مقابلة

"حكي نسوي" منصة جديدة في عالم النسوية

تناقش سارة قدورة في برنامجها الجديد قضايا المرأة في قالب مرئي يسهل فهم النظرية والمفاهيم النسوية
حكي نسوي
سارة قدورة. جميع الصور مقدمة منها.

جعل الإيمان بالنسوية العديد من النساء أقوى. لقد منحتنا القوة للوقوف والتعبير عن التغيير في نظام غير عادل ، والكفاح من أجل الحصول على فرص متكافئة للرجال في المنزل والمدرسة ومكان العمل. ما يزال هناك العديد من المفاهيم الخاطئة حول ماهية النسوية. في الفترة الماضية، ظهرت الكثير من المبادرات سواء حركات جديدة أو حتى شبكات ومدونات ومنصات أونلاين تتعلق بالنسوية، إحدى هذه المنصات الجديدة التي برزت حديثًا عبر اليوتيوب هي "حكي نسوي" والتي تقدمها سارة قدورة، 25 عامًا، فلسطينية الجنسية من لاجئي لبنان.

إعلان

VICE عربية: هاي سارة. بداية كيف بدأت علاقتك بعالم النسوية؟
سارة قدورة: تربيت في لبنان كإبنة الجيل الثالث من اللاجئين الفلسطينيين، وأنا أعي أنه هناك انعدام للعدالة في المجتمع الذي أعيش فيه ليس فقط على مستوى الجندر، بل أيضاً على مستوى الحقوق للاجئين. مثلاً، لا يملك اللاجئين الفلسطينيين حقوق مدنية، ولا يشملهم قانون العمل، يدفعون ضرائب عمل دون الاستفادة من الضمان، لا يملكون حق التملك، ولا يمكنهم توريث أبنائهم أي ممتلكات بحال امتلكوها قبل إصدار قانون عدم التملك، وهناك فصل للمخيمات الفلسطينية عن محيطها اجتماعياً وثقافياً. لهذا، أول بدايات تعرّفي على النشاط السياسي كانت من خلال النشاط الطلّابي الفلسطيني في الجامعات ومن بعدها النشاط النسوي.

هل هذا كان الدافع الرئيسي وراء إنشاء "حكي نسوي"؟
من خلال متابعتي، شعرت أن هناك إهتمام كبير بالمحتوى النسوي خاصة التحليلي، ولاحظت أنه من الصعب على القارئ إن كان لا يملك خلفية أكاديمية أن يفهم كل شيء حول هذه الحركة، وهذا ما دفعني إلى صنع فيديوهات بأسلوب بسيط أستطيع من خلاله الوصول إلى جميع الفئات المجتمعية دون استثناء. بصراحة أنا أقوم بتحضير حلقات "حكي نسوي" من بحث وكتابة وتحرير دون مساعدة أحد، لكن في حال لاقت فكرتي نجاحًا جيدًا فيمكن حينها أن أحتاج مساعدة إضافية. بالنسبة للمحتوى العربي النسوي فأعتقد أنه ثري بعض الشيء مؤخرًا، وذلك واضح من خلال ظهور الكثير من الصفحات والمدونات والمجموعات التي تعمل على نشر المعرفة النسوية بلغتنا البسيطة مثل نحو وعي نسوي، وجيم، ومشروع الألف، وكلّما، واختيار، وويكي جندر، وخطيرة، وغيرهن الكثير. وأنا سعيدة حيال تطور المحتوى باللغة العربية وثرائه أكثر من السابق من خلال استناده إلى تجارب حقيقية نابعة من حياتنا اليومية، مع انتشار قصص عديدة تفضح العنف والظلم.

إعلان
PicsArt_08-30-05.54.55 copy.jpg

ما هي أكثر الصور النمطية الخاطئة عن النسوية؟
عندما تكثر المفاهيم والآراء والنظريات حول أمر ما، فلا بد أن ينتج عن ذلك عددًا لا بأس به من الصور النمطية الخاطئة. وهذا بالفعل ما قد حصل فيما يتعلق بالنسوية. فالأفكار النسوية التي انتشرت بكثرة هي الأفكار الأكثر تقبلاً بالمجتمع، ممكن نسميها أفكار mainstream، بصرف النظر عن المدارس التي تمثلها. فأكثر ما يزعجني مثلاً فكرة التمكين التي تم اختزالها بتقلّد نساء معينات للحكم، حتّى ولو كنّ فاشيات أو كارهات للاجئين مثلًا أو ضد حقوق العمال. فيتم النظر لهن على أنهن حققن المساواة ورفعن إسم المرأة، ولو لم تكن أجنداتهن السياسية نسوية فعلاً. كما يزعجني انتشار الأفكار التي تعتبر أن النسوية هي لفئة محددة من النساء، فلا تكون تقاطعية بمفهومها، وتقصي نساء أخريات فقيرات مثلاً أو عاملات منازل، لأنها تضع سلّما للأولويات حول من تستحق أن تأخذ حقوقها أولاً.

في واحدة من حلقاتك، تتحدثين عن عدة مدارس نسوية. ما الفرق بين النسوية الاشتراكية والليبرالية والراديكالية؟
حسنًا، النسوية الليبرالية هي النسوية التي تركز على أهمية المساواة بين الرجل والمرأة في كافة مجالات الحياة، وأهمية تغيير فكرة المجتمع عن المرأة في سبيل تحررها فتميل إلى التركيز على التمثيل السياسي للنساء، وتؤمن بقدرة المرأة على تغيير مصيرها بيدها. أما النسوية الراديكالية، فترى أن النظام الأبوي متجذر بشكل جوهري في كل تفصيل من تفاصيل حياتنا وتؤمن أن لا حرية للنساء دون هدم الأبوية بالكامل. ثم جاءت النسوية الاشتراكية التي تأخذ الطبقة بعين الاعتبار عند تحليل قمع واضطهاد واستغلال النساء، وترى أن تحرر النساء وحصولهن على العدالة بمثابة جزء أساسي تحررنا من النظام الرأسمالي القائم. أنا شخصيًا فأميل إلى النسوية الاشتراكية لكن أحاول الاستفادة من أفكار التيارات النسوية ككل، فلا أحد منهم عصي عن النقد.

إعلان
PicsArt_09-04-04.16.21.png

هل نحتاج اليوم إلى تعريب النسوية، أم أن النسوية بالمطلق مدرسة جامعة؟
أغلب التيارات الفكرية المهيمنة هي تيارات بدأت في الغرب تقريبًا، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكننا الاستفادة منها وأخذ ما يناسب السياق العربي. هناك فائدة حقيقية بتعريب المفاهيم والأدوات النسوية والاستفادة منها في سياقاتنا، وهنا يمكننا تحقيق نوع من التضامن الأممي الحقيقي. ومع ذلك، النسوية ليست مقتصرة على المنتوج الغربي فقط. فلدينا إنتاج نسوي من المنطقة رائع، ويستحيل نسبه إلى الغرب مثل التراث النسوي الإسلامي النابع من المجتمعات العربية والذي هدفه إعادة تفسير الإرث الإسلامي بطريقة تحرر النساء من الهيمنة الذكورية، كأعمال النسوية المغربية فاطمة المرنيسي التي فككت الكثير من الأحاديث والآيات التي تستهدف النساء، فردتها إلى سياقها التاريخي لكي نستطيع التعامل معها على حجمها بدلاً من الإستعانة بها لقمع النساء اليوم. علينا أن فسح المجال إلى نشر ذلك التراث أكثر وتقبل الإصلاح الديني.  كما لدينا تاريخ من النضال النسوي القومي، مرتبط مباشرة برغبة الشعوب بالتحرر من الاستعمار، نرى ترسباته اليوم في حركات نسوية مثل "طالعات" من فلسطين، والتي تربط ترسخ الأبوية بالإحتلال الذي يريد لشعوبنا أن تبقى "متخلفة" مقارنةً به. لذا لا يمكننا اعتبار أن النسوية هي شيء غربي أبيض بل هناك إرث نسوي عربي كذلك نتعلم منه ونفخر به.

هناك دعوات للمرأة بأن تبلغ عن اعتداءات أو أن تحرر نفسها من المجتمع الذكوري الظالم. كيف يمكن أن نطالب بالحرية للمرأة من هويات جندرية مختلفة ونشجعها على اختيار حياتها في حين أن المجتمع والقوانين ضدها؟ كيف نتعامل مع هذه المعضلة؟
في حال جمعنا ما بين الوسائط السياسية والطائفية، سنرى أن كليهما يلعبا دورًا بحماية مرتكبي الجرائم ضد النساء، وذلك بسبب وجود عقد بين أغلب الحكومات والهيئات الملكية التي نعيش تحت وطأتها، بالإضافة إلى الطوائف أو القبائل التي تشكل جزءًا مهمًا من المجتمع، فهذا العقد هو الذي يمنح الشرعية لكل من في الحكم على حساب حياة النساء. لذلك لدينا قوانين تسهل وتخفف العقوبات عن القاتلين، وللأسف القضاء غير مستقل، ونجده متأثرًا بشكل كبير بالأعراف والتقاليد الذكورية مما يصعب تعاطفه مع ضحايا القتل.

تواطؤ هذه المنظومة ككل بوجه المرأة يصعب علينا تشجيع النساء على تحدي الواقع إذا كان ذلك فيه أي تهديد ولو بسيط لسلامتها وأمنها وطريقة عيشها. لا يمكن لأي من النسويات أن تتمكن من حمايتها كونها تعيش ظروفًا خاصًة تمنع استقلاليتها وحمايتها. فالحل ليس بالتوجه إلى النساء فقط، بل يكمن أيضًا بالعمل على التغيير المجتمعي والقانوني في آن معًا إن كان عبر جلسات رفع الوعي النسوي أو الضغط على الحكومات بالتغيير عبر إضرابات رمزية أو مظاهرات شعبية.

ما رأيك بالعمل الجنسي من منطلق نسوي؟ ما بين تسليع المرأة والحرية الشخصية؟
أرى أن العمل الجنسي هو جزء من مشكلة كبيرة تتعلق بالعمل بشكل عام، فالمجال المهني مثله مثل أي مجال تحت تأثير المجتمع والتقاليد، يميز جنسيًا بين الرجل والمرأة فيستغل النساء لإدرار الأرباح. مشكلتي مع العمل الجنسي ليس مع الجنس بحد ذاته، بل عن شروط العمل فنحن جميعنا مضطرين للعمل، مما يجعل العديد منا مضطر للعمل في ظروف سيئة كالخدمة في المنازل أو التنظيف أو غيره. حتى وإن كان عملًا جنسيًا فأغلب الأعمال ذات شروط وظروف سيئة واستغلالية بشكل صارخ. وأشدد على عدم التجريم بحقهن لأن التجريم سيجعل ظروفهن أسوأ بكثير، وعرضة للعنف والاستغلالية أكثر، كما أنني مع تأمين الحماية القانونية والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الحقوق الأساسية لهن، وفتح المجال لمن تريد ترك هذا العمل بإيجاد عمل آخر مناسب لظروفها كما ولها الحرية في الاستمرار بهذا المجال إن شاءت.