بالاقتراب من أعمالها، سوف تلحظ روح طفلة ترى العالم بعيون لامعة متمردة، ترفض إملاء أفكار العالم الجاهزة عليها، فتقوم بقلب الصورة التي يراها هذا العالم وترسم صورتها الخاصة. بهية خليفة، 25 عاماً، هي فنانة مصرية متخصصة في فن الكولاج Collage Art، أحد الفنون الحديثة التي نشأت مع بدايات القرن العشرين، على يد فنانين مثل بابلو بيكاسو وجورج براك.
بهية أو بيا كما يسميها أصدقائها، بدأت رحلتها مع عالم الكولاج منذ ثلاث سنوات، لكن للحكاية جذور من الطفولة عندما كانت والدة بهية تشجعها على الفنون وممارستها وتصحبها للمعارض الفنية، مما أتاح لها رؤية أشكال مختلفة من الفنون: "كنت أحب قراءة القصص الخيالية، وتعلمت الرسم، لكنني لم أشعر أنني أمتلك الموهبة،" تخبرني بهية خلال لقاءنا في أحد الكافيهات في وسط القاهرة.
مع مرحلة المراهقة اكتشفت بهية التصوير الفوتوغرافي الذي فتنها، ثم توجهت لدراسة الإعلانات والعلاقات العامة. وبعد تخرجها قامت بالعمل في تصميم الغرافيك، لكنها لم تجد ضالتها فيه، حتى اكتشفت عالم الكولاج من خلال متابعة عدد من الفنانين حول العالم، وعلى رأسهم الفنانة اليونانية يوجينا لولي كما تقول: "مع الكولاج اكتشفت شغفـًا جديدًا لأنني لا أبدأ من الصفر، بل أقوم باستخدام موارد فنية أخرى كأساس أبني عليه وأقوم بالتركيب والتجريب. الكولاج يمنحك الفرصة أن تكون مبدعاً ومسلياً وتقوم بتغيير القواعد."
تبدأ عملية الإنتاج الإبداعي لدى بهية من خلال ايجاد الفكرة ومن ثم البحث عن الموارد الفنية المتاحة، لكن أحياناً تأتي المعضلة عندما تبحث عن صور بجودة عالية، أو عند محاولة إيجاد صور قديمة: "يمكنني فقط أن أبحث على مواقع صور وأرشيف مثل ناشيونال جيوجرافيك، ثم أقوم باللعب والتجريب حتى أنتهي منها، ثم أبتعد عما نفذته لفترة ثم أعود بروح جديدة لاكتشف بعض العناصر الناقصة،" تضيف بهية.
أحد السمات الواضحة في أعمال بهية الفنية هي العيون، والسر في العيون كما يقال: "العيون قد تعطي شعوراً بعدم الراحة، من فكرة التلصص أو المراقبة من منطلق ثقافة الأخ الكبير. لكنها أيضاً مرتبطة بفكرة التنوير، فهي ترمز أيضاً لما وراء الأشياء المباشرة، هناك بعد فلسفي يرتبط بالعيون."
السريالية تظهر كذلك في أعمال بهية، سريالية ممزوجة بقدر من التمرد والرغبة في إثارة عقل المشاهد في طرح أسئلة حول العالم المحيط به: "في منتجاتي الفنية، أميل للسريالية لأنني أعبر عن تفاصيل قد لا نراها أو ننتبه إليها كل يوم. في كل الأشياء التي أنتجها، أحاول أن يكون هناك هدف أو فكرة، وليس مجرد منتج بدون ارتباط أو تناغم. يجب أن يكون هناك بُنية للعمل،" تضيف.
المرأة هي أحد العناصر المركزية في منتجات بهية الفنية، فإما أن تكون هي الحاضنة للكون والطبيعة، أو الثائرة ضد تقاليد المجتمع الذكوري. في أحد الأعمال، تقف صورة لإمرأة في أحد الإعلانات على أحد الكباري وتنظفه من الحافلات التي تمر عليه. ربما نفسر العمل بأكثر من طريقة، فالمرأة هنا تحاول التخلص من أفكار المجتمع التي ربطتها بالأعمال المنزلية، كما يمكن أن نفسرها أنها محاولة من المرأة أن تحافظ على البيئة، أن تنظفها من "التلوث" بأشكاله المختلفة. "من خلال الكولاج أريد أن أبرز الأوجة الكثيرة للنساء، وعدم وضعهن في قالب واحد، بالإضافة إلى الإشارة إلى مواهبهن المتعددة، فهن قادرات على القيام بأعمال مختلفة في وقت واحد، داخل المنزل وخارجه."
نقد الاستشراق ليس ببعيد عن أعمال بهية، فسوف تجد عند النظر لأعمالها أن هناك الكثير من الصور القديمة التي تبرز المصريين والتي قدمها مصورون غربيون. هنا تحاول بهية أن تتمرد على هذا الشكل النمطي الذي وضعنا "كمصريين وعرب" في قالب بصري محدد، كما تقول: "المصادر البصرية التي تحكي قصصنا في العالم العربي شحيحة جدًا في المحتوى الغربي، فنجد أن أغلبية الأعمال عن الغربيين، وحتى الأعمال التي تم تصويرها عنا استشراقية قدمها مصورون أجانب ورحالة جاءوا إلينا. أحاول قلب الفكرة الأساسية التي أراد مصور غربي فرضها علينا، بل أقوم بتغييرها والتمرد عليها ومعارضتها."
مشاريع بهية المستقبلية بخصوص الكولاج ليست واضحة، لكنها حالياً راضية عما تقدمه ولا تشعر بالملل أو الرغبة في التوقف.