image00011
التباعد الاجتماعي، 2020. جميع الرسوم مقدمة من الفنان بدر عباس.

فنون

الموروث الشعبي والعصرية في أعمال الفنان الإماراتي بدر عباس

ينقص المشهد الفني في الإمارات وجود متحف للفن الحديث

رسومه مُحملة بالرموز الحداثية من سماعات الايبود، ورموز البوب كلتشر، إلى الكمامات والاجتماعات الافتراضية والعملات الرقمية، ولكنها بنفس الوقت مشبعّة بعناصر من الموروث الشعبي وتفاصيل الحياة اليومية الخليجية. من العصب أن تشاهد رسوم الفنان الإماراتي بدر عباس بدون أن تستفزك بتفاصيلها الذكية.

ضمن هذا المشهد الذي بدأ عصريًا وحتى يمكن وصفه بـ المستقبلي مع نكهة تراثية، قد تتوقع أن الفنان هو شاب من جيل الألفية، ولكن بدر، يبلغ من العمر 45 عامًا، وإن كان يصف نفسه بأنه لا يزال طفلاً في داخله. في لقائنا الإفتراضي عبر زووم، يخبرني مع بدر أنه يعمل في مجال الطيران، لكن الرسم هو حبه الأول والأخير.

إعلان
image00006.jpeg

غذاء الفكر، 2018.

VICE عربية: مرحبا بدر، أعمالك تجمع بين السريالية والتكعيبية من جهة، والموروث الشعبي من جهة أخرى، كيف قمت بالجمع بين ضدين؟
بدر عباس:
دائماً ما كان لدي حب كبير للقصص الخيالية المرتبطة بالتراث والبيئة المحلية والعربية مثل "ألف ليلة وليلة،" وبنفس الدرجة تشدني كثيراً قصص وروايات وأفلام الخيال العلمي. أنا شخصياً أجمع بين الضدين، وهذا ما يظهر في أعمالي، هناك القديم والحديث والمستقبلي. لقد تعلمت الفن والرسم ذاتياً، ولهذا لا أحب أن أتقيد بمدرسة فنية معينة، وأعبّر عما بداخلي بطريقتي الخاصة. وبالرغم من كون الإمارات دولة حديثة، إلا أنني أراها كفنان بنظرة سوريالية أكثر من كونها بلد عصري فقط.

لديك ثماني مجموعات فنية، حدثنا عنها قليلاً؟
هناك مجموعة الموروث الشعبي، ومجموعة الزمن والتقاليد والتكنولوجيا. ومجموعة المسافر عبر الزمن. وأكبر مجموعاتي كانت غذاء الفكر، وهي التي استمدت فكرتها من السمنة المنتشرة في كل مكان، وحاولت الحديث عن علاقتنا مع الطعام التي باتت تغزو جميع جوانب حياتنا، فلا يمكنك أن تشاهد فيلم سينما بدون الفشار العملاق وليترات الكوكولا التي تتجرعها بدون تفكير، وحتى على ارتفاع آلاف الأميال وأنت في السماء خلال الطيران فإن الرحلة بأكملها يمكن أن تمضيها بالأكل. أنا دائمًا أظهر الإيجابيات والسلبيات للحياة العصرية سواءً في التكنولوجيا، أو الغذاء، أو البيئة، أو الصحة، أو أسلوب الحياة، أو طريقة التفكير، وأحاول أن أبرز كيف نوازن بين ما هو مفيد وما هو ضار، وتأثيره علينا كمجتمع.

كيف أثرت أزمة فيروس كورونا عليك فنياً؟
هذه الفترة لم تكن سهلة، جعلتني أواجه ذاتي بأسئلة كثيرة تتعلق بعملي ومسيرتي وماذا أريد أن أفعل بمستقبلي، وراجعت الكثير من الخيارات. استطعت خلال هذه الفترة إكمال بعض الأعمال التي كانت عالقة سابقًا، وأطلقت مجموعة هوايات الأمس، التي أعبر فيها عن هوايات الطفولة وتداخلها بحياتي. ورسمت عملين ضمن مجموعة كوفيد، وشاركت بأحدهما بمعرض حوارات كوفيد في دبي. وكان اسم اللوحة العمل من المنزل. بينما العمل الثاني ضمن المجموعة هو سافر بأمان. الموضوعين كانا قريبين فعلاً من حياتي في هذه الفترة. حيث عملت لحوالي ثلاثة أشهر من المنزل، وكانت هذه الفترة تحمل ضغطًا هائلاً، كونني أعمل في مجال الطيران والسفر، فقد عايشت هذا الحدث التاريخي من قلب الحدث، حيث أغلقت الدول حدودها وغيرت أنظمتها بسبب الوباء. 

إعلان
image00010.jpg

العمل من المنزل. ٢٠٢٠

شاركت ببعض المعارض الافتراضية؟
منذ بداية الجائحة اختفت المعارض الفعلية تقريًبا من دبي لفترة طويلة، وكان آخرها معرض تشكيل، بلاسيتك في مارس من العام الماضي. حيث شاركت بعملين عن موضوع التلوث والبلاستيك. لا شك أن المعارض الافتراضية تتيح المجال للوصول إلى لجمهور أكبر، غير مقيد بزمن ولا مكان، ولكنني شخصياً لا أزال أحبذ المعارض الفعلية، خاصة أن هناك جزء كبير من أعمالي بمقاسات كبيرة (مترين مثلاً) وأرى أن عرضها عن بعد لا يعطيها حقها. لقد شاركت بمعرض أسبوع مسك للفنون افتراضيًا، وشكل فرصة لعرض الأعمال حتى بدون حضور فعلي، وللمشاركة في الحوارات والنقاشات عبر الإنترنت. كانت هذه أول مشاركة افتراضية لي، وهي خبرة جديدة وقد قدرتّها، ولكن بالنسبة لي لا شيء يضاهي المعرض الحقيقي وردود الفعل والاتصالات التي تأخذها منه. 

image00008.jpg

احتلل البلاستيك. ٢٠٢٠

كيف تبقى على اتصال مع التغيرات العصرية الكثيرة التي تنقلها بأعمالك؟
هناك طفل في داخلي يستكشف ويشعر بالفضول. كما أن شغفي بالسفر والتكنولوجيا الحديثة، وحضوري للكثير من المؤتمرات، ومشاهدة البرامج الوثائقية عن الكثير من المواضيع كالذكاء الاصطناعي، والبلوك شين، والواقع الافتراضي، والروبوتات، والعملات الرقمية، وإنترنت الأشياء وغيرها من التقنيات التي تشكل أسس الثورة الصناعية الرابعة والثورة الصناعية الخامسة ما بعد الذكاء الاصطناعي، كلّها أمور تظهر وتترك أثرها بقوة في أعمالي.

إعلان

قد يتخيل البعض أنك كفنان اماراتي، ليس لديك أي تحديات، هل هذا دقيق؟ 
لا شك أنني أجد إقبالاً إيجابياً ومشجعاً في المجتمع الإماراتي، وأشارك في معارض خارج البلد. ولكن التحدي الذي أواجهه كفنان في الإمارات هو نقص الغاليريهات المعروفة والبارزة التي تعرض وتروج لأعمال الفنانين الإماراتيين والمقيمين، وأرى أن التركيز أكثر ما يكون على الفنانين الأجانب من خارج البلد. استمرارية الفنان التشكيلي تتطلب وجود سوق لأعماله، والفنان التشكيلي يجب عليه أن يجد وظيفة لكي يسد نفقاته، مما يأخذ من وقته، وجهده، وتفكيره، ويؤثر سلبياً على إنتاجيته.

image00001.jpg

الموروث الشعبي، 2017.

لا يمكن للفن أن يكون المردود المالي الوحيد للفنان؟
بصراحة هناك طلب، ويمكن للفنان أن يكسب معيشته من الأعمال الفنية. ولكن أنا شخصيًا لا أعرف أي فنان لا يعتمد على مردود دخل آخر. بالنسبة لي، لقد بعت معظم أعمالي من مجموعاتي القديمة، وهناك سوق وطلب من جنسيات مختلفة سواء غربيين أو عرب وآسيويين، بالإضافة لبعض الفنادق التي تعرض أعمالاً أصلية. ولكني لا أرسم بحسب الطلب أو الموجة التي يمكن "ركوبها" إن صح التعبير. أعمالي تعبر عن المواضيع التي أراها مهمة والتي أريد أن أرسمها بغض النظر عن المردود. وهذا هو ما يجعل التفرغ تماماً للفن خياراً صعباً. 

image00007.jpg

هوايات الأمس، 2020.

كيف ترى تطور الحركة الفنية في الإمارات، وما الذي ينقص المشهد الفني؟
هناك تطور سريع في المشهد. قبل سنوات قليلة، كان هناك معرض فني واحد أسبوعيًا في دبي، ولكن حاليًا تقام ٣ أو ٤ معارض يوميًا (بعيًدا عن فترة كوفيد). وبالنسبة للفن المعاصر تحديدًا، هناك تطور كبير. في السابق رفضت بعض المعارض بعض لوحاتي لكونها (عصرية أكثر من اللازم) ولكن هذا الأمر تغير، وينطبق الأمر على المشهد الفني في الخليج عموماً.

أرى أن الإمارات تقدم الكثير من الدعم للفنانين وتتيح لهم الفرص له لعرض أعمالهم في معارض جماعية، وجمعية الإمارات للفنون الجميلة تقوم بتنظيم العديد من الفعاليات والورش الفنية لدعم الفنان. ولكن ما ينقص المشهد الفني في الإمارات هو وجود متحف للفن الحديث يعرض فيه أعمال الفنانين الاماراتيين والعرب بشكل دائم. وأيضاً لا نجد متاحف تقتني أعمال الفنانين في الإمارات على نطاق واسع، إضافة إلى أن أسعار أعمال الفنانين في الإمارات لا تزال لا تصل لمستوى الفنانين الأجانب. كذلك، لا يزال ينقصنا وجود جامعات وكليات لـتخصصات الفنون الجميلة، ويجب العمل لنشر ثقافة اقتناء الأعمال الفنية في المجتمع الإماراتي والعربي، وهذا هو التحدي.