لابد أنكم شاهدتم شباب وشابات يقفزون في الهواء على أسطح المنازل والجدران في المساحات المفتوحة برشاقة وخفة وبدون شعور بالخوف. نتحدث عن الباركور، الرياضة التي انتشرت بشكل كبير بين أوساط الشباب في الفترة الأخيرة. وتعتبر الباركور نوعاً من الفنون القتالية -بحسب ديفيد بيل، واضع أسس هذا الفن – وهي خليط بين حركات القفز في الهواء وتخطي الحواجز وتتطلب سرعة البديهة والمهارة والتوازن والقدرة الجسدية.
خلال السنوات الماضية، بدأ الكثير من الشباب في غزة بممارسة هذه الرياضة، وبدأوا بالتدريب في المقابر وعلى أسطح المباني، فلم يكن هناك أي نادي رياضي جاهز لاستقبالهم لممارسة الرياضة. تعرضوا خلال تلك الفترة للعديد من المواقف، مثل الاعتقال من قبل الشرطة بسبب التواجد في أماكن ممنوعة أو لممارستهم حركات القفز غير معهودة. تدريجياً، بدأت بعض المجموعات الشبابية بالتشكل، وأصبحوا يقلدون الحركات التي يشاهدونها في فيديوهات يوتيوب، واستمروا بالمحاولة على الرغم من الإصابات.
Videos by VICE

واحدة من أوائل الفرق التي شهرت لاعبي الباركور في غزة، كان فريق PK Gaza. الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008 تركت المئات من المباني المدمرة بفعل الحرب، وقرر الفريق إبراز حجم الدمار الذي أصاب المباني من خلال حركات الباركور بين الجدران المهدمة وبقايا البيوت المدمرة. ومن هناك بدأ العالم برؤية غزة من خلال الباركور.
وقد أسفرت الحرب عن مقتل 1436 بينهم 410 طفل وإصابة أكثر من خمسة الآف شخص. وقد هدّمت إسرائيل خلال الحرب حوالي 5،700 وحدة سكنية بشكل كلّي، فيما تعرّضت نحو 52 ألف وحدة للضرر الجزئي. معظم المباني والمدارس والمستشفيات لا تزال مدمرة من الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة، حيث تمنع إسرائيل دخول مواد البناء للقطاع المحاصر منذ أكثر من ١٥ عاماً.
يقول الكابتن عبد الله القصاب، 24 عامًا، أحد مؤسسي فريق PK Gaza: “في البداية، كنا نقوم بالتدرب في المقابر وفوق أسطح المستشفيات، فلم تكن رياضة الباركور معروفة في غزة. حبينا الرياضة والمغامرة والمخاطرة. الباركور رياضة خطرة، ولذلك من المهم أن تعرف قدرتك العقلية والجسدية، البعض يمتلك جسداً رياضياً، لكنه لا يفكر جيدًا بالحركة قبل القيام بها، لذلك قد يتعرض لإصابات خطيرة.”
أحمد مطر، 24 عامًا، هو واحد أعضاء الفريق، يخبرني أنه بدأ لعب كرة القدم وهو في الرابعة من عمره، وعندما بلغ 9 سنوات وجهه والده للنوادي الرياضية حيث لعب الكونغ فو والتايكوندو، قبل أن يتعرف على الباركور خلال مشاهدته بعض الأفلام: “كنت أشوف الحركات بالأفلام وبعد ما يخلص الفيلم أروح أجري على حيطان البيت أحاول أقلدهم، والدي كان يحاول يمنعني من خوفه علي، بس أنا صار عندي حب للرياضة والقفز قبل ما أعرف شو يعني باركور.”


مع إتقان هؤلاء الشباب لرياضة الباركور وانتشار فيديوهاتهم على يوتيوب، بدأت الدعوات تصلهم للمشاركة في بطولات عالمية، إلا أن الحصار الإسرائيلي وصعوبة السفر عن طريق معبر رفح البري الذي يربط قطاع غزة بمصر حال دون تمكنهم من المشاركة في الكثير من هذه البطولات. “في احدى المرات، استطعت الوصول للجانب المصري في المعبر، وكنت قد حصلت على الفيزا أخيراً. أخبرت الضابط المصري بمشاركتي في بطولة باركور، حاولت شرح ماذا تعني هذه الرياضة لكنه لم يصدقني، أخبرته أننا نقفز في الهواء ونصنع حركات رياضية، ورد علي بالقول (روح نطنط في غزة) ومنعني من استكمال طريقي للخارج،” يقول مطر.
تمكن مطر من السفر أخيراً في عام ٢٠١٥ للمشاركة في بطولة عالمية مكنته من التعرف على مشاهير في رياضة الباركور على مستوى العالم، كما فتحت أمامه تلك الفرصة المجال للتدريب في السويد والإقامة هناك.


فيديوهات فريق PK Gaza على يوتيوب لفتت انتباه المصور والمخرج الفرنسي توم فيلان الذي قام بتصوير فيلم Meet the Wallrunners of Gaza عن هذه الرياضة. في نهاية الفيلم يتمنى مطر أن يتمكن في يوم من الأيام انشاء نادي متخصص لرياضة الباركور في غزة، الأمر الذي أخذه توم بجدية، وبدأ العمل على تحقيق ذلك. في ديسمبر ٢٠٢٠ تم افتتاح Wallrunners كأول أكاديمية رياضية لتعليم الباركور في غزة بعد حملة تبرعات عالمية.
هذا العام، بدأت الأكاديمية في استقبال الطلاب من مختلف الفئات العمرية ما بين 6 إلى 20 عامًا ومن الجنسين تحت إشراف الكابتن القصاب والكابتن جهاد أبو سلطان، ويساعدهم الكابتن مطر بالإشراف من الخارج. تستقبل Wallrunners الأطفال والفتية دون مقابل مادي، هدف الأكاديمية فقط هو توفير مساحة آمنة للأطفال لتطوير قدراتهم في رياضة الباركور واكتساب مهارات واللعب على أجهزة مخصصة ومعدة بوسائل أمان.


الكابتن منال الحافي، 27 عامًا، خريجة تربية رياضة متخصصة في الجمباز ومدربة في الأكاديمية تقول: “عندما بدأت التدريب على الباركور، شعرت بشيء مختلف. هذه الرياضة حررتني من الخوف. تخطي الحواجز والمجازفة في تنفيذ حركات جديدة يشعرك بالسعادة والانجاز، وتنسى للحظات كل الأوضاع الصعبة التي نعيشها في غزة.”


بدأت Wallrunners داخل نادي رياضي في غزة بمساحة لا تتجاوز 100 متر، وانتقلت مؤخرًا لنادي آخر وفر لها مساحة تتجاوز 200 مترًا مربع وهي مساحة أفضل للعب والتدريب. وهناك ٥٠ طالب وطالبة مسجلين في الأكاديمية حالياً. كما تستعد الأكاديمية لافتتاح فرعها الثاني في كشمير، كون البلد تعاني من ظروف مشابهة لغزة، ولا يتوفر لديهم نوادي متخصصة لاستقبال الأطفال للعب والتمرين. ويأمل المؤسسون أن يتمكنوا من افتتاح فروع أخرى في أكثر من دولة منها كينيا، في حال حصلوا على تمويل أكبر بمساعدة داعمي الباركور في العالم.

More
From VICE
-
Screenshot: Pixel Maniacs -
TTDTE / Facebook -
Screenshot: Humanyoyo Studios