"الانتخابات السورية قبل الثورة كانت مهزلة، أما الآن فهي نكتة غير مضحكة،" هكذا يصف حمزة، 34 عاماً، شاب سوري يدرس حقوق الإنسان، الانتخابات الرئاسية في سوريا المقرر تنظيمها في ٢٦ مايو، والتي يترشح لها الرئيس الحالي بشار الأسد لولاية رئاسية رابعة.
"قبل الثورة كانت الانتخابات عبارة عن مهزلة، فقد كانت جميع الترشيحات محددة من قبل القيادة القطرية لحزب البعث الاشتراكي الحاكم ولم يكن مطلوب من الشعب سوى أن يصوت بنعم لتكتمل المسرحية. بعد الثورة، صارت الانتخابات نكتة غير مضحكة ولم تعد الدعاية الانتخابية لمنصب الرئيس تختلف عن مهام وزير تموين تتحدد مسؤوليته بالحديث عن أسعار المحروقات، والخبز وكيفية توفير الكهرباء وتخفيض أسعار المواد التموينية."
تأتي الانتخابات هذا العام في الوقت الذي تشهد فيه سوريا أزمة اقتصادية خانقة خلفتها سنوات الحرب الدامية المستمرة منذ عشر سنوات. ويعاني الاقتصاد السوري من انخفاض غير مسبوق في قيمة العملة الوطنية مع فرض المزيد من العقوبات الدولية والتي تسببت بنقص شامل في المواد التموينية والأدوية الأساسية، والضروريات الأخرى. وبحسب هيومن رايتس ووتش، هناك أكثر من 9.3 مليون سوري يفتقرون إلى الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر. في ظل هذا الوضع، لم تعد الدعايات الانتخابية تتعلق بالوضع السياسي للبلد، بل بكيفية خفض الأسعار، الحفاظ على سمعة الليرة السورية من الانهيار ومراقبة توفر المواد التموينية الأولية.
للمرة الأولى شهدت هذه الانتخابات تقديم عددٍ ضخمٍ من الأشخاص للترشح لمنصب رئيس الجمهورية وصل إلى 51 بينهم سبع نساء. ويتعين على كل مرشح أن ينال تأييد 35 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 250 لقبول طلب الترشح. ومن شروط التقدم للانتخابات أن يكون المرشح قد أقام في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية، وهكذا تم اغلاق الباب أمام احتمال ترشح أي من المعارضين المقيمين في الخارج.
في النهاية، وافقت المحكمة الدستورية السورية على خوض بشار الأسد ومرشحين اثنين آخرين انتخابات الرئاسة وهما عبد الله سلوم عبد الله ومحمود أحمد مرعي. اختيار هؤلاء محسوب ضمن اللعبة "الديمقراطية" عبد الله هو وزير ونائب سابق، ومرعي هو من ضمن المعارضة الداخلية المقبولة من قبل النظام السوري. وهذا يتشابه مع ما حدث في انتخابات 2014 -التي نجح بها الأسد بنسبة تجاوزت 88 في المئة من الأصوات، في مواجهة مرشحين آخرين غير معروفين.
كثيرون وصفوا الانتخابات بالمسرحية، وعلق آخرون على صعوبة الوضع الاقتصادي وكيف تحولت المطالب الشعبية من تغيير نظام سياسي كامل للحصول على مواد أساسية وأدوية. كما سخر البعض من مفاجأة تقدم بشار الأسد بطلب الترشيح، ومشاركة المرأة في العمل السياسي في ظل غياب العمل السياسي أصلاً، أو ترشيح "شبيحة النظام لدعم نزاهة وديمقراطية النظام" وغيرها.
وعلى الرغم من ترشح سبع نساء، إلا أن الأمر كان هدفه ترويجي بحت، كما تقول الناشطة النسوية ريم، 27 عاماً، فلا يوجد حتى تاء التأنيث في الدستور السوري، حيث أن كل الشروط والمهام والواجبات المتعلقة برئيس الجمهورية واردة في صيغة المذكر فقط وتضيف: "كيف يمكن أن أنتخب امرأة قبلت بهذا الدستور أصلاً؟ وجود المرأة ضمن الترشيحات، لا يغير شيئاً من وضع المرأة السورية التي خسرت أهلها وبيتها أو تم تهجيرها وسجنها أو خسرت عملها أو تعاني من العنف بشكل يومي."
تستطرد ريم عن رؤية النظام للمرأة واستغلاله لها لتصدير نفسه: "يدافع النظام عن نفسه من خلال الترويج لدعمه لحقوق المرأة وأن المرأة السورية العاملة تأخذ نفس راتب الرجل، لكن ما هو الراتب الذي نتحدث عنه الآن؟ أقصى راتب شهري لكلا الجنسين لا يتعدى 25 دولار. استغرب من الذين يأخذون هذه الانتخابات على محمل الجد فالنتيجة معروفة مسبقاً؟"
وقد تسببت الحرب في سوريا في مقتل أكثر من 380 ألف سوري وتركت مدنًا وبلدات مدمرة تماماً، وأجبرت نصف عدد سكان سوريا البالغ قرابة 22 مليون إلى مغادرة منازلهم، في أكبر موجة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية. وقد فرّ أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون سوري خارج البلاد، ونزح في داخل البلد أكثر من 6 ملايين سوري. ولا يزال هناك 205,300 شخصاً مفقوداً أو في عداد الموتى يرجح أن بعضهم قُتلوا أثناء التعذيب في سجون النظام.
على للرغم من فقدان أكثر من ثلث الأراضي السورية بعد الحرب، يتفاخر النظام بسير العملية الانتخابية برغم الرفض الغربي والأميركي لها، حيث اعتبرت الولايات المتحدة أن الانتخابات السورية "لن تكون لا حرة ولا نزيهة، ولن تُكسب نظام الرئيس بشار الأسد أي شرعية" كما طالبت فرنسا بمعاقبة المسؤولين عن "الجرائم و الفظاعات" المرتكبة منذ عام 2011. وعلى المستوى المحلي أكد رئيس وفد المعارضة إلى أستانا، أحمد طعمة، رفض المعارضة السورية لإجراء الانتخابات على الأراضي الخاضعة لسيطرتها والتي تشمل إدلب وريفها. ورفض رئيس قوات سورية الديمقراطية (قسد)، تسهيل العملية الانتخابية في أراضيها، وهكذا يخرج حوالي خمسة ملايين مواطن ومواطنة من العملية الانتخابية متوزعين في إدلب وشمال حلب وشمال وشرق سوريا.
في المقابل، هناك من يرى أن الانتخابات خطوة ضرورية كان ينتظرها الجميع: "الرأي العام السوري خاصة بعد المتغيرات الطارئة الحاصلة في ظل جائحة كورونا يعلق كل خطوة أو قرار جديد على شماعة الانتخابات للخلاص من مرحلة الاحتمالات الكثيرة، والوصول إمّا إلى الخراب الكبير الذي لا نجاة بعده، أو لمرحلة حل سياسي والعودة لوضع طبيعي يُسمح فيه لعودة العلاقات السياسية والاقتصادية للبلاد ونهضتها من جديد،" يقول خالد، اسم مستعار.
يشير خالد أن الانتخابات تأتي في ظروف مختلفة هذا المرة بعد تمزق النسيج الاجتماعي: "الطبقة الوسطى انتهت في المجتمع السوري، لدينا الآن طبقة الثراء الفاحش وهي الأقلية الداعمة باستماتة لفوز الأسد بالانتخابات لأنه ضروري لبقائهم، وطبقة تعيش الفقر المدقع وهؤلاء من يبحثون عن الخلاص فحسب، ويتحاشون وقوع حرب لن تؤدي سوى إلى مزيد من الخراب والجوع. مع الفرق المهول بين الطبقتين، إلا أنهما يتشاركان في رغبتهما في نجاح هذه الانتخابات أياً كانت على أمل أن يتحسن الوضع."
لا يبدو أن هناك حلول تلوح في الأفق القريب والمتوسط للوضع في سوريا، ويشير خبراء إلى أن بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم هو خيار توافقي دولي وإقليمي، في ظل غياب بدائل أخرى.