جدل

مقابلة مع الكاتب محمد حبش عن كتابه "النبي الديمقراطي"

وصف النبي بالديمقراطي ليس انتقاصاً من مكانته وعصمته في النبوة، بل هو وصف تكريم
abu dhabi

يفتي بعض الدعاة الإسلاميين أن الديمقراطية لا تتوافق مع الإسلام لأنها تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وأن تصبح قوانين الأغلبية ملزمة للجميع، في حين أن الإسلام بنظرهم جاء ليُثبت أحكام الله العالم بمصالح الناس. وإلى الآن ما يزال الجدل قائماً لنفيّ أو تأكيد هذا الرابط، خاصة بعد ظهور التنظيمات الإسلامية المُتطرفة مؤخراً مثل داعش التي كشف عنفها عن التباعد الصارخ بين الإسلام والديمقراطية.

الدكتور محمد حبش، الداعية الإسلامي السوري البالغ 58 عاماً، الحاصل على دكتوراه في علوم القرآن من جامعة الخرطوم، ويقوم بتدريس الفقه الإسلامي في جامعة أبوظبي، أراد تقديم فكرة مغايرة عن الإسلام. في كتابه "النبي الديمقراطي دراسات في الملامح الديمقراطية في كفاح الرسول" الصادر بنسخته الحديثة عن دار سائر المشرق اللبنانية، وقد تُرجم إلى الإنجليزية أيضاً، يحاول الدكتور حبش إثبات أمرين، أن النبي محمد أوجد مجتمعاً حراً ينبذ الجاهلية، وأنه راح يستفتي الناس ويطرح الشريعة للحوار. لفتني ما تعرض له الكتاب من انتقادات لمجرد وصف النبي محمد "بالديمقراطي" وأردت من خلال الحديث مع الدكتور حبش أن أطلع على رؤيته في ربط الإسلام بالديمقراطية، ونقد الخطاب التقليدي، وتفكيك الموروث الديني.

إعلان
1580202388781-

VICE عربية: كثيرٌ من المسلمين اعترضوا على الكتاب وخاصة العنوان، والذين اعتبروه انتقاصاً من مقام الرسول.
الدكتور محمد حبش: وصف النبي بالديمقراطي ليس انتقاصاً من مكانته وعصمته في النبوة، بل هو وصف تكريم، وينطبق على حقيقة الأسلوب الذي كان رسول الله يُدير فيه الدولة، ويُشرّع الأحكام. فالديمقراطية أسلوب في إدارة الدولة، وهي كلمة مُحايدة لا تحمل حمولة إيديولوجية معينة. أعتقد أن الإسلام جاء ليوقظ رسالة العقل. أنا أفهم هذا الدين أنه ليس أوامراً من الغيب نزلت من السماء، وحوّلت الإنسان إلى محض أداة، شأنه أن يسمع ويطيع، وأن يتوقف عن التفكير، أنا أرفض هذا تماماً. صحيح أن هناك خطابٌ جاء به الرسول الكريم في شأن العبادات "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ." ولكن عندما يتعلق الأمر بالمُعاملات، فسبيل تحقيق الإدارة الناضجة فيه هو الديمقراطية وعرض القانون على المجالس المُتخصصة. والنبي الديمقراطي مارس ذلك بكُلّ وضوح، كان يقف على منبره، ويقول للناس: آمركم بالشيء، ثم يبدو له أن ما أمرهم به لم يكن حكيماً، فيصعد المنبر نفسه ويقول: كنت قد أمرتكم والآن أنهاكم، أو كنتُ قد نهيتكم والآن آمركم.

قُلت إنك ضمنت الكتاب الصور المشرقة من الإسلام، ألا تتيح هذا الانتقائية للمسلمين خيار التشكيك بدينهم وربما الابتعاد عنه لكثرة الروايات والتفاسير فيه؟
الانتقائية مقتل البحث العلمي، وعادة يُهاجَم أي بحث علمي يمارس الانتقائية، ولكن يجب أن نعترف أننا أمام تراث واسع ومتنافر، جُمع خلال قرون. نحن كلنا انتقائيون، فالسلفي ينتقي ما يُناسب توجهه، وكذلك الصوفي والسُني والشيعي، وأنا لا أستطيع أن أكذب على قُرائي وعلى نفسي، وأقول: إن هذا التُراث يُنتِج موقفاً فكرياً وفقهياً محسوماً ومُحدداً، بل يجب أن نعترف أن التراث بما فيه من تفاسير القرآن والسُنن المنسوبة إلى النبي محمد هو ركامٌ كبير. الطريقة السلفية في التعاطي معه بأن نقبل رواية رجال مُحددين، ونَرُد رواية رجال آخرين، ليست أسلوب علمي. الأفضل أن نبحث عما هو مُنسجم في التراث والتاريخ الإسلامي. الانتقائية قد تؤدي إلى التشكيك لدى أولئك الذين يجعلون الدين هو النص، لكن الدين ليس نصاً، بل هو إسهامات كبيرة جداً لكل العقول المتجددة التي عاشت في كنف الحضارة الإسلامية، وقدمت العلم والفقه. وأنا لست خائفاً على الإسلام كحضارة وعلم، لكن هنالك قلق على الإسلام كتيار سلفي يتمحور حول النص.

ذكرتَ أن الرسول الكريم أعلن مبدأ حرية الرأي بقوله "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ." لكن هنالك حديث عنه يقول: "لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ." كيف يمكن تفسير هذا التناقض؟
"لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" أصلٌ في هذه الشريعة، وهي آية قُرآنية حاسمة وضعها الله تعالى مع آية الكُرسي ليضيف إليها منزلتها. وأما حديث "لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ" فلا يَثْبُتُ عقلاً، لأن النبي هو الذي كتب لهم (لليهود والنصارى) العقود والعهود. ثم إن الوصية بإخراجهم من جزيرة العرب عمل لا يقوم به الأنبياء، وتتناقض تناقضاً كُلياً مع ما ورد في القرآن من الثناء والإعجاب بالنصارى "ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ." وأنا أرفض الروايات التي تتحدث عن إخراجهم مع اليهود من الجزيرة، فهم يحكمهم نص قرآني واضح "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ." إذن إننا مأمورون أن نَبَرّهُم ونُقسِطَهم، وهذا لا يتحقق بإخراجهم من بيوتهم وأوطانهم، وحاشى أن نقبل نسبة ذلك إلى نبي عاهد اليهود والنصارى، ووقّع لهم صكوك الأمان.

هل قولك إن الإسلام اتبع النهج الديمقراطي منذ بداية الدعوة فيه تلميح للأنظمة العربية القمعية بالعودة إلى حلول الماضي؟
في الحقيقة الدخول في ممارسات الأنظمة القمعية العربية ربما يُخرِج الأمر عن سياقه، لكن بكل تأكيد أننا نطرح الديمقراطية بديلاً عن كل أشكال الحُكم القائمة في البلاد العربية والإسلامية، ونتمنى أن يجدوا في سيرة الرسول، ما يُقنعهم بالعودة إلى خيار الشعوب واحترام إرادة الناس وقطع العلاقة مع الاستبداد والديكتاتورية.

تأتيك اتهامات أنك تروّج للديمقراطية في الإسلام والحوار بين الأديان إرضاءً للغرب. ما ردك؟
نشاطات إخاء الأديان هي جهود كريمة بدأها رسول الله عندما كرر 14 مرة أنه جاء مُصدقاً لما بين يديه، فهو لم يأتِ ليُلغي النبوات والأديان، ولا ليحتقرها وينسُفها، وهذا دليل على أن الإسلام رسالة إكمال وليست رسالة قطع. هو رسالة نستكمل بها نور الأنبياء، ونبني بها مستقبلنا على أساس من الأخوة والتراحم. إن فكرة إخاء الأنبياء صعبة جداً، لأن الفكر السائد لدى أتباع الأنبياء أن كُل نبيّ جاء ليُلغي النبوات ويؤسس خلاصاً وحيداً للعالم، وفكرة احتكار الخلاص موجودة في كل الأديان. عقيدة تكفير الأديان والبشرية ضارة، وهي سبب أساسي في القطع بين الإسلام والعالم، والفصل بين المُسلمين والدنيا. هذا الدين قائم على نصوص واضحة وصريحة، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، فإذا كان تعريف الإسلام بهذه الصورة، سيؤدي إلى وقف نشاط الدعوة، فمعنى ذلك أننا لا نفهم شيئاً من هذا الدين، ومن يظن أن رفع السيف سيُدخل الناس في دين الله أفواجاً، فهي مجرد أوهام.

كتبتَ مرة أن "المُسلمين أمةٌ ممزقةٌ، ولم تعد دعوتهم تُقنع أحداً." ألهذه الدرجة لم يعد ممكناً إصلاح حال الأمة الإسلامية؟
الأمة الإسلامية بكل تأكيد هي أمة ممزقة، وهو أمر لا نزاع فيه، لكن هذا لا يعني أنها نهاية التاريخ، وأنها أمة ميتة، فهنالك روابط لا تزال حيّة فيها، منها القرآن والقِبلَة والنبي واللغة العربية والمصالح المشتركة والتاريخ والقدس، وهي تمتلك القدرات التي تجعلها تعود إلى الحياة من جديد وتتفوق. وتشير الدراسات العلمية والموضوعية أن الأمة الإسلامية ماضية لتكون الدين الأكبر في العالم وذلك في عام 2061 حسب موقع بيو. لكن على أية حال لا نقصد العدد هنا، بل أن هذه الأمة حقيقة ومُستمرة، لذلك يترتب علينا مسؤولية أخلاقية ومجتمعية في إصلاح توجهها.