FYI.

This story is over 5 years old.

سياسة

هل أزهر الربيع العربي في عيون نشطائه؟

أهداف الثورة الفعلية هي بعيدة المدى ومن السذاجة تصوّر أنها سوف تتحقق في بضعة أعوام
مصر

منذ 2011 العام الذي غير شكل العالم العربي بعد الثورات الشعبية التي اتفق على تسميتها بثورات الربيع العربي التي بدأت بتونس ومصر وتبعتها ليبيا وسوريا واليمن، كرّس الكثير من الشباب العربي حياته من أجل الثورة والرغبة بالتغيير. تؤمن الناشطة التونسيّة آمنة الميزوني (30 سنة) التي اختارت البقاء في تونس عند بدء الاحتجاجات برغم حاجتها لمتابعة دراستها العليا بالخارج، بأنّ وطنها بحاجة لوجودها ولأصدقائها الشباب. الناشط الحقوقيّ المصريّ شريف عازر (37 سنة) الذي كان متواجدا في ميدان التحرير وقت الثورة، مصمّم على العودة إلى مصر نهائيًّا بعد إتمامه رسالة الدكتوراة في جامعة يورك.

إعلان

خيار العودة ليس متاحًا حاليًّا بالنسبة لليبيّ سامي زابطيّة (54 سنة)، المؤسّس الشريك لموقع "ليبيا هيرالد" الإخباري ومدير التحرير فيه. أُجبر زابطيّة على مغادرة طرابلس عام 2014 بعد تلقّيه تهديدات من حكومة الانقلاب، وهو اليوم لاجئ سياسيّ في بريطانيا. الحال مختلف بالنسبة للكاتب والباحث السوري أحمد أبازيد (28 سنة)، الذي يتنقّل بين الضفّتين. والده كان معارضًا سياسيًّا منذ الثمانينات، فكانت العاصمة الاردنية عمّان لأبازيد المنشأ والمنفى. عندما بدأت المظاهرات في سوريا، كان أبازيد ما يزال في الأردن، إلّا أنّ "الواجب الوطني" دفعه للعودة إلى سوريا في 2013 حيث أقام في حلب الشرقيّة مدّة ثلاث سنوات. وهو يتنقّل اليوم بين شمال سوريا وتركيا. بعد مرور أكثر من ستّ سنوات على بدء موجة التغيير في العالم العربي، طرحت VICE عربية بعضًا من الأسئلة على هؤلاء النشطاء السياسيّين للوقوف عند رؤيتهم للثورة في تونس ومصر وليبيا وسوريا ومدى تعلّقهم بالقضيّة اليوم.

آمنة الميزوني

VICE عربية: ما هي أكثر محطّات الثورة تأثيرًا بالنسبة لك؟
آمنة الميزوني، تونس: كلّ المراحل التي مررنا بها مهمة، لكن بعضها شكّل منعرجًا كبيرًا في تاريخ البلاد. أذكر الاحتقان الكبير في العاصمة تونس في ديسمبر 2010 حين بدأ التحرّك في الجبهات (سيدي بوزيد، حي الزهور، القصرين، تالة، الرديٍف…). أذكر متابعة الأخبار الواردة من هناك، واستعمال وكلاء انترنت لتصفح بعض المواقع والمدونات المحجوبة لمعرفة ما حاول النظام الديكتاتوري طمسه.

كيف تغيّر عملك كناشطة منذ بدء الثورة؟
قد يكون التغيير الذي حصل لي كبيرًا. فبالإضافة إلى التطوع في المجال الإنساني والأنشطة التي أقوم بها في مجال الثقافة، أصبحت أعمل أيضا في حقوق الإنسان، وتمكين المرأة والعمل على ترسيخ الحريات والتي تشغلني كثيرًا. تضاعف العمل على جميع الأصعدة خاصّة أن النسق سريع ولا يسمح بالتخاذل. على الصعيد الشخصي الثورة كانت كالبوصلة بالنسبة لي لمساعدتي في معرفة طريقي. عرّفتني الثورة على مجموعة من الأشخاص، فعملنا معًا في عدة مشاريع لترسيخ مفاهيم الحقوق والحريات، والحوكمة المفتوحة وخاصة الثقافة الحرة، ونعمل على تغذية حسّ الانتماء والهويّة التونسية. هذا جعلني أوجه مجهودي للعمل في منظمة تعنى بالتاريخ (المنسي والمسكوت عنه) والتراث التونسي، منظمة قرطاجينة التي أسّستها سنة 2013 والتي تعمل مع الشباب لرقمنة التراث والموروث التونسي ولجعله متاحا، كما تسعى للعمل على ترسيخ الانتماء للوطن والتسويق له عالميًّا.

إعلان

هل تعتقدين أنّ الثورة حقّقت الأهداف التي كانت في تصوّرك؟ وهل أنت متفائلة بالمستقبل؟
آمنة: ليس بعد.الطريق ما يزال طويلًا بعض الشيء. نعيش كل يوم وقع حدث جديد وعراقيل قد تكون أصعب من السابق، وضع اقتصادي متأزم وكوارث بيئية ومحاولات للتضييق على الحريات الفردية وتبييض للفساد إلا أنني متفائلة جدًّا حين أرى الجيل الجديد من الشباب الذي تربى على الحرية والحسّ المدني. هذا الجيل سيُكمل ما بدأناه.

شريف عازر

VICE عربية: ما هي أهم محطّات ثورة يناير تأثيرًا بالنسبة لك؟
شريف عازر، مصر: بالطبع أهم الأيام هو 28 يناير 2011 (جمعة الغضب) لأنّه كان مؤشّرًا على أنّ حدثًا جلل على الأبواب وأنً التغيير ممكن. اليوم المؤثر أيضًا هو يوم مذبحة ماسبيرو لأنّه أظهر استعداد النظام السابق للقتل ليحفاظ على بقائه، وأن الطريق لا يزال طويلًا أمام الثورة لتحقّق أهدافها.

كيف تغيّر عملك وحياتك كناشط بعد الثورة؟
لازلت متمسّكًا بالثورة ولم أقلّل من نشاطي حتى بعد 2013 بعدما علمت أنني على قوائم ترقب السفر والوصول بالمطار وتعرضت للتحقيق من الأمن عدة مرات. نشاطي تغير في 2013 عندما أدركت أن المعركة الحقيقية هي تغيير عقليّة المواطن وليس فقط تغيير النظام. إذا بقيت العقلية كما هي فسوف يختار الشعب النظام الأكثر استقرارًا حتى ولو على حساب حقوقه وحرياته، وهذا ليس ما نادت به ثورة يناير. لذلك قرّرت أن تكون رسالة الدكتوراه التي أعمل عليها عن كيفية تحويل لغة حقوق الإنسان القانونية إلى لغة شعبية للوصول لجمهور أكبر.

كيف أثرت الثورة عليك بشكل شخصي؟
على الصعيد الشخصي والنفسي كان تأثير الثورة كبيرًا، لأني أعتبرها أكبر حدث عاصرته وشاركت فيه وشعرت أن هناك مسؤولية شخصية لتكملة الرسالة وتحمل المسؤولية ومحاولة إصلاح البلد للأفضل. طبعا التأثير النفسيّ بين الفرحة الغامرة بعد رحيل حسني مبارك وبين الإحباط بعد 2013 والصدمات كان كبيرًا. ناهيك عن الانشقاق في التوجّه السياسي بيني وبين أفراد الأسرة والذي نتج عنه مناقشات حادة كثيرة في أيّ جلسة عائلية.

إعلان

هل تعتقد أنّ الثورة حقّقت الأهداف التي كانت في تصوّرك؟
الثورة نجحت في تحقيق أهدافها الأولية وهي تغيير نظام حسني مبارك وإجراء انتخابات حرة متعددة لأول مرة. ولكن ما ترتب على ذلك كان أخذ أهداف الثورة لمرحلة أصعب لأننا وجدنا أنفسنا في مواجهة ليس فقط أنظمة حاكمة ولكن أغلبية شعب في حالة صدمة وخوف من أن تلحق مصر مصير الدول المجاورة، وبالتالي تمسكهم بحكم عسكري ورفضهم لحكم الإخوان المسلمين. لذا فأعتقد أن أهداف الثورة الفعلية هي بعيدة المدى ومن السذاجة تصوّر أنها سوف تتحقق في بضعة أعوام فقط.

كيف ترى المستقبل؟
أنا متفائل وأعتقد أن عنصر الزمن في صالح الثورة وأن الأجيال التي شهدت محاكمة رؤساء لن تقبل أن تظل تحت حكم قمعي طويلاً. كل المطلوب في الأعوام القادمة هو الاستمرار في توصيل رسالة حقوق الإنسان لعامة الشعب بلغة يفهمونها وكشف انتهاكات الأنظمة الحاكمة، حتى يحين اليوم الذي يقوم به الشعب بالاختيار الصحيح عبر الانتخابات لنظام يحافظ على حقوقه وحرياته ويُغير مصر لوضع أفضل.

قد يتطلّب التغيير بعض الوقت، فالديمقراطيّة استغرقت عقودًا وقرونًا لتتشكّل في بلاد أخرى، ونحتاج إلى تطوير نموذج ديمقراطيّ خاص بنا.

VICE عربية: ما هي أهم محطّات الثورة الليبية بالنسبة لك؟
سامي زابطيّة، ليبيا: بدون شكّ، تدخّل قوّات الناتو وغاراتها على معمر القذّافي التي كانت حاسمة في ثورة 17 فبراير الليبيّة. برأيي، لولا ذلك، لكان القذّافي متمسّكًا بالحكم مثل بشار الأسد في سوريا.

كيف تغيّر عملك كناشط منذ بدء الثورة؟
بالطبع نشاطي كصحفي انقلب 180 درجة بعد الثورة الليبيّة. في ظلّ حكم القذّافي الديكتاتوريّ، كان الإعلام خاضعًا تمامًا لرقابة للسلطة، ولم يكن هناك وجود لإعلام مستقلّ. لكنّ الثورة خلقت فورة في الإعلام المحلّي. اليوم أنا ملتزم بقضايا الحريّة والعدالة والشفافيّة والمساءلة والديمقراطيّة. أرفض الادّعاءات أنّ الديمقراطيّة تتنافى مع ليبيا كونها قبليّة وعربيّة وإسلاميّة. أتحدّى معارضي النظام الديمقراطي للوصول إلى بديل عربيّ ناجح. يستحقّ العرب نظامًا يمنحهم فرصًا سياسية ويسمح لهم بالتغيير بصورة منتظمة وسلميّة.

إعلان

كيف أثّرت الثورة بك شخصيًّا؟
أعطتني الثورة أملًا بمستقبل أفضل. استطعتُ تأسيس جريدة إلكترونيّة مستقلّة. أستطيع الآن أن ألعب دورًا سياسيًّا بسيطًا، كوني أقابل سفراء وممثّلي الأمم المتحدة ووزاء ورؤساء حكومات. العام الماضي حاورت رئيس الحكومة الحالي فايز السراج ونشرت مقالًا نقديًّا بناءً على تلك المقابلة. في عهد القذّافي كان ذلك مستحيلًا. اليوم، كمواطن ليبيّ أساهم سياسيا، ولديّ الحق في التأثير على صنع القرارات.

هل تعتقد أنّ الثورة حقّقت أهدافها؟
كلّا، للأسف. الذروة كانت عام 2012. كنّا قد انتخبنا ديمقراطيًّا للمرّة الأولى منذ الستّينيّات، وكانت هناك بوادر استقرار. لكنّ فشل السلطات الليبيّة والمجتمع الدولي بفرض برنامج يعرف عسكريا ببرنامج "نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج" سمح للميليشات بأن تصبح قوى سياسيّة سلبيّة. مَن يحكم ليبيا اليوم عمليًّا هي الميليشيات التي ترفض الحكم المدني، وترفض الانضمام إلى صفوف الجيش الوطني، وترفض تسليم سلاحها. يجب أن يطرأ تغيير على العقليّة الليبيّة السائدة وقد يستغرق ذلك جيلًا كاملًا.

هل أنت متفائل بالمستقبل؟
قد يتطلّب التغيير بعض الوقت، فالديمقراطيّة استغرقت عقودًا وقرونًا لتتشكّل في بلاد أخرى، ونحتاج إلى تطوير نموذج ديمقراطيّ خاص بنا. لكنّي أؤمن بأنّ الديمقراطيّة على المدى الطويل ثمنها مرحلة قصيرة من الاضطراب. ما البديل؟ العودة إلى زمن القذّافي وبن علي ومبارك؟ الناس تذوّقوا طعم الحريّة ولن يقبلوا بالعودة إلى تلك الأيّام. نعم، هناك غضب من الفشل الأوّلي للديمقراطيّة، لكن إن حاول أحدهم أن يستأثر بالسلطة سيُواجه بالمعارضة فورًا. ستستغرق العمليّة الديمقراطيّة وقتًا، وتتطلّب تغييرًا في الثقافة وبرنامجًا قويًّا للتوعية بالمواطنة والحقوق والواجبات في العقد الاجتماعي الجديد. علينا أن ننهي العقليّة الرجعيّة التي غرسها القذّافي ونبدأ بالتفكير كمواطنين صالحين.

إعلان

لكن تبقى هناك حقيقة أؤمن بها غير مرتبطة بتطورات المرحلة: الشعب السوري لن ينهزم، وبشار الأسد لن ينتصر

أحمد ابازيد

VICE عربية: ما هي أهم محطّات الثورة السورية بالنسبة لك؟
أحمد أبازيد، سوريا: تواريخ كثيرة في البال، خاصة استشهاد الأصدقاء والأقارب، بداية الثورة يوم 18 آذار 2011 في درعا البلد، ويوم الأربعاء الدامي 23 مارس 2011 حين اقتحمت قوات الأسد الجامع العمري وقتلت المتظاهرين في درعا المحطة ووصلت فزعات أهلية من ريف درعا تجاه المدينة، ويوم استشهاد حمزة الخطيب وغياث مطر وعبد القادر الصالح، ويوم سقوط داريا ويوم انسحابنا من حلب.

كيف تغيّرت حياتك بعد الثورة؟
أنا بالأصل مهندس معماري، ولكن ركزت على الكتابة في شؤون الثورة السورية، سواء من جانب فكري أو أدبي أو تحليلي خلال السنوات السابقة، إضافة إلى النشاطات الثورية المختلفة، ما زلت مؤمنًا أنّه لا خيار أمام السوريين سوى إسقاط نظام الأسد الوحشي والسفاح، وأن هذا واجب أخلاقي وإنساني مبدئيّ لا نقاش فيه، وزيادة كلفة جرائم بشار الأسد ينبغي أن تزيد من إصرارنا على إسقاط نظامه وليس العكس. بالنسبة لي، كانت الثورة السورية ولادتي الثانية على المستوى الشخصيّ، وأصبح لدي مشكلة في الارتباط والتفاعل أو حتى التذكر خارج إطار القضية. لا شكّ أن النكسات التي مررنا بها تدفعنا أحيانًا نحو البحث عن خيارات مختلفة، ولكن الارتباط الوجودي كان أعمق من القدرة – أو الرغبة - على كسره، فضلًا عن الالتزام الفكري والأخلاقي تجاه الأهداف التي رفعها الثوار السوريون واستشهدوا لأجلها.

هل تعتقد أنّ الثورة حقّقت الأهداف التي كانت في تصوّرك؟
كسر الشعب السوري مع الثورة جدار مملكة الصمت وحكم القمع والإرهاب الذي حكم به نظام الأسد السوريين طيلة نصف قرن. أصبح للسوريين صوتًا لأوّل مرة وإرادة وذوات حرة، ولكن لم يسقط النظام. أصبحت سوريا بسبب حرب الأسد على السوريين أكبر مخزن للضحايا والمعاناة، وظهرت التنظيمات الإرهابية والميليشيات الطائفية والقوات الإيرانية والروسية إلخ.. رغم ذلك ما زالت الثورة السورية أهم أحداث التاريخ الحديث بالنسبة لي، وما زالت هي القضية العادلة والأخلاقية والنضال الواجب لأجل الحرية وإسقاط الاستبداد، وما زال من حق السوريين أن يعيشوا في وطن يضمن لهم الحياة مع الحرية والكرامة والعدالة ودولة ديمقراطية حديثة، وليس أن يكونوا مخيرين بين ‏العيش تحت البراميل أو في سجون التعذيب أو بين الخيام وقوارب اللجوء.‏

هل تشعر أن الثورة فشلت في سوريا؟
تأثرت الثورة بظهور القوات الأجنبية المختلفة على الأرض، سواء تنظيم داعش وميليشيات حزب الله وإيران أو القوات الروسية، وفي معظمها حاربت قوى الثورة السورية المدنية وفصائل الجيش الحر بشكل رئيسي، وهي التي منعت السقوط النهائي لنظام الأسد، عدا عن مشاكل قوى الثورة الذاتية وعجزها التنظيمي والاستراتيجي، ويبدو أن هناك تراجعًا في الدعم السياسي لقضية السوريين حتى من حلفاء الثورة مؤخّرًا. لكن تبقى هناك حقيقة أؤمن بها غير مرتبطة بتطورات المرحلة: الشعب السوري لن ينهزم، وبشار الأسد لن ينتصر، وليس التفاؤل ما يدفعنا للإيمان والإصرار على مطالب الثورات العربية، وإنما أنه الحق والواجب، وأننا ملتزمون تجاه المظلومين والمقهورين، وهُم كثر. الصور مقدمة من النشطاء.

@RD