الانتخابات التونسية

تونس تترقب حسم نتيجة صراع البطون والعقول

جاءت نتيجة المرحلة الأولى خارج التوقعات بسبب فقدان الناخبين الثقة في الأحزاب السياسية
Screen Shot 2019-10-13 at 2
نبيل القروي (يمين)، وقيس سعيد (يسار)

شهدت تونس منذ شهر تنافُساً محموماً بين المترشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، ليخلفوا الباجي قائد السبسي على رأس الدولة. واختلفت العائلات السياسية المشاركة في السباق نحو قرطاج. وقد أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي الهيئة المشرفة على تنظيم العمليات الانتخابية في تونس منذ سنة 2011، عن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، والتي شمت 26 مرشحًا يمثل أكثر من نصفهم أحزابهم السياسية، فيما تَقدَّم الآخرون بصفة مستقلين.

إعلان

وشاركت الأحزاب السياسية بكلّ ثقلها وبأبرز قيادييها، بما في ذلك حركة النهضة التي قدّمت لأول مرّة منذ الثورة مرشحًا للرئاسة ممثلاً في عبد الفتاح مورو نائب رئيس البرلمان. أغلب الآراء رجحت فوز عبد الفتاح مورو لما يحظى به من احترام وشعبية كبيرة لدى التونسيين، إضافة إلى انتمائه إلى حركة النهضة التي دأبت منذ الثورة على تصدّر قائمة نتائج الاستحقاقات الانتخابية الماضية، فيما تشتت الآراء حول المرشحين من العائلة الوسطية وما ستسببه من تشتت في الأصوات، لكن أغلب نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت حول اتجاهات التصويت أشارت إلى صعود قيس سعيد ونبيل القروي مؤسس حزب "قلب تونس".

وكانت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، أجريت يوم 15 سبتمبر الماضي وأسفر عن نتائج مثلت صدمة كبيرة للمترشحين والسياسيين وحتى الرأي العام. فقد حصول المترشح المستقل قيس سعيد على المرتبة الأولى بنسبة 18.4 بالمائة وحصول المترشح نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس، على المركز الثاني بـ15.58 بالمائة، ومرورهما إلى الدور الثاني.

ربّما لم يستغرب الأغلب النتائج التي حققها نبيل القروي الذي دخل المعترك السياسي عبر العمل الخيري بعد أن أسس جمعية "خليل تونس" منذ سنوات ودأب على توزيع المساعدات في أغلب المناطق الريفية الفقيرة على الحدود مع تونس والجزائر والحدود مع ليبيا؛ إلا أنّ الصدمة كانت متعلّقة بفوز قيس سعيد الذي لم يكن معروفا قبل الثورة بمعارضته للنظام ولم تكن له أي مشاركة في الحياة السياسية. وظل فوز قيس سعيد لغزا يثير العديد من التساؤلات عن سر نجاحه في الانتخابات، وهو الذي لم تكن له أي مشاركة في الحياة السياسية ويفتقر لحزام سياسي. كما لم يكن له دعم كبير خلال الحملة الانتخابية، بل رفض حتى الحصول على التمويل العمومي للقيام بحملته.

إعلان

من هما المرشحان؟

ولد قيس سعيّد عام 1958 في عائلة من الطبقة الاجتماعية الوسطى، ودرس بالجامعة التونسية وتخرج منها ليُدرّس فيها لاحقًا القانون الدستوري إلى حين حصوله على التقاعد سنة 2018. حصل على دبلوم في سن 28 عاما من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس ثم باشر تدريس القانون، وأشرف لفترة وجيزة على قسم القانون العام لينتقل أثرها ومنذ العام 1999 إلى حدود 2018 إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة. ويلقبه طلبته بالشخصية التي تكرس حياتها لمهنتها وهي التدريس ويظهر في صورة الإنسان المستقيم والصارم ونادرًا ما يبتسم. أطلقت عليه تسمية "روبوكوب" من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لأنه دائمًا ما يتحدث اللغة العربية بطلاقة وبصفة مسترسلة دون توقف.

أما نبيل القروي، المرشّح عن حزب "قلب تونس"، فقد ولد في عام 1963 بمدينة بنزرت، وهو من الفاعلين في مجال الإعلام. إثر حصوله على شهادة الباكلوريا، تابع نبيل القروي دراسته الجامعية بمعهد التجارة بمرسيليا وتخصّص في التجارة وتقنيات البيع بالمؤسسات المتعددة الجنسيات، والتحق إثرها بالمجموعة العالمية "كنال بلوس" في منصب مدير تجاري لمدّة سنتين .وفي عام 2002 أسّس نبيل القروي صحبة شقيقه غازي القروي، المجموعة الدولية للإعلام "قروي أند قروي"، وافتتحا مكاتب تابعة لهذه الشركة بعدد من عواصم المغرب العربي. وفي مارس 2007 أطلق القروي قناة نسمة عبر الفضائية، وتولى إدارة مجموعة نسمة سنة 2009. في سنة 2013 أسس القروي جمعية "ناس الخير" التي تغيّرت تسميتها إلى جمعية "خليل تونس" سنة 2016 إثر وفاة ابنه خليل القروي، وتمثّل نشاطها في مساعدة الفئات الفقيرة، وبثّ مادة اعلامية يومية متعلقة بهذه الانشطة على قناة نسمة.

إعلان

وقد وجّهت الهيئة العليا المستقلّة للإتصال السمعي البصري عديد المراسلات إلى قناة نسمة بسبب ما اعتبرته "تجاوزات" ارتكبها نبيل القروي في قناته، على غرار مواصلته البث دون إجازة، ما استوجب إصدار قرار يقضي بحجز التجهيزات التقنية للبث التابعة للقناة في شهر أفريل 2019 . كما يعتبر نبيل القروي من مؤسسي حركة نداء تونس سنة 2012، لكنه استقال منها سنة 2017، وأسس في يونيو الماضي حزبه الجديد "قلب تونس" الذي ترشح باسمه في الانتخابات الرئاسية.

وقد تمّ اعتقال القروي يوم 23 أغسطس 2019، على خلفيّة قضيّة رفعتها ضدّه منظّمة "أنا يقظ" بتهمة التهرّب الجبائي وتبييض الأموال، ما خلف ردود فعل مختلفة لدى السياسيين والحقوقيين بين مؤيدة للقرار واخرى مستنكرة له.

لماذا سعيد والقروي؟

ربط العديد من المحللين فوز قيس سعيد وصعوده للدّور الثاني للانتخابات بوفائه للثورة وصورته خاصة لدى الشباب؛ فأغلب الذين صوتوا لقيس هم من الشباب والطلبة الجامعيين. فيما يرى بعض المحللين الآخرين أن صعوده سببه مواقفه المحافظة التي ترفض المساواة في الميراث ورفض إلغاء عقوبة الإعدام، ورفض المثلية الجنسية. إضافة إلى عزمه على تعديل الدستور وإشراك المواطنين في صنع القرار عبر الاستفتاء.

أغلب داعمي قيس كانوا من فئة الطلبة الجامعيين الذين قادوا حملته الانتخابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالأساس نظرًا لانعدام التمويلات. وببساطة حملته التي كانت خالية من مظاهر الذدخ والبهرجة وبإمكانيات بسيطة جدًا استطاع قيس سعيد كسب ود وثقة الناخبين الذين فقدوا الثقة في الأحزاب السياسية وفي كل الوجوه السياسية التي ترشحت للانتخابات الرئاسية.

حتى بعد مروره للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، ظلت مواقفه محل احترام وتقدير؛ خاصة وأنّه رفض استئناف حملته الانتخابية بسبب استمرار سجن نبيل القروي وبدعوى تكافؤ الفرص، ولم يباشر حملته إلا بعد إطلاق سراح خصمه في الانتخابات؛ لذا أطلق على قيس سعيد "مرشّح المثقفين والشباب"، لاسيما وأنّ الشباب يمثلون حوالي 25%من نسبة من صوتوا له.

على الجانب يقف المرشح نبيل القروي في موضع الاتهام بعدة قضايا بالتهرب الضريبي والتحريض على بعض القضاة والإعلاميين، لكنه برغم ذلك استطاع الوصول إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية بنسبة 15.5%. وقد تمكن من الفوز نتيجة تكوينه لصورة الرجل الناشط في المجال الخيري بعد تأسيسه جمعية "خليل تونس" وتوزيعه إعانات للعائلات والأشخاص الذين يعانون الفقر في المناطق الداخلية من البلاد. كما لعب البرنامج التلفزيوني الأسبوعي "خليل تونس"، نسبة لاسم ابنه الذي توفي في حادث مرور عام 2016، والذي يبث أسبوعيًا على قناته "نسمة" دورًا كبيرًا في التعريف بعمله الخيري؛ إذ يتنقل القروي بين قرى تونس المعزولة ويصغي إلى شكاوى السكان من الفقر ومن ارتفاع معدلات التضخم وغلاء المعيشة ونسبة البطالة.

عمل القروي الخيري الذي استهدف به العائلات المعوزة في المناطق الداخلية جعله يحقق فيها أعلى نسب التصويت خاصة من كبار السن الذين يمثلون نسبة 48% ممن تتجاوز أعمارهم الخمسين سنة، فيما بلغت نسبة من صوتوا له ولو يذهبوا للمدرسة حوالي 49%.

يعزو المحللون نتائج التصويت تلك إلى فقدان الناخبين الثقة في الوجوه السياسية والأحزاب، وانقسامهم بين فئتي الطلبة المثقفين الذين صوتوا لـ"قيس سعيد"، وفئة كبار السن المنتمين للطبقات الفقيرة، الذين انتخبوا نبيل القروي، ليبدوا وكأن المنافسة الانتخابية تحولت إلى صراع العقول والبطون.