Vice arabia - mental health care article- Narmeen Hamadeh option 2
صحة نفسية

طلبات اللجوء للدعم النفسي تشهد ارتفاعاً في لبنان

"بدأت أفقد الاهتمام بكل شيء. إنه شعور يقتلك من الداخل، الشعور بالعجز وعدم القدرة على تغيير أي شيء حولك"

فيروس كورونا، وضع اقتصادي كارثي، عنف ومشاكل عائلية، دراما وتراجيديا في كل مكان على مواقع التواصل الإجتماعي... لائحة الأمور التي تضع ضغوطات نفسية علينا بشكل يومي تكاد لا تنتهي.

أثر جائحة كورونا واضح في الكثير من الدول حول العالم، ففي دراسة أجرتها يونيسف في 9 دول في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وتضمنت 8444 شاب وشابة، تبين أن 46% من الشباب شعروا أقل تحفيزاً للقيام بالأنشطة التي كانوا يستمتعون بها عادةً و36% شعروا أقل تحفيزاً للقيام بالأعمال المنزلية العادية. إضافة الى ذلك، 73% شعروا بالحاجة لطلب المساعدة فيما يتعلق بصحتهم الجسدية والعقلية، إلا أن 40% منهم لم يطلبوا المساعدة.

إعلان

في لبنان، هذه الضغوطات المتراكمة رفعت من حجم المشاكل النفسية من الاكتئاب والإفكار الانتحارية لدى الشباب بشكل خاص. بحسب منظمة Embrace اللبنانية، ارتفع عدد الاتصالات التي تلقاها خط الحياة (الخط الساخن للوقاية من الانتحار) من 2,239 في عام 2019 الى 6,132 في عام 2020.   

كما شهدت الفترة الماضية ارتفاعاً في عدد الأشخاص الذين لجؤوا إلى خدمات الصحة النفسية، بحسب راشيل عضيمي، مسؤولة في مركز ايسكال التابع لجمعية SIDC التي تقدم خدمات مجانية للصحة النفسية – وهي واحدة من عدد كبير من الجمعيات المحلية التي تقدم هذه الخدمات بشكل مجاني.

تقول راشيل: "هناك ارتفاع ملحوظ في عدد الأشخاص الذين يستفيدون من خدمة الصحة النفسية، وكان لجائحة كورونا دوراً كبيراً في ذلك، حيث أجبرت الناس على البقاء في المنازل. هناك الكثير من الأشخاص، خصوصاً فئة الشباب، الذين لا يتفقون مع أهلهم مثلاً، فبقائهم في المنزل يشكل ضغط نفسي كبير عليهم. وهناك من خسر عمله بسبب الجائحة أو من تعرّض لصدمة نتيجة إنفجار مرفأ بيروت. كما أعاد الانفجار صدمات ماضية للأفراد الذين اختبروا الحرب الأهلية في لبنان."

ما قالته راشيل يتوافق مع ما قالته أميرة، طالبة مدرسة، تبلغ من العمر 18 عاماً: "المدرسة كانت بمثابة مخرج من الفوضى التي أعيشها في المنزل. أولاً، من الصعب التركيز عندما يكون لديك 3 أشقاء؛ ثانياً، عندما يكون لديك أهل لا يطاقون ولا يكفّون عن التدخّل والتحكم في حياتك. أكره البقاء في المنزل، وجائحة كورونا اللعينة أجبرتنا على فعل كل شيء من المنزل، فيمكنك أن تتخيل الجحيم الذي أعيشه. بعد 5 أشهر على هذه الحالة، اضطريت الى اللجوء الى الدعم النفسي، ولحسن الحظ أنه بات متوفر بشكل مجاني لدى العديد من الجمعيات. بعد 3 أشهر من الدعم النفسي المتواصل، أشعر بنوع من الراحة، يعني 15% أفضل من السابق، إلا أنني ما زلت أتعلم كيفية التأقلم مع الأوضاع، والأمر ليس سهل أبداً، بحيث لدي الكثير لأتعلمه، والطريق طويل."  

إعلان

الشباب يشكّلون أكبر نسبة من الأشخاص المستفيدين من هذه خدمات المساعدة النفسية، تحديداً بين أعمار الـ 18 و 30، بحسب راشيل، كما هناك حالات أكثر شيوعاً من غيرها كما تقول: "تعاني أكثرية الحالات من الاكتئاب والأفكار الانتحارية والسلبية بسبب فقدانها الأمل من الحياة، وفيروس كورونا بالطبع لعب دوراً رئيسياً في ذلك. يشعر العديد من الشباب أنه ليس لديهم أي هدف في الحياة أو أي طموح، خصوصاً بعد خسارتهم لوظائفهم، أو تخرّجهم من الجامعة بعد سنين من الدراسة وانعدام فرص العمل، أو بقائهم في المنزل طوال الوقت وغياب "الحياة الطبيعية" التي كانت تسمح لهم بالـ"فضفضة" مثل الخروج إلى الحفلات أو أي نشاط اجتماعي آخر."

"تخرّجت من الجامعة في يونيو 2020 وحتى الآن لم أتمكن من إيجاد وظيفة. خسر والدي وظيفته جراء الإقفال العام بسبب فيروس كورونا، ومصير العائلة بأكملها (أهلي وشقيقتي الصغيرة وأنا) على أكتاف والدتي حالياً التي بالكاد نراها في المنزل بحكم دوامها المرهق كممرضة،" يخبرني منصور، 24، معالج فيزيائي: "عانيت من الأفكار "السوداء" خلال الأشهر الماضية وبدأت أفقد الاهتمام بكل شيء. إنه شعور يقتلك من الداخل، الشعور بالعجز وعدم القدرة على تغيير أي شيء حولك."

يشير منصور أنه رأى منشور على السوشيال ميديا عن خدمة مجانية للصحة النفسية، وقرر اللجوء إليها، ويضيف: "شجعني صديقي على القيام بهذه الخطوة، فهو يزور معالج نفسي على مدى العامين الماضيين وهو بحال أفضل بكثير الآن مما كان عليه سابقاً. صحيح أنني ما زلت في المراحل الأولية من الجلسات، ولكن أشعر أنها ستكون خطوة مثمرة، أتمنى ذلك."

ولكن هل يجب أن ينتظر الشخص حتى تسوء الأمور من أجل أن يطلب الدعم النفسي؟ وهل هناك من "إشارات تحذير"؟ تقول راشيل: "من المعروف أن كل شخص بحاجة إلى دعم نفسي، ولا يجب الانتظار لحدوث شيء ما من أجل اللجوء إلى متخصص في علم النفس. الدعم النفسي ليس مجرد "علاج" فهو أكثر بكثير من ذلك، إذ يسمح للشخص بالتعرف أكثر على نفسه وتصرفاته ومشاعره، كما يسمح له بالتأقلم بشكل أفضل مع العالم حوله من خلال بناء نوع من "الدرع" الذي يحميه من العوامل الخارجية التي قد تؤثر عليه."

أما فيما يخصّ إشارات التحذير، فتشير راشيل أنها تختلف من حالة لأخرى. "على سبيل المثال، الشخص الذي يعاني من الإكتئاب ينام كثيراً، ويبكي كثيراً، ويعزل نفسه ويخسر اهتمامه في كل شيء، وعندما تبدأ هذه العوارض بالتأثير بشكل مباشر على حياته اليومية، بمعنى أنه غير قادر على إتمام وظائفه اليومية، فهنا من الضروري اللجوء إلى الدعم النفسي."

هناك من يلجأ للدعم النفسي لأنه ببساطة يبحث عن أجوبة معينة وهو بحاجة الى شخص متخصص يساعده في ذلك. وهذه حالة رنا، 22، مصممة جرافيك: "هناك الكثير من التصرفات وردّات الفعل التي كنت أقوم بها ولا أفهم السبب وراءها. كنت أشعر أنني لا أتحكم بمشاعري بشكل جيد، مثل الانفعال بشدّة، والشعور بالغضب بسبب مواقف سخيفة، ولهذا قررت أن أواجه الأمر منذ حوالي سنة، من خلال اللجوء إلى الدعم النفسي. بصراحة، أظن أنه أفضل قرار أخذته في حياتي. يساعدني الطبيب النفسي في ملاحظة "أنماط" ولحظات في حياتي لم أعيرها أي انتباه، كانت ومازالت تؤثر بشكل مباشر على تصرفاتي. تعلمت الكثير عن نفسي وأشعر أنني أتحكم بعواطفي ومشاعري بطريقة أفضل، ولا أدع العوامل الخارجية تؤثر علي بشكل كبير، إلا أن الأمر ليس سهلاً أبداً، ولكن الطبيب النفسي دائماً يساعدني على إيجاد الطريق الصحيح."

أما بيتر، 25، طبيب بيطري، فأخذ قرار اللجوء الى الدعم النفسي من أجل محاولة تخطّي رهاب دمى الدببة ويشرح: "عندي خوف من الـ teddy bears، نعم، الـ teddy bears، وغيرها من الأمور مثل الخوف من الظلام، والقلق المرضي. كســـ الأهالي التي لا تعرف كيف تربّي أطفالاً، تنجبهم وتزرع فيهم العقد النفسية. اكتشفت أن نصف مخاوفي سببها والدي. الطبيب النفسي هو من ساعدني في "فك التشفير"، وأنا ممتن له." 

لا شك أن أعداد الأشخاص الذين يطلبون الدعم النفسي تشهد إرتفاع في الآونة الأخيرة، ولكن يمكننا استخراج أمر ايجابي، كما تشير راشيل: "الدعم النفسي أو خدمات الصحة النفسية كانت تعتبر من الكماليات سابقاً بسبب كلفتها العالية بالنسبة لشريحة كبيرة من الناس، فالكثير من الأشخاص كانوا يتجاهلونها لهذا السبب تحديداً، إلاّ أن توفر هذه الخدمة بشكل مجاني اليوم بدأ يشجع الناس الى طلب المساعدة والإستفادة منها، كما أصبح هناك توعية عن أهمية الصحة النفسية وعن الآثار السلبية التي تنتج عن إهمالها وعدم إعطائها أهمية، وبالتالي لعله يمكننا استخراج جانب ايجابي من ارتفاع الأرقام."

Tagged:لبنان