أفلام

فيلم "شمس المعارف": نوستالجيا وكوميديا سعودية

"الفيلم هو رسالة حب لكل صناع المحتوى"
تصوير-الفيلم
أبطال الفيلم. 

بعد تخرجك من الثانوية العامة قد يكون آخر شيء تفكر به هو العودة للمدرسة حتى لو لزيارة. ولكن بالنسبة للأخوين فارس وصهيب قدس، فقد كان حلمهم منذ دخولهم للمجال السينمائي هو تصوير فيلمهم الروائي الأول في مدرستهم. تحقق الحلم أخيراً بفيلم شمس المعارف الذي كان من المفترض أن يفتتح مهرجان البحر الأحمر السينمائي بنسخته الأولى بجدة في السعودية، ولكن جائحة كورونا حالت دون ذلك. بعد رفع الإغلاق وعودة الحياة إلى طبيعتها بشكل جزئي في السعودية، تم اختيار هذا الفيلم في عرض أول بعد افتتاح دور السينما. تم تمويل الفيلم من خلال منحة صندوق "تمهيد" التابع لمؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي بقيمة 500 ألف دولار، وهو من كتابة الأخوين قدس، وهاني كعدور ومن إخراج فارس قدس وإنتاج صهيب قدس.

إعلان

كنت من المتحمسين لمشاهدة الفيلم منذ الإعلان الأول عنه. تدور أحداث الفيلم في عام 2010، حيث كانت ذروة صناعة المحتوى السعودي على الإنترنت. يروي هذا الفيلم، قصّة حسام وهو طالب على وشك إنهاء المرحلة الثانوية، يقرر مع أصدقائه الفريق إنتاج فيلم رعب دون ميزانية وسط عوائق وتحديات مختلفة في المحيط الاجتماعي. قصّة الفيلم تشبه لحد كبير قصّة الأخوين قدس بدخول المجال مع اختلاف بعض التفاصيل بالأحداث. الفيلم مليء بالرمزيات للمشهد الفني في السعودية بتلك المرحلة بدءاً من برامج اليوتيوب التي برزت، وأحدثت تغيّراً كبيراً بالمجتمع والمسلسلات الكوميدية التي قدمت محتوى نقدي بشكل مختلف.

بدأت مسيرة الأخوين قدس الفنية على قناة “تلفاز 11” في بداية عام 2010 وقدّموا العديد من الأفلام القصيرة وبرامج اليوتيوب مثل "موتى يمشون بيننا" "كوكب آخر" و"تصبيرة" و"" كفن أسود" وغيرها. للأخوين قدس أسلوب مميّز بصياغة الأفكار وتوظيف النكتة بالحوارات بسلاسة وعفوية بصورة قريبة من المشاهد بعيداً عن الابتذال والإسفاف. يستطيع أي شخص مُتابع لأعمالهم السابقة أن يألف الجو العام للفيلم ويرتبط به سريعاً.

يخبرني المخرج فارس قدس، 27 عاماً، أنه كان يتلقّى بعض التعليقات أنّ أفكار أفلامه القصيرة التي عُرضت بالمهرجانات "مُبهمة،" لهذا حاول في "شمس المعارف" أن يغيّر هذه الفكرة، ويضيف: "الفيلم هو رسالة حب لكل صناع المحتوى. أردنا الوصول لجمهور أوسع. أردت التركيز على فترة المراهقة بتلك المرحلة الزمنية تحديداً وعلى جوانب لم نراها في أفلام عربية من قبل، كالعلاقة بين المعّلم والطالب، العديد من المعلمين هم أصحاب مع الطلبة رغم الفارق العمري والمكانة المهنية، وليسوا دائماً متشددين كما تظهرهم بعض الأفلام."

إعلان
DSC03048.jpg

يمين- المصور السينمائي عمرو العمّاري، والمخرج فارس قدس. جميع الصور من تصوير فايز الهندي.

يضم الفيلم عدد من الوجوه الجديدة والتي تخوض التجربة لأول مرّه مثل براء عالم الذي يقوم بدور بطل القصة حُسام، والرابر أحمد الصدام بدور إبراهيم، وإسماعيل الحسن بدور معن، أصدقاء حسام. كما شارك كل من سامي حنفي بدور حارس المدرسة ونوّاف الشبيلي بدور مصلح السويدي، نائب المدير.  وقام صهيب قدس بدور معلّم الفيزياء عُرابي.

يقول فارس أنه اختار صهيب ونوّاف قبل كتابة النص: "كنت واثقاً أنهم سيُجيدون إبراز الشخصّية كما أريدها تماماً بسبب أعمالنا المشتركة سابقاً. أما باق الشخصيات فتم اختيارهم بعد عمل تجارب أداء لأكثر من مئتين شخص، واكتشفت الكثير من المواهب المحلية."

DSC03047.jpg

يمين- صهيب قدس، براء عالم، فارس قدس، إسماعيل الحسن، أحمد صدّام.

الملصق الإعلاني للفيلم من تصميم المخرج الفنّي للفيلم مازن الميمني وقد نجح بخلق ارتباط وثيق بين الفيلم والمشاهد كونه مستوحى من كتاب القراءة والكتابة والأناشيد للأعوام الماضية مع تغيير كلمة "يباع ولا يوزّع مجاناً." المواقع المختارة للتصوير تُشعرك كمشاهد بالنوستالجيا لتلك السنوات، حيث ركّز مصمم الإنتاج أحمد باعقيل على جعل البيئة مطابقة تماماً للواقع وبالتحديد لعام 2010. تفاصيل المدرسة الحكومية من الداخل، صور الملك عبدالله، اللوحات المرسومة، الإذاعة المدرسية، المقصف، الطابور الصباحي، المصلّى، مقهى الألعاب الإلكترونية، محل بيع الأشرطة والأفلام، جوالات البلاك بيري، ديكورات المنازل والإضاءة، وبالطبع حارات جدّة القديمة.

عمل مدير التصوير عمرو العمّاري على إبراز كل التفاصيل بصورة بصرية مذهلة ولقطات سينمائية رائعة طوال الفيلم. أغاني الفيلم والموسيقى التصويرية لم تأخذ طابع واحد، حيث تم خلط عدّة أنواع موسيقى من مقطوعات كلاسيكية وحتى أغاني الراب التي كانت منتشرة بتلك الفترة وأعطت للفيلم طابع حقيقي وواقعي بالإضافة لأغاني من تأليف علاء وردي وهاني كعدور.

إعلان

وعن سبب اختيار هذه الفترة بالذات، يقول فارس أنها كانت رغبته الدائمة منذ سنوات بإنتاج فيلم عن فترة 2010 ولكن كان ينتظر الوقت المناسب: "أحببنا أنا وصهيب أن يكون أول فيلم طويل لنا عن مدرستنا. أردت أن يرى الجميع المدارس الحكومية كما كنّا نراها. كل من شاهد الفيلم حتى الآن قد يظنَّ أنّ التصوير كان بمدرسته وذلك لتشابه المباني الحكومية الموحّدة بالمملكة. أردت كذلك توثيق المدرسة من الداخل لنقل الصورة للنساء اللواتي لم يسبق لهم رؤية مدرسة البنين من الداخل- بسبب الفصل بين الجنسين."

MV5BMmFiMjRhMGItODdkNi00MzI0LWIzMGQtNDk5MmRkM2RlMzljXkEyXkFqcGdeQXVyNzQxMTAxNDc@._V1_SX1777_CR0,0,1777,745_AL_.jpg

لقطات من الفيلم.

MV5BMGVhMWM1ZTItNTQxOC00YWY0LWE5ZGItMGQ2N2M5YzZmZTFmXkEyXkFqcGdeQXVyNzQxMTAxNDc@._V1_SX1777_CR0,0,1777,743_AL_.jpg

بالرغم أنّ معظم ممثلين الفيلم رجال ولا أدوار بطولة للنساء فيه، إلا أنه تم الاعتماد على الكثير من النساء بالكادر الفنّي بالكواليس، كما يشير فارس: "وصلتني بعض الانتقادات عن عدم إعطاء مساحة كبيرة للنساء بالفيلم. في الفترة التي أتحدث عنها، المجتمع كان منغلق ومنفصل بين الجنسين لسنين طويلة. ولكن طاقم العمل نصفه من النساء."

أميل جداً للأفلام التي تقتحم البيئة المغلقة وتوثّق حياتنا بالسعودية و"شمس المعارف" كان مثالاً جيّداً لذلك، الصورة البصرية المذهلة بالفيلم نجحت بجذب انتباهي حتى النهاية، شعرتُ بالانتماء التام لكل التفاصيل كوني عشت هذه الفترة. ولكن توقّعت أن تخوض الشخصيات حوارات درامّية ومواجهات مفصليّة بشكل أكبر، لكن السيناريو كان بسيطًا، وتخلله الكثير من المواقف الكوميدية.

الفيلم الذي يقرر حسام تصويره يحكي عن أحداث مرعبة تحدث للطلبة بعد فتح كتاب السحر “شمس المعارف.” فكرة أفلام الرعب والسحر والجن متداولة سبق أن طُرحت عدّة مرات في السينما، ولكن لفارس وجهة نظر مختلفة حول إعادة الطرح: "أردنا عرض فكرة مألوفة محليّاً لتكون أقرب للناس، وعادة الشباب بعمر المراهقة يتأثرون بنمط أفلام سيد الخواتم والمتحّولون ويحلمون بصنع شيء مشابه."

MV5BNWFiNzE2YmQtMDI4NC00YmQ1LWE2ZjUtM2JlOGEzODc5NzQ3XkEyXkFqcGdeQXVyNzQxMTAxNDc@._V1_SX1777_CR0,0,1777,744_AL_.jpg

لقطة من الفيلم.

لا يزال هناك تحدي خاص بـالنظرة النمطية لدى كثيرين فيما يتعلق بمستوى الأفلام السعودية، ولا تزال تعليقات "ما أدخل سينما عشان فيلم سعودي" متداولة. فارس متفهّم تماماً لذلك، لأنه أيضًا متابع نَهم للسينما العالمية: "نحن لا نزال في بداية الطريق. لا يمكن مقارنة الأفلام منتجة محليًا بأفلام عالمية أنتجت بملايين الدولارات. نحن نعتمد على القيمة الفنيّة أكثر من الإنتاجية. كما أننا نهتم بالمحتوى المحلّي، فلا يمكن لأي فيلم أجنبي إيصال إحساس الدخول لمدرسة حكومية بالسعودية."

في النهاية، يؤكد فارس أن هناك اهتمام ملحوظ بالمجال الفني بالسعودية: "صناعة الأفلام مكلفة جداً، والمبادرات التي أطلقت مؤخرًا مثل مهرجان البحر الأحمر ساهمت بتحريك القطاع السينمائي والفنّي بشكل كبير، وخلق فرص عمل للفنانين بالسعودية. حالياً نحن نتلقى الدعم والتمويل، لكن ينقصنا الخبرة وهي تحتاج بعض الوقت لصقلها."