Heartbroken4
القلب المكسور

كيف أتخطى حبيبي الذي اختفى قبل زفافنا، وكيف أجاهر بإلحادي في مجتمع متدين؟ نصائح من القلب المكسور

الأخلاق الإنسانية مدخل مناسب يتفق فيه الإيمان والإلحاد

كنت مرتبطة بشخص وعلى وشك الزواج به، وبعد عام من ارتباطنا اختفى من حياتي كالشبح، وكأنه لم يكن، وخُطب لواحدة أخرى بعد أقل من شهر.. كيف أتخطاه وأشفى من الوجع الذي سببه لي؟

صديقتي العزيزة المتألمة،

لا يمكنني وصف كم أقدر ألمك وأشعر به، وأتفهم تمامًا، صدقيني تمامًا تمامًا، كل دقيقة تمرين بها في هذه المعاناة. الشبحية ظاهرة مزعجة في العلاقات الإنسانية حاليًّا، وقد ازدادت وضوحًا في السنوات القليلة الماضية، ولم تعد قاصرة على العلاقات العاطفية فقط، بل في الصداقات وحتى علاقات العمل. الشبحية هي أن يختفي شخصٌ فجأة من علاقة ما ويتبخر، ويكون الأمر طبعًا في منتهى السوء والقسوة إذا كانت علاقة عاطفية، لأنه يترك الطرف الآخر يضرب أخماسًا في أسداس، ويتجاهل كل ما سيسببه له من ألم. تختلف أسباب لجوء البعض للشبحية، فالبعض يتكاسل عن مواجهة الطرف الآخر، والبعض يكون جبانًا وغير قادر على المواجهة، والبعض يتعمد الإيذاء، والبعض يعتقد أن اختفائه سيكون رسالة واضحة لك تجعلك تفهمين أنه فقد اهتمامه وتتابعين حياتك. بالطبع هذا لا يحدث، وبالنسبة للكثيرين فإن حياتهم تتوقف عند لحظة الهجر العنيفة هذه، ويمرون بمعاناة لا يمكن تصورها.

إعلان

أيًّا كان السبب الذي يدعو شخص ما للتلاشي من حياة الآخرين، فهو تصرف غير مسؤول ووقح، ويؤشر إلى أن هذا الشخص منعدم الشعور بمعاناة الآخرين، أو أنه مطلق الأنانية حتى أنه لا يكلف نفسه كتابة رسالة أو إجراء مكالمة والاعتذار المناسب للطرف الآخر. يمكن لضحايا الشبحية أن يشعروا باهتزاز ثقتهم في أنفسهم، وقد يلقون على أنفسهم اللوم، وقد يلتمسون له العذر بأن شيئًا طارئًا قد وقع له، لكن دعيني أوقفك هنا. أنت لست مسؤولة عن تعرضك لهذه التجربة المريعة، وعليك استيعاب هذا تمامًا، وعدم التماس أي عذر لحبيبك السابق، وكونه قد خطب واحدة أخرى إشارة صريحة بأنه لا يستحق مشاعرك إطلاقًا.

كي تتخطي أزمتك العاطفية بعد التعرض للهجر بهذه القسوة، عليك البدء ببعض الإجراءات الضرورية، منها أن تقطعي سبل التواصل مع شبحك، سلسلة من البلوكات على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وتوقفي عن تعقب أخباره والسؤال عنه لأن هذا سيؤلمك أكثر فقط، ولا تلومي نفسك نهائيًّا، ولا تلتمسي له أي عذر لأنه بالتأكيد كان يملك اختيار أن يتصل بك ويخبرك بقراره باحترام لكنه اختار ألا يفعل. تقبلي أحزانك ودعيها تأخذ وقتها لتمضي، فهي تجربة صعبة. ابكي، فرّغي كل مشاعرك، تحدثي عن ما حصل معك حتى تتعبي من كثرة تكراره، الحديث عن الأمر يجعله يصبح أخف ويتحول من أمر غريب ومؤلم لأمر عادي. لا تبتعدي عن أصدقائك أو تقرري الانعزال، لا تفعلي ذلك بنفسك. بعد بضعة أسابيع ستجدين نفسك في حالة أفضل، وبالتدريج ستتخطينه ويتحول إلى شبح حقيقي، وربما لو قابلته يومًا صدفة تتجاوزه عيناك وكأنه غير موجود أصلاً. إذا استمر شعورك بالفقد لفترة طويلة جدًّا، وأثر على جودة حياتك وقدرتك على العمل أو الدراسة، أو ابتعدتِ عن الحياة الاجتماعية، ربما يكون من الأفضل أن تستشيري طبيبًا نفسيًّا يقدم لك مساعدة أكثر تخصصًا، كي لا تقعي فريسة للاكتئاب، أو تدهور حالتك النفسية. كوني بخير، وأحيطي نفسك بمن يحبونك من العائلة والأصدقاء، وسيمر كل هذا كأنه لم يكن.

إعلان

عمري ٢٥ سنة. أنا ملحد منذ ٣ سنوات في مجتمع متدين وغير متقبل لفكرة الإلحاد. الحادي كان بعد تعمق وقراءة ومطالعة وليس عن جهل. المشكلة أنني سأمت حياة النفاق واضطراري للظهور بالوجه الذي يرضي المجتمع، اُجبر على ممارسة طقوس وعادات دينية لا يستطيع عقلي تقبلها. أحياناً أحتقر نفسي على هذا التصرف، لكن بالنهاية أقول لنفسي يجب ان أختار بين أن أعيش بوجهين أو أعيش منبوذًا، أو حتى أتعرض للقتل. من المؤلم أن تكون أعظم أحلامي هي التعبير عن وجهة نظري، وعدم امتلاك وجهين.

صديقي المعذب بأفكاره، 

الإلحاد والإيمان وجهان لعملة واحدة، هي الإجابة عن أسئلتنا الوجودية وموقفنا من الحياة، كلاهما مجرد فلسفة للتعامل مع وجودنا، والإجابة على الأسئلة الشائكة التي حيرتنا كبشر منذ فجر التاريخ: من أين أتينا؟ ما الغرض من وجودنا؟ إلى أين نذهب بعد الموت؟ يفسر الإيمان الحياة بوجود خالق وضعنا على هذه الأرض لرسالة ما، وسنؤدي هذه الرسالة ونموت، ثم نبعث لحياة أخرى نلقى فيها ما نستحق من جزاء أو عقاب عمَّا فعلنا. الإلحاد يفسر الأمور بشكل مختلف، في ضوء العلم والفلسفة، ويرى أن الحياة نشأت من نقطة لا نعرفها بعد، فآخر ما وصل إليه العلم هو الانفجار الكبير، ثم كوَّنت الحياة نفسها عبر سلسلة من التفاعلات الحيوية شديدة الدقة والتناغم، والتي تطورت عبر مليارات السنين حتى وصلنا للحظة الحالية، وقد وهبنا فرصة الحياة لنستمتع بها ونكون أشخاصًا صالحين قدر الإمكان احترامًا، ثم ننتهي ونعود إلى العدم من حيث أتينا. هذا تبسيط لنظرة الإيمان والإلحاد للحياة، لكن خلاصة القول أن كلاهما فلسفة للتأقلم مع الوجود.

للأسف الشديد مر تاريخنا الإنساني بفترات طويلة صعبة، وازداد صعوبة بإصرار البعض على نبذ كل مختلف عنهم واعتباره عدوًا. في مجتمعاتنا الحالية لا أحد يتفهم الإيمان والإلحاد في شكلهما المجرد، كفلسفة، ولكل امرئ حق اعتناق ما يناسبه ويقتنع به، بل يعتقد أن العالم كله يدور، أو يجب أن يدور، في فلك ما يؤمن به وحده، ونحن نرى يوميًّا عشرات المتدينين يصلون ويصومون لكنهم يؤذون من حولهم ويكذبون ويرتشون، ونرى أيضًا مجتمعات ملحدة وغير متدينة حققت رفاهية عظمى لاحترامها حياة الإنسان والارتقاء به.

إعلان

هذه الثرثرة الطويلة غرضها أن أصل بك لنقطة مهمة، هي أن نظرتك للعالم ونظرة المتدينين من حولك مختلفة اختلافًا مهولاً، ومع الحمية الدينية والتطرف الذي تسبح فيه مجتمعاتنا، تصبح المجاهرة بآرائك نوعًا من الانتحار، وليس من الذكاء في شيء أن تنتحر. هبة الحياة أكبر من أي شيء آخر، ورعايتها وصيانتها فوق أي اعتبار.

أقدر جدًّا الضغط النفسي المتواصل وأنت تعيش حياة لا تشبهك، وليست لك، لهذا عليك أن تجد وسيلةً لتنفيس هذا الضغط على المدى القصير، مع العمل على خطة تنأى بك عنه على المدى البعيد. توقف عن أداء الطقوس الدينية التي ترفضها، فليس الكل حولنا ملتزم بها ويمكنك أن تبدو هكذا. ابحث عن مجموعات فيسبوك لأشخاص يشاركونك الأفكار وتبادل الأحاديث معهم كي لا تكون في عزلة عقلية مطلقة، وفي الوقت نفسه اهتم بدراستك أو عملك، وحاول تحسين مستوى حياتك، واستقل ماديًّا ومكانيًّا عن مجتمعك قدر الممكن.

الإنسان عمومًا خائف، يخيفه الكون الواسع، ويخيفه أن يصطدم بالفراغ المحيط بنا، ضع هذا في رأسك وأنت تتأمل هوس المتدينين بأن يكون الكل معهم على نفس الصفحة، وحاول أن تجد أرضية مشتركة للتحدث معهم والتعامل اليومي. الأخلاق الإنسانية مدخل مناسب يتفق فيه الإيمان والإلحاد، حاول أن ترسخ لتعاملات إنسانية قائمة على الصدق، الحب، المودة والقبول المتبادل. حاول أن تختار الإنسانية والراحة النفسية قبل أي شيء، وقبلهما أمنك الشخصي واستقرارك.

أولاً، أنا معجبة جدا بهذه الزاوية، والتحليلات العميقة والواضحة التي تقدمها وكذلك الحلول المساندة والداعمة. لدي الكثير من الألم والحقد والغضب والسخط على أمي وأبي، علما بأنني أعرف أنهما يحباني كثيرًا، ولكنها لا يدركان كم الأذى الذي أتعرض له منهم والاستنزاف الطاقي بسبب تأثري بعلاقتهما السيئة وغير المتوازنة. فقد كنت الطفل الذي يضعانه دائمًا وسط خلافاتهما. لقد رجوتهما مراراً أن ينفصلا لأنني لا أحتمل العيش بهذا الصراع. أستطيع أن أقول أن كل ما يمكن أن يسمى "تعاسة" في الحياة هي بسببهم، وأعلم أن لا ذنب لهما وأنهما لم يريدا لي الأذى حقًا. وأعلم أيضًا أنني بتحميل المسؤولية لهما فإنني أعترف وأقر بأنني لست قادرة أن أكون مسؤولة عن حياتي. المشكلة أنني مدركة لكل ذلك، لكنني غير قادرة على الاحتمال أو حتى المسامحة. أنا أثق كل الثقة أنني سأجد منك الدعم والمساندة، أحتاج للتشافي معهما بأسرع وقت ممكن. شكرا جزيلاً. محبتي وامتناني.

إعلان

صديقتي الباحثة عن الشفاء،

أهلاً بكِ في مساحة حكي تحتويك وترحب بك دومًا. أنتم أصدقائنا بكل معنى الكلمة، ونحن ننتمي لكم، وننتمي لمشاعركم بكل صدق، ونفكر دومًا في كل كلمة نكتبها لكم، لأننا نحرص على أن تشعروا بالسلام والطمأنينة أكثر من أي شيء آخر.

دعينا نتحدث في مشكلتك. في البداية أشعر بالأسف الشديد على ما عشته من ظروف صعبة وغير منصفة. عندما نتحدث عن الإساءة إلى الأبناء فغالبًا ما نتحدث عن أذى جسدي ونفسي مباشر، ولكن لا يخطر ببال كثيرين أن هناك أذى ومعاناة قد يمر بها الطفل مع والديه، عندما ينزعان منه طفولته، ويلقيان عليه مسؤولية أكبر من عمره. أنتِ ضحية لهذا النوع من الآباء يا صديقتي، لقد أحباك بالتأكيد لكنهما مسؤولين عن معاناتك، وحتى لو لم يتقصدا فهذا لا يعفيهما من المسؤولية، فالأهل هم من يجب أن يراعوا أطفالهم وليس العكس.

أكثر عبارة مؤلمة في كل ما قلته.. "وأعلم أنني بتحميل المسؤولية لهما فإنني أعترف وأقر بأنني لست قادرة أن أكون مسؤولة عن حياتي".. لو أن لب المشكلة يمكن تلخيصها في عبارة واحدة فهي هذه. ودعيني أجيب تلك العبارة بالحقيقة الأساسية التي يجب أن تبدئي في رؤية الأمور من خلالها: أنت لست مسؤولة عن قرارات والديك نهائيًّا، هذه ليست وظيفتك الآن، ولم تكن وظيفتك من قبل، ولا يجب أن تكون وظيفتك في المستقبل. أنت ضحية لهذين الوالدين غير المسؤولين، وقد شوها حياتك بإلقاء مسؤوليتهما عليك بدلاً من تحمل مسؤوليتك ورعايتك.

يمكن للمعاناة من أبوين غير مسؤولين أن تسبب تشوه رؤيتنا للعالم، واختلاط الحقائق في أعيننا، وانخفاض ثقتنا في أنفسنا والآخر، واهتزاز علاقاتنا الاجتماعية كلها، وهذا هو الحال معك. أنتِ مرهقة جدًّا من تلك العلاقة، ويبدو أنك تحاولين الشفاء منها، لكنهما بالتأكيد يمتلكان أدوات لاستدراجك مجددًا في الفخ وإبقائك أسيرة. الحل الوحيد لإنهاء هذه المعاناة أن تتخذي قرارًا بتخفيف قيود تلك العلاقة معهما، أنت بحاجة للعيش بسلام، وربما عليك الاستقلال عنهما، وفتح مساحة أكبر للحياة خارج البيت والانخراط في أنشطة اجتماعية وعلاقات جديدة. لن تكوني مسؤولة حقًّا عن حياتك إلا لو تركت مسؤولية علاقتهما لهما، انقذي نفسك واستمتعي بسنوات شبابك.

كما أنصحك بطلب بمساعدة نفسية، العلاج النفسي يستطيع أن يحلل نمط pattern الأذى الذي تعرضت له. شعورك بالثقل والمسؤولية يجب أن يتعامل معه طبيب متخصص يساعدك على تخطيه. لقد كنت في منتهى القوة والصبر في محاولاتك لإصلاح علاقة والديك، وأنا في منتهى الثقة أنك ستكونين شجاعة وقادرة على قطع مشوار التحرر منهما.

كل السلام والحب،