منذ فترة كبيرة وأنا أنشغل دائمًا بالتطور التكنولوجي وأخاف أحيانًا من قدرة التكنولوجيا الفائقة على السيطرة على حياتنا والتحكم فيها، خاصًة بعد كل اكتشاف جديد أو خاصية تكنولوجية جديدة نسمع عنها. كانت مشاعري متضاربة حينما سمعت لأول مرة مصطلح "الدارك ويب" وتملكني مزيج من الخوف والفضول، لهذا قررت لقاء أحد المستخدمين المُخضرمين له والذي يستخدم الدارك ويب منذ سنوات. وتحدثنا عن أبرز الأسئلة التي يمكن أن تخطر على كل من يفكر في الأمر.
قابلت (مادي/اسم مستعار)، مهندس ميكانيكا، 26 عامًا، سوري الجنسية، نشأ وتربى في السعودية وهو مقيم حاليًا في تركيا، حدثنا عن تفاصيل هذا العالم الغريب وكيف نتعامل معه.
VICE عربية: ما هو الدارك ويب؟ وما الفرق بينه وبين الويب العادي؟
مادي: للإجابة على هذا السؤال يجب أن نُعرّف بعض المفاهيم المرتبطة ببعضها، فالويب ينقسم إلى ثلاثة أنواع: الويب العادي، الديب ويب، والدارك ويب. لنفهم الأمر بشكل مبسط، كل ما نفعله على الإنترنت مما هو مألوف لنا كالبحث في محركات البحث ومواقع التواصل الإجتماعي إلى شراء حجوزات، ينطوي في نطاق الويب العادي normal web وهذه البيانات متاحة للجميع ويمكن الوصول اليها بسهولة.
أما الديب ويب deep web فهو يعني أصول تلك البيانات، فعندما تبحث عن حجز في فندق معين أو شراء تذكرة معينة ترى نتائج بحثك، ولكن ما تَغفل عنه بأن هذه البيانات تأتي من مكان أعمق؛ حيث توجد الملايين من البيانات الأخرى التي قد لا يكون لك حق الوصول إلى بعضها. ينطبق هذا المثال على بيانات الدولة فعند دخولك لإنجاز معاملة إلكترونية فأنت ترى فقط بياناتك ولا يحق لك الوصول إلى بيانات المواطنين الآخرين. قواعد البيانات هذه بكبرها وصغرها ورسميتها وعموميتها تمثل الديب الويب. أما الدارك ويب، فهو عبارة عن مساحة لا يمكن دخولها إلا بطرق معينة وأعقد من العادي، وتمكن الأشخاص من النشر والتواصل والبيع والشراء لما يحصلون عليه من بيانات من الديب ويب أو أماكن أخرى، ومشاركة أشياء لا يسمح بنشرها في الويب العادي لحساسيتها.
الديب ويب له سمعة سيئة، لماذا برأيك؟
أولاً بسبب الاستخدام السيئ له من قبل كثيرين، وثانياً، لعدم وجود قوانين تحكمه وصعوبة تعَقب الناشر، ولكن هذا لا يعني أنه مكان سيء تمامًا وأن استخدامه مُخيف دائمًا. هو سلاح ذو حدين. في دخولك لن يكون عليك خطر كبير، ولكن الخطر يأتي من مشاركة معلوماتك كأنك على الويب العادي. الدارك ويب مثل الإنترنت العادي أو الشوارع، قد تصادف أشخاص محترمين وأشخاص مجرمين، عليك الحذر مع من تتعامل. بشكل عام، يزدهر الدارك ويب مع ازدهار السوق السوداء والعكس صحيح. ولكن برأيي الشخصي أنه بحالة الفوضى التي يعيشها عالمنا حاليًا، لا أرى سوى مستقبل مُزهر للدارك ويب بكل إيجابياته وسلبياته -وطبعاً أغلب العناصر (السرية وعدم وجود رقابة، إمكانية بيع وشراء كل شي) تُعتبر إيجابية وسلبية بنفس الوقت، الأمر يعتمد على الشخص الذي يستخدمه.
ماذا تنصح من ينوي استخدامه؟
لا يُمكنني أن أحدد لشخص وأقول له أستخدم أو لا تستخدم، الأمر متعلق بكل فرد، هل أنت شخص فضولي وترغب باكتشاف المزيد؟ أم لا؟ هناك الكثيرين ممن يرون أن ما يوجد بالإنترنت العادي كافي لهم، وهناك من يرى أن هناك عالم آخر بعيد عن الرقابة يستحق التعرف عليه. سوف أذكر بعض النصائح والنقاط لمن هو مقبل على استخدامه:
لا تشتري أو تبيع: الدارك ويب شبيه بشارع ضيق مظلم وطويل يتواجد فيه المجرمين والمحتالين. معظم أو الوعود التي تتلقاها مهما كانت الكلمات مُغرية ما هي إلا وسيلة احتيال.
المراقبة الأمنية: رغم صعوبة الوصول للمستخدمين فيه إلا أن السلطات السيبيرية استطاعت الإطاحة بالكثير من المواقع التي تهدد الأمن القومي؛ مما يعني أنهم قادرون على الوصول إليك.
التصفح: أشهر متصفح للوصول إلى الدارك ويب يسمى "تور Tor" وتحميله بسيط ويعمل على الويندوز والماك واللينكس.
الأمان: احذر من تشغيل الجافا (أي المواقع التي تمتلك فيديوهات) لأنه يكشف معلومات جهازك ويجعل تصفحك غير آمن. واحذر أيضًا من تكبير صفحة المتصفح، تور، لأن ذلك يُعطي فكرة عن حجم شاشة جهازك وقد يسهل الوصول إليك. وأخيراً، احذر من فتح أي ملف تُحمله إلا بعد إغلاق تور وقطع الإنترنت.
غوغل الدارك ويب: لا يوجد غوغل على الدارك ويب، لكن تُوجد بعض المواقع التي تعمل مثله، لكنها ليست فعالة، لكن منذ بدايات الدارك ويب كانت هناك صفحة Hidden wiki وهي تعتبر مصدر شبه موثوق لمجموعة من المواقع والصفحات التي تعمل (قد لا تكون آمنة لكنها تعمل).
ضيق نطاق بحثك: كما ذكرت في البداية، شخصيًا استخدم الدارك ويب للوصول إلى معلومات أو مقالات غير موجودة على الإنترنت بغرض المعرفة. لهذا لا تَبحث عن الممنوعات أو الأسلحة أو غير ذلك، لأن أغلب تلك المواقع مُراقبة لأغراض أمنية وقد تُعرض نفسك لما لا يحمد عقباه. هناك بعض المواقع التي تسمح للمستخدمين بالتواصل ومناقشة بعض المواضيع بل تستطيع حتى إنشاء بريد الكتروني خاص ومراسلة من أردت داخل نطاق الدارك ويب، ولكن احذر من إعطاء أي معلومات عن نفسك وبكل تأكيد عن حساباتك البنكية.
المواقع: لا تُحاول السؤال عن أي موقع، فالدارك ويب لا يملك www. أو اسماء بسيطة، وغالبًا ما يتم تغيير الموقع من فترة لأخرى، وحتى تستطيع البحث فيه يجب أن تملك قدرة البحث الفعال والسريع.
ما الذي يجب أن نتوقعه بعد أن نفتح الدارك ويب؟
لا تتوقعي أنك ستجدي شاشة خضراء بها أكواد كثيرة كما هو في الأفلام، الأمر أبسط من ذلك. لن تجدي أي شيء دون بحث مفصل. يمكن الدخول أولًا على متصفح تور كما سبق وأخبرتك، لأنه الأسهل للمستخدم العادي ولمن سيدخل لأول مرة، وهناك موقع Hidden WiKi الذي سيساعد كثيرًا على الدخول إلى الصفحات الأخرى والوصول إلى الخدمات الموجودة هناك. من هذا الموقع يمكنك أن تجد كثير من الخدمات والطلبات، قد تكون كتب ممنوعة، مقالات مسروقة من مراكز أبحاث علمية، كرديت كاردز مسروقة، خدمات مثل تأجير هاكر، أو شخص ليقتل شخص آخر. كل شيء يمكن تخيله فعليًا.
يجب أن يكون لديك قدرة جيدة على البحث، لأن الأمر مختلف عن الويب التقليدي، بمعنى أنك لن تنسخ رابط وتنتظر النتيجة. طريقة توصيل الدارك ويب للبيانات مختلفة؛ إذ يأخذ قواعد البيانات من بيانات متفرعة وغير محددة مثلًا من كمبيوتر موجود في الصين إلى كمبيوتر في روسيا إلى كمبيوتر في مصر، أو أي دولة في العالم ولا يوجد IP محدد لأي جهاز؛ لهذا التعقب صعب. ومن المهم إدراك أن من يوجد على الدارك ويب هو بالعادة يفعل أشياء غير قانونية، حتى وإن لم تكن أشياء سيئة.
لماذا يبيع شخص مثل هذه الخدمات على الدارك ويب، وهل هناك مقابل لها؟
كل شيء في عالمنا المادي له مقابل مالي، وما يحدث على الدارك ويب هو سوق وتجارة، إنه بالفعل سوق سوداء يمكن فيها شراء أي شيء، وبالتأكيد من يبيع هذه الأشياء غرضه غالبًا الربح. وأشير إلى أن العملة الوحيدة المُستخدمة على الدارك ويب هي "البيتكوين" التي يمكن تحويلها إلى مبالغ مادية وهي وسيلة للحصول على أي محتوى حساس سواء كان علمي أو إجرامي. قد تكون البيانات أو الخدمات المتاحة مسروقة، مثلًا قد يتم بيع أجهزة أبل مخفضة السعر لأنها مسروقة، يمكن بيع بيانات عملية محتوى تعذيب للبشر أو دعارة أطفال، مخدرات بأسعار رخيصة أو أسلحة، بطاقات أو جوازات سفر مزيفة، وغيرها من الأمور. في النهاية هي تجارة لا يتم مراقبتها، كل شيء متاح. هدف الكثيرين هو الربح المادي من الدراك ويب، ولكن هناك الكثير من الأشياء المجانية أيضًا مثل الكتب والمقالات، أو صفحات من مقالات علمية إن أردت أن تشاهدها كاملة عليك الدفع. وهناك بيانات مُسربة للحكومات، مثل ما حدث مع ويكيليكس.
كيف يمكنني أن أشتري شيئًا ما من هذا الويب وهو غير موثوق، أليست هذه مشاركة لبياناتي؟
هناك بعض البيانات يتم مشاركتها إن أردت الشراء، ولكن على أن يجب معرفة كيف يعمل نظام الدارك ويب. بدايًة لا توجد أي بيانات عامة، التقييم يتم بالأرقام وليس بالكلام. هناك أشخاص لديهم الكثير من النقاط أعرف أن هؤلاء يمكن الوثوق بهم وهم موجودين لغرض التجارة فقط لا النصب. لأن هناك الكثير من العروض الجيدة ولكن لا توجد أي تقييمات لأصحابها، وهنا لا بد أن أرتاب وأكون حذراً بشأنها، فقد تكون مصيدة أمنية.
ميزة الدارك ويب هو عدم وجود رقابة وعدم وجود أي بيانات حقيقية فيه، لما يحتويه من بيانات حساسة وبهذا تكون هناك صعوبة في تعقب أو معرفة المستخدم، ولكن هذا لا يعني أن الأمر آمن تمامًا، الشرطة السيبرانية يمكن أن تتدخل وتحاول تعقبك إن هدد ما تفعله الأمن القومي، وقد حدث ذلك بالفعل من قبل، مع الشرطة السيبيرية الأمريكية التي أنشأت موقعًا لبيع الأسلحة لمحاولة الإيقاع ببعض الأشخاص المتهمين. وهذه الطريقة تُشبه المصيدة التي تصنع خصيصًا للإيقاع ببعض الأشخاص. وأشير إلى أن الشرطة السيبرانية موجودة في أغلب دول العالم، ولكنها تختلف في فاعليتها من دولة لأخرى. الولايات المتحدة تسيطر على هذا بشدة. في العالم العربي، السعودية لديها شرطة سيبرانية قوية.