخصية كفنانين وكمقيمين في الإمارات. تقول ليان عطاري، التي لفتت صورها الخاصة بالكعك ذو الطابع العسكري استفسار الكثيرين في العرض؛ إلى هذه الحقيقة كمصممة جرافيك تعمل بدوام كامل: "النظام الإيكولوجي الثقافي هنا لا يوفر إطار عمل لكسب العيش كفنان لمعظم الناس."
10-20-19A -ليان عطاري، ٢٠١٩.
10-20-19B -ليان عطاري. ٢٠١٩.
على الرغم من أنه يتعين على الفنانين في دولة الإمارات الموازنة بين سبل العيش وصناعة الفن، إلا أن بينتون يشير إلى أنه "من السهل ابتكار الفن في الإمارات في بعض الجوانب بسبب وجود دعم حكومي كبير وتمويل لمشاريع فنية طموحة،" بالإشارة إلى برامج مثل المجلس الشبابي في مركز جميل للفنون وزمالة سلامة بنت حمدان للفنان الناشئ) لتنمية الجيل القادم من المبدعين والقيمين.
ويتعزز هذا الدعم أيضًا من خلال الأمن والأمان الذي تتمتع به الإمارات، الدولة التي تبلغ من العمر 50 عامًا تقريبًا تحتل المرتبة الثالثة بين أكثر الدول أمانًا في العالم. تقول عطاري: "كفلسطينية تعيش في الإمارات، أشعر بالانعزال نسبيًا عن كل النزاعات في المنطقة المحيطة. بالنسبة للأشخاص القادرين على العيش هنا، يوفر هذا بيئة مستقرة بدرجة كافية لتطوير صيغة إبداعية."
شاورما ديسكو ساوندستم للفنان ماكسيم كراماتي. ٢٠٢٠.
بالإضافة إلى ذلك، الطبيعة العالمية لدولة الإمارات مع وجود أكثر من 200 جنسية، تتيح التبادل الثقافي والحوار الذي ينعكس في النهاية على العملية والتفكير الإبداعي للفنانين. محمد خالد، الذي تشير منحوتاته الخزفية الخمسة في المعرض إلى صناعة الخزف في رأس الخيمة، يرى الإمارات كمكان "يوفر له نظرة متعددة الأوجه لما يعنيه أن يكون مجتمعًا يضم أشخاصًا من مختلف الجنسيات من جميع أنحاء العالم،" ويضيف: "باعتباري شخصًا يتحدث 5 لغات، كانت فرصة التعرف على للثقافات المختلفة هو الذي سمح لي بالتعلم والتعبير عن تجاربي والاستماع إلى تجارب الآخرين."
يضيف فاروق أيضًا إلى أن الموجة الجديدة من الفنانين في المنطقة تجد الدعم داخل مجتمعهم مما يمكنهم من ريادة التجارب الثقافية خارج المؤسسات السائدة: "يدرك الفنانون الآن أن خيار عدم العمل مع مؤسسات فنية فقط، هو ممكن كذلك، بعض الفنانين يقررون أن يبقون مستقلين ومنهم من يقرر أن يستخدم انستغرام كمعرض فني شخصي مثلاً، أو يستخدم مساحة معينة كمتحف، أو يستخدم منزله كاستوديو."
صورتان للفنان الفلبيني أوغستين باريديس. ٢٠١٧.
يسمح شباب المشهد الفني في الإمارات للهويات غير الممثلة بالقدر الكافي أن تشغل مساحة وتساعد في نسج خيوط نموها. في مقابلة سابقة مع جلوبال آرت ديلي، وهي دار نشر فنية وثقافية مستقلة تأسست في الإمارات، يصف المصور والفنان الفلبيني أوغستين باريديس دبي بأنها المكان الذي يُمنح فيه مساحة ليكون سريع التأثر كفنان. "هذا هو الاتجاه الذي تسير فيه دبي، في رأيي. ستكون دبي أكثر قبولًا، وآمل أن تكون أكثر انفتاحًا."
ندرة الفنانين الفلبينيين في دبي، تمنح أوغستين مساحة لشغل مساحة. الصورتان اللتان له في ميسان 15 مؤثرتان للغاية: "لقد حرصت دائمًا على أن أمثل وأشغل مساحة كفنان فلبيني هنا في دبي..لأنه لا يوجد الكثير منّا في هذا المجال."
يتيح هذا المعرض للجمهور تجربة الفن في ضوء جديد. نظرًا لأن القطع الفنية تتشابك مع خشخشة الأواني ورائحة الخبز الطازج، فإن المعارض مثله تخلق المزيد من نقاط الوصول إلى عالم الفن لعامة الناس في الإمارات.
مزيد من صور المعرض:
GCC Best Friends- كريستوفر بينتون، ٢٠١٨.
إذا كان بإمكاني شراء كل منزل هنا، فسأبتكره ليناسب جميع الجنسيات- كريستوفر بينتون، ٢٠١٨.
Walks with Wugaya -عصمت ربيع. الإمارات. ٢٠١٩.
Friday Lunch - عصمت ربيع، ٢٠١٨.
سلطان خميس الرميثي، الإمارات، ٢٠٢٠.
ترجمة: حسين فاروق.