FYI.

This story is over 5 years old.

فيلم

لماذا تفتقر السينما العربية إلى الخيال؟

أنتجت مصر أفلامًا تنتمي إلى فئة الخيال العلمي في منتصف القرن العشرين لكن مكتبة السينما العربية ما تزال فقيرة في هذا النوع من الأفلام دون سبب واضح

الصورة من معرض الخيال العلمي في واشنطن/فليكر

بمللٍ شديد أمسكت بجهاز التحكّم وجلست أمام التلفاز - وهو أمر نادر الحدوث - اتنقل بين القنوات المختلفة بلا هدف، أحاول تحسين أحوال اليوم، وأثناء تجوّلي قابلت فيلما لا أعرفه لإسماعيل يس، وهو أمر نادر الحدوث أيضًا، إذ أن أفلام إسماعيل يس تُعتبر من أكثر الأفلام انتشارًا على القنوات المختلفة. بدا الفيلم غريباً، إسماعيل يس ورشدي أباظة يرتديان ما يُشبه ملابس روّاد الفضاء، ويقف بجانبهما ممثلًا أجنبيًا اشتُهر في مصر بأداء أدوار "الخواجة" اسمه "إدمون تويما" يتحدثون جميعًا مع رجلًا يُدعى "مستر كوزمو" حول الحياة على القمر.

إعلان

أثار الفيلم انتباهي واستحوذ على تركيزي كاملًا، تحدث "مستر كوزمو" عن حربٍ قامت على القمر، واستطاع الهرب مع ابنته وبعض الفتيات الأخريات، لكنه لم يتمكن من إنقاذ زوجته، لم يكن هذا هو محور اهتمامي الممزوج بالدهشة، وإنما كان محاولة البحث وراء الفيلم وماهيته، ولماذا يرتدي الممثلين أزياءً غريبة، ولماذا يوجد روبوت وسط طاقم التمثيل يُطلق أصواتًا تُشبه الأصوات التحذيرية التي تُخبرك بأن السيارة بحاجة إلى الصيانة الفورية، كل ما يدور على الشاشة يدفعني دفعًا نحو معرفة أصوله. بحثت عن الفيلم وباسم الممثلين، وعلمت أن اسمه "رحلة إلى القمر" أُنتج عام 1959، من تأليف وإخراج حمادة عبد الوهاب الذي عمل مساعدًا في أفلام مثل "إسماعيل يس في بيت الأشباح" و"ليلة الدخلة" وأخرج أول أفلامه عام 1953 وهو "اللص الشريف" من بطولة إسماعيل يس أيضًا، ويُعتبر فيلم رحلة إلى القمر ثالث أفلامه الروائية الطويلة، ويحكي قصة صعود العالِم "مستر شارفين" (إدمون تويما) إلى القمر باستخدام الصاروخ الذي اخترعه، وصعد بصحبة مندوب الأرصاد الجوية المهندس أحمد رشدي (رشدي أباظة) وسائق جريدة أخبار اليوم إسماعيل (إسماعيل يس) بالطبع.

السينما العربية والمصرية لم تنتج أكثر من عشرة أفلام خيال علمي فقط، وهو أمر مثير للتأمل

قررت مشاهدة بداية الفيلم حتى أتمكن من معرفة الإجابة على سؤال كيف صعدوا إلى القمر، واكتشفت أن الأمر حدث عن طريق الصدفة، عندما جلس إسماعيل يس على اليد الخاصة بمكابح الصاروخ، فانطلق حتى وصل إلى القمر. كان غريبًا بالنسبة لي أن أجد فيلمًا عربيًا مصريًا يمكن تصنيفه كفيلم "خيال علمي" حيث تندر الأفلام في هذه الفئة تحديدًا، ويمكننا القول أن السينما العربية والمصرية لم تنتج أكثر من عشرة أفلام خيال علمي فقط، وهو أمر مثير للتأمل، وأثار في عقلي السؤال: لماذا لم يشتهر الفيلم رغم ندرة الفئة الخاصة به وشهرة أبطاله، ولماذا لا ننُتج عددًا من أفلام الخيال العلمي، وهل تُنتج السينمات العالمية هذا النوع من الأفلام أم أنه حكرًا فقط على هوليوود؟

إعلان

البداية من السينما الصامتة
عندما شاهدت الفيلم المصري رحلة إلى القمر تذكرت المخرج والسينمائي الفرنسي جورج ميلييس، أول من ذهب إلى القمر سينمائيًا بفيلم "رحلة إلى القمر" الذي أُنتج عام 1902، ليظهر القمر أقرب لفطيرة الجُبن، بوجهٍ ضاحك عبس عندما اصطدم الصاروخ الناقل للبشر بإحدى عينيه، وأصبحت هذه الصورة الأيقونية أحد أشهر الصور السينمائية للقمر. لكن الفيلم المصري لا تربطه علاقة بفيلم "ميلييس" إلا عبر الاسم فقط.

حاولت التفكير في سبب عدم شهرة الفيلم المصري، ورجحت أن يكون وراء ذلك عدم نجاحه جماهيرياً، لكن النجاح الجماهيري ليس المقياس الوحيد الذي يمكنه مساندة الفيلم في صراعه للوقوف في وجه الزمن، حيث نجح فيلم مثل "باب الحديد" الذي أُنتج عام 1958 من إخراج يوسف شاهين، في حجز مكانه ضمن قائمة أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية والعربية، رغم عدم نجاحه جماهيريًا وقت عرضه سينمائيًا، إذًا لماذا لم ينجح فيلم رحلة إلى القمر رغم تفرده في فئة الخيال العلمي كونه من أوائل أفلام الخيال العلمي المصرية والعربية؟ قد يكون السبب في سوء حال الكتابة - أو الورق كما يُقال - حيث بدا الفيلم ساذجاً إلى حدٍ كبير، فيما يخص السيناريو والحوار أيضًا، بالإضافة إلى المحاولات الكوميدية الضعيفة من إسماعيل يس لإضفاء جو من المرح على الفيلم، لكنه لم ينجح في ذلك بسبب عدم وجود ممثل آخر يمكنه مشاركته الكوميديا الهزلية، مثل عبد الفتاح القصري، وعلى الجانب الآخر صنع المخرج حمادة عبد الوهاب قصة رومانسية سريعة شديدة السذاجة بين رشدي أباظة وصفية ثروت التي قامت بدور "ستيلا" ابنة مستر كوزمو، وصنع مغامرة بلهاء حتى يُضفي على الفيلم قليلٌ من الجدية، لكن بشكلٍ عام خرج الفيلم قليل الجودة وغير مضحك إلى حدٍ كبير، باختصار، لم ينجح الفيلم على جميع المستويات، لكنه على كل حال لم يكن المحاولة الوحيدة في هذه الفئة.

إعلان

إنتاج قليل يغلب عليه الهزل
أنتجت السينما العربية عددًا قليلًا لا يتخطى الـ 15 فيلمًا، معظمهم من إنتاج مصري، وهو ما يوازي أو يقل عن ما تُنتجه هوليوود في السنة، حيث تُعتبر هوليوود أحد أكثر مُنتجي أفلام الخيال العلمي، منها أفلام "حرب النجوم" التي يحتل فيلمين منها قائمة أعلى الأفلام حصولًا على الإيرادات في تاريخ السينما الأمريكية، وبشكلٍ عام تتميز وتتفرد السينما الأمريكية في إنتاج أفلام الخيال العلمي دون سواها.

بعد تجربة فيلم رحلة إلى القمر، خاض رشدي أباظة تجربةً أخرى مع المخرج عباس كامل الذي كتب وأخرج فيلم "هـ 3" وتدور قصته حول طبيب يتمكن من اختراع عقار يرد الشيب إلى الشباب، مما يجعلنا نتذكر فكرة اكسير الحياة الذي حاول الخيميائيّون صُنعه لإعادة الشباب. ثم خاض المخرج حسن الصيفي التجربة بفيلمين، الأول "المليونير المزيف" إنتاج عام 1968 بطولة فؤاد المهندس وشويكار وحسن مصطفى، حيث لعب الأخير دور "مكمك" الإنسان الآلي الخاص بالعالِم حمدي (فؤاد المهندس)، والثاني فيلم "المجانين الثلاثة" إنتاج عام 1970 من بطولة ثلاثي أضواء المسرح وتدور قصته حول عالِم يُجري تجارب على الحيوانات حتى يتمكن من صُنع جهاز يتحكم في حجم الكائنات وعمرهم.

يعتبر فيلم سمير وشهير وبهير من إخراج معتز التوني وبطولة أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو، أحدث أفلام الخيال العلمي العربية

توقف بعد ذلك العاملون في مجال السينما عن إنتاج وإخراج أفلام الخيال العلمي، إلى أن قرر المخرج كمال الشيخ تحويل رواية "قاهر الزمن" التي كتبها أحد روّاد كتابة قصص الخيال العلمي في مصر، نهاد شريف إلى فيلم عام 1987، من بطولة نور الشريف وجميل راتب وآثار الحكيم وحسين الشربيني، ودارت أحداث الفيلم حول الدكتور حليم (جميل راتب)، الذي استطاع الوصول إلى طريقة لتجميد جسم الإنسان لعدة سنوات دون أن تفقد خلايا جسده حيويتها بحسب وصف قصة الفيلم على موقع السينما دوت كوم. ويُعتبر فيلم قاهر الزمن أحد أفضل أفلام الخيال العلمي المصرية وأكثرها جدية أيضًا، حيث قرر أغلب المخرجين الذين خاضوا تجربة الخيال العلمي اختيار الكوميديا تصنيفًا لأفلامهم، فيما اختار المخرجان كمال الشيخ وعلاء محجوب تصنيفات الخيال العلمي والرعب، حيث أخرج الأخير فيلم الرقص مع الشيطان، إنتاج 1993 ومن بطولة نور الشريف، وتدور قصته حول الدكتور واصل (نور الشريف) الذي يحصل على زهرتين يستخرج منهما عقارًا يمنحه إمكانية السفر عبر الزمن.

إعلان

ويعتبر فيلم سمير وشهير وبهير من إخراج معتز التوني وبطولة أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو، أحدث أفلام الخيال العلمي العربية، وهو من إنتاج عام 2010 وتدور قصته حول ثلاثة أخوة يعودون إلى حقبة السبعينيات في مصر بالخطأ، ورغم أن الفيلم لا يذكر فكرة السفر عبر الزمن إلا في موضعين فقط، لكن قوامه الأساسي معتمد كُليًّا على هذه الفكرة، لذلك يُصنّف كأحد أنجح أفلام الخيال العلمي الكوميدية في تاريخ السينما المصرية. ويُمكننا القول أن الفيلم نجح فيما فشلت فيه الأفلام الأخرى، إذ أنه اعتمد على الخيال في صنع قوام الفيلم الأساسي، ثم ابتعد عنه وبدأ في رسم مشاهد كوميدية جيدة جدًا، وهي ما ركز عليه الجمهور بالأساس، لذلك خرج الفيلم ممتعًا وجذابًا، بعكس أفلام الخيال العلمي الأخرى، التي أخذت الفكرة ووسّعتها وتشعبت وتشعّثت ثم فشلت في رسم مشاهد كوميدية أو جادة جيدة و"ممسوكة"، لذلك خرجت الأفلام شديدة السذاجة قليلة المتعة غير مشهورة، فضاعت عبر الزمن ونُسيت. لكن يبقى السؤال، لماذا لم تُنتج السينمات المصرية والعربية أفلامًا بتصنيف الخيال العلمي تحديدًا؟

أسباب عديدة والنتيجة واحدة
يُمكننا تقديم ثلاثة نظريات كأسباب لعدم إقدام العاملين بالمجال السينمائي على إنتاج أفلام الخيال العلمي، الأولى هو أن هذه الأفلام لا تجذب عددًا كبيرًا من الجمهور المصري والعربي عادةً، لذلك لا تنجح في شباك التذاكر والانتشار الجماهيري حتى لو كان البطل نجمًا محبوبًا. اتذكر فيلم "سيما علي بابا" الذي أُنتج عام 2011 من إخراج أحمد الجندي وبطولة أحمد مكي، أحد أنجح الممثلين في السنوات العشر الأخيرة، ورغم ذلك لم ينجح الفيلم جماهيريًا، وأحد أسبابه اعتماده - في رأيي - على السخرية من أفلام لا تجد رواجًا بين الجماهير، مثل أفلام الفضاء وأفلام الحيوانات الناطقة.

لا توجد جهة يُمكنها الحصول على الإمكانيات الخاصة بإنتاج أفلام الخيال العلمي الضخمة، لكن هذا السبب تحديدًا يُمكن تخطيه في بعض الدول التي قد تتمكن من إنتاج أفلام بهذه الضخامة

وهذا ينقلنا إلى السبب الثاني، وهو عدم تشجُّع المنتجين على إنتاج أفلام الخيال العلمي، لأنهم يعرفون أن الجمهور المُستهدف لا يُفضّل هذه النوعية من الأفلام على الأرجح، فلماذا يُقدم منتج على وضع الكثير من أمواله في فيلم لن ينجح - غالبًا - جماهيريًا في شباك التذاكر، ولن يتمكن من توزيعه على العديد من القنوات التليفزيونية، مما يترتب عليه في النهاية عكوف كُتّاب السيناريو عن كتابة فيلم سيصعُب عليهم إقناع المنتجين به، وهو ما يُمكننا اعتباره السبب الثالث في عدم وجود أفلام الخيال العلمي في السينمات المصرية، رغم عدم خلو تاريخنا الروائي من روايات خيالية مثل روايات نهاد شريف، مرورًا بروايات الجيب الخاصة بالدكتور نبيل فاروق على سبيل المثال لا الحصر.

أيضًا قد يكون السبب الرابع خاصًا بالتمويل، حيث لا توجد جهة يُمكنها الحصول على الإمكانيات الخاصة بإنتاج أفلام الخيال العلمي الضخمة، لكن هذا السبب تحديدًا يُمكن تخطيه في بعض الدول التي قد تتمكن من إنتاج أفلام بهذه الضخامة، مثلًا السينما الإماراتية - التي تُحاول التطوّر حاليًا - أنتجت فيلمًا بعنوان "المختارون - The Worthy" عام 2017، من إخراج المخرج الإماراتي علي مصطفى، وبطولة سامر إسماعيل ومنال عوض وحبيب غلوم، ويحكي الفيلم قصة صراعًا مستميتًا على الماء إثر تلوث مصادره، مما أدى إلى انتشار الفوضى والدمار، لكن الفيلم لم ينتشر انتشارًا واسعًا في العالم العربي، ولم ينجح جماهيريًا بالصورة المتوقعة مع اختلاف الفكرة والمعالجة.

لذلك يُمكننا أن نقول أن السينما العربية لن تشهد أفلام خيال علمي في المستقبل القريب، إلا عندما يجتمع المنتج الشجاع الذي يمكن أن يغامر بإنتاج وتمويل الفيلم، مع كاتب السيناريو الذي يُمكنه كتابة نص قوي ومتماسك عن نظرية علمية حالية أو قديمة، مع المخرج الذي سيتمكن من وضع التصور البصري الذكي للفيلم حتى يتمكن من النجاح، وإلى حين دعونا نستمتع ببعض الكوميديا الرديئة لأفلام الخيال العلمي المصرية.