شباب الجزائر ضائع بين اللغة العربية والفرنسية والغلبة للعامية

الصورة من فليكر

FYI.

This story is over 5 years old.

ثقافة

شباب الجزائر ضائع بين اللغة العربية والفرنسية والغلبة للعامية

أتمنى أحياناً أن تكون الجزائر كتركيا أو إيران لا توجد بها إلا لغة واحدة

لا تتفاجئ إن سافرت إلى الجزائر وسألت جزائرياً باللغة العربية عن موقع محطة القطار مثلاً، أن يجيبك على هذا النحو: امشي بعدها restaurant تلقى Tourne à gauche من بعد tout droit روح la gare تلقى 50 meters. الترجمة الحرفية لهذا الجواب هي "اذهب على طول الشارع ثم استدر الى اليسار، تجد مطعماً تبعد عنه محطة القطار خمسين متراً." من المؤكد أنك ستستغرب وقد لا تصل إلى محطة القطار أبداً. العامية أو "الدارجة" التي يتحدث بها الجزائري لغة هجينة تختلط فيها الكلمات العربية بالكلمات الفرنسية والأمازيغية وحتى التركية والإسبانية، وإن كان التأثير الفرنسي هو الأقوى نظرً للعوامل التاريخية، ففرنسا التي استعمرت الجزائر استعماراًً استيطانياً دام 132 عاماً عملت على طمس هوية الشعب الجزائري حيث أصدرت سنة 1836 قانوناً يحظر استخدام وتعليم اللغة العربية في جميع المدارس في الجزائر. لهذا قد تكون الصورة النمطية عن الشباب الجزائري أنه لا يتقن التحدث باللغة العربية صحيحة إلى حد ما، رغم سياسة التعريب التي انتهجتها الدولة بعد الاستقلال، حيث تم إقرار العربية من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية. ولكن لا تزال لغة موليير تنافس اللغة العربية، وفي أحيان كثيرة تتفوق عليها، حيث تعتبر في أحيان كثيرة كدليل تحضر.

إعلان

التحدث بالفرنسية هو انفتاح وليس ضياعاً للهوية
"نحن مجتمع فرنكوفوني لهجتنا مختلطة ومتأثرة جداً باللغة الفرنسية،" يقول حسام، 23 عاماً، ممرض والذي يشير الى أن استخدم اللغة الفرنسية مفروض عليه بحكم دراسته وعمله: "دراستي الجامعية كانت باللغة الفرنسية، كما أنني أستخدمها حالياً بحكم الوظيفة. التعامل داخل المستشفى لا يكون إلا باللغة الفرنسية وحدها مع الزملاء أو الاطباء، حتى أننا لا نعرف كيف تسمى الأجهزة الطبية أو الأمراض باللغة العربية. أما التعامل مع المرضى فيكون عادة بالدارجة." بالنسبة لحسام استخدام اللغة العربية مرتبط بالعادة بالأمور الاجتماعية: "في حياتي اليومية مع أهلي واصدقائي اتحدث اللغة العربية الدارجة، أما الفصحى فلا أستعملها إلا في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لا أنساها وتبقى لغتي الأم التي أعتز بها."

سعيد، 28 عاماً، مراقب مالي بمؤسسة اقتصادية، يتفق على أن استخدام اللغة الفرنسية في العمل هو أمر لا مفر منه: "في الشركة التي أعمل بها كل التعاملات باللغة الفرنسية، لا يمكن أن تكون موظفا كبيراً أو مسؤولا إن كنت لا تتحدث الفرنسية بطلاقة وتتقنها إتقاناً تاماً." سعيد لا يرى أن إتقان اللغة الفرنسية التي يصفها "بلغة المستعمر" كمشكلة على العكس يرى أنها تساعد بتوسيع آفاق الفرد: "في الجزائر، حين تتحدث الفرنسية ستشعر أنك تنتمي إلى الطبقة المثقفة، وذلك برأيي هو انفتاح وليس ضياعاً للهوية فأنا جزائري عربي واللغة الفرنسية مجرد وسيلة تواصل إضافية."

الفرنسية تهيمن على كل المؤسسات الاقتصادية ويستحيل أن يوظف شخص لا يجيد ويتقن هذه اللغة

علاقة الجزائريين باللغة العربية كما حال غيرهم من العرب هي "مختلطة" فهم يحبونها ويخجلون منها بنفس الوقت، ولكن الجميل ربما هو تعريبهم للفرنسية، فالمدرسة لم تعد مدرسة بل "ليكول" والتي هي تحريف لكلمة مدرسة école بالفرنسية. ولكن على على عكس ما قد تتوقع، ليس كل الجزائريين يعرفون الفرنسية بطلاقة، وهناك من يريد عودة كاملة للغة العربية.

إعلان

نهلة، 24 عاماً، حاصلة على ليسانس علوم اقتصادية وتعمل في مؤسسة تعليمية تتساءل لماذا تبقى الفرنسية هي المهيمنة في الجزائر رغم أنها "لغة دخيلة" كما تصفها. نهاد لا تتقن اللغة الفرنسية كغيرها من الجزائريين: "أنا أنتمي إلى جيل ولد ودرس في التسعينيات وهي فترة شهدت الفرنسية تراجعاً رهيباً، فقد بدأنا بتعلمها في السنة الرابعة ابتدائي، ولم يستطع معظمنا أن يتقنها بسبب ضعف مستوى المدرسين، وضعف البرامج التربوية، بعكس الذين درسوا في الستينات والسبعينات على يد مدرسين فرنسيين أو جزائريين أكفاء." نهاد تحمد الله أنها تعمل بمؤسسة تعليم إعدادي، الإدارة فيها معربة ولولا ذلك لكانت بدون عمل: "الفرنسية تهيمن على كل المؤسسات الاقتصادية ويستحيل أن يوظف شخص لا يجيد ويتقن هذه اللغة. أتمنى أحياناً أن تكون الجزائر كتركيا أو إيران لا توجد بها إلا لغة واحدة."

جميع لافتات الشوارع هي عادة مكتوبة باللغة العربية والفرنسية. شترستوك

العلاقة المختلطة مع الفرنسية تنطبق على الأمازيغ الذين يسعون ويناضلون من أجل لغتهم وثقافتهم من عقود طويلة. تينهنان، 24 عاماً، ليسانس لغة وثقافة أمازيغية ترى أن اللغة الفرنسية "لغة المحتل" وتضيف: "الفرنسية لم تكن أبداً رمزا لهويتنا، نتكلمها ونتعلمها انفتاحاً ولكن ليس لتكون بديلاً للأمازيغية والعربية."

"أنا أمازيغية قحة أبا عن جد، كما يدل عليه إسمي الذي اختارته لي أمي تيمنا بملكة الأمازيغ الصحراوية "تينهنان" وأنا الوحيدة التي تحمل إسماً امازيغياً أما باقي إخوتي فيحملون أسماء عربية،" تضيف تينهنان التي تعيش بريف ولاية تيزي وزو، شرق الجزائر، مشيرة بأن الأمازيغية هي اللغة الوحيدة التي يتكلم بها معظم كبار السن الذين يجهلون أي لغة اخرى عكس سكان المدن التي يتحدث فيها السكان وخاصة الشباب بالأمازيغية والدارجة والفرنسية وتضيف: "بعض الشباب في تيزي وزو يعتبرون الحديث بالعربية الدارجة رمزًا للتقدم، باعتبارهم يتحدثون مثل سكان العاصمة وهذا دليل تحضر ربما في نظرهم."

إعلان

أما عن علاقتها باللغة العربية، فتقول تينهنان "العربية لم تكن يوماً غريبة عني، التلفزيون المحلي كان يبث برامجه باللغة العربية فقط في فترة طفولتي فتعلمت الدارجة واللغة الفصحى من خلال الرسوم المتحركة قبل الدخول إلى المدرسة التي درست فيها باللغة العربية، ولكن تبقى الأمازيغية لغتي الأولى التي أفضلها."

وقد ظلمت اللغة الامازيغية، التي يتحدثها حوالي ثلث الجزائريين، كثيراً، فقبل سنوات لم يكن معترفاً بها وكان يمنع التكلم بها في المنابر الرسمية وتم استبعادها من التعليم والإدارة. وبعد الكثير من الاحتجاجات والحملات، تم اعتبارها لغة وطنية عام 2001، وفي عام 2017 أصبحت الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، كما تم ترسيم 12 يناير عيداً وطنياً وهو تاريخ رأس السنة الامازيغية.

الخبر الفرنسي أو باغيت. شترستوك

حديثك بالفرنسية لا يعني أنك فرنسي
بينما يدافع الفرنكوفونيين عن اللغة الفرنسية ويرون فيها لغة العلم والتمدن والانفتاح على الحضارة الغربية بما تحمله من فكر وقيم، ويعتبرون بأن اللغة العربية لم تتطور ولم تجدد موروثها الفكري الذي يعود إلى قرون، بدأت في الفترة الأخيرة تظهر مبادرات ضد اعتبار اللغة الفرنسية كلغة تقدم. وفي عام 2016 احتاج هاشتاغ "الفرنسية ليست لغة تقدم" مواقع التواصل الاجتماعي ولاقى انتشاراً واسعاً وعبر عن رفض الشباب لربط اللغة بتقدم بلد ما عن غيره.

"أعتبر اللغة العربية لغتي الأم التي أحبها وهي لغة القرآن الكريم وهي التي تجمع كل العرب،" تقول نهاد، 21 عاماً، طالبة في كلية علوم الطبيعة والحياة، وتشير الى أن اللغة العربية الدارجة هي ما تستخدمه في حياتها اليومية لأن "الجميع يفهمها،" أما الفصحى فلا تستخدمها إلا في وسائل التواصل الاجتماعي، وتضيف: "اللغة الفرنسية واللغة العربية مجرد لغتين تستعملان للحديث والتواصل، لا يدل إتقان أي منهما على التحضر. اللغة مجرد وسيلة لنقل أفكار العقل عبر اللسان. حديثك باللغة الفرنسية لا يعني أنك فرنسي ولا حديثك باللغة الانجليزية سيجعل منك انجليزياً."

إعلان

نوفل، 27 عاماً، حاصل على ليسانس علوم سياسية ويعمل حالياً في محل حلويات، هو واحد من الذين يشعرون بضياعهم بين الفرنسية والعربية، فهو لا يعرف إلا اللغة العربية: "نشأت في أسرة لا تتحدث إلا باللغة العربية الدارجة وأظن أننا كمسلمين من المفروض أن نستعمل اللغة العربية الفصحى، لأن الدارجة مزيج مشترك بين العربية والفرنسية والتركية فهي لغة بدون اساس ولا قواعد. أحس أنني أنتمي لجيل مظلوم لا يتقن أي لغة فعندما أتواصل عبر وسائل الاتصال الاجتماعي مع أردنيين أو سعوديين لا يفهمون شيئا مما أقول، فأستعمل الفصحى."

أنا لست ضد اللغة الفرنسية كلغة بالعكس هي لغة راقية وجميلة وهي لغة أدب وفكر، لكنني أرفض أن تكون بديلاً عن لغتي

وقد نشأ كل من نوفل ونهلة على الدارجة بحكمها لغة التواصل في محيطهم وهو حال غالبية سكان الجنوب الجزائري الذي تقترب لهجتهم من اللغة العربية الفصحى، حيث حافظت العربية على نقاوتها بسبب عدم توغل الاستعمار الفرنسي هناك، على العكس من شمال الجزائر وتحديداً العاصمة.

بعض المحلات تضع لافتات بالفرنسية فقط. شترستوك

حَدة، 27 عاماً، طالبة دكتوراه تخصص أدب عربي، هي واحدة من الذين يمثلون التيار العروبي الذي يدافع عن اللغة العربية بكل شراسة. وتقول عن علاقتها باللغة: "علاقة كل عربي غيور على لغته، فاللغة العربية هي ركن من أركان الهوية الجزائرية، تَحدثي بها يعبر عن وطنيتي وعلاقتي بها وطيدة جداً، فأنا لا أتكلم في حياتي اليومية والعملية إلا بها وأتقنها."

حَدة ترى أنه حتى بعد الاستقلال لازالت اللغة الفرنسية تنافس العربية في التعليم والإدارة "فهي لغة رسمية بلا ترسيم": "أنا لست ضد اللغة الفرنسية كلغة بالعكس هي لغة راقية وجميلة وهي لغة أدب وفكر، لكنني أرفض أن تكون بديلاً عن لغتي. وإن كان البعض يفخر بروايات كاتب ياسين وآسيا جبار وغيرهم من الجزائريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية، فأنا أعتبر ذلك إثراء للأدب الفرنسي ولا أفخر إلا بكتابات الكتاب الجزائريين بالعربية كأحلام مستغانمي وواسيني الأعرج والطاهر وطار."

إن التعدد اللغوي سمة من سمات العصر، فرضته التكنولوجيا والتقدم العلمي، ولا يخلو منه بلد عربي، إلا أن الجزائر تشكل حالة خاصة، فاليوم بعد نصف قرن من الاستقلال، ورغم أن الدستور يقر حسب المادة الثالثة منه أن العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للبلاد يبقى الشباب الجزائري ضحية الصراع اللغوي الذي تتجاذبه اللغة العربية والفصحى والعامية واللغة الفرنسية.

"للأسف أنا كجزائري أرى أن اللغة العربية في مجتمعنا آيلة للزوال لأننا متأثرون بالمجتمعات الغربية ذات المستوى الثقافي والعلمي المرتفع ونحن لا يمكن أن نوازيه لأن اللغة العربية لم تعد لغة العلم،" كما يقول حسام: "التخلف تتحمله الدول العربية فالعيب فيهم وليس في اللغة العربية."