رأي

عن الكويتيين.. لا هُم يكرهوننا ولا نحن

مبادرة في التقرب من الآخر وسؤاله والوصول لمرحلة المكاشفة والمصارحة يُمكن لها أن تخلق تقارباً وتردم الفجوة بين العراقيين والكويتيين
العراق

صورة لصدام حسين بالسيراميك، في متحف الحرب الامبراطوري في بريطانيا. تصوير: مات بك/فليكر

"إنت شايفلك كويتي يحب عراقي،" "العراقيين يأكلون كريم نيفيا عبالهم قيمر أمريكي." صورتان نمطيتان تم ترويجهما عن الشعبين العراقي والكويتي، وربما هناك صور أكثر قسوة مما ذكرت. هذه الصور النمطية مُتوقعة، فنتائج غزو صدام حسين للكويت في 2 أغسطس 1990 لسبعة أشهر، لا يُمكنها أن تخلق علاقة إيجابية، ولا يُمكن لشعب كان يعيش على قناتين تلفزيونيتين مخصصتين لخطابات الرئيس أغلب الوقت، أن يُنوّر وأن يعرف الحقيقة.

كل الحقيقة التي كُنا نعرفها، إن صدام حسين على حق، وإن الكويت أخطأت بحقه وبالتالي حقنا كعراقيين. كبرنا فعرفنا الصواب، وعرفنا أن ما نراه في الإعلام لايعني هو الحقيقة. قبل أشهر التقيت زميلة كويتية في بلد غير بلدينا. لم تتعد العلاقة بيننا أكثر من "صباح الخير" في اليومين الأولين، وربما حتى هذه لم تكن بحفاوة من قبلنا نحن الاثنين. في بادئ الأمر توقعت إنها عراقية لقُرب لهجتها عندما أسمعها تتكلم مع آخرين ولزيها أيضاً الذي زاد نسبة توقعاتي الخاطئة.

إعلان

على حين غفلة وأثناء حديث عن أهمية الصراحة والمكاشفة بين المُجتمعات للوصول إلى الحقائق وإلى السلم المُجتمعي، نهضت وقالت بأنني أُريد توجيه سؤالي إلى الزميل العراقي. بين ابتسامة مُعلنة وبين حذر في الداخل، وعدتها بإجابة صريحة بعد أن طلبت ذلك. سألتني: "هل تعتقد أن الكويت محافظة عراقية،" أجبتها: "لا يهمني أن كانت عراقية أو غير ذلك، مع أنني لا أؤمن بهذه الفكرة. المهم أن الذين يعيشون في الكويت يعيشون حياة هانئة ولو كانوا ضمن الحدود العراقية لواجهوا ذات المآسي التي واجهناها."

العراقيين لم يأت نظام يُمثلهم أو يُراع مصالحهم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، لذا فإن النظر إلينا على إننا شعب يشبه صدام، فيه ظُلم كبير

استغربت من الإجابة، فسألتني مرة ثانية: "ما هو موقفك من دخول العراق للكويت،" فأجبت: "احتلال وغزو وإجرام." صُدمت من الإجابة الثانية. سألت مرة ثالثة: "ما هو موقفك من الكويت"، أجبت: "أحب الكويت بالفطرة ولدي أصدقاء هناك، لكن إذا ما تحدثنا عن الحكومة فمصالحها دفعتها للعب دور سلبي في العراق مثل الدول الأخرى، أما الشعب فأكن كل الاحترام له ولا أشعر بأنهم يختلفون عن العراقيين."

ذًهلت من إجابتي، لكن ما يهمني هو أنني قُلت لها الحقيقة، هذه الحقيقة التي يجب أن يعرفها العالم أجمع، بأن العراقيين لم يأت نظام يُمثلهم أو يُراع مصالحهم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، لذا فإن النظر إلينا على إننا شعب يشبه صدام، فيه ظُلم كبير.

كانت الزميلة الكويتية تنتظر إجابة غير تلك التي سمعتها مني بحسب ما قالت لي. تعتقد بأننا كلنا صدام، وتعتقد بأن فكرة المحافظة 19 التي رُوج لها سابقاً هي هدف كل عراقي، وأن العراقيين مازالوا يُرددون داخلهم بضرورة "عودة" الكويت للعراق باعتبارها "عراقية." هكذا تعتقد هي وربما مثلها مئات الآلاف من الكويتيين.

إعلان

عندما كُنت طفلاً خلال فترة حُكم صدام حسين للعراق كان هاجس "الكويت العراقية" يُراودني مثل أقراني، ليس لأننا نعرف الحقيقة، بل لأن تثقيفاً تعبوياً حُشيت به عقولنا ونحن صغار، في المدرسة، وفي التلفزيون، وفي المناسبات العامة. هكذا كان يُصور لنا صدام بأن الكويت يجب أن تعود، وما كان علينا إلا أن نُصدقه أو نؤيده على أقل تقدير.

لديّ حذر كبير في التعامل مع من أراهم من الكويت في المرة الأولى لـ"حساسية" بعضهم تجاه العراق أو شعبه لحين أن يصلوا إلى حقيقة بأننا نحن شعب مثلهم، تعرض للاحتلال والغزو والظُلم، وما يشعرون به نشعر به قبلهم

في بداية شهر أغسطس من كل عام تُطرح من جديد قصة غزو الكويت عبر مواقع التواصل الإجتماعي، فهناك من أيد وهم قليلون جداً، ما فعله صدام نتيجة الفكر الشوفيني الذي مازال يرسخ في عقولهم، وهُناك وهُم الأغلب يصفون فعلته بالجريمة التي كانت لها تداعيات سلبية على العراق، حتى صارت رؤية علاقة إيجابية بين عراقي وكويتي أشبه بالشيء الغريب.

في الكويت الدولة التي أتمنى زيارتها وحدثني عنها شقيقي الأصغر حين زارها قبل سنوات: "كأنها العراق، الناس يشبهوننا، شوارعها فيها روح مثل روح شوارعنا، اللهجة قريبة جداً منّا، حتى الأكل كُنت أشعر وكأنني في مطبخ عراقي." كُنت أطلب منه أن يُرسل لي صور شوارع الكويت باستمرار خلال أيام زيارته، كان ومازال هذا الشغف تجاه الكويت وشعبها لديّ.

في المقابل لديّ حذر كبير في التعامل مع من أراهم من الكويت في المرة الأولى لـ"حساسية" بعضهم تجاه العراق أو شعبه لحين أن يصلوا إلى حقيقة بأننا نحن شعب مثلهم، تعرض للاحتلال والغزو والظُلم، وما يشعرون به نشعر به قبلهم.

سؤال صديقتي أوصلها للحقيقة، بأن ما فعله صدام لم يكن يمثل الشعب، وحقيقة أخرى، بأن المبادرة في التقرب من الآخر وسؤاله والوصول لمرحلة المكاشفة والمصارحة يُمكن لها أن تخلق تقارباً وتردم الفجوة التي تُعمق الخلافات وتُزيد التباعد بين الشعبين. صارت تنظر للعراقيين بشكل آخر، ولم تعد تُحب من العراق فقط أغانيه، بل أيقنت بأن ظُلم صدام لحق بالشعبين.

صديقتي الكويتية وهي واحدة من مجموعة أصدقاء كويتيين، تكتب لي دائماً على الواتساب: "هلا بريح الشمال الجاي منهم،" فأرد لها: "إعزاز وماكطعت الوصل منهم." (شعر من التراث العراقي).