هوية

MGTOW وكيف تعيد الذكورية بناء العنف بشكل مستتر

مغتاو هي اختصار لعبارة Men going Their Own Way، أو الرجال الذين يشقون طريقهم وحدهم، إذ لا يكون للنساء نصيب في حياتهم
jon-tyson-eM-DaD1l-Pk-unsplash copy
Photo by Jon Tyson on Unsplash


"الرجال لديهم الرؤية، وهي واحدة من أعظم ما نمتلك، إذ نستطيع استقراء المستقبل، فما نفعله اليوم سيؤثر علينا في سنوات لاحقة. في حين أن النساء ليس لديهن رؤية، فهم يهتمون فقط بما يحدث اليوم، ثم يعانون العواقب بعد ذلك بسنوات، ويشعرن بصدمة كبيرة، إذ أنهم غير واعين أن قراراتهم التي صنعوها ذاك اليوم، هي السبب فيما يعانونه الآن."

مثل هذه المقولات أصبحت اتجاهًا منتشرًا في الغرب خلال السنوات الماضية، وما قرأتموه للتو هو جزء من فيديو على اليوتيوب، يحاول فيه أحد المؤمنين بـ "MGTOW" أن يشرح لماذا لا يريد النساء في حياته. وهذه المجموعة تأتي ضمن طيف واسع من مواقع إلكترونية ومجموعة على منصات السوشيال ميديا يُطلق عليها مصطلح "Manosphere" وتركز هذه المجموعات على عالم الرجال ومشاكلهم التي يظهر جزء كبير منها مع النساء وبسبب النساء في تصوراتهم. وMGTOW أو مغتاو هي اختصار لعبارة Men going Their Own Way، أو الرجال الذين يشقون طريقهم وحدهم، إذ لا يكون للنساء نصيب في حياتهم. 

إعلان

ربما يكون هذا المعنى المباشر للمصطلح. ولوهلة، قد يظن البعض أن هؤلاء الرجال قرروا الرهبنة، والبعد عن النساء، وكأنهم قرروا التبتل. لكن الواقع يقول عكس ذلك تمامـًا، والحقيقة أعقد وأعنف من ذلك. فـ MGTOW هي حركة أو جماعات من الذكور على الإنترنت يكرهون النساء، ويعادون النسوية، ويرون أن الحركات النسوية بتنوعاتها وتطورها التاريخي أفسدت المجتمع. وهذه الجماعة تتشارك أفكارها عبر الإنترنت دون لقاء على أرض الواقع، ومن خلال مشاهدة بعض الفيديوهات لبعض صناع الفيديو من هذه الجماعة، سنجد إن المشتركين في قنواتهم يصل لآلاف وأحيانا يتجاوز ذلك، كما نلاحظ وجود مشاهدات كثيرة لفيديوهاتهم. 

ومن غير المعروف تحديدًا متى بدأت هذه المجموعة، لكن البعض يقول إنها ظهرت مع بدايات الألفية الجديدة على يد رجلين أحدهما استرالي والآخر من إحدى الدول الإسكندنافية (النرويج- السويد-الدنمارك). والمنتمون لهذه الحركة، في غالبهم، تنطبق عليهم المواصفات التالية: ذكر - أبيض البشرة - غربي (أوروبي-أمريكي) - يميني التوجه. 

لا يحبذون ممارسة الجنس، وإن مارسوه يكون في حالات محددة مثل جنس الليلة الواحدة، أو مضاجعة عاملة جنس. وهذا الفعل الذي يبدو "نوعًا من التعفف عن الجنس" يجعل هؤلاء الذكور يشعرون بقدر من الروحانية والتسامي الذي يرفعهم لمقدرة الرهبان، وذلك وفق رؤيتهم لأنفسهم. بل تصل بهم حالة السمو هذه أنهم يشعرون بكونهم امتدادًا لرجال عظماء لم يتزوجوا مثل الفيلسوف الألماني شوبنهاور، والموسيقار الألماني بيتهوفن، والمسيح كذلك، فهذه الأسماء لم تتزوج أو تدخل في علاقات وفق روايات عدة.  

إعلان

ويعتقد أعضاء مغتاو أن المرأة خطيرة جدًا على الرجل، فهي كائن غير مخلص وكاذب ومستغل. كما أن هؤلاء النساء يلجأن في أحيان كثيرة لاتهام الرجال بالتحرش والاغتصاب والعنف المنزلي من أجل تدمير حياة الرجال والحصول على أموالهم.  

رجال مغتاو يمثلون طيفًا ضمن مجموعات متنوعة تنادي بحقوق الرجل، ومن بين هذه المجموعات مثلُا ما يسمى بـ "حركة حقوق الرجل .. MRM أو Men's Rights Movement" ومجموعات أخرى عديدة. لكن المثير للاهتمام في مغتاو أنها ترفض قيم المجتمع الغربي، لأنهم مقتنعون النسوية أفسدته، وإن إمكانية إصلاحه هي مسألة مستحيلة الحدوث. ويتجلى هذا الإيمان في كونهم ضحايا للمركزية النسوية أو ما يُعرف بالـ Gynocentrism، حيث تصبح النساء هي مركز كل شيء ويصير الرجال على الهامش. في عالم مغتاو يتحول الرجال لكائنات مكتفية ذاتيـًا، مثل الأميبا، يعيشون بقواعدهم فقط، ويصنعون نمطًا جديدًا من الفردية، لأن الواقع المعاصر خذلهم، ولم يعد الذكور هم الرواد في أي شيء الآن.

وفي عام ٢٠١٦ أصدر كاتب يُدعى برنارد تشابين كتاباً بعنوان Man Going His Own Way وصدر كتاب آخر بعنوان "Men Going Their Own Way:The Anti Feminism Survival Guide" سنة ٢٠١٩ ومؤلفه تشارلز ريفرز. والكتابان يعكسان تجارب شخصية للكاتبين، وهما لا يختلفان كثيرًا عن أعضاء مغتاو أو المحبين، فمن خلال جولة سريعة على موقع Reddit ريديت يمكننا مشاهدة هذه الأفكار عالية الصوت دون مواربة

إعلان

وتنتشر جماعة مغتاو بأعداد ليست قليلة، إلا أنه لا يمكن إحصاؤها بدقة، إذا تشير التقديرات أن عددهم وصل لأكثر من ١٠٠ ألف شخص عام ٢٠١٩. وهناك انتقادات تُوجه لها من الرجال أنفسهم، والطريف أن التعليقات ذكورية ومن بينها مثلًا أن أعضاء MGTOW حفنة من الذكور العذارى الذين يعانون الوحدة. 

مجموعات أخرى تكره النساء ونشاطها يتركز على الإنترنت مثل مجموعة INCEL- إنسل، وهي اختصار لكلمتين، Involuntary Celibate أو العزوبية غير التطوعية. وهم يؤمنون أن النساء هن الأشرار في الرواية، لأنهن ببساطة لا ينجذبن لهم. ويرى هؤلاء الرجال أنهم تعرضوا للأذى في العلاقات التي عاشوها، مما أصابهم بالوحدة والإحباط والكراهية. وبطبيعة الحال يؤمن كثير من رجال إنسل أن النساء يتلاعبن بهم، وأن الرجل بالنسبة لهن ليس سوى بنك متنقل. 

وتمتد كراهية المجموعة للرجال الآخرين الذين ينجحون في العلاقات مع النساء، والسبب أن هذه الفئة من الرجال يمتلكون المال والوسامة والقدرات الجسدية التي تبهر المرأة. وقد وصلت درجة العنف لدى بعض المنتمين لمجموعة إنسل أن شابـًا كنديًا يُدعى (أليك ميناسيان)، قتل عشرة أشخاص بعد دهسهم بشاحنة في مدينة تورنتو الكندية. 

وهنا يمكن ملاحظة أن الرجال في مثل هذه المجموعات يروجون لمسألة حماية أنفسهم من خطر النساء، في إعادة للسردية والأسطورة الكلاسيكية التي ترسم النساء أشرارًا منذ حواء التي أوعزت لآدم بقطف الثمرة المحرمة، مرورًا بالساحرات التي حُرقن عقابـًا لشرورهن، لنصل لأن الرجال هم ضحايا النساء المتحررات (المسترجلات). وبالتالي كان من هذه الإجراءات الوقائية المتبعة للرجال أن يرفضوا الجلوس مع امرأة في مكان مغلق أو يتركون باب الغرفة مفتوحاً، وربما ينسحب الرجل من متابعة العمل مع متدربة لديه، أو يلغي اجتماعاته مع عميلة، وذلك بعد انتشرت حركة Me Too وزعزعت سلطان الرجال في الغرب.

والسؤال هنا، هل ظهرت مجموعات مماثلة في منطقتنا العربية؟ 
لا يمكننا الجزم بوجود ذلك، خاصة مع صعوبة البحث على الإنترنت وإمكانية وجود مجموعات سرية على فيسبوك، لكننا يمكن أن نتساءل عن سبب تواتر جرائم قتل النساء في الشهور الأخيرة، أغلبهن قتلهن بطريقة وحشية لأنهن رفضن رجل ما بحياتهن أو قلن لا.

إعلان

من خلال البحث لم أستطع الوصول لكيانات واضحة تروج بالضبط لمثل أفكار مغتاو، لكن الأمر لم يخلُ من قراءتي تعليقات كارهة للنساء ورافضة لهن أو تسخر منهن على الأقل. تعليقات في مساحات فردية، لكنها عديدة، ليست ضمن كيان واحد واضح، لكنها تشير لثقافة جماعية كارهة للنساء. وهذا قد يكون واحد من الأسباب لتفسير هذا القتل المتتالي للنساء ولماذا يقدم الرجال على قتل زوجاتهم، أو المرأة التي يريدون الارتباط بها، بدلاً من الطلاق أو فسخ الخطبة، أو الانفصال بشكل سلمي في حالة عدم موافقة الفتاة.

لا شك أن هؤلاء الرجال القتلة يعانون من اضطرابات وسلوكيات إجرامية عنيفة، ومعظمهم ينفذون عمليات القتل بعد تفكير وتخطيط وفي أماكن عامة. لا يخلو الأمر كذلك من شعور بالتملك الذكوري للمرأة ورفض تام لفكرة أن تكون لهن حياة أخرى مع رجال آخرين.

هذا "الكره والحقد والغيرة" من المرأة ككيان مستقل يظهر ضمن محاولات سابقة لإنشاء كيانات تسعى لترويج أفكار تُعظم من قيمة الذكر وتحط من قيمة المرأة، ومن بين هذه المجموعات، مجموعة (جت في السوستة) التي أنشئت على الفيسبوك منذ سنوات قليلة، فالجروب كان جنسيـًا في بدايته، وأتيح فيه سب الجنس الآخر والسخرية منه.

كما روجت المجموعة لثقافة (إحنا رجالة مع بعضنا)، ووصل أعضاؤها بسرعة لحوالي مليون شخص. وكان توجه الجروب في البداية هو السماح بدخول الرجال فقط، لكن "الرجالة السيكي ميكي لا"، أي الرجال الذين لا يحملون صفات للذكورة بمعناها التقليدي، بدءًا من السلوك "الحمش" والخشونة وصولًا للعنف.  واجه الجروب هجوماً ضاريًا حينها، خاصة أنه يعادي النساء والحركة النسوية، ويتحدث عنهن في غرف مغلقة.  

وبعد فترة، تحول الجروب إلى كيان يحاول خدمة الرجال فقط في مجالات العمل والتنمية الذاتية،  وظهر بعدها أكثر من مجموعة بنفس الاسم. واتهم الجروب الأصلي أنه كان ذريعة لمشروع الإخوان لزعزعة الاستقرار في مصر.

تتعدد الأسئلة حول هذه المجموعات، فهل هي حقـًا تعيش قهرًا بسبب النساء أم أنهم بدلاً من محاربة النظام أو الحكومات الفاشلة التي أفقرتهم واستغلتهم يلقون بكافة مشاكلهم على النساء؟ أم أنها مناورات ذكورية لإظهار الضعف والمسكنة على غرار المثل الشعبي "اتمسكن لحد ما اتمكن"؟ أم أن هؤلاء الرجال ذوي أفق ضيق حتى اليوم ولا يرون سوى الرجل مركزًا للكون ولا يمكن أن تزاحمه فيه امرأة؟