FYI.

This story is over 5 years old.

فنون

هشك بشك.. قاهرة القرن الماضي على رصيف مترو بيروت

يتمحور العرض حول الحياة الليلية في شوارع القاهرة بداية القرن الماضي بممثلين وفريق إنتاج لبناني
28

أحد مشاهد العرض - التقطت جميع الصور بواسطة حسين بيضون

بار كلاسيكي، يقف خلفه نادل مخمور تعلو رأسه صورة للملك الفاروق، وأمامه راقصتين بملابس سهر مصرية قديمة، وفرقة موسيقية ترتدي أزياء وقبعات عسكرية إنجليزية قديمة. في لمح البصر تنتقل من بيروت القرن الواحد والعشرين إلى كباريهات القاهرة في بدايات القرن العشرين، إنه عرض هشك بشك.

على الرغم من أنه كان مقررًا للعرض أن يستمر شهرين فقط، يدخل عرض "هشك بشك" عامه السادس قريبًا بنجاح منقطع النظير، حيث يمتلئ كل أسبوع مسرح مترو المدينة بشارع الحمرا، أشهر شوارع العاصمة اللبنانية بيروت، وبصورة الملك فاروق وعليها الكثير من المكياج يأتي الإعلان عن العروض الجديدة.

إعلان

يقول هشام جابر المدير الفني ومخرج العرض: "عندما شرعنا في إنتاج عروض غنائية مسرحية أردنا أن نأتي بالقصص الفنية من الأول واستكشاف التاريخ بالمنطقة، ليس فقط القصص المعروفة والباقية من الزمن الماضي ولكن أيضاً الابداع القديم الذي اختفى، لذا فقد وقع اختيارنا على القاهرة التي نراها هي الأساس وهي الخط الأوضح في بداية الفن، وقد كان ذلك عاملاً كبيرًا في نجاح العرض بسبب فقدان هذا الطابع عن المسرح، وأيضاً ساهم البحث الجيد وراء الموضوع وفريق العمل المدهش بأدائه للشخصيات وجودة الأصوات".

يضم العرض 4 لوحات فنية، يحتوي كلٌ منها على مجموعة من الأغنيات المصرية لكل من محمد فوزي، وسيد درويش، وسيد مكاوي، ومحمد عبد الوهاب وزكريا أحمد،ومنير مراد، وصلاح جاهين، وبأداء راقص على نهج "عوالم" شارع عماد الدين في ثلاثينيات القرن الماضي، تردد كل من لينا سحاب وروي ديب مع المغنية الاستعراضية ياسمينا فايد والمغني زياد الأحمدية الذي أعاد توزيع الأغنيات بألحان راقصة تناسب جو الكباريه.

مجموعة مبهرة من المواويل يشدو بها زياد جعفر فوق كرسي متحرك ممسكاً بالكمان، متقمصاً دور الفنان الذي أفنى شبابه في الكباريهات والملاهي الليلية حتى شاب شعره وأصبح كهلاً، وما يكاد يُنهي أحد مواويله حتى تبدأ إحدى الأغنيات الراقصة التي تؤديها ياسمينا، وبترديد من لينا وروي، في مزيج مبهر من الموسيقى والألحان والمقامات المتنوعة التي تنتزع تصفق وصفير الجمهور.

"يا خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة..

مشيتي حافية وخدتي زكام ورابطة راسك من الدوخة"

تمتلئ كل فقرة من فقرات العرض الأربعة بمشاهد تعبر عن إحدى فترات تاريخ مصر، فذلك النادل المخمور الذي يقوم بتعاطي الكوكايين فوق البار، وهو المخدر الذي انتشر في مصر خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، والذي دفع الحكومة المصرية وقتها لإنشاء أول مكتب لمكافحة المخدرات في الوطن العربي والشرق الأوسط عام 1929، وهناك أيضاً صبي العالمة "وسام دلاتي"، الذي يُدلل ويُبخر الراقصة "رندا مخول ويساعدها في الغناء والأداء، وعراك الراقصات الممتلئ بالسباب والشتيمة والمعايرة والردح".

إعلان
1547462395860-11

راقصة تجلس على البار، تحتسي كأس من الخمر وتتعارك مع زوجها النادل، تجذبه بعيداً عن راقصة أخرى يحاول الاقتراب منها، ترقص في غيظ وتتعارك مع زميلتها خوفاً من سرقة زوجها، تلقح عليها بالكلام والنظرات والحركات، الضحكات ترج المسرح على أداء لينا سحاب التي تقوم بدور الراقصة زوجة النادل.

"كان حبي وانبهاري بهند رستم المعلم الأول في أداء هذه الشخصية" تقول لينا، وتكمل "منذ الصغر وأنا أعشق الأفلام المصرية ولم يعجبني أحد مثلما أعجبتني هند، فتأثرت كثيرًا بها، غنجها ودلالها وضحكتها، وكذلك جديتها التي أحاول رسمها للحفاظ على زوجي في العرض، تقلب المزاج بين المرح الشديد والجدية الغاضبة في سرعة."

"يا حسن يا خولي الجنينة يا حسن..

يا غالي علينا والنبي يا حسن"

وعلى مدار خمس سنوات حقق العرض نجاح لم تشهد مثله بيروت، إلا أن التحدي الأصعب كان في مصر، حيث أصل الحكاية ومحور الفكرة، وعلى مسرح سيد درويش بمدينة الإسكندرية في الأول من أكتوبر عام 2015 وبحضور محافظ الإسكندرية والقنصل اللبناني بالإسكندرية وقتها كان العرض والتحدي، حيث على هذه الفرقة اللبنانية أن تُقدم عرضًا مصريًا للمصريين على أرضهم، ورغم الحضور الكبير والتصفيق الكثير الذي عبر به الجمهور عن إعجابه به، تلقى العرض كثير من الهجوم والانتقاد في صحف وجرائد القاهرة.

تقول لينا سحاب: "بالطبع كان تحدٍ بالغ الصعوبة، أن تؤدي العرض على مسرح مصري وأمام جمهور مصري، ورغم الإشادة والتصفيق من الجمهور فوجئنا بالهجوم الكبير من الصحافة."

"عرض مليء بالإيحاءات الجنسية والخادشة للحياء، مُهين لمصر العشرينات، مُهين لرموز مصر التاريخية"، بهذه العبارات وغيرها كان الهجوم الإعلامي على العرض في مصر، فوصفه الإعلامي المصري تامر أمين بأنه "عرض إباحي"، بل وامتد الهجوم ليطول بيروت، فجريدة الوفد المصرية قالت أن العرض "ضلل الحاضرين بالموسيقى والضحكات على طريقة كباريهات شارع الحمرا اللبناني"، أما مدير الإعلام بدار الأوبرا وقتها فقد أعلن تبرؤه من العرض وطالب لبنان بالاعتذار.

إعلان

لكن المدير الفني ومخرج العرض هشام جابر، يرى أن العرض كان ممتازًا، ورغم امتلاء المسرح عن آخره فإن الهجوم جاء من صحفيين لم يحضروا العرض أصلاً. وقال:"كنت أتفهم بعض ذلك الهجوم من تلك النوعية من الصحافة التي تجعل من الحبة قبة، وربما كان هناك البعض لم يريدوا لهذه الأجواء وهذا الأداء وصورة الراقصة والسكير وغيرها أن يراها العالم وأن ينساها الزمان فأرادوا أن يحطموها".

1547462433848-14

على العكس تماماً، فقد احتفى الإعلام التونسي بالعرض الذي استضافه مهرجان الحمامات الدولي في أغسطس عام 2016، حيث حرص المئات من التونسيين على حضوره، وجاءت التحيات والتصفيق والصفير لدقائق طويلة معبرة عن الاعجاب الذي ناله العرض للجمهور التونسي، والذي لم يقل عن إعجاب الصحف والجرائد والمواقع، وفق ما عبر أعضاء فريق العرض.

"أنا دوبت وجزمتي نعلها داب من كتر التدوير على الأحباب..

يا سلملم لو اعتر في حبيب دة أنا كنت أرقص من كتر الإعجاب"

وعلى الرغم من أن العرض يتمحور حول الحياة الليلية في شوارع القاهرة في بداية القرن الماضي، إلا أن تنوع الموسيقى والأزياء قد أشار إلى كثير من المظاهر المصرية المتنوعة، فإحدى الفقرات تتزين بالزي الفلاحي المصري المميز بألوانه الزاهية وأزهاره ومنديله الشهير، وهناك البدلة والطربوش المميزين للطبقة الوسطى، وهناك الأغاني التي انتشرت في الأماكن الريفية المصرية وبعدها أغاني الإذاعة في الخمسينات والستينات، ومن "يا مصطفى" لبوب عزام إلى ما "اشربش الشاي"، ومن "يا حسن يا خولي الجنينة" إلى بينولا صلاح جاهين "أنا دوبت وجزمتي نعلها داب"، حتى تخرج من العرض وقد حصلت على وجبة دسمة من الفن والمرح المصري التراثي، تلك الوجبة التي نجحت في الحصول على ثقة الجمهور كل هذه السنوات.