سألنا شباب عرب عن سبب استمرارهم بالتدخين على الرغم من المخاطر الصحية

"تحذير: التدخين يقتل" هي عبارة ضمن أخرى كثيرة، لطالما احتلت صدر علب السجائر على اختلافها، لكنها تبقى في نظر الكثير من المدخنين غير مجدية ومجرد كلمات لا تنفّر ولا تردع، وكأنها كلمات تزين فقط العلبة. الكثير منهم يعرفون جيداً ما هي المخاطر الصحية التي يتسبب بها التدخين من أمراض القلب والشرايين والجهاز التنفسي إلى الإجهاض وإضعاف القدرة الجنسية. ولكن كل هذه التحذيرات لا يبدو أنها تؤدي نتيجتها، حيث تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن التدخين أكثر انتشارًا من أي وقت مضى في الشرق الأوسط. ويؤدي استهلاك التبغ حالياً إلى وفاة 6 ملايين شخص سنوياً على مستوى العالم، بما في ذلك أكثر من 600 ألف بسبب التدخين السلبي، كما يشير مارك غودتشايلد، من قسم مكافحة التبغ بمنظمة الصحة العالمية، والذي يتوقع ارتفاع أعداد الوفيات المرتبطة به عالمياً لتصل إلى 8 ملايين شخص سنوياً بحلول عام 2030، ستكون 80% من هذه الحالات في دول العالم النامي. في خلال شهر رمضان، عادة ما تتغير العادات اليومية بسبب تقليل ساعات العمل، تحدثنا مع عدد من الشباب العرب عن سبب استمرارهم في التدخين، وكيف يؤثر رمضان على هذه العادة سواء سلباً أو ايجاباً.

VICE عربية: كيف بدأت التدخين؟
زينب: بدأت التدخين قبل عشرة أعوام، كنت في مخيم صيفي لغوي ببريطانيا، التقينا بطلاب من مختلف الجنسيات، وفي جلساتنا كان الكثير يدخنون، فجاريتهم في الأمر، وبعد عودتي إلى المغرب واصلت ذلك، لأن أصدقائي في الثانوية كانوا مدخنين أيضا، كانت بيئة ملائمة بامتياز. التدخين له مخاطر صحية معروفة، هل تنتظرين أن يحدث أمر في حياتك حتى تتوقفي عن التدخين؟
نعم، أنا واعية تماما بأضرار السجائر، ولا أرغب في أن أستمر بالتدخين طوال حياتي. نعم أفكر في الإنقطاع عنها يوماً، لكن بنفس الوقت لا زلت أرغب في التدخين، إنه يهدئني حينما أشعر بالتوتر، طبعاً هناك خيارات صحية أخرى يمكن تجربتها للشعور بالهدوء بدلاً من التدخين، ولكن هذا هو الوضع. سأتوقف عن التدخين يوماً ما، الانقطاع عن التدخين ليس أمراً تعجيزياً، لقد سبق لي أن فعلت ذلك لمدة شهرين، لكنني عدت إليه بمحض إرادتي خلال إحدى جلساتي مع الأصدقاء.

بدأت التدخين منذ فترة طويلة؟
بدأت التدخين في سنّ 13 من خلال بعض الأصدقاء، وتطور الموضوع مرحلة الثانوية العامة، كنت أشعر أن التدخين يساعدني على التركيز مع ضغط المذاكرة والحفظ والاختبارات طبعاً هذا الأمر ليس علمياً إطلاقاً فبالعكس التدخين يؤثر سلبياً على الذاكرة. يكون التدخين مسلياً في وقت الفراغ، ويخفّف عنّي تارة أخرى وخاصة وقت الغضب والحزن.

14 سنة من التدخين ألم تحاول خلالها الإقلاع عنه؟
قطعا فعلت، لقد حاولت الابتعاد عن التدخين مرات عديدة، وصلت في إحداها إلى سنتين، لكنني تراجعت في أحد الأيام حينما أحسست أنني "مخنوق" وفي أعلى درجات عصبيتي. التدخين يؤدي للموت وهذا أمر جميل (يقول مازحاً)، لا، صدقا أستطيع أن أتخذ قرار ترك التدخين دون انتظار حدوث المعجزات. ربما حينما تستقرّ حالتي النفسية قليلا أو عندما أرتبط، أنا لا أعتبر نفسي في حالة إدمان، إنها مسألة تعوّد فقط لا غير.

مع اقتراب شهر رمضان، ما الذي يتغيّر في عاداتك؟
عاداتي كلها تتغيّر في رمضان، حينها أصبح كثير التدخين، قد استهلك حتى 15 سيجارة من المغرب حتى الفجر، ربما انخفاض النيكوتين في الجسم طول اليوم بسبب الصيام يدفعني لأن أدخّن أكثر وأكثر.

كيف بدأت بالتدخين؟
بدأت التدخين في سنّ 19، كانت مزحة في البداية ووجدت الأمر ظريفاً، لم أفكر في ضرره على الصحة، كنت أعتبره مسألة "تضييع وقت" أشغل نفسي به وألجأ إليه لمّا أحسّ بـ"النرفزة" كنوع من التفريغ.

وتطور الأمر؟
نعم، أحسست بأنه تحول إلى إدمان عندما وصلت إلى مرحلة كنت أدخن فيها بكثرة، وبدأت أحس بالتعب لمجرد المشي لمسافات قصيرة، حينها قرّرت تخفيفه تدريجيا، لكن هذا لا يعني أنني أستطيع تركه. فمثلا في فلسطين، يلجأ الكثيرون إلى التدخين في المقاهي و"تضييع الوقت" كما نقول، لأنها تبقى المتنفس الوحيد للشباب من أجل الترفيه، وهكذا ستجد نفسك قد أصبحت مدخناً دون سابق إنذار. ربما لو تم استغلال الطاقات الشبابية بشكل صحيح، وتوفرت فرص للعمل والترفيه لانقطع الشباب عن التدخين و بدأوا يهتمون بصحتهم أكثر.

ماذا عنك؟ ما الذي يجب أن يحدث في حياتك حتى تبتعدي عن التدخين؟
لم يسبق لي أن فكرت في هذا الأمر، لكن لو تغيرت الظروف أي أتمكن من إكمال تعليمي أو الحصول على فرصة عمل أفضل، لا أعرف العلاقة ما بين تحسين حياتي وبين تركي للتدخين، ولكن لسبب ما أقوم بهذا الربط، فأنا أشعر أنني أفتقد إلى الدافع الذي سيجعلني أغيّر واقعي وأبتعد عن السجائر، وأحقق عدداً من الاحلام التي وضعتها نصب عيني، ومنها ترك التدخين.

في رمضان، هل تخف وتيرة استهلاك للسجائر؟
بالعكس، نسبة التدخين تزداد خلال هذا الشهر الفضيل، خاصة أن المشاوير تقلّ في النهار، ويطول وقت السهر مساء مع الأصدقاء، ولهذا فأقضي وقتي كله في التدخين.

لم تبدأ التدخين في سن مبكّر، هل تعتقد أنه كان بإمكانك التحكم بقرارك والتوقف حينها؟
نشأت في أسرة مدخنة، كان أبي وأعمامي من المدخنين لكن الأمر كان غير مقبول في وسطنا، فهم لا يدخنون أمام والدهم. أكاد أجزم أن هذه الظروف جعلتني أصمد وأنفر من السجائر إلى حدود سن 18. لا زلت أتذكر جيداً كيف كانت البداية، كنت حينها في رحلة مع أصدقائي، حصل بيننا خصام، خرجت من البيت وصادفت في طريقي مجموعة من الشباب، كانوا يتحدثون ويدخنون اقتربت منهم وتبادلنا الحديث، ناولوني سيجارة وقبلت وفوجئت أن الأمر كان بسيطاً وسهلاً، وفي اليوم التالي اقتنيت علبة سجائر. ربما استقلالي عن بيت الأسرة، وجو العمل مع مدرائي الذين كانوا يفرطون في التدخين، كانت كلها أسباباً جعلتني أتمسّك بالسيجارة أكثر. أضف إلى ذلك اهتمامي بالصناعة السينمائية، خصوصا بسلسلة mad men التي أعلم جيداً أنني كنت تحت تأثيرها، وتأثير البطل الذي لا يكفّ عن التدخين في كل حلقة، كان يدخن أزيد من 20 سيجارة ويشتغل كمدير فني، ربما هي أمور لها ارتباط بسر تشبثي بالتدخين.

ألا تخيفك تلك العبارات التحذيرية في علب السجائر أو الدراسات الطبية التي تتحدث عن مخاطر التدخين؟
أنا واعٍ جيداً بجميع المخاطر والأمراض، أعلم أنني إذا تعبت من المشي أو صعود السلالم فهو أمر ناتج عن التدخين. لكنني في المقابل، أعتقد أنه باستطاعتي التحكم في وتيرة استهلاكي للسجائر، قد أمضي يوما كاملا بدونها لأستعيد أنفاسي من أجل السباحة أو ممارسة رياضة ما.

لماذا لا تتوقف كلياً إذن؟
قد أفعل ذلك إذا خيّرني الطبيب بين استمراري في الحياة والسجائر، أي أن أموت بعد تدخين سيجارة واحدة أخرى. تعلمين أننا سنموت جميعا في النهاية مهما اختلفت الأسباب، فقد نصاب بالسرطان بسبب التدخين أو لمجرّد شربنا للشاي.

كم كان عمرك عندما بدأت التدخين؟
بدأت التدخين بعد تخرجي من الجامعة قبل أربع سنوات، جميع أفراد عائلتي من المدخنين بين السجائر والنرجيلة، والأسوأ أن التدخين مسموح في البيت، حاولت أن أقاوم هذا الجو العائلي الغير صحي لسنوات، ولكني في النهاية استسلمت، وبدأت أدخن النرجيلة مع والدتي وخالاتي ومن ثم مع صديقاتي. كانت في البداية مجرد مشاركة بسيطة، فقط كنت أشعر أنني غريبة بينهم، وحاولت مجاراتهم، وبعد ذلك تحول الموضوع الى عادة يومية. أفكر بالتوقف كل يوم.

ما الذي يمنعك من ذلك؟
أنا، لا شك أن كون العائلة وصديقاتي من المدخنات يجعل الأمر صعباً، وخاصة في شهر رمضان حيث تصبح النرجيلة واحدة من أفراد العيلة وتمتد سهرات السحور طويلاً. أعتقد أنني أدخن أكثر خلال رمضان من الايام العادية بسبب اختلاف ساعات الدوام مما يسمح لي بالسهر لوقت أطول. المشكلة الحقيقة ليست كل ذلك، هي في عدم وجود إرادة حقيقة في ترك التدخين. ربما أحتاج إلى تغيير ما لكي أترك التدخين، ربما التفكير بالإنجاب سَيجعلني أترك الدخان. مع أن صديقاتي اللواتي تركن الدخان خلال الحمل، عدن إليه بعد ذلك. ولكن أتمنى أن يكون الوضع مختلفاً معي.

لماذا لا تزال تدخن مع أنك تعلم المخاطر الصحية المرتبطة بالتدخين؟
بدأت التدخين في سن 17 بالمرحلة الثانوية. في تلك الفترة أحببت الصورة المثيرة التي ترسخت في ذهني أيام المراهقة، أي صورة البطل في الروايات والأفلام حينما يدخّن بشراهة ثمّ يرتشف كوباً من القهوة. كنت أعتقد أن كل من يدخّن يعد متمردا على مرحلة الطفولة وأنه أصبح بذلك رجلاً.

ولكن مرحلة المراهقة مضت، ألم تفكّر يوماً في التخلي عن هذه العادة؟
بالطبع، لقد ساورتني فكرة الانقطاع عن التدخين أكثر من مرة، وكنت أبتعد عنها بالفعل لفترة من الزمن، لكني سرعان ما أعود إليها، ربما مع استمراري في ممارسة الرياضة، قد أبتعد يوما عنه، من يعلم؟

الصور مقدمة من الذين تم مقابلتهم.