لا حيلتنا في وجودنا فكرة طالما أرقت الكثيرين، لماذا عليّ أنا أواجه هذا العالم وأن لم أختر من البداية أن أكون فيه السؤال من دون إجابة؛ لذلك كان من الطبيعي أن يتبنى آخرون فكرة معاكسة تنمو وتتبلور حتى تصبح توجه فلسفي يحمل اسم "اللا إنجابية"، طالما لم يكن قراري أن آتي في هذا العالم، هذا ما جناه عليّ والدي، على الأقل لا يجب أن أكون سبب مأساة شخص آخر يأتي العالم دون استئذانه. هكذا بات هناك لا إنجابيون يحملون في طيات فلسفتهم التي تطورت زوايا أخرى متعلقة بالبيئة، والموارد، ومستقبل البشرية وغيرها.
التقيت الشاب المصري عبد الرحمن أبو الفتوح (28 عامًا)، والذي يعتنق اللاإنجابية وسألته عن جدوى فلسفته، ونظرته للعالم، والسيناريوهات البديلة حال ما عدل عن الفكرة أو أعاد النظر فيها.
عبد الرحمن
VICE عربية: لماذا اعتنقت فلسفة اللاإنجابية؟
عبد الرحمن: كانت بوادر اعتناقي اللاإنجابية بعدم تحمسي بشكل فطري إلى الإنجاب كما يفعل الغالبية، لم أكن أهتم بفكرة وجود الأطفال أو التناسل في حياتي وما إلى ذلك، ويرجع ذلك لأن طفولتي لم تكن طفولة سعيدة بشكل كاف؛ فلم يكن لدي الرغبة في تكرار التجربة مع طفل آخر يأتي إلى الحياة بإرادة منفردة مني ويعاني ما عانيته، وما شجعني أكثر هو مشاهدتي لفيلم يتحدث عن أن العالم مكان غير صالح لأن نجلب له المزيد من الأشخاص ليعانون ويتألمون، كما يتألم البشر الحاليين، بالإضافة إلى أني رأيت بعض الجوانب المأساوية للوجود الإنساني لدى بعض الأطفال، عن طريق مشاركتي في عدد من الأنشطة التطوعية المرتبطة بالأطفال مثل الذهاب إلى دور الأيتام والمؤسسات الخيرية المشابهة. كنت أجد أمام هذه المؤسسات بعض الأطفال الرضع ناتجين عن علاقات لا تعترف بها الدولة، كل ذلك ساهم في تأييد وجهة نظري بعدم الإنجاب بعدما تعرفت أن هناك مذهب قائم يعتنق أصحابه اللا إنجابية ويتبنونها كفلسفة حياتية.
هل واجهت صعوبة في العثور على شريكة حياة تؤمن بهذه الفكرة؟
أنا بالفعل أبحث عن شريكة حياة وإن وجدتها سأتزوجها. رحلة البحث التي لا تزال مستمرة لكنها ليست بالسهولة التي يبدو عليها الأمر، لأنني أتطلع إلى مواصفات عدة في شريكة حياتي بخلاف اقتناعها بفلسفة اللاإنجابية. وبشكل عام كنت بمجرد أن أجد فتاة مناسبة تصلح أن تكون زوجة مناسبة لي، أبدأ بتوضيح وجهة نظري لها في مسألة الإنجاب، ولم أجد واحدة تقتنع تمامًا بهذا الرأي إلى الآن، وفي معظم الأحوال تسفر ردود الأفعال عن محاولات مستقبلية في تغيير فكري أو محاولة الوصول بي إلى نقطة محايدة، وهو ما أرفضه تمامًا، مثل "يمكننا أن نجرب ذلك يومًا ما"، أو "لماذا لا نترك هذا الأمر لوقته" وأنا أرفض كل هذه الردود المائعة وأُصرّ على أن أكون "لا إنجابي."
هل واجهت أي مشاكل عند تعبيرك عن قناعتك هذه أمام الآخرين؟
في الغالب يكون صدامي مع الآخرين بعد تمنيهم لي الزوجة والذرية الصالحة والأقوال المألوفة التي يتبادلها الناس في المناسبات، ويكون ردي بكل بساطة "لا أريد أن أنجب" ويبدأ الجدل معي على أساس أن الأطفال والإنجاب أشياء جميلة لا غنى عن أي أسرة لها، كما أن نقاشي دائمًا ما يرتكز على العقل والمنطق وأغلب من أتجادل معهم يتجادلون معي بحُكم العرف والتقاليد، وإن وجدت أن من يتحدث معي ليس لديه حد أدنى من الفهم لا أتحدث معه واختصر الطريق من البداية.
هل تعتقد أن التبني حل وسط؟ وهل يمكن أن تتبني طفل يومًا ما؟
بعد اعتناقي الفلسفة اللا إنجابية بحثت في عدة بدائل لإنجاب طفل منها التبني، أي أنك كشخص لا إنجابي يمكنك التعامل مع عدة بدائل، وسيكون حينها دورك أشد نفعًا من أن تنجب طفلًا ليشقى في هذا العالم، بتخفيف معاناة طفل آخر جاء دون إرادته أو إرادتك، وأرى أنه حل جيد، لكن على المستوى الشخصي لا أرغب في تبني طفل، لأني أشعر بأن فكرة تبني طفل أمر سيقيدني ويعيقني في حياتي بشكل عام، وأنا أحب أن أحيى بأقل عدد من القيود ولن يجد الطفل المُتبنى الراحة الكافية معي.
هل تعتقد أن روتين الحياة مع شخص واحد فقط لآخر العمر هو أمر يمكن تقبله؟
أساس قياسي لكل شيء هو مدى احتياجي له في حياتي، وبرغم من احتياجي للأطفال أو عدمه فإنه سيكون من الأنانية لو فكرت في أني أريد طفل لمجرد أن يملأ على حياتي ويرعاني عندما اتقدم في السن، وفي كل مكان حول العالم يمكن أن تجد دورًا لرعاية المسنين الذين أنجبوا بالفعل وهجرهم أبنائهم؛ لذلك فإن ما أذكره مثال حي على أنه ليس قاعدة أن إنجاب طفل سيملأ حياتي بهجة وفرحة وليس أكيد أني لو أنجبت طفل سيرعاني فإن حياتي ستكون هنيئة بسببه، بل يمكن أن تكون العكس تمامًا.
ما هي الحالة التي يمكن أن تغير فيها قناعتك عن اللاإنجابية؟
كل آرائي الحالية هي آراء مبنية على ما هو واقع اليوم، وبالتالي أستطيع أن أرى رأيي المستقبلي وفق حقائق ووقائع اليوم التي لن تتغير بسهولة، ولهذا فأنا لا أرى أني سأغير رأيي في يوم من الأيام، لأني مقتنع تمامًا بأن إنجاب طفل في هذا العالم هو فعل غير أخلاقي بل يصل إلى أن يكون جريمة، وهي يعني بوضوح أنني سآتي إلى الدنيا ومن أجل أن أشعر بمشاعر الأبوة، فيما يتألم ويتعذب هو، دون أي قرار أو اختيار من جانبه.
هل تكره الأطفال؟.. وهل تجد أن هناك بديلًا لهم في المنزل والحياة بشكل عام؟
لا أكره الأطفال وأرى أنهم مخلوقات جميلة ولكن في حدود معينة، فأنا لا أحب تحمل مسؤوليتهم وأكون مسؤول عن كل شيء يخصهم، وكما سبق وذكرت أني لا أحب التقيد بشكل عام وفكرة الإنجاب تقيد حياتي، كما أن فكرة الإنجاب لمجرد الإنجاب أنانية مطلقة، فالأطفال ليسوا حيوانات أليفة نجلبها لنستأنس بها، لهذا فإن الحياة قائمة بدونهم أو معهم وعلى الصعيد الشخصي أفضل العيش دون قيود؛ لذا لن يكون لدي مشكلة في هذا الأمر.
هل تحاول إقناع الآخرين بفلسفتك اللاإنجابية؟
نعم، أعمل على نشر فكر اللاإنجابية في إطار محدد ومع الفئة ذات الثقافة التي تبحث عن المعرفة والوعي، فأنا أكتب في بعض المواقع وأنشر قناعاتي الفكرية في نطاق معين، ولا أنشره وأروج له بشكل عام وسخيف كأن أدعو عامة الناس في أي حديث بإنهاء فكرهم الإنجابي واعتناق اللاإنجابية، وبالتأكيد أتمنى لو أن عدد كبير من الناس اعتنقوا هذا المذهب حتى نتجنب أكبر قدر من الخسائر، وفي الوقت نفسه أنا مؤمن أنه مهما كان عدد اللا إنجابيين في العالم فلن نقل أو ننقرض، لأن هذه أفكار حالمة، لأنه بالتأكيد سيكون هناك جزء كبير من سكان العالم متمسك بقناعته مهما حدث.
إن قررت شريكة حياتك التراجع عن قرارها في اللاإنجابية ماذا سيكون مصير علاقتكم حينها؟
من شروطي الرئيسية التي لن أتنازل عنها في زواجي هي أن تكون شريكة حياتي لاإنجابية، وسأحاول أن يكون هناك تعهد أو ما شابه بإقرارها لذلك عندما نتزوج، كما سأكون أنا من يتعامل مع وسائل منع الحمل وليس الزوجة، حتى أقلل من أي مخاطر إنجابية، وبشكل عام إن لم نتفق على ذلك أو تغير الأمر سيكون مصير علاقتنا الطلاق، وفي أسوأ الأحوال إن حدث حمل بأي شكل من الأشكال سيكون الحل الوارد هو الإجهاض وإن تمسكت بحقها في حياة الطفل بالتأكيد سننفصل.
ألا تعتقد أن العالم يمكن أن يصبح مكانًا صالحًا للحياة فيما بعد؟ هل يمكن أن تفكر في الإنجاب حينها؟
نسبة مولد طفل مشوه لديه عيب خلقي أو أمراض فكرة وارده مهما كنا متفائلين وحاولنا التحدث بإيجابية عن الإنجاب، ومهما نظرنا إلى الأمر بتفاؤل فإننا أبدًا لن نستطيع أن ننفي هذه الفرصة، مع زيادة احتمالية وجود طفلك في حياة غير آمنة أو مستقرة دون أي ضمانات، إذ أن أساس الحياة هو التعاسة حتى لو كانت هناك لحظات سعيدة، وكما ذكرت أن رأيي دائمًا مبني على كل ما هو واقعي ومنطقي، والعالم الآن مكان غير آمن، وبالتالي لا أظن أبدًا أن العالم سيتغير ويكون مكانًا صالحًا لإنجاب أطفال.