من الصعب بدء نهارك دون منقوشة زعتر لذيذة من فرن قريب. فهي الترويقة أو الفطور السائد في منطقة بلاد الشام. في لبنان، يعتبر الزعتر هو من أهم النباتات التي نستهلكها يومياً لذلك نوعيتها تنعكس ايجابياً أو سلبياً على صحتنا. فمن منا لم يأكل كعكة "أبو عرب" مع زعتر مملّح "بزيادة" قد لا يشبه لونه الزعتر العادي لكننا رغم ذلك استمتعنا بطعمه؟ ولكن ماذا يوجد في الزعتر الذي نستهلكه في المنقوشة؟ فلا شك أنك سمعت بطريقة ما عن الزعتر "المضروب" أو الذي يحتوي على زوائد "ايه عادي الزعتر المضروب وين ما كان" والذي تستخدمه بعض الأفران.
في عام 2015 كشف وزير الزراعة السابق أكرم شهيّب إنه يتم صبغ النخالة بالأخضر والأحمر ومزجها بالنشارة وحامض الليمون والقليل من الزعتر المستورد من سوريا وبيع المنتج على أنه زعتر لبناني في أحد معامل الزعتر والبهارات في عرمون. وفي منتصف العام الماضي ضبطت دورية من مديرية أمن الإدارة العامة والمؤسسات التابعة للمديرية العامة لأمن الدولة، 19 طناً من السمسم غير المستوفي للشروط الصحية، إضافة الى كميات من الزعتر المغشوش الذي يحتوي على القمح المضروب والصبغة في أحد المعامل في منطقة عاليه، وبناءاً على ذلك تم ضبط القائمين على المعمل. كما رفضت المملكة العربية السعودية شحنة زعتر من لبنان عام 2012 بعد أن أظهرت الاختبارات المعملية أن المزيج لم يحتوي حتى على 50٪ من الزعتر.
ولكن هل الزعتر المضروب لا يزال موجوداً في الأسواق؟ قررت سؤال بعض أصحاب الأفران في منطقة الضاحية الجنوبية. البداية كانت مع فرن "شميس" في الليلكي والذي قال لي صاحبه (رفض إعطاء اسمه) أنّه يوجد نوع من الزعتر "المضروب" في الأسواق تستخدمه الأفران الصغيرة ويحتوي على النشارة والقش ونسبة قليلة من الزعتر وذلك لتخفيض كلفة الإنتاج. هذه الأفران في العادة تبيع منقوشة الزعتر بـ 250 ليرة لبنانية (17 سنت) ما يُعتبر أرخص سعر متوفر لمنقوشة الزعتر في السوق. ونفى صاحب الفرن أن فرنه يستخدم زعتر كهذا بهدف المحافظة على صورة المحل واسمه، لكنّه نصحني بأن أتوجه إلى المحامص والطواحين التي تخلط الزعتر.
الخلطات المغشوشة من الزعتر يتم إضافة نشارة خشب أو قش إليها، ويتم صبغها أيضاً من أجل استبدال لون السماق
توجهت أولاً إلى محمصة الحلباوي وهي محمصة منتجة في الضاحية الجنوبية لبيروت وسألت الرجل المسؤول، الذي رفض أن أفصح عن اسمه، عن "الزعتر المزيف" وأخبرني أنه لا يوجد ما يُسمى بالزعتر المزيف لكن يوجد زعتر مخلوط ببعض الزوائد كالنشارة والقش وذلك بسبب ارتفاع سعر الزعتر والسماق. فخلطة الزعتر المعروفة في لبنان تتألف من زعتر وسّماق وملح وسمسم محمّص أو غير محمّص، أمّا الخلطات المغشوشة التي لا تحتوي على هذه المقادير فيتم اضافة نشارة خشب فيها أو قش إليها، ويتم صبغها أيضاً من أجل استبدال لون السماق الذي يصل سعر الكيلو منه لعشرين ألف ليرة لبنانية (13 دولار).
لم تكفيني هذه المعلومات فتوجهت إلى سوق البهارات في بربور وتحديداً إلى مطاحن دعبول وعبيدو إحدى أهم الطواحين في بيروت. قال لي المسؤول عن مطحنة دعبول إنه لا يتعامل مع هذا النوع من الزعتر لكنه لم ينفي وجود زعتر يُضاف إليه القمح المجروش ونبتة الرشيد وحمض الليمون بدل السماق من أجل خفض كلفة انتاجه. وأكد لي مدير مطحنة دعبول إن سعر كيلو الزعتر يتراوح بين الـ 7،000 و1،2000 ليرة لبنانية (5$- 7$) وليس أكثر من ذلك. أما المسؤول عن مطحنة الحلباوي فيقول إنه يوجد في السوق زعتر تبلغ قيمة الكيلو منه 3،000-5،000 ليرة (2$- 3$) أما الزعتر ذو الجودة العالية فيبلغ سعر الكيلو منه 20،000- 30،000 ليرة (13$-20$) وأكثر.
ولكن كيف يمكنك التفريق بين الحقيقي والمزيف؟ أفضل شخص يمكنه تفريق بين الزعتر الأصلي والزعتر الذي يوضع فيه اضافات هو جدتي نورا التي تحضره كل موسم للمونة. تقول جدتي إنه بعد قطف الزعتر من البراري، يتم تجفيفه وتيبيسه ثم توضع أوراق الزعتر في أكياس من القماش ويتم دقه بالمطرقة وتصفيته من الأوساخ العالقة والقش، ليُدمج فيما بعد مع السماق والملح والسمسم حسب الطلب. وقالت: "هناك أنواع مختلفة من الزعتر الجاهزة للدمج فيوجد الزعتر الورق الذي لم يُخلط بعد، ويوجد الزعتر المطحون بدون سماق، ويوجد أيضاً الزعتر مع السماق بدون ملح وسمسم وأخيراً يوجد الزعتر المخلوط مع السماق والسمسم. الزعتر الذي نأكله في المنقوشة لا يحتوي على زعتر وسماق فقط بل يتم اضافة الرشيد وحمض الليمون إليه وأحياناً الصبغة لخفض نسبة الزعتر والسماق فيه ولبيعه بأرخص الأسعار للأفران." وما فعلته فعلياً جدتي هو طلب الزعتر من عند فرن صديقها تعرف جيداً أنه يستخدم زعتر "مش بيور" على حد قولها، وتبيّن لنا أن طعمته أكثر حدية وليست حامضة وأن رائحته تختلف بنسبة قليلة عن الزعتر وهو أكثر قساوة من حيث الملمس من الزعتر العادي بسبب وجود القش فيه.
ولتوثيق حديث جدتي، تحدثت مع ملاك جارين، مديرة النوعية في طواحين "عبيدو" التي قالت لي إن الزعتر المستهلك في السوق او ما يُسمى ب"الزعتر ميكس" لديه عدة تسميات ووصفات شرعتها الدولة خاصة لاستخدام الأفران، وأضافت: "تتضمن الوصفة عادة نسبة الزعتر والسماق التي يجب أن تحتوي عليها الخلطة ونسبة الزوائد المسموح باستخدامها. وتضع هذه الوصفات مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية وتتقسم وصفات خليط الزعتر لثلاثة أنواع هي: "خليط زعتر ممتاز" و"خليط زعتر اكسترا" و"خليط زعتر عادي." ويحتوي الخليط الممتاز على الزعتر والسماق والسمسم والملح، أما الزعتر الإكسترا فيُضاف إليه نسبة معينة من الحبوب الغذائية، وأخيراً الزعتر العادي يُضاف اليه كمية كبيرة من الزوائد منها النخالة والتوابل وسكر نبات وقشر السمسم وأعشاب عطرية وغيرها."
الزعتر المزيف طعمته أكثر حدية وله رائحة مختلفة وهو أكثر قساوة من حيث الملمس من الزعتر العادي بسبب وجود القش فيه
وللسيطرة على نوعية الزعتر المتداولة في السوق قامت الدولة بتوكيل شركات مسؤولة لأخذ عينات من الزعتر من المعامل والتأكد أنها تتبع المواصفات التي شرعت بها الدولة. أما بالنسبة للزعتر المغشوش في السوق، فتقول المهندسة مريم عيد، رئيسة مصلحة الصناعات الغذائية في وزارة الزراعة في حديثها معي: "الزعتر المزيف والغش موجود في كل العالم وليس لبنان فقط وتقوم الوزارة بالكشف على المصانع بشكل دائم، وعلى كل مصنع أن يلتزم بمعايير معينة كي يعمل وفي حال تم إيجاد نوع من الغش فيتم إما إنذار المصنع أو توقيفه عن العمل إلى إشعار آخر. وفي حال تم ايجاد كمية من الزعتر المزيف في السوق فيتم احتجاز الكمية وتقوم وزارة الإقتصاد والغذاء بأخذ الإجراءات اللازمة لأن الأمر يمس بسلامة الغذاء وجودته."
ولكن هل زعتر المنقوشة المزيف مضر بالصحة؟ يقول الدكتور يعقوب خضر، طبيب الصحة العامة أن وجود مواد كالنشارة والصبغة هو أمر مضر بالصحة على المدى الطويل ويضيف: "لا يستطيع جسم الإنسان هضم مادة الخشب لهذا مزج النشارة بالزعتر يؤذي الجسم عامة والجهاز الهضمي بشكل خاص، فضلاً عن أن الصبغات الملونة المستخدمة في صنع الزعتر "المزيف" قد تؤدي الى سرطان في الأمعاء على المدى الطويل."
يبدو أنه من الصعب نوعية الزعتر التي نستهلكها في المنقوشة الصباحية لكن على رأي حديث جدتي "يلا زيادة مناعة ما بتضر." فألف صحة ودمتم سالمين.