حين تم سؤال الأمير هاري عن مدى قلقه حول مستقبل الكوكب، قال الأمير إنه وزوجته ميغان ماركلي سينجبان طفلين فقط كحد أقصى، وارجع ذلك إلى مخاوف تتعلق بالبيئة. لا جديد في الفكرة القائلة بأن على أزمة المناخ ستجعلك تفكر باتخاذ قرار بخصوص تأسيس أسرة من عدمه، غير أنها تصبح أكثر رواجاً بعد أن أضحى حجم الأزمة أكثر وضوحاً وبعد أن أصبحت الحلول بعيدة المنال.
ثمة إجماع علمي يزداد اضطراداً على أن حياة مواليد اليوم ستفوق في الصعوبة حياة الأجيال السابقة، حيث ستندر الموارد وتصبح الكوارث الطبيعية والأحداث المناخية القاسية أكثر تواتراً.
لذلك: هل لا يزال من الصائب إنجاب الأطفال؟
تناقش مجموعة كبيرة من الناس هذا المسألة كل يوم على موقع Reddit، كما أن هنالك سلسلة نقاش مخصصة لموضوع "مناهضة الإنجاب" وهي فلسفة مبنية على فكرة أنه لا ينبغي أن ينجب الناس أطفالًا لأن الحياة مليئة بالألم. تضم المجموعة أكثر من 34،000 عضواً، ويتصدر هذا النقاش منشور بعنوان: "لا شيء يضايقني أكثر من آباء يزعمون أنهم ضحوا بالكثير بينما لم يُعطوا سوى حب مشروط."
إن الفكرة القائلة بأنه لا ينبغي للناس أن ينجبوا أطفالاً تتقاطع مع مفهومٍ يلقى رواجاً متزايداً على الإنترنت، وهي أن عالمنا اليوم أصبح مكتظاً. يرى من يعمل في مجال الصحافة البيئية هذا الأمر في كل مكان، وهو أكثر ما تُسأل عنه في الفعاليات. ديفيد روبرتس، الذي يُعد تقارير عن البيئة لموقع Vox الأمريكي ضاق ذرعاً بالنقاش الدائر حول الاكتظاظ السكاني؛ ما حدا به لكتابة مقالة كاملة يشرح فيها سبب اجتنابه نقاش هذا الأمر في عمله.
الاكتظاظ السكاني هو مفهوم بسيط للغاية. يتسبب البشر في تغيير المناخ عبر ضخ الغازات الدفيئة في الجو، فإن كان عدد البشر أقل، فستقل الانبعاثات؛ كما يُعتقد أن كوكبنا عاجز أن يسد حاجة جميع البشر على النحو الملائم، وقد وجدت دراسة أجريت في التسعينات أن عدد البشر الأمثل – أي العدد الأمثل للحفاظ على النظم البيئية - يتراوح ما بين 1.5 و مليارين، إلا أننا اليومَ أكثر من 7.5 مليار شخص على هذا الكوكب، وتقدر الأمم المتحدة أن هذا العدد سيرتفع إلى 9.7 مليار في عام 2050.
إن كنت ثرياً تعيش في قرية هامبستيد في بريطانيا، وتتناول الفراولة في أعياد الميلاد، وتستمتع بشريحة لحم استوردت من البرازيل وتسافر إلى هونغ كونغ في درجة رجال الأعمال كل شهر، فسيكون ما خلفته من الكربون أكبر بكثير مما يخلفه مزارع في ريف ملاوي
في مقابلة مع صحيفة التليجراف في عام 2013، قال السير ديفيد أتينبورو: "هذه المجاعات في إثيوبيا؟ ما سببها؟ إنها تتلخص في وجود عدد كبير جداً من الناس مقابل القليل جداً من الأرض. هذا هو السبب. ونحن نختبئ خلف اصبعنا ونقول: دعوا الأمم المتحدة ترسل لهم أكياس الطحين. يا للحماقة."
أولا، بل وثانياً، ما غفل عنه السير ديفيد ومَن يلومون آخرين على مشاكل الكوكب، هو حقيقة بسيطة جداً، وهي أن بعض الناس يفرطون في الاستهلاك في حين لا يستهلك البعض الآخر سوى القليل. بعبارة أخرى، إن كنت ثرياً تعيش في قرية هامبستيد في بريطانيا، وتتناول الفراولة في أعياد الميلاد، وتستمتع بشريحة لحم استوردت من البرازيل وتسافر إلى هونغ كونغ في درجة رجال الأعمال كل شهر، فسيكون ما خلفته من الكربون أكبر بكثير مما يخلفه مزارع في ريف ملاوي.
إن حقيقة ارتفاع معدلات المواليد في البلدان الفقيرة وانخفاضها عموماً في العالم المترَف يجب أن تجعلنا نتوقف ونفكر عندما نسمع أناساً يتحدثون عن مشكلة الزيادة السكانية، فوفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، ستعزى نصف الزيادة السكانية في العالم عام 2100 إلى الزيادة السكانية في تسع دول فقط، بما فيها الهند وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا، والولايات المتحدة هي العضو الوحيد في مجموعة السبع من بين هذه الدول التسع.
إن تغير المناخ هو أكبر أزمة في عصرنا هذا، وستحدد هذه الأزمة ملامح القرن الحادي والعشرين مثلما حددت الحرب العالمية الثانية ملامح القرن العشرين. وقد سبق ورأينا كيف أن مسألة الاكتظاظ السكاني ترسم هذه الملامح مع صعود الفاشية البيئية، وهي أيديولوجية عنيفة كان لها دور في التحريض على حادثة إطلاق النار في مدينة إلباسو في ولاية تكساس، وكما هي الحال مع أي مشكلة جيوسياسية، سيُتهم المهمشون والمحرومون في التسبب في تغير المناخ، وسوف تَلقى هذه الأفكار رواجاً كما كان الحال دوماً، وستكون خطيرة وخاطئة، كما كانت دائماً.
إن كان العالم يئن اليوم تحت وطأة الزيادة السكانية، فمردّ المشكلة أن كثيراً من الأثرياء يستهلكون الكثير من الأشياء
لا تحدث المجاعات بسبب عدم وجود ما يكفي من الأراضي الزراعية، ولكن بسبب التوزيع غير العادل لموارد الكوكب. على العالم أن يتغير إن أردنا إيقاف تغير المناخ، بيد أن الطريقة التي نستخدم بها الموارد الطبيعية، وليس عدد الأشخاص الذين يستخدمونها، هي الحل لهذه الأزمة، ففي الأسبوع الماضي حذر تقرير جديد صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن الطريقة التي يستخدم بها العالم الأرض تهدد بقاء البشرية، كما كشف العلماء أن 72% من سطح الكوكب الخالي من الجليد يُستخدم لتغذية البشرية وكسوتها ودعمها بالرغم من أن الكثير من سكان العالم لا يحصلون على الدعم الكافي.
هناك طرق لتغيير ذلك، فبدلاً من استخدام مساحات هائلة من الأراضي لزراعة محاصيل لإطعام الماشية، يمكننا أن نأكل كميات أقل من اللحوم ونستخدم الأرض لإطعام البشر، وبدلاً من تشجيع الناس على السفر بالطائرة من خلال الرحلات الجوية الرخيصة وخطط الرحلات الجوية المتكررة، يمكننا الاستثمار في القطارات ووسائل النقل العام الأخرى ذات انبعاثات الكربون المنخفض، وبدلاً من تحفيز المزارعين على استخدام المبيدات، يمكننا تشجيعهم على اتباع الزراعة العضوية.
إن كان العالم يئن اليوم تحت وطأة الزيادة السكانية، فمردّ المشكلة أن كثيراً من الأثرياء يستهلكون الكثير من الأشياء.
ظهر هذا المقال بالأصل على VICE UK