صحة نفسية

انفجار بيروت واضطراب ما بعد الصدمة: سألنا أخصائية نفسية عن كيفية التعامل مع الفقد والخسارة

يجب ألا نخجل من طلب المساعدة
julia-joppien-XFUqd0u5U7w-unsplash

تسبب انفجار بيروت بموت ودمار وخسارات كبيرة.  توفي 150 شخص وأصيب ما يقارب من 5،000 آلاف جريح وآخرين ما زالوا تحت الأنقاض، بالإضافة إلى خسارة أكثر من 300 ألف مواطن لمنازلهم وأعمالهم. كل الأشخاص الذين شهدوا الانفجار أو فقدوا منازلهم أو أحبائهم معرضون للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة. قابلنا اللبنانية فاتن خليفة أخصائية الصحة النفسية العيادية وعضو الرابطة النفسية الأمريكية الحاصلة على ماجستير علم النفس التطبيقي من جامعة ليفربول البريطانية، في لقاء فيديو عبر تطبيق زووم لنتحدث معها عن الاضطرابات النفسية المحتملة لمن شهدوا الانفجار وفرص العلاج النفسي في ظل وضع اقتصادي منهار.

إعلان

VICE عربية: مرحبًا. ما هي أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة التي تنتج عن دمار مدينتك أمام عينيك.
فاتن خليفة: اضطراب ما بعد الصدمة (Post-traumatic stress disorder) هي حالة نفسية خطرة تؤثر على أي شخص تعرض لحادث صادم وهو عندما يشعر الشخص بأنه في خطر أو حياته مهددة بالخطر، وهذا ما يحصل في الحروب  الاعتداء الجنسي، أو حادث أو انفجار مثلما حدث في بيروت الأيام الماضية. هذا الاضطراب هو حالة تتطلب العلاج وتجعل من تعرض لها يشعر بالتهديد والخطر طوال الوقت، ومن أعراضها الاكتئاب والمشاعر المشوهة أو الشعور بالذنب أو نوبات الغضب أو حدوث كوابيس متكررة عن الحدث أو فقدان جزئي للذاكرة. قد يحتاج الأمر إلى دعم نفسي من الأهل والأصدقاء أو لعلاج سلوكي معرفي أو ربما أدوية في الحالات الشديدة.

هل هناك اضطرابات نفسية أخرى من المتوقع أن يعاني منها اللبنانيين بعد هذه الحادثة؟
الوضع اللبناني كان صعبًا للغاية قبل الانفجار، إذ يعاني معظم اللبنانيين من ضغوط نفسية بالفعل بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي الحرجين للغاية بالإضافة إلى ما سببه فيروس كورونا من ضغط يفوق الضغط. مع حدوث هذا الانفجار، نتوقع أن تزيد الضغوطات والاضطرابات النفسية، مثل ارتفاع حالات الانتحار والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والتوتر والقلق، والأمر ليس مقتصر على من عايشوا الانفجار فقط بل من لم يشهدوه أيضًا، إذ سيساور الكثير منهم شعور بالذنب وإحساس بالعجز.

ما هو تأثير الصدمة على الشباب والصغار بالعمر؟
يختلف تأثير الصدمة على الكبار والصغار الذين عايشوا الحرب الأهلية اللبنانية أو حرب إسرائيل عام 2006 مقارنة بأقرانهم ممن لم يعايشوها، وبالتأكيد هنالك فرق في تأثير الصدمة بين الصغار والكبار بشكل عام. الأطفال أكثر عرضة لاضطراب ما بعد الصدمة؛ وإن لم يتم علاج المشكلة من الصغر فقد تستمر مع الطفل مدى الحياة، ومن مظاهر هذا الاضطراب التي يجب الانتباه لها وأخذها على محمل الجد مع الأطفال هي التبول اللا إرادي وألم البطن والخوف من الظلام والبكاء بدون سبب.

إعلان

علينا أن نوضح للمتعرضين للصدمة أن كل ما يمروا به طبيعي ومتوقع. الأعراض التي قد يشعر بها هؤلاء الأشخاص" أوجاع جسدية، رجفة، فقدان شهية، مشاكل بالجهاز الهضمي مثل الإسهال، صعوبة في النوم، أوجاع في الجسد بشكل عام، وإحساس بالإرهاق. هذا كله طبيعي جدًا، ولكن إذا استمرت هذه الآلام أكثر من أسبوعين عليهم استشارة طبيب. هناك أيضًا مجموعة من المشاعر التي قد تلازم من تعرضوا للصدمة، مثل الخوف أو الجمود أو الانفعال بشكل سريع، الشعور بالذنب، والخجل، والعجز، والتلبد العاطفي، وفي نقطة الجمود العاطفي وعدم الإحساس بشيء إطلاقًا، إذا استمر الأمر لفترة طويلة، من الضروري مراجعة طبيب.

كيف نساعد الأطفال الذين تعرضوا للصدمة بتجاوز الأزمة؟
-طبعاً الأهم هو تلبية الحاجات الأساسية للأطفال من طعام وشراب واحتياجات أخرى.

-من المهم إشعار الطفل بالأمان من خلال احتضانه وطمأنته.

-منح الطفل فرصة للتعبير عن نفسه والتحدث عما يشعر به، من مشاعر خوف أو ضياع.

-نشرح للطفل أن ما يشعر به طبيعي، وسيمر مع الوقت. يمكن الحديث معه عن تفاصيل وحقائق عن الانفجار حسب ما يناسب عمره، لأن القول بأن كل شيء على ما يرام أمر غير صحيح في هذه الحالة، لأن الطفل يعلم تمامًا أن الوضع ليس جيداً.

-يجب ملازمة الطفل طوال الوقت وعدم تركه قدر الإمكان. ومن المفيد جدًا إتباع الروتين اليومي لحياته فترة ما قبل الانفجار فهذا سيساعده كثيرًا على أن يعود لحالته الطبيعية، ولكن الاعتقاد بأن الأمر من الممكن أن يمر بمرور الوقت هذا خطأ فادح قد يؤدي لنتائج وخيمة.

-من الجيد أن ينغمس في أنشطة مفيدة مثل الرسم أو اللعب أو التمثيل. مشاركة عدة أطفال معًا، بجانب وجود إشراف من الكبار، سيكون أمر إيجابي لتحسين حالة الطفل. إن إلتزم الطفل بهذه الأنشطة واستمرت لديه حالة الغضب أو الانطواء أو الانزواء أو زيادة حدة التوتر طوال الوقت، لأسبوعين أو أكثر فلا بد من عرضه على أخصائي أو طبيب نفسي.

إعلان

كيف نواسي الأشخاص الذين شهدوا الانفجار أو فقدوا أحبائهم وممتلكاتهم؟
بدايًة، من المهم أن نؤكد أنه مهما تحدثنا أو شاهدنا صور ما حدث، فلن نشعر أبدًا بما شعر به من عايشوا الموقف. ولكن بصورة عامة من المهم ألا نطلب ممن شهدوا الانفجار أو مواقف مؤلمة الحديث عنها، لأن ذلك يكرر الصدمة ويجعلهم يعيشون الموقف كل مرة أخرى. وكذلك الأمر مع وسائل التواصل الاجتماعي من الضروري الابتعاد على الأخبار والصور، فهي صور متكررة وفواجع مختلفة لحادث واحد، وهذا يصعب من امكانية تجاوز الحادثة. هناك بعض النقاط الأخرى:

-علينا أن نستمع لمن لديه الرغبة في الحديث، ونترك الحرية لمن لا يريد التحدث.

-يجب أن نترك للشخص فرصة التعبير عن شعوره بحرية، أيًا كان ما يشعر به سواء كان غضب أو شعور بالقهر أو غيرها من المشاعر.

-من الجيد سؤال الشخص بشكل مباشر إذا كان بحاجة لشيء معين، وليس افتراض ذلك. الإخلاص في السؤال أمر مهم. علينا كذلك أن نتحلى بالتفهم، ونختصر الكلام الذي نريد قوله.

-لا تقلل من حجم الحدث أو كيفية تأثرهم به عند المواساة، هذا له تأثيرات سلبية على المتعرض للصدمة، لهذا نتركه ليشعر بما يشعر ولا نستنكر عليه ذلك، فهذا من حقه وواجب علينا الاستماع له.

-عدم اللجوء للكحول أو المخدرات أو المهدئات، فهذا قد يؤدي إلى اضطرابات أخرى قد تُصعب من تأثير التدخل الدوائي فيما بعد.

-بعض الأشخاص يشعرون بالراحة أكثر للحديث مع طبيب أو جهة معنية وليس أفراد من العائلة أو أصدقاء، ولهذا عليك أن تترك له الحرية أو تنصحه بالاتصال على الخط الساخن للانتحار أو التواصل مع وزارة الصحة العامة أو البرنامج الوطني للصحة النفسية في لبنان.

-يجب ألا نخجل من طلب المساعدة من بعضنا البعض، فكلنا أخوة ودم واحد في النهاية.

من لديه القدرة المادية لحضور جلسات نفسية فإنه واجب عليه وليس رفاهية، أما من ليس لديهم القدرة، فأشير عليهم بالتواصل مع المبادرات التطوعية للدعم النفسي، مثل "نحن حدك" حيث يقوم خريجين من تخصصات في علم النفس واخصائيين نفسيين في تقديم الدعم النفسي للمصابين في المستشفى الميداني بلبنان، بالإضافة إلى التواصل المباشر مع المتصلين  وتقديم الدعم النفسي اللازم لهم. أدعو  من عايشوا الانفجار بالتواصل مع هذه المبادرة وأدعو المقتدرين لدعمهم، سواء بالدعم المادي أو التطوع.

هل ستظل آثار هذه الصدمة لفترة طويلة؟  
تختلف آثار اضطراب ما بعد الصدمة من شخص لآخر، فإن تحدثنا عمن عايشوا الانفجار سيختلف الأمر حسب القرب أو البعد من الانفجار، فهناك من كانوا قريبين للغاية أو من شاهدوا فقد أحبائهم أمامهم وهؤلاء سيكونوا الأكثر تأثرًا بالاضطراب. من شهدوا الأمر من بعيد وحصلت لهم أضرار بسيطة سيختلف الأمر معهم بالتأكيد، كما يعتمد الأمر على حياة الشخص بعد الانفجار، هل وجد دعم نفسي واستعاد حياته مرة أخرى أم أنه قد خسر كل شيء؟ بناءً على ذلك يمكننا أن نحدد مدة المعافاة من شهر لثلاثة أشهر لمن تعرضوا لصدمة بسيطة، أما من تعرضوا لصدمة أشد فالأمر قد يستمر العمر كله خاصًة إن كان لديه استعدادات وراثية للإصابة بالصدمة.

يمكنكم التواصل مع فاتن خليفة عبر موقعها الالكتروني أو وسائل التواصل
انستغرام/ فيسبوك