beatriz-perez-moya-M2T1j-6Fn8w-unsplash
Photo by Beatriz Pérez Moya on Unsplash

مقال رأي

رحلتي كشخص لا إنجابي مع جروبات وتطبيقات الزواج العربية

قادني مشروع زواجي الثلاثيني المتأخر نسبيًا، إلى جروبات وتطبيقات الزواج الإلكترونية، وشرعتُ في تحميل أكثر 3 تطبيقات مشهورة للزواج: مُسلمة.. هوايا.. مودة

نعم.. أنا كما قرأتَ في العنوان تمامًا، لا أريد الإنجاب عن رغبة شخصية، ولا أعاني من أي عُقم أو مشكلة صحية، لكنني لا أريد أطفالاً، أي أنني "لاإنجابي" وفقًا للتعريف الأكاديمي الدقيق.

بالنسبة لقطاع كبير من اللاإنجابيين يرتبط رفض الإنجاب برؤيتهم لأن عالمنا شرير مؤلم ولا ينبغي إحضار مزيد من البشر إليه، خاصة أن الطفل لا يوافق في نظرهم على وجوده أصلاً، ومبدأهم في هذا "فُرضت علينا الحياة ولن نفرضها على أحد." البعض الآخر يجد أن الموارد الأرضية الحالية لا تكفي مزيدًا من الأجيال الجديدة على طريقة شرير القصص المصورة Thanos، أو ربما يخشون الحروب والأوبئة والانهيار الاقتصادي وكل الأخطار الأرضية المحتملة. باختصار هم لا يجدون كوكبنا مناسبًا لطفل جديد.

إعلان

بالنسبة لي، لم أتخذ قرار اللاإنجابية مُبكرًا، فالحقُ أنني لوقت طويل كُنت أخطط لتحديد النسل بأقصى درجة ممكنة والاكتفاء بابن واحد فقط، حتى أستطيع تربيته بالشكل الصحيح ماديًا ونفسيًا.

أنا أحب الحياة، ولقد عبرتُ للتو من اكتئاب مزمن بفضل العلاج النفسي الدوائي، وجربتُ أجمل مشاعر الرضا بعد شفاءٍ مُريح وتصالح نفسي، مقتنعًا بالحكمة اللاتينية الخالدة carpe diem أو اغتنام اللحظة بكل ما فيها من لذة مشروعة لن تؤذي أحدًا، ولأنني أصبحت أفهم نفسي أكثر من ذي قبل، تبين لي أمر واحد: أنا لستُ حِمَل إنجاب الأطفال، ولا حتى واحد. 

قرار الإنجاب ليس بسيطًا في شعوبنا الولودة، إنها أصعب مهمة على الإنسان في نظري، مسؤوليته التامة عن كائن بريء، وتحمل تقلباته ومشكلاته قبل مزاياه، بالتالي لم أعد أرى المعادلة بالشكل النمطي (زواج = أطفال) فالأمران منفصلان تمامًا عندي.

كل الحكاية أنني لا أريد تعذيب طفلي معي، لدي أحلام وطموحات، ولا أريد سوى الاهتمام بزوجتي فقط إلى جانب السعي لتحقيق ذاتي

ولكن هل يتعارض هذا مع ديني كمسلم؟ في الواقع، تحديد النسل مشهور ومشروع في البلاد الإسلامية كافة، والصحابة أنفسهم فعلوه والحديث مشهور بنصه "كنا نعزل والقرآن ينزل" ومصطلح "نعزل" أي كُنا نقذِف السائل المنوي خارج الرَحِم، وأيضًا وردت في صحيح مُسلم نصيحة الرسول لأحد السائلين الذي أوقف النسل عن جاريته، فقال له النبي: "اعْزِلْ عنها إنْ شِئتَ؛ فإنَّه سَيأْتيها ما قُدِّرَ لها" وهكذا فمنع النسل هو الآخر يعود لرغبة صاحبه.

كل الحكاية أنني لا أريد تعذيب طفلي معي، لدي أحلام وطموحات، ولا أريد سوى الاهتمام بزوجتي فقط إلى جانب السعي لتحقيق ذاتي. ولأنه من المستحيل أن أتزوج إنسانة إنجابية وأعذبها معي، قررت البحث عن زوجة لا إنجابية.

إعلان

اعتقدت أن أفضل طريقة للتعارف عن اللاإنجابيين مثلي، هو فيسبوك، ربما أجد بعض الجروبات المغلقة والمفتوحة المُخصصة للفكر اللاإنجابي، منها العام للمناقشة وتبادل الآراء ومنها أيضًا للتعارف والزواج.

هناك الكثير من الفتيات اللاإنجابيات، ولكن كان تصريح "أنا لا دينية" أكثر ما قابلني عند التعرف عليهن، بل إن البعض منهن كن "لا زوجيات" يعني رافضات للزواج نفسه باعتباره مشروعًا فاشلاً. وهكذا قادني مشروع زواجي الثلاثيني المتأخر نسبيًا، إلى جروبات وتطبيقات الزواج الإلكترونية، وشرعتُ في تحميل أكثر 3 تطبيقات مشهورة للزواج في الوطن العربي: مُسلمة.. هوايا.. مودة، بالطبع هناك غيرهم مثل "قِران" ولكني اكتفيت بالأشهر.

التطبيقات الثلاثة متشابه، والمشترك الأهم بينهم هو حتمية الاشتراك المدفوع أو ما يسمونه "ترقية العضوية" حتى تصبح المحاولة مُجدية أصلاً، كي يتمكن الباحث عن شريكه من استقبال الرسائل والرد عليها والوصول إلى أكبر عدد من الأعضاء، الخلاصة أن اشتراكك المجاني لن يساعدك في شيء، والآن إلى الاختلافات الجذرية والمادية.

مُسلمة
هو الأغلى، والأرقى، والألمع بين التطبيقات الثلاثة، نظرة واحدة على الموقع الإلكتروني أو التطبيق ستدرك بها أن القائمين على "مُسلمة" محترفون لا يمزحون، يعرفون كيف يجذبونك إليهم بتصميمات مبهرة ونصوص دعائية وشعارهم الواعد "اعثر على شريك حياتك المسلم."

يفتخرون بأن موقعهم "حائز على ثقة أكثر من ٧.٥ مليون مسلم ومسلمة" بل ويتشعبون عالميًا لأنهم "جزء من شبكة Cupid Media ذات التاريخ الطويل والتي تدير أكثر من ٣٠ موقع مواعدة متخصص." ثم يسترسلون في ثقة "موقعنا مخصص بالكامل لمن يبحث عن عزاب أو عازبات مسلمين للزواج بطريقة تلتزم بالقواعد الإسلامية للتعارف" (قواعد إسلامية! لماذا يكتبونها "مواعدة" إذن؟)

إعلان

الموقع عتيد في مهنته، انطلاقته الأولى في العام 2006، ونجحت استراتيجيته الإعلانية في دفعي لاشتراكه باهظ الثمن ولكن.. لأسبوع فقط وفق الميزانية (حوالي 300 جنيه مصري وقت تجربتي)، والميزة الأكبر أن الجنسيات تتعدد عبر الوطن العربي كله، بل ومن خارجه كمُسلمات إندونيسيا وماليزيا، فالموقع متشعب الفروع كما أسلفتُ القول.

هوايا
هذا تطبيق مصري خالص، كان اسمه في البداية "هارمونيكا" وقت تدشينه عام 2017، تعبيرًا عن التناغم بين الشريكين المفترضين، لكن الاسم الحالي أسهل وأقرب بالفعل للفئة المستهدفة، والكل يبحث عن الهوى دون شك، ولنا في أغنية العندليب "الهوى هوايا" أقوى مثال. وجدته أسهل من "مُسلمة" ولوحته الرئيسية شديدة البساطة، فقط صور طالبات العريس وإشارة للإعجاب وأخرى لعكسه، وحين تتبادل الإعجاب مع إحداهن يخطرك التطبيق بهذا، الميزة التي أعلن "فيسبوك" عن العمل عليها فعلاً، لكنها في "هوايا" تتطلب اشتراك آخر للمحادثة، وكان معقولاً مقارنة بالسابق (حوالي 350 جنيه/١٨ دولار في 3 شهور دفعة واحدة حين تجربتي).

 مودة
الأخير في قائمتي، والاسم مُستوحى من الآية الشهيرة "وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚإِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ" وهذا كفيل بإعلامك أنه التطبيق الأكثر "تدينًا"بينهن، حتى أنه لا يسمح بوضع الصورة الشخصية أو حتى تغييمها مثل التطبيقين السابقين، هو يمنعك من الإمكانية أصلاً، فضلاً عن تأكيده على "الزواج الشرعي" في كل نص دعائي يوجهه.

إعلان

تكتشف مباشرة أن "مودة" عتيق للغاية، واجهته تُذكرك بأنظمة التشغيل القديمة كـ Windows 98، رغم انطلاقته التي رافقت مُسلمة في العام 2006، لكنه يبدو مُحافظًا على نظامه الكلاسيكي، وربما لهذا كان اشتراكه هو الأقل (100 جنيه للشهر الواحد عند تجربتي).

هل خمنت النتيجة؟
بعد حوالي شهر من الانتظار والمحادثة مع "المتواجدات حاليًا" و"المنتسبات للموقع حديثًا" مع ملاحظة أنني كُنت شديد الوضوح في طلبي "أريدها زاهدة في الأطفال مثلي، سواء برغبتها أو رغمًا عنها" أتت الإجابات على هذا النحو في كل المحاولات تقريبًا:

- ربنا يهديك.. أنت بحاجة لطبيب نفسي
- أنت متخلف *&^*!% (شتيمة وقحة)
- ما هذا الكلام؟؟ أنا أصلاً بدي أتزوج لأنجب!
- هذا مُخالف للشريعة.. أنت ترفض النعمة
- طيب ومن سيقف بجانبك في شيخوختك؟ (على أساس أن كل الأبناء يسندون آبائهم وأمهاتهم!! دور المسنين المكتظة تشهد فعلاً!)
-لماذا تريد إيقاف الإنجاب؟
- هههههههههههههه هههههههههههههههه أنت مضحك جدًا

هكذا كان حصادي، فشل تام مع الوقت ومجرد فضول متزايد من الفتيات بلا توافق. هل خرجتُ خالي الوفاض بالكلية؟ الحقيقة ليس تمامًا، فقد وجدتُ بغيتي مرتين فقط بين عشرات المرات، ولكن لم تستمر المحادثات طويلاً. تجاربي نحو ايجاد الشريكة "اللاإنجابية المُسلمة" لم تتوقف عند تطبيقات الزواج، فقد حرصتُ على استكمالها بالتوازي مع الطُرق التقليدية، ومن أهمها سؤال المعارف. 

بعد أشهر من المحاولة، حالفني الحظ وتعرفت على فتاة لاإنجابية، تحادثنا كثيرًا وتناقشنا مليًا، وفي النهاية طوّقنا بعضنا بخاتمي الخطبة، صحيح يا سادة. انتهت رحلتي بسعادة، وجدتها أخيرًا وبعيدًا عن الجروبات والتطبيقات، هل هناك حكمة مُستفادة من قصتي؟ ربما، سأقولها بكل وضوح: افهم نفسك وأبحث عمن تناسبك بلا أذى، وعلى رأي الغالية شاكيرا: Try Everything.