"مجرد طلبك تسمية ابنك إسمًا أمازيغياً يعرضك للخطر،" تتحدث الناشطة النسوية الأمازيغية زورغ سالم، ٢٨ عامًا، من ليبيا وتعيش اليوم في مدينة بورنموث - إنجلترا عن معاناة الأمازيغ المستمرة في ليبيا منذ بداية حكم القذافي سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم. وتضيف: "مؤخراً، واجهت عائلتي مشكلة في تسمية أبناء إخوتي لدى السفارة الليبية في كندا - حيث كان ينوي أخي تسمية أبنه (إيتري) وهو اسم أمازيغي يعني النجم، ولكن رفضت السفارة الليبية الموافقة على الاسم بحجة أنه غير عربي."
في ديسمبر عام ٢٠١٩ أعلنت مصلحة الأحوال المدنية التابعة لحكومة الوفاق، والتي تتخذ من العاصمة الليبية طرابلس مقراً لها، قراراً بمنع تسجيل الأسماء الأمازيغية، وهو ما أثار موجة غضب على اعتباره نوع من أنواع التمييز والعنصرية ضدهم. وكانت مصلحة الأحوال المدنية في الجهة الغربية (باعتبار أن ليبيا منقسمة إلى غرب وشرق)، أعلنت منع استعمال الأسماء غير العربية (الأمازيغية) وفق المادة 3 من القانون رقم 24 لعام 2001، وضرورة معاقبة كل من يخالف أحكام المادة 4 من القانون ذاته، بغرامة مالية تقدر بـ 1000 دينار ليبي. ويعيش أمازيغ ليبيا حالة صراع مع الحكومات المتعاقبة على ليبيا منذ اندلاع ثورة فبراير من أجل ضمان حقهم في لغتهم وإنهاء مختلف أشكال التمييز ضدهم.
منذ بداية حكم القذافي التي إمتدت لأكثر من أربعين عامًا (١٩٦٩-٢٠١١) فُرض على الليبيين عامة والأمازيغ خاصة العديد من القيود على حرياتهم الفردية وخياراتهم الشخصية. واجه الأمازيغ، الذين يعتبرون السكان الأصليين لمنطقة شمال أفريقيا، طمساً كبيراً وواضحاً لثقافتهم ولغتهم - فكان لا يحق لهم النشر أو الكتابة أو التعليم بالأمازيغية، وتم منع الأنشطة الغنائية والثقافية، بل أن التحدث بالأمازيغية في مكان عام كان يعرض فاعله للسجن. ولكن على الرغم من نهاية حكم القذافي إلا أن الناطقين بالأمازيغية، الذين يشكلون ما يقارب 10% من سكان ليبيا الحاليين ويتوزعون على مدن جبلية وساحلية في الغرب الليبي- كذلك بعض المدن الداخلية كجبل نفوسة ونالوت وزوارة وغيرهم- لا يزالون يعانون من التهميش الثقافي.
في مقابلة مع المؤرخ الليبي الأمازيغي مادغيس أومادي الذي يعيش في مدينة أوتاوا في كندا، يخبرني أن منع تداول الأسماء الأمازيغية في ليبيا له بعد سياسي: "المنع والقيود على الأسماء موجودة في الكثير من الدول، هناك بعض الأسماء التي تراها الحكومات أسماءً غير مقبولة أو مسيئة للطفل لهذا تحاول منعها أو تقييد التسمية بها. في ليبيا الموضوع آخذ بعداً سياسياً وأيديولوجياً مختلفًا. القذافي إعتبر الأمازيغية لغة قديمة وغير محدثة ودوماً ما كان ينعتها بالبربرية، بدلاً من الأمازيغية، فبالتالي أستخدامها بالنسبة له كلغة أو رواجها كثقافة يعتبر منافياً لفكرة التحديث المجتمعي التي كان يروج لها."
ويضيف مادغيس: "منح القذافي صلاحيات واسعة لمجمع اللغة العربية في ليبيا ليكون المسؤول الأول والأخير عن إقصاء أي أسماء غير عربية أو غير إسلامية واعتبارها أسماءً شاذة وغريبة، وهذا شكل تمييزاً وتقييداً واضحاً لخيارات الأمازيغ الشخصية والمدنية." قانونيًا، ووفقاً للمادة ٣ من قانون رقم ٢٤ لسنة ٢٠٠١ يحظر إستخدام أي أسماء غير عربية أو إسلامية أو أي أسماء ذات دلالة خاصة تتنافى مع روح الإسلام وهوية الشعب الليبي، ويحظر تسجيلها بالسجلات والوثائق أياً كان نوعها.
علم الأمازيغ -الأزرق الذي يرمز للبحر، والأخضر للزراعة، ثم الأصفر للصحراء الكُبرى، ويتوسط العلم أحد رموز اللغة الأمازيغية باللون الأحمر. ويكيبيديا.
ما بعد انتهاء الاستعمار في البلدان العربية، قامت الكثير من الدول بالمناداة بالقومية العربية وضرورة توحيد الأمة العربية ثقافياً ولغوياً، ولكن كان هذا على حساب الكثير من الفئات، كما يقول الكاتب حسن منيمنة في مقال له: "ومن المآخذ على الفكرة القومية هو جنوحها إلى الدمج القسري في تعريفها الذاتي لفئات وأوساط لا غلبة فيها لهذه الفكرة كأساس للهوية. هذه الفكرة رأت من التعبيرات المحلية، الاجتماعية والثقافية عامة واللغوية خاصة، آفة على العروبة واعتلالًا فيها، بما يتوجب معالجتها دمجا واجتثاثا وإدانة."
في ظل هذا الوضع، تم نشر العربية كلغة وثقافة ودين على حساب الأمازيغية، حتى الأماكن التي تعتبر داخل نطاق المناطق الامازيغية كمدن جبل نفوسة تم تبديل العديد من أسماء معالمها بأسماء عربية لا تعكس ثقافة المكان أو المعلم الثقافي، ومنها ساحة تيللي في مدينة يفرن التي بُدل أسمها إلى ميدان العروبة، وهو ما اعتبره مادغيس "تغييراً طوبونومياً غير مقبول."
قضية الأسماء تظهر مشكلة أكبر وأعمق وهي عدم الإعتراف بوجودنا أساساً، لأن الكثير ممن نتشارك معهم اليوم الأرض والجنسية، لا يعترفون بحقنا كمواطنين لنا هوية وثقافة ولغة مختلفة يحق لنا مشاركتها وتعلمها وتوريثها
ولكن على الرغم من المنع، حاول الأمازيغ تسمية أبنائهم على مر العقود الماضية من خلال اللجوء للحيل اللغوية لمحاولة إدراج أسماء أبنائهم لدى السجل المدني في بعض المدن- من بين هذه الحيل هي المحاولة لربط المصطلح أو الاسم الأمازيغي بإسم أو معنى مشابه في اللغة العربية لكي تتمكن هذه العائلات بتسمية أبنائها. مثلاً إسم تالا معناه بالعربية نخلة وبالأمازيغية ينبوع الماء، فحين يسأل موظف السجل المدني عن معنى الإسم يجيب الآباء بإن الإسم عربي وموجود في معجم اللغة العربية. ورغم القيود الموضوعة على الأسماء، فأحياناً يتمكن الأمازيغ في بعض المناطق من خدمة بعضهم من (تحت الطاولة) ومحاولة تسجيل بعض المواليد بأسماء يرغب فيها أهلهم، بدون أن يتسبب ذلك في مشكلة أو ضرر قانوني.
تقول مصلحة الأحوال المدنية لموقفها بأن القرار لا يستهدف المكونات الثقافية لسكان ليبيا من أمازيغ وطوارق وتبو بل ولهم الأحقية في تسمية أبنائهم أسماء تعكس ثقافتهم وهويتهم. الا إنه والى يومنا هذا تبقى تنفيذ هكذا قرارات وفق مزاج الشخص المنوطة به هذه المسؤولية ومدى تقبله لفكرة التسمية غير العربية.
"قد يرى البعض أن اختيار الإسم ليس أمراً مصيرًيا، ولكنها تقيد حق الإنسان في الاختيار،" تقول زورغ. "هذا المنع دوماً ما يعزي سببه إلى أن هذه الأسماء غير مقبولة لدى المجتمع الليبي ومعانيها غير معروفة، رغم وضوح معاني الأسماء في اللغة الامازيغية لدى المعجم المحلي، إلا أن الإصرار على جعل الأسماء الامازيغية أسماءً دخيلة هو أمر مستمر حتى هذه اللحظة. قضية الأسماء تظهر مشكلة أكبر وأعمق وهي عدم الإعتراف بوجودنا أساساً، لأن الكثير ممن نتشارك معهم اليوم الأرض والجنسية، لا يعترفون بحقنا كمواطنين لنا هوية وثقافة ولغة مختلفة يحق لنا مشاركتها وتعلمها وتوريثها لمن هم بعدنا."
وتشير زورغ إلى دور رجال الدين الذين حاولوا على مر السنوات الماضية ترسيخ فكرة أن تسمية الأسماء غير العربية هو أمر مخالف شرعاً، ويكاد يكون محرماً، حتى أصبح العديد من الأمازيغ المتدينين أنفسهم يجتنبون فكرة التسمية بالأمازيغية أو إطلاق أسماء أمازيغية على أبنائهم كونه عمل آثم دينياً.
بعد ثورة عام 2011 رفضت السلطات التشريعية في البلاد مطالب إدراج الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، ولكن يتم السماح بتدريس اللغة الأمازيغية (التي تعتمد حروفا خاصّة بها تُسمى"لتافيناغ") والكتابة بها في المناطق الناطقة بها فقط في ليبيا. وفي عام ٢٠١٧ قرر مجلس أمازيغ ليبيا، ترسيم لغتهم كلغة رسمية في المدن والمناطق الأمازيغية بليبيا.
لا يزال الخلاف بين الليبيين إلى حد الآن، بين داعم لدسترة اللغة الأمازيغية لحفظ لتراث الثقافي الأمازيغي، وآخرون يرفضون ذلك ويطالبون بأن تكون اللغة الأمازيغية لغة رسمية في المناطق الناطقة بها فقط. وتستمر معاناة الأمازيغ لنيل أبسط حقوقهم المدنية والقانونية حتى بعد الثورة والتي كان الأمازيغ جزءاً لا يتجزأ منها، ويبقى الوضع الحقوقي للعديد منهم تحدياً كبيرًا يبدو أنه لن تتم تسويته قريباً.
-طوبونوميا، فرع من علم أصل الالفاظ، الذي يهتم بدراسة أسماء الاماكن.