pink tax (1)
مرأة

الضريبة الوردية.. لماذا اللون الوردي أغلى من باقي ألوان الطيف؟

تنفق النساء في المتوسط ١،٣٥١ دولارًا سنويًا أكثر من الرجال على منتجات العناية الشخصية

إذا قلت لكم أن هناك فئة في المجتمع تدفع سعراً أعلى عند شراء منتج ما اعتماداً فقط على لون غلافه التسويقي، فقد تعتقدون أنني أبالغ. لكن في الواقع، هذه قاعدة تسير عليها العديد من الحملات الإعلانية في العالم بأسره. سأترك لكم بضع ثوانٍ لتحزروا من هم أكباش الفداء هنا… النساء طبعًا. لم يكن الأمر صعبًا، صح؟ لندخل في التفاصيل.

ما هي الضريبة الوردية؟
الضريبة الوردية، أو Pink Tax، هي خدعة تسويقية تعتمدها الشركات لبيع خدماتها وسلعها للنساء بمبلغ إضافي، وذلك باستعمال اللون الزهري في إعلاناتها وتصميماتها. وقد ظهر هذا المصطلح للوجود سنة ١٩٩٦ عندما أصبحت كاليفورنيا أول ولاية تحظر اختلاف أثمنة المنتجات والخدمات على أساس الجنس، بعدما لاحظت أن النساء ينفقن في المتوسط ١،٣٥١ دولارًا سنويًا أكثر من الرجال للاستفادة من السلع المرتبطة بالعناية الشخصية، كمزيل العرق والشامبو وشفرات الحلاقة.

إعلان

حتى وإن كنت تجهل/ين وجود هذه الفوارق الجندرية في الأسعار، فلا بد وأنك قد كنت ضحية لهذه الضريبة دون أن تعي ذلك. يكفي القيام بجولة سريعة في أروقة المنتجات المخصصة للرجال والأخرى المخصصة للنساء في أي متجر أو سوبرماركت أو صيدلية ستعين حجم هذه المشكلة. 

في الواقع، استغرق مني الأمر دقيقتين بالتمام لأضع أصبعي على هذا التحيز الجندري غير العادل فور الوقوف قبالة رفوف العناية الشخصية بالسوبرماركت القريب مني. مثلاً، شفرات الحلاقة. أجد كيسًا يحتوي على خمس ماكينات حلاقة باللون الأصفر مخصصة للرجال ويبلغ ثمنه ما يقرب واحد دولار، في المقابل هناك كيس آخر يشبهه في جميع جزئياته: شفرة واحدة وشريط الجيل المرطب ونفس عدد الوحدات بالكيس، الاختلاف الوحيد هو لونه الزهري البارز وثمنه الذي يبلغ دولارًا و٨٩ سنتًا. هل تستطيعون تخيل دفع ما يقرب ضعف الثمن الأصلي لمنتج ما فقط لأن لونه زهريًا؟

الشامبوهات. تبلغ عبوة شامبو ٤٠٠ ملل للرجال باللون الأزرق ثمن ٤،٣٢ دولارًا، فيما تصل العبوة النسائية باللون الوردي -والتي تبلغ سعتها ٣٦٠ ملل فقط- إلى ثمن ٤،٦٣ دولارًا. يعني عبوة أصغر بالحجم وأغلى في السعر. ذهبت إلى القسم المخصص للأطفال، ووجدت الدمية المحشوة التي ترتدي زيًا زهريًا يصل سعرها إلى ٤٠،١٣ دولارًا، فيما يبلغ سعر الدمية بأي لون آخر ٣٢،٣٣ دولارًا. سعر ألعاب البنات تفوق تلك المخصصة للأولاد بنسب تتراوح بين ٢ و١٣ بالمئة، لماذا؟ اللون الوردي. كما تدفع المرأة في المتوسط مبالغ تفوق ٧٪ تلك التي يدفعها الرجل مقابل الحصول على نفس السلع التي تختلف فقط في اللون أو الرائحة. هذا دون الحديث عن فجوة الأجور بين الجنسين التي وصلت هذا العام إلى نسبة ١٨٪ لصالح الذكور. 

إعلان

هذه الدراسة التي أجرتها إدارة شؤون المستهلك بمدينة نيويورك والتي شملت ٧٩٤ منتجًا بين المخصص للرجال والنساء من جميع الفئات العمرية، تظهر حجم التمييز في أسعار الملابس ومواد العناية الشخصية والخدمات العامة المقدمة للنساء:

  • ملابس الأطفال: في المتوسط​​، تزيد تكلفة ملابس الفتيات بنسبة 7٪. إكسسوارات الفتيات مثل الخوذات والألعاب مثل الدراجات البخارية تكلف 4٪ أكثر من إصدارات الأولاد.
  • ملابس البالغين: بالنسبة إلى العناصر المماثلة مثل الجينز والقمصان حتى من نفس الشركات المصنعة لملابس الرجال، تدفع النساء في المتوسط ​​8٪ أكثر.
  • العناية الشخصية: هذه هي الصناعة التي تتمتع بأعلى نسبة تمييز للمنتجات النسائية، تزيد تكلفة المنتجات بمعدل 13٪. يتضمن ذلك شفرات الحلاقة والعناية بالشعر ومزيل العرق وغسول الجسم.
  • الخدمات: تدفع النساء مقابل التنظيف الجاف وقص الشعر أكثر من الرجال - حتى عند إحضار نفس القميص أو طلب قصة شعر قصيرة. تشمل الخدمات الأخرى الخاضعة للضريبة الوردية التأمين على السيارات.

pink tax infographic 2.png

قطاع الخدمات لم يسلم أيضًا من بطش هذه الضريبة التي تلاحق النساء منذ عقود. لنأخذ مثال قص الشعر. في المغرب مثلًا تبلغ قيمة قص الشعر للنساء ١٠٠ درهم مغربي، بينما ينخفض الثمن إلى ٤٠ درهمًا بالنسبة للرجال. في المملكة العربية السعودية تصل الرسوم الخاصة باستخراج رخصة قيادة للنساء إلى ٣،٠٠٠ ريال سعودي، في مقابل ٤٥٠ ريالًا سعوديًا فقط للرجال. ويمكن أن تصل اشتراكات بعض النوادي الرياضية إلى ٢،٧٠٠ ريال سعودي للنساء، بينما لا يدفع الرجال سوى ٦٠٠ ريال من أجل نفس الخدمة- الأمر الذي دفع ب٤٠٪ من النساء السعوديات إلى إهمال الجانب الرياضي في حياتهم نظرًا لغلاء أسعار التسجيل في الجيم.

إعلان

الفوط الصحية
هذه الضريبة تؤثر بشكل مباشر على حياة النساء وخياراتهن وصحتهن، حيث تعاني الكثير من النساء في الوطن العربي من فقر الدورة الشهرية بسبب ارتفاع اسعار الفوط الصحية ومنتجات العناية والنظافة خلال فترة الدورة الشهرية، ما يضطر بعضهن لإيجاد بدائل أرخص، لكن أخطر بكثير على صحتهن. في لبنان، الذي يعيش أزمة اقتصادية صعبة، ارتفعت أسعار الفوط الصحية المستوردة بنسبة وصلت إلى ما بين ٦٦٪ و٤٠٩٪، وهو ما أدى إلى مضاعفات صحية ونفسية في صفوف العديد من النساء والفتيات. للأسف، لا تزال المنتجات الصحية المرتبطة بالدورة الشهرية تعتبر من الكماليات في العديد من مناطق العالم التي لا تزال تفرض ضرائب مهمة عليها، في حين أنها من أهم الأولويات وهي حق من حقوق جميع النساء والفتيات دون استثناء. 

وتشير الإحصاءات إلى أن النساء ينفقن ما متوسطه ١،٧٧٣ دولارًا على الفوط الصحية والتامبونز في حياتهن، فيما تبلغ أعداد النساء والفتيات اللاتي لا يتمتعن بحقهن في الحصول على العناية الصحية اللازمة خلال فترة الدورة الشهرية، ٥٠٠ مليون امرأة.

بعد تعالي أصوات النساء المطالبة بإلغاء الضريبة المفروضة على منتجات العناية للدورة الشهرية، رضخت حكومات بعض البلدان لبعض من هذه المطالب. فرأينا أستراليا تلغي تمامًا هذه الضريبة، وقبلها الهند تراجعت عن نسبة ١٢٪ من الضريبة المفروضة على هذه المنتجات، لتلحق دول أخرى بركب المتجاوزين لهذه القيمة الإضافية. لكن تبقى اسكتلندا أول دولة في العالم توفر فوطًا صحية وسدادات قطنية مجانية لمواطناتها في خطوة عملية وتقدمية كان بطلها فيروس كورونا الذي دفع بالحكومة الاسكتلندية إلى تسهيل الحصول على هذه المنتجات لمن يحتاجها في ظل الجائحة. 

لماذا هذا الاستهداف الجندري بالأساس؟
لعل أول سؤال قد يتبادر للذهن هو لماذا النساء بالتحديد؟ الجواب مجدداً هو التمييز الجندري وخليط من الذكورية والرأسمالية. تدعي بعض الشركات المصنعة أن النساء أقل حساسية تجاه أسعار منتجاتهن من الرجال. هذا يعني أنه من المرجح أن يشتروا منتجًا بغض النظر عما إذا كان السعر مرتفع. فكرة استغلال "صفة معينة في الزبون لكسب المزيد من المال" هو غير أخلاقي وعنصري، هذا عدى على أن الاعتقاد بأن النساء أقل حساسية للسعر هو خاطئ من أصله، فقد وجدت دراسة حديثة أن ثلثي النساء من المرجح أن يستخدمن هواتفهن في المتاجر لمقارنة الأسعار، في حين أن نصف الرجال فقط يقومون بذلك.

كما تبرر بعض شركات التأمين هذا الاختلاف في الأسعار بأن النساء عادة هم "مستهلكون مُكلفون" لأنهم يلجؤون لخدمات صحية أكثر من الرجال. نعم خدمات صحية أكثر لأننا ملزمون برؤية طبيب نساء وتوليد ومتابعة فترة الحمل وما بعد الولادة معه، وإذا كانت ستفرض علينا مبالغ إضافية لأننا مجبرون على الاستفادة من خدمات مخصصة لنا وحدنا دون الرجال، أين العدل في ذلك؟

سبب آخر لاعتماد هذه الضريبة دون خجل، بحسب مقال نشرته CNN منذ بضع سنوات، هو الكلفة العالية التي يتطلبها إنتاج غلاف تسويقي جذاب. وبحسب نفس المدافعين على طريقة التسويق هذه، فالنساء يولين اهتمامًا بالغًا بالشكل الخارجي لأي منتج، حتى أنهن مستعدات لدفع مبالغ إضافية فقط ليحصلن على سلعة جميلة في أعينهن. جمال المنتج بنظر هذه الشركات يتم استخدامه بشكل تمييزي لرفع السعر وأخذ تكاليف التسويق الإضافية من جيوب النساء.

إن السماح للشركات الكبرى بتحقيق الربح على حساب النساء هو تمييزي وظالم ويجب أن يتوقف. وقد تكون البداية بمقاطعة المنتجات التي لديها سياسات تسعير تمييزية بين الجنسين.