FYI.

This story is over 5 years old.

مقابلة

نادين لبكي تتحدث عن "كفرناحوم" والحياة بعيون أطفال مهمشين

سيمثل الفيلم لبنان في سباق الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي

"كنا في فترة التحضير للفيلم عندما قررنا كتابة كل المواضيع التي نريد مناقشتها في السيناريو على لوح كبير: الفقر، اللجوء، العاملات الأجنبيات، البطالة، السجون، زواج القاصرات، الاتجار بالبشر… بعدها نظرت إلى اللوح وقلت: هذا كفرناحوم إنه الجحيم" تقول المخرجة اللبنانية نادين لبكي (44 عاماً) عن فيلمها الجديد "كفرناحوم" هو مصطلح تاريخي يعني الخراب أو الجحيم.

الفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي الدولي الـ71، والذي سيمثل لبنان في سباق الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، يحكي قصة حياة زين، طفل لبناني من خلفية فقيرة مسجون في سجن الأحداث بعد قيامه بمحاولة قتل شاب، الذي يقرر مقاضاة والده ووالدته لأنهما أنجباه إلى هذه الحياة. زين، يؤدي دوره زين الرفيع السوري الجنسية، الذي يهرب من منزل أهله في الفيلم بعد مجموعة من المشاكل والتعنيف ليجد نفسه مهتمًا بطفل صغير "يوناس" مقابل سكنه معه ومع والدته الأثيوبية "رحيل."

إعلان

التقيت نادين في مكتبها في بيروت، لاقتنا بابتسامتها المعتادة رغم التعب الذي بدا واضحًا على ملامحها، كانت غير متكلّفة، سعيدة بالإجابة عن الأسئلة عن الفيلم الذي سيبدأ عرضه في العالم العربي قريباً، والبداية ستكون في لبنان في 20 من الشهر الجاري.

بدأت الحديث مع نادين بسؤالها عن قرار تنفيذ هذا الفيلم "الصعب" بالذات والذي قد يبدو للبعض مختلفًا جدًا عن فيلمها السابقين الأكثر خفة ربما "كراميل" (2007) و"هلأ لوين" (2011): "كنت أملك الكثير من الغضب بداخلي تجاه الظلم الذي يتعرض له الأطفال واللاجئين والمهمشين، فقررت تحويل هذا الغضب لإنتاج هذا المشروع،" تقول مبتسمة وتضيف: "كانت مغامرة صعبة، لم نعرف من أين سنبدأ وإلى أين سنصل، ولكننا كنا محظوظين بإيجاد شخصيات الفيلم، كانت عجيبة من العجائب."

نادين لبكي والممثل زين الرفيع لحظة استلام جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي. (شترستوك)

وتضيف المخرجة المعروفة باختيارها لممثلين ناشئين: "من بين كل الأطفال كان زين أعجوبة بالنسبة لي، عندما كنت أعطي الفريق مواصفات الشخصيات، وتحديدًا زين، كنت أقول لهم يجب أن يكون شكله أصغر من عمره بسبب سوء التغذية والإهمال، يجب أن يملك عيونًا حزينة ولكنه جميل وعنده ذكاء الشارع، عنيف نوعاً ما، خلال إعطائي تلك المواصفات للفريق للبحث عن شخصية زين، كنت أقول لنفسي، ماذا أطلب منهم؟ أنا أطلب منهم أعجوبة أين سيجدون هذا الطفل؟ هذه مهمة مستحيلة."

أصبح زين بمثابة ابني الصغير. بات جزء من العائلة مع كل فريق العمل، أستطيع القول أن العلاقة لم تعد علاقة بين فريق عمل وممثلين فقط

تشير نادين الى أنهم وجدوا زين على الطريق في منطقة كورنيش المزرعة، كان يلعب مع أصدقائه، ولم يكن يعرف كيف يقرأ أو يكتب فهو لم يذهب إلى المدرسة من قبل. وفي حين أن زين في حياته الواقعية محاط بعائلته التي تحبه والتي حاولت حمايته قدر المستطاع بعكس شخصية زين في "كفرناحوم،" إلا أن ذلك لا يعني بحسب لبكي أن زين الحقيقي لم يختبر ويلات الفقر وحياة الشارع في لبنان، فكل ما أداه في الفيلم نابع عن بعض تجاربه أو مشاهداته. تواجد أهل زين أحيانًا خلال فترات التصوير ووالدته كانت ترافقه في بعض الأوقات ولكن بعد فترة بات هناك نوع من الثقة بين فريق العمل والأهل: "أصبح زين بمثابة ابني الصغير،" تقول نادين: "بات جزءًا من العائلة مع كل فريق العمل، أستطيع القول أن العلاقة لم تعد علاقة بين فريق عمل وممثلين فقط."

إعلان

زين في لقطة من الفيلم.

أما "يوناس" الصغير، فقد كان إيجاده تحدي آخر. "أخبرت فريق العمل أنه يجب أن يكون في عمر السنة ويكاد يمشي، ابن صبية أثيوبية، مهضوم.. وكنت أتساءل ما إن كنا سنجدهم. والعجيبة باتت واقعاً. كل شخصية في الفيلم كانت مثالية، وأنا حتى اليوم أكاد لا أصدق ما حصل معنا وكيف وجدنا تلك الشخصيات." "يوناس" والذي هو بالأساس فتاة صغيرة، عمرها يقارب السنة واسمها Treasure أي كنز، تضيف نادين: "هي كنز حقيقي لنا. كنا نصورها بكل حالاتها هي وتضحك تبكي تأكل تنام تستيقظ وكنا نتابع أيضًا يوميات زين، كنا نعيش مع الشخصيات بتفاصيلهم اليومية."

يقال "life imitates art" وهذا بالضبط ما حدث مع "يوناس" حيث تم توقيف عائلة الطفلة الصغيرة لأسباب تتعلق بإقامتهم في لبنان لفترة من الوقت، وبقيت "كنز" مع مديرة "الكاستينغ" وبرعايتها لمدة 3 أسابيع: "جزء كبير من مشاهد بكاء الصغيرة كان حقيقياً. في الواقع، كل الدموع كانت حقيقية، لم يكن هناك دمعة مصطنعة واحدة في التصوير،" تضيف نادين.

زين وهو يحمل يوناس.

في الحقيقة، كان هناك الكثير من البكاء وأسباب البكاء في "كفرناحوم"، أنا شخصيًا بكيت خلال وبعد مشاهدة الفيلم. ولكن البعض وجد ذلك "ابتزازاً للعواطف،" كما يقول شفيق طبارة في مراجعته للفيلم: "كان يجدر بالذرائع الدرامية التي قامت عليها قصة الفيلم، أن تصبّ في مكان آخر بعيدًا من العيون الباكية، ومن دون أيّ حاجة إلى الموعظة والتبشير. لكننا، في أسلوب لبكي، لم نشعر بعمق القضية أو جوهر الاشكالية، كل شيء بقي ثانويًا أمام غايتها الواضحة: استدرار الأحاسيس للوصول إلى مشاهدين باكين فقط، على قاعدة أنّ البكاء=النجاح."

لم نكن بحاجة لتوجيه سؤال "وينيي الدولة" في الفيلم لنثبت غيابها لأنه كان واضحاً. وجود هذه الظروف والسجون كاف لتذكيرنا أن الدولة غائبة

إعلان

سواء كنت تتفق مع ذلك أم لا، فلا شك أن الفيلم يترك أثره عليك بعد مشاهدته. للحظة ومن خلال الاستماع لنادين، قد تشعر أنك تتحدث عن وثائقي أكثر منه فيلم خيالي، وخاصة أن الفيلم تم تصويره في داخل السجون ومراكز التأهيل. ولكن هذا ربما ما كانت تسعى إليه نادين، ربط الفن بالواقع والعكس: "لم أطلب من الشخصيات أن يقوموا بالتمثيل أنا طلبت منهم أن يكونوا كما هم، في الواقع. نحن استخدمنا الكاميرا لمتابعة حياة أشخاص حقيقيين يعيشون سيناريو شبيه بالذي قمنا بكتابته، شخصياتهم في "كفرناحوم" عاشت معاناة شبيهة جداً بما اختبروه في حياتهم الحقيقية."

لم يعكس الفيلم بشكل واضح مسؤولية الدولة عما حصل ويحصل كل يوم في لبنان، هل كان ذلك مقصوداً؟ "مسؤولية الدولة واضحة ولو دون تسليط الضوء عليها بشكل مباشر،" تقول نادين "تكفي الجولة في السجون وتصوير المهمشين والعاملات الأجنبيات وسجن العادلية سابقاً المعروف بسجن الجسر وتفاصيل الفقر في الطرقات، لم نكن بحاجة لتوجيه سؤال "وينيي الدولة" في الفيلم لنثبت غيابها لأنه كان واضحاً. وجود هذه الظروف والسجون كاف لتذكيرنا أن الدولة غائبة."

لقطة من "كفرناحوم"

ولكن كيف سُمح لها بالتصوير في تلك المراكز؟ سألتها وقالت أن عملية التصوير في تلك الأماكن كانت شفافة ولم تتعرض لأي رفض. "أظن أن السبب هو وجود أشخاص في الدولة يريدون التغيير،" تقول نادين وتستمر بخطبة قصيرة عن السياسيين والفساد في لبنان: "ليس صحيحًا أن الكل متساوٍ وراضٍ بالوضع كما هو في الدولة. الفساد موجود نعم ولكن هذا لا يعني أن الجميع فاسد، هناك أشخاص يملكون النية للتغيير ولكنهم ربما مكبّلين أو لا يعرفون من أين يبدأ التغيير كونه عملية صعبة ومعقدة في لبنان ومتعلق بمشاكل سياسية وبالايغو المسيطر على السياسيين."

إعلان

"كفرناحوم" ليس للبنانيين فقط، فمشاكل "كفرناحوم" غير موجهة للبنان أو العالم العربي فقط، هي مشاكل عالمية بحسب لبكي: "أزمة اللجوء واللاجئين والفقر لم تعد محصورة ببلد واحد، كل بلد بالعالم يعيش هذه الأزمة، وأزمة الناس المهمشة هو موضوع يؤثر على بلدان عديدة لذا أنا أتمنى بأن يخرج كل مشاهد عربي مستعداً لمناقشة هذه التحديات."

تحولت لإنسانة أُخرى بسبب الفيلم، وجدت نوعاً من التشاركية في إيجاد الحلول رغم الذنب الذي يتملكني

ولكن هل نادين نفسها تعلم حقيقة مأساة هؤلاء اللاجئين أو المهمشين الذين "تتكلم" باسمهم؟ نادين لم تستغرب من السؤال بل على العكس، بدت وكأنها توقعته ولمعت عيناها لتعكس حماساً للإجابة عنه: "أكيد لن يعجب الفيلم كثر، والبعض سيقول مين مفكرة حالها لتحكي عنن أو شو بتعرفي عنن. ولكن ما لا يعرفه كثر هو أن حياتي انقلبت رأسًا على عقب في السنوات الأربعة الماضية، لكي أستطيع تصوير وكتابة هذه المعاناة، كان لا بد لي أن أعيشها وأشاركهم يومياتها. اضطررت للابتعاد عن روتين حياتي المتعارف عليه. صحيح أنني لم أختبر طفولة زين، ولكنني صورته يوميًا لمدة 6 أشهر وعشت معه واستمعت إليه، لذلك استطعت الاقتراب منه وبمن يشبهه بما يكفي منه لإيصال صوته ورسالته."

تصوير Fares Sokhn

الفيلم إذاً لا بد أن يفتح نقاشا كبيراً، وهذه هي نقطة البداية بالنسبة لنادين التي تؤمن بأن الحل ينطلق من خلال الحديث عن المشكلة بشكل أوسع وشفاف: "تحولت لإنسانة أُخرى بسبب الفيلم، وجدت نوعاً من التشاركية في إيجاد الحلول رغم الذنب الذي يتملكني، أنا اليوم لست تعيسة أو حزينة، فالسعادة هي أن تشعر أنك قطعة صغيرة من الحل في مكان ما وهذا ما أشعرني العمل على "كفرناحوم" به. قد يكون "كفر ناحوم" مجرد فيلم، وقد يكون قضية وسبباً للتغيير. وهذا ما حصل مع زين، والذي كان من ضمن عدد كبير من الأطفال السوريين الذين يعيشون في لبنان ولا يملكون أوراقًا ثبوتية، ولكن زين كان من المحظوظين لأن حياته تغيرت بعد الفيلم، فهو اليوم مع عائلته في النرويج وتسجل في المدرسة.

نحن الصحافيين نعتبر أنفسنا "محصّنين" أكثر ضد البكاء لأن معظمنا يكتب عن المآسي بشكل مستمر، لكنني بكيت كثيراً خلال مشاهدتي "كفرناحوم" ليس بسبب عدم قدرتي على القيام بشيء، بكيت بصراحة لأنني غالباً ما أغلق النافذة عندما يقترب مني طفل على الإشارة المرورية، لسببين: أخجل من النظر في عيونهم وأشعر بالذنب إذا قدمت لهم المال كونهم مجبرين على العمل، وأشعر بذنب أكبر إن تجاهلتهم، فاختبئ في سيارتي. بعد "كفرناحوم" وجدت نفسي مستعدة لفتح تلك النافذة، وعلى الدردشة مع هؤلاء الأطفال، لأنني وقعت في حب زين، وشجاعة زين وتمسّكه بالحياة، ولأن كل من هؤلاء الأطفال زين صغير، بطريقته ولأن "كفرناحوم" ذكرني بأن تجاهل المشكلة لا يعني أنها ليست موجودة.