في كثير من الأحيان يحرص بعض الأباء على تربية أبنائهم الجيدة، والتي تبنى في معظمها على اقوال وحكم في مختلف المجالات، وذلك لتوصيل الرسائل التي يريد الآباء أن يستوعبها أبنائهم بطريقة "غير مباشرة" (طبعاً ما يحدث هو العكس مباشرة جداً) ظناً أن ذلك لمصلحتهم. بعض الأطفال صدقوا هذه القصص، ولم يكتشفوا عدم صحتها إلا لاحقاً، والبعض متأخراً جداً. تحدثنا مع خمسة أشخاص من الوطن العربي عن كل تلك القصص الخاطئة التي قيلت لهم من طرف أهلهم. وأدركوا عدم صحتها عند كبرهم.
لما، 24، فلسطين
صحيح، هي قصص، الكثير منها ومن مختلف الأطراف. مثلاً عمتي "التي ترتدي الخمار" هي نسخة من اغنية لوكا "هشرب حشيش" فقد كانت دائماً ما تقول لي أنني سأذهب للنار لأنني أحب الغناء والرقص والميكب آب، خاصة في فترة المراهقة. أما خالتي فهي كنز من الأمثال والخرافات الشعبية ابتداءً من لا تسكبي الماء الساخن بدون ما تقولي "بسم الله" لأن الجن يتضايق وقد يلبسك" وانتهاءً بربط كل شيء سيء يحدث بحياتي بعدم قيامي بالصلاة، أو الصوم أو عدم استماعي لأمي، أو صياحي على أخوتي.. القائمة تطول.وكيف تعاملت مع كل ذلك؟ هل كنت تصدقين؟
طبعاً كنت أصدق، وحتى الآن يوجد أمور أكبر مني، لا أستطيع المرور عنها مع أنني أعرف أنها خرافات، فأنا لا يمكن أن أفتح مقصاً على آخره حتى وأنا أعلم أن حظي السيئ ليس مرتبط بذلك. ولكن في أمور أخرى أستطعت التغلب عليها، مثلاً أنا أحب البومة كثيراً، مع أن الجميع في عائلتي يتشاءم منها، والقطط سوداء اللون هي المفضلة ولدي 3 منها، مع أن أمي على قناعة تامة أنها السبب في إنفصالي عن خطيبي -وليس لأنه كان قراري.
ماجد، 23، السودان
لقد عشت طفولتي في بلدة بسيطة قبل أتنقل إلى المدينة، لذلك كان هناك الكثير من الخرافات والأساطير تدور في منزلنا، ومعظمها كانت تقال من طرف والداي. كانا يقومان بقولها لأنهم ثوارتوها من والديهم أيضاً وأعتقد أنهم لا يزالون يصدقونها، وخاصة والدي فقد كان يخاف علينا من كل مكروه أو إصابة أو "عين حسد" لذلك كان يكرر الكثير من الأقاويل والقصص الغير صحيحة.أمثلة؟
لدي الكثير، مثلاً عندما كنت ألعب مع إخوتي في الحي، كان يحذرنا دائماً من عدم القفز فوق بعضنا البعض، لأن ذلك يسبب قصر الطول، أو عندما كنت أقوم بالتصفير في المنزل يقول لنا أن ذلك سيجلب اللصوص، وأن غناءنا في داخل البيت يعني أننا سنمرض بسبب حسد الجيران. كنت أنا وإخوتي نصدقه، ونتوقف عن فعل ما نقوم به، لأننا لم نرد أن يصيبنا أي مكروه. وبقيت مقتنعاً بهذه الأمور وصحتها حتى دخلت الثانوية العامة.
إعلان
فايزة، 26، اليمن
في صغري كنت أكره الخضراوات كثيراً، فقد كانت أمي ترغمني عن أكلها وكنت أتضايق جداً، لأنني كنت أظن أن طعمها سيء. لذلك اعتاد أبي وأمي أن يحاولان كل شيء لجعلي أن أحب الخضر وأن آكلها. استعملت معي أمي الكثير من الطرق لتحببني في أكل الخضراوات، مثلاً كانت تقول لي أنني دائماً سأبقى قصيرة القامة إذا لم آكلها، وأن الخضراوات تحزن عندما لا آكلها وذلك لأن الخضراوات تكمل حياتها في معدتي وإذا أكلتها فسوف أنقذها.هل كنت تستمتعين بتلك القصص؟
قصص أمي العجيبة عن الخضراوات، كانت تعجبني كثيراً كانت مسلية، وقبل كل وجبة خضراوات على المائدة كنت أطلب منها أن تروي لي قصة أخرى عن الخضراوات لأتمكن من أكلها، في بعض الأحيان كانت تضع لي السكر في الخضراوات لكي أحبها، لكن تلك الطريقة لم تكن فعالة جداً لإقناعي، كنت أفضل أن أسمع قصة بدلاً من ذلك.هل كنت تصدقين تلك الأقاويل و القصص؟
نعم صدقتها كلها. والأهم أنني أصبحت أحب الخضراوات.
سمير، 25، المغرب
هناك الكثير من القصص والأقاويل الخاطئة خاصة أن والداي قد ترعرعا في وسط شعبي، لذلك فقد كان هناك الكثير من الأقاويل التي سمعوا بها وصدقوها وعملوا على نقلها لي ولإخوتي.مثلاً؟
كنت أحب اللعب بالنار في طفولتي كثيراً، خاصة في عيد عاشوراء حيث كنت أنا وأبناء الجيران نقوم بإشعال الكثير من النيران في الألمنيوم والاستمتاع بمنظرها الذي كان يبدو خلاباً جداً. أمي حاولت كل شيء معي كي أتوقف عن إشعال النيران في الحي، لكنني لم أتوقف. كانت تقول لي دائما أن العفاريت والشياطين تسكن بالنار، وأن من يلعب بها سيسمح لهذه العفاريت بأن تسبب لي اليأس والحزن. كانت تقول أيضاً أن من يلعب بالنيران ليلاً يبلل فراشه عند النوم.
إعلان
هل صدقتها؟
لم أكن أصدقها كثيراً، لأنني كنت أستمتع باللعب بالنيران. لكن في بعض الأحيان، كنت أشك بصحة ما تقوله عندما كنت أبلل فراشي صباحاً أو عندما أحصل على علامات سيئة في الإمتحان، فأقول في نفسي أن العفاريت هي من فعلت كل ذلك.هل ستعتمد على نفس الطرق مع أبنائك؟
أحببت كيف كانت أمي تبذل مجهودات لجعلي آمنا من الإحتراق من النيران لذلك قدم أقوم بذلك مع أطفالي إذا اقتضى ذلك، لأن الأطفال يحبون الحكايات.
لم أكن أصدقها كثيراً، لأنني كنت أستمتع باللعب بالنيران. لكن في بعض الأحيان، كنت أشك بصحة ما تقوله عندما كنت أبلل فراشي صباحاً أو عندما أحصل على علامات سيئة في الإمتحان، فأقول في نفسي أن العفاريت هي من فعلت كل ذلك.هل ستعتمد على نفس الطرق مع أبنائك؟
أحببت كيف كانت أمي تبذل مجهودات لجعلي آمنا من الإحتراق من النيران لذلك قدم أقوم بذلك مع أطفالي إذا اقتضى ذلك، لأن الأطفال يحبون الحكايات.
عبلة، 29، لبنان
جداً، كان لدي شعر طويل وكثيف عندما كنت صغيرة، وكانت أمي تخاف علي من "عين الناس والحسد"، لذلك كانت تروي بعض الأقاويل والتصرفات التي كان يجب علي فعلها لطرد عين الحسود. الشيء الوحيد الذي أتذكره كثيراً هو عندما كنت أخرج إلى الشارع، كانت تأمرني دائماً بضفر شعري إلى الوراء وربطه بحزمة سوداء، لأنها تطرد الحسد. وكانت تقول لي أنني إذا لم أفعل ذلك سيبدأ شعري بالتساقط.وهل صدقت ذلك؟
كنت مسرورة لفعل شيء يطرد عني الحسد، لكن عندما كبرت عرفت أن ذلك مجرد قصص وأساطير خرافية. لا أظن أنني سأفعل نفس الشيء لأبنائي لأن كل تلك الأقوال الخرافية لا تصلح لشيء، إلا أنها مضيعة للوقت فقط. لذلك سأبذل جهدي لتعليم أولادي أشياء مفيدة التي قد تفيدهم في حياتهم بدلاً من الإهتمام بالناس وعينهم.يمكنكم مشاهدة أعمال عمر الفيل على انستغرام.