بدم بارد

ما هي قصة التوربيني، واحد من أشهر القتلة المتسلسلين في العالم العربي

قام رمضان عبد الرحيم منصور المشهور بالتوربيني بقتل واغتصاب 32 طفلاً قبل رميهم من فوق القطار
12168469171533656480
 من أرشيف صحيفة الوطن المصرية.

بدم بارد: سلسة من المقالات حول قتلة متسلسلين من العالم العربي، نحاول الكشف عن القصص الحقيقية المؤلمة وراء هذه الجرائم التي تجاوزت العناوين الرئيسية وأصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية.

هو واحد من أشهر القتلة المتسلسلين في العالم العربي، عدد ضحاياه المعروفين يصل لـ 32 ويقال ٣٨ بينما عدد ضحاياه الحقيقي لا يعرفه أحد، هو نفسه لا يتذكر الرقم، يتذكر فقط أن من كان يغضب عليه يستدرجه لسطح أحد القطارات، وبينما يجلس المسافرون في مقاعدهم يقضون أوقاتهم في مشاهدة قرى ونجوع مصر، يقضي السفاح في أعلى سطح القطار باغتصاب ضحيته ورميها من فوق القطار المتحرك لتلقى حتفها في الحال.

إعلان

بدأت القصة يوم الاثنين 27 نوفمبر 2006 مع العثور على أشلاء طفل داخل سرداب أسفل محطة شبرا أحد أكثر الأحياء اكتظاظًا في القاهرة، بعدها أشلاء طفل آخر في الاسكندرية شمال مصر، ثم طفل ثالث في مدينة طنطا في دلتا مصر. الجثث كانت في أماكن تفصلها عشرات الكيلومترات، لكن يجمعها شيئان، الأول أن الثلاثة أطفال، والثاني أنهم ماتوا على قضبان السكة الحديد.

الجثث الثلاثة جعلت الشرطة تبدأ حملة مكبرة وقتها في أنفاق القطارات الممتدة ليجدوا 12 جثة جديدة، ويقرروا عندها أنهم أمام سفاح، قاتل متسلسل، له نفس نفس البصمة في القتل، ضحاياه من الأطفال والسكك الحديد هي مسرح عملياته وهوايته هي اغتصاب ضحاياه وتعذيبهم قبل قتلهم، كانت صدمة المجتمع كبيرة، خاصة أن الضحايا من الأطفال وسادت حالة من الرعب من السفاح المجهول.

لم يمر وقت طويل حتى وصلت البحث الجنائي للسفاح، وذلك بعدما شنت حملات موسعة على أماكن تجمع المشردين وأطفال الشوارع، وفي واحدة من الحملات تم اعتقال "بقو" أثناء فراره من التوربيني، زعيم العصابة التي كان ينتمي إليها. 

في قسم شرطة شبرا الخيمة بالقاهرة بدأت التحقيقات الموسعة مع بقو والذي كان عمره وقتها لا يتجاوز 16 سنة، وفي نفس الوقت تم إلقاء القبض على "السويسي" في مدينة طنطا والذي اعترف بدوره بانضمامه لنفس العصابة ليكشف تفاصيل أكثر عن جرائم التوربيني.

9685650751533656424.jpg

أحد المحققين الذين عملوا في القضية، والذي رفض ذكر اسمه لأسباب تتعلق بالقضية يقول لـ VICE عربية: "لم نكن ننام في تلك الفترة، كانت الجثث في حالة بشعة، وكانت هناك حالة من الذعر لدى الناس. بعد القبض على بقو والسويسي تبين لنا أن التوربيني هو السفاح الذي نبحث عنه، وبالتعاون من أفراد عصابته والذين تم القبض عليهم واحدا تلو الآخر، عرفنا أماكن تحركاته ونصبنا له عديد من الأكمنة حتى تم إلقاء القبض عليه."

إعلان

لاحظنا اهتمام المحقق الشخصي بالقضية، فهو يحمل معه "فلاشة" بها ملف جمع به الأخبار المنشورة عن التوربيني قام بجمعها من الصحف، وصور مفزعة لضحاياه، صور كفيلة بأن تصاب بحالة مركبة من الغثيان والخوف والأرق والغضب، إنهم مجرد أطفال.

يضيف المحقق أن التوربيني عند مواجهته بجرائمه لم يبذل أي مجهود في إنكارها، ويقول: "اعترف بكل فخر بأنه الفاعل، بل وقام بمساعدتنا للوصول إلى باقي جثث الضحايا الذين قام بقتلهم وكان متعاوناً جداً أثناء عملية إعادة تمثيل الجريمة. لم يبد أي ندم ولم يحاول حتى أن يتهرب مما فعله."

من هو التوربيني، وما هي قصته؟
رمضان عبد الرحيم منصور والذي كان عمره وقت القبض عليه 27 عاماً فقط، المشهور بالتوربيني تآمرت الظروف لتصنع منه سفاحاً. 

بحسب التقارير المنشورة عنه، فقد اضطر رمضان للعمل وعمره 12 سنة فقط لمساعدة أسرته، عمل في كافيتريا السكة الحديد في طنطا لدى رجل ظالم اسمه "عبده التوربيني" والذي رفض إعطاءه أجره بعد أشهر من العمل. وعندما ألح رمضان عليه، صحبه الرجل في جولة على سطح قطار وهناك قام باغتصابه وألقاه من فوق القطار.

رمضان لم يمت، ولكن أصيب بعاهة مستديمة في عينه جعلته أحول مع إصابات متفرقة في جسمه جعلته يعالج في المستشفى لمدة شهر، خرج بعدها مصابا بالحزن والاكتئاب والانطواء، قبل أن يقرر أن ينتقم، لم ينتقم من المعلم عبده التوربيني، بل قرر أن يكون توربيني جديد.

إعلان

بدأ رمضان في تكوين عصابته وتكرار ما حدث له من جديد مع أطفال لا يزيد عمرهم عن 12 سنة فقط، واختار قطار التوربيني تحديداً ليكون مسرحا لجرائمه. والتوربيني هو اسم لقطار فرنسي دخل الخدمة في مصر سنة 1982 وكان مشهورا بسرعته وشكله المميز وطلائه بألوان علم مصر، وبالنسبة للتوربيني السفاح كان يتميز أيضا بوجود مكان منخفض عند عربة التكييف كان يحب ممارسة جرائمه فيه.

في اعترافاته، قال التوربيني أنه كان يقنع الأطفال بأنه سيأخذهم معه لنزهة فوق القطار. التسطيح ظاهرة قديمة في مصر يقوم بها من يريد السفر ولا يريد دفع ثمن التذكرة، حيث يصعد المسافرون لسطح القطار أثناء تحركه ببطء بعد خروجه من المحطة.

كان التوربيني يصطحب الطفل لسطح القطار، وأثناء اهتزاز القطار يبدأ في تهديده واغتصابه وتعذيبه، قبل أن يلقيه من فوق القطار. أثناء التحقيقات تذكر التوربيني قصص 32 طفلاً ممن القاهم من فوق القطار، وتم ايجاد جثثهم بالفعل، بعضهم كان في سراديب سكك الحديد، وبعضهم كان تم دفنهم بالفعل باعتبارهم جثث مجهولة وقامت النيابة باستخراج جثثهم وإعادة تشريحها من جديد.

فرج سمير وشهرته حناطة وهو أحد مساعدي التوربيني قال في اعترافاته أمام النيابة: "رمضان كان يقنع العيال الصغيرة أنه يخرجهم ويفسحهم في إسكندرية، ولما كنا بنطلع فوق القطارات ونتحرك يبدأ في هتك عرضهم وبعدين يحدفهم على السكة والقطار متحرك، وأنا فاكر أن رمضان تبول في فم واحد من الضحية قبل لحظات من مقتله في القليوبية."

سامي عبدالراضي، رئيس قسم الحوادث بجريدة الوطن كان وقتها صحفيها في جريدة المصري اليوم، وبمجرد القبض عن التوربيني ذهب لمنزل أسرته محاولات لقاء والدته والتي رفضت الاتهامات الموجهة لابنها ووصفته بالشخص الانطوائي الذي لا يمكن أن يقوم بكل هذه الجرائم.

إعلان

ويتذكر لسامي: "قالت لي والدته "ابني منطو وطيب ومستحيل يعمل كده." ولكن الاعتراف سيد الأدلة، رمضان اعترف بكل شيء. بعد إعدامه خرجت أمه من جديد لتقول إن ابنها كان مصابًا بتخلف عقلي مما دفعه للاعتراف بجرائم لم يرتكبها، قلب الأم لم يحتمل أن يكون ابنها بكل هذه البشاعة." ويضيف: "منصور عبد الرحيم منصور، شقيق التوربيني، أكد كذلك إن أخيه هادئ الطباع لم يؤذي أحداً أبداً. بالعكس كان شخصية محبوبة في المنطقة نظرا لهدوئه الشديد وتلقيه العطف منهم بسبب إعاقته الذهنية."

لم يكن كل ضحايا التوربيني من الأطفال الذكور، فالتوربيني أعجب بفتاة صغيرة كانت تبيع الصحف في القطارات، عزة بربش، وأقنعها بالزواج عرفيًا ثم أجبرها على العمل في الدعارة واستقطاب فتيات أخريات للعمل معها. التوربيني كان يبدأ تعارفه مع الفتاة الجديدة باغتصابها، واعترف أنه قام بقتل ثلاثة فتيات بعد اغتصابهم، واحدة في محافظة البحيرة وواحدة في القاهرة قتلها بالقرب من موقف عبود وهو واحد من أكثر الأماكن ازدحامًا في القاهرة، أما الثالثة فقتلها في محافظة بني سويف.

تم إعدام التوربيني وحناطة شنقًا يوم 16 ديسمبر 2010، بينما قضت المحكمة بأحكام سجن متنوعة على باقي العصابة منها السجن 15 سنة للسويسي وبقو، كما أحالت بعض اعضاء العصابة لمحكمة الأحداث وذلك لعدم وصولهم السن القانوني.

محامي الدفاع عن التوربيني اعتبر أن الاعترافات التي أدلى بها التوربيني جاءت تحت التعذيب والإكراه من قبل رجال المباحث. وأكد الدفاع على أن التوربيني وحناطة وغيرهم هم ضحايا الدولة التي "تخلت عن دورها في حماية أطفال الشوراع."

إعلان

 وحتى بعد تنفيذ الحكم خرجت جرائد مثل الوفد وصوت الأمة، بتحقيقات وتصريحات على لسان والدة التوربيني ومحامين بعض الأطفال الضحايا تفيد بأن رمضان لم يرتكب كل الجرائم التي اعترف بها، بسبب إصابته بـ"مرض عقلي."

20058122511533656570.jpg
18777274901533656320.jpg

من سفاح لبطل قومي
بعد انتشار قصة التوربيني، نشرت جريدة الأهرام في مصر تقريراً يتحدث عن تسمية بعض المطاعم والسندويشات باسم "التوربيني" كما أن أصحاب محلات البقالة في مسقط رأسه بطنطا قاموا بتسمية مشاريعهم بالتوربيني. كما أعطى تجار الأغنام اسم "التوربيني" إلى لحم الضأن الكبير غالي السعر، بالإضافة إلى أنه قام بعض السائقين بتسمية تكاتكهم بـ"التوربيني."

الصحفي بالأهرام وليد فاروق محمد يرجع هذا للثقافة الشعبية التي "ترفض وجود مجرم سفاح في مجتمعها فتحاول مع الوقت تحوير قصته ليتحول لبطل شعبي تم تلفيق القضايا له." ويضيف: "حدث هذا سابقاً مع أدهم الشرقاوي المجرم القاتل والذي تحورت قصته فيما بعد ليصبح بطل شعبي يسرق من الأغنياء ليساعد الغلابة وتحول لمقاوم ضد الإنجليز، حتى غنى له عبد الحليم حافظ أشهر المطربين في تاريخ مصر."

بالنظر إلى قضية التوربيني، فالطفل رمضان كان ضحية اغتصاب ومحاولة قتل مما لا شك ترك أثره العميق والمؤلم وحوله من طفل يبحث عن عَمل لسفاح يرغب بالانتقام. قد يكون التوربيني مريضاً عقلياً قبل حادثة الاغتصاب، وربما هذا ما شجع التوربيني، المجرم الأصلي باغتصابه. أو أنه أصيب باضطراب ما بعد الصدمة بعد اغتصابه، وكانت أفعاله ردة فعل على ما تعرض له. وفي حين يتفق كثيرون على أن إعدامه كان تحقيقاً للعدالة، وخاصة أنه اعترف بجرائمه (تحت التعذيب بحسب الدفاع) ولكن من منظور آخر، كان يستحق أن يتم التعامل معه كمريض نفسي، وطفل شوارع تعرض للظلم والتعذيب ومحاكمته على هذا الأساس.